"سلطانات الشاشة" كتاب لمنى غندور ستّ نساء مغامرات "مجنونات" صنعن حقبة الريادة في السينما المصرية سيلفانا الخوري |
"سلطانات الشاشة"(ں)، [رائدات السينما المصرية] كتاب تؤرخ فيه منى غندور لمرحلة مهمة من تاريخ السينما المصرية. في أوائل القرن الفائت، في شارع عماد الدين قلب القاهرة النابض فناً وصخباً وجنوناً في كوسموبوليتية لم تعرفها إلا مدينة الاسكندرية، عاشت ست نساء وابدعن وصنعن تلك الفترة النهضوية وصنعتهن. في عصر كان يعتبر تمثيل المرأة خطيئة وعاراً تجرأن على الحلم، تمردن واعطين الفن من ذواتهن في محاكاة للخلود قل نظيرها. عزيزة أمير، آسيا داغر، بهيجة حافظ، فاطمة رشدي، ماري كويني، امينة محمد، اسماء تخرجها غندور من مجاهل النسيان وتعيد احياءها في حب وشغف، راسمة ملامحها في اسلوب ينبض بحيوية الباحث عن وجوه كنوز غطاها غبار الجحود والاهمال. حياتهن منذ الطفولة الى الشيخوخة وجنون إبداع وريادة. نساء أحببن صورتهن وكن كالفراشات يقبلن على الضوء موقنات ان مصيرهن سيكون الاحتراق. عزيزة أمير (1901 – 1952) تلك اليتيمة الأب التي انتقلت عائلتها من الاسكندرية الى القاهرة حيث انتشلها رجل الاعمال وتاجر القطن المشهور في ذلك الوقت اليهودي ايلي الدرعي من الفقر. حبها للتمثيل جعلها تهرب منه الى يوسف وهبي مؤسس فرقة "رمسيس" للمسرح الذي بدل لها اسمها من مفيدة الى عزيزة. ومن المسرح الى السينما، اعمال قيمتها الاساسية انها من صنع رائدة مهدت الطريق للآتين بعدها ممن اكتشفتهم وقدمتهم الى السينما امثال محمود ذو الفقار وفطين عبد الوهاب وسعاد محمد ونجاة الصغيرة ومحمد سلمان. أول افلامها "ليلى" الذي عرف ولادة عسيرة و"بنت النيل" وغيرها الكثير من الافلام التي تنوع عملها فيها بين التمثيل والانتاج. آسيا داغر (1908 – 1986) اللبنانية ابنة تنورين التي تركت زوجها وابنتها وسافرت الى مصر، الى المجهول والمغامرة. أسست شركة انتاج مع ابنة اختها ماري كويني والمخرج احمد جلال قبل أن يجمع الزواج احمد وماري ويفترقا عن آسيا ليرسما طريقهما الخاص. كانت "تاجرة" شاطرة تعرف كيف تحتال على الزمن وصعوباته. لم تكن تجيد القراءة او الكتابة لكنها نجحت في الوصول الى القمة بفضل شجاعتها وصلابتها. ورغم غزارة انتاجها يبقى أشهر افلامها "رد قلبي" تحيتها الى عبد الناصر والثورة، ومن بعده كان الفيلم الذي انتجته هي واخرجه يوسف شاهين "الناصر صلاح الدين". بهيجة حافظ (1908 – 1983) الفتاة الاريستوقراطية التي كبرت في الاسكندرية في جو مثقف وراق. التأليف الموسيقي كان ولعها الأول ومنه ستنتقل الى عالم السينما حاملة معها موهبتها الموسيقية لتوظفها في خدمة افلامها. كانت اولى بنات العائلات المتجهات الى التمثيل، متحدية مجتمعاً بتقاليده ومحرماته. لكن المجد كله سيزول وسيؤدي عشقها للسينما الى افلاسها، وصالونها الثقافي الذي كان يشع بنجوم الادب والفن والموسيقى والرياضة والسياسة ستنطفئ انواره لتمضي ايامها الاخيرة فقيرة بعدما فقدت كل شيء، وحيدة لا تعثر على احد يستجيب لنداءات استغاثتها. اشهر افلامها "ليلى بنت الصحراء". فاطمة رشدي (1908 – 1996) يتيمة الأب عملت مع شقيقاتها في مجال الغناء حتى تعرفت الى عزيز عيد في مسرح رمسيس. اهتم بها وعلمها كل شيء واحبها وتزوجها. وبعدما تركت روز اليوسف مسرح رمسيس صارت فاطمة رشدي نجمته الاولى لثلاث سنين. عرفت المجدولم تكن بلغت الثامنة عشرة. انفصلت بعد ذلك عن فرقة رمسيس مع عزيز عيد لتؤسس فرقتها الخاصة التي ستنافس فرقة رمسيس، والمنافسة ستخلق حركة مسرحية فريدة خاصة بعد لقاء فاطمة بإيلي الدرعي الذي سيكون له الأثر البالغ على حياتها المهنية والشخصية اذ سيكون الممول الاساسي لفرقتها وسبب انفصالها عن عزيز عيد. أشهر افلامها "مصرع كليوباترا" من أول رواية نثرية للشاعر احمد شوقي كتبها خصيصاً لفاطمة رشدي لاعجابه الشديد بها. رحلت تاركة لتاريخ المسرح المصري والعربي ما يناهز المئتي مسرحية بين مترجمة ومؤلفة وستة عشر فيلماً للسينما اهمها فيلم "العزيمة". ماري كويني (1916 – 2003) هي ماري بطرس يونس من تنورين. الى جانب خالتها آسيا تعلمت السينما الحديثة الولادة في مصر وعاشت بداياتها وتطور ادواتها. أحبت احمد حلال الصحافي والممثل والمخرج السينمائي. بقيت بعد موته على عهد الوفاء ناقلة كل حبها الى ابنهما نادر المخرج الذي انتجت له العديد من الافلام في مرحلة لاحقة، بعدما انسحبت في قمة مجدها وتفرغت للانتاج الذي ابدعت فيه. امينة محمد (1908 – 1985) خالة امينة رزق. بدأت الفتاتان طريقهما معاً في عالم الفن مع فرقة رمسيس. جمالها الأسمر الخاص الذي لم تعترف به سينما الأمس، لأنه من خارج مقاييس ذلك الزمن، اقفل ادوار البطولة في وجهها وجعلها اسيرة دائرة مقفلة لا تستطيع منها فكاكاً. لكنها ستحرر هذا الجمال وستجعل منه نقطة قوتها ومحور حكايتها اذ قامت باخراج فيلم "تيتا وونج" الذي سيدخلها ذاكرة السينما. وكي تستغل ملامحها الصينية التي ورثتها عن والدها ستجعل من بطلتها فتاة صينية في فيلم تدور احداثه في مصر. أسست شركة انتاج وعملت في مجال الرقص وجالت في اوروبا. أمينة محمد اخترعت سلوك الصعلكة قبل ان يصبح مذهباً حياتياً وادبياً في اوروبا. عاشت كرحالة، حدودها نهاية العالم، لذا كانت تجوبه بحثاً عن حياة مثلى لن تتحقق ابداً. في 496 صفحة من القطع الكبير سير رائدات آتيات من زمن آخر. والى تلك السير يضم الكتاب فيلموغرافيا لكل منهن، فضلاً عن الكثير من الصور والملصقات التي تؤرخ لأفلام تلك الفترة. كتاب يجمع بين البحث والتوثيق وكتابة السيرة من دون ان يسقط في التأريخ الجاف. تكتب غندور اولئك الرائدات كأنها عاصرتهن وذاقت معهن طعم النجاح والفشل. كن يتمردن على الفشل، وبعد كل خسارة يجمعن الفتات لينهضن في مغامرة جديدة حتى "أدمنّ الاحتراق" واستهلكتهن الاضواء. على أيديهن ولدت السينما المصرية وتطورت. من الأفلام الصامتة المنتجة بموازنات بسيطة تحولت السينما الى حرفة واكبن فيها التطور وسرن بها الى جانب السينما العالمية، قبل ان تأتي الحروب المتتالية وتعيدنا قرناً كاملاً الى الوراء. بعدهن، وعلى خطاهن، سارت شادية وفاتن حمامة وأمينة رزق وكثيرات غيرهن. في سبيل حبهن للفن ضحين بكل شيء، حتى بحياتهن الشخصية في مهنة جاحدة نسيتهن ما ان بهت بريق الشباب والجمال. من هذه الروموز، تقول منى غندور: "نتعلم معانقة المستحيل وخطيئة التخريب، ونمارس بفضلها العهر المبدع في موازاة الشرف العاقر، في خيارات قد لا تكون الافضل ولكنها الاصدق". النهار اللبنانية في 29 نوفمبر 2004 |