يعتبر نفسه حالة في المشهد السينمائي الفرنسي برنار جيرودو: التفرد جزء من هويتي بيروت - هوفيك حبشيان |
يعتبر الممثل الفرنسي برنار جيرودو ان مهمته في الحياة هي سرد الحكايات والقيام ببطولتها سواء بالتمثيل او الاخراج او الكتابة، اما الايمان فهو الحافز الاساسي له في الحياة، وفي رصيد جيرودو التمثيلي اكثر من 50 فيلماً، شارك فيها كبار نجوم الفن السابع في فرنسا وخارجها في ادوار مختلفة، وتربع عرش السينما الفرنسية في ثمانينات القرن المنصرم، قبل ان يخوض المغامرة الاخراجية التي أثمرت فيلمين.في زيارة له الى بيروت التقت “الخليج” جيرودو في حديث شامل عن نظرته للفن والسياسة والحياة. · ما الفيلم الذي رفع معنوياتك في السنوات الاخيرة؟ ليس هناك فيلم معين، انما مجمل اعمالي وخياراتي يمنحني الشعور بأنني مهمش، واني حالة في مشهد السينما الفرنسية، ليس حباً بالتميز بل لانني اعتبر ان التفرد جزء من هويتي ويليق بمساري المهني. · مظهرك الخارجي ساعدك في بداياتك على تجسيد ادوار الفتى الأول؟ كان ذلك يزعجني كثيراً. كان مملاً جداً ان ألعب ادواراً لم تكن تثير اهتمامي. في الماضي كانت هناك ادوار تلتصق بجلد الفتى الأول، مثل “فانفان لا توليب”... اليوم ادوار المنحرف والمختل عقلياً والقاتل بالتسلسل أكثر تشويقاً من غيرها. · هل ترغب في التجدد مع كل دور جديد؟ بالتأكيد، لهذا السبب اقول “لا” لمعظم المشاريع التي تعرض عليّ. لا داعي لتكرار نفسي في ادوار لا تهمني. · ألست مهتماً بالتعرف الى سينما العالم الثالث؟ نحن في فرنسا قادرون على مشاهدة افلام من مصادر مختلفة، ومشكلة سينما العالم الثالث اقتصادية، والحل الوحيد هو الرقمية التي تتيح مجالات واسعة، انظر الى النهضة التي شهدتها السينما الايرانية في السنوات الاخيرة. · هل رغبتك في الكتابة والتأليف قديمة العهد؟ بدأت أكتب قبل العمل في السينما، لكن من دون أن ادرك انني أكتب. كان ذلك مباشرة بعد انضمامي الى القوات البحرية في عمر ال ،15 وبقيت فيها الى ان بلغت العشرين. كتبت لأنني كنت وحيداً. والسبب الآخر هو لانني كنت ارفض ان يسحقني عالم الكبار، فكتبت من دون اكتراث لأهمية ما أكتبه. وتابعت الكتابة على هذه الوتيرة لاحقاً، مدوناً ما يخطر على بالي من أفكار. قبل نحو 5 سنوات، توفي صديق لي كان مشلولاً، فأعيدت اليّ الرسائل التي كنت ارسلها اليه... شاءت المصادفة ان أتعرف الى ناشر اقترح علي جمع هذه الرسائل، وأعدنا صوغ بعضها ونشرها في كتاب لاقى استحساناً من النقاد والجمهور. النجاح الثاني حققته مع كتاب “الرجال على الارض”، وحالفني الحظ مرة أخرى. · أتطمح الى تحويل احدى هذه القصص الى فيلم قصير؟ بل أطمح الى تحويلها الى فيلم طويل، ومشروع نقل احدى قصص الفيلم “الهند الصينية” الى الشاشة اصبح واقعاً. وقد تحظى قصص الكتاب كذلك بإمكان تجسيدها على الشاشة، علماً أني لست من يتولى الاخراج والانتاج. · علاقتك بالسفر والرحلات قوية. بدأت أسافر حين كنت صغيراً، من كثرة ما كنت اشعر بالنقص والحاجة للرحلات والاسفار، فكنت “مدمناً” على ذلك، وأحب الاقتراب من ثقافات اخرى والتعرف الى شعوب لا تشبهني. يجتاحني فضول التعرف الى الآخر، وأميل الى ما هو روائي. · ألا تخشى ان يخذلك اكتشافك للواقع؟ يجب دوماً التعلق بتاريخ الشعوب، ومن هنا نظرتك تتبلور وتخضع للتغيرات، وما يثير اهتمامي ليس ما اراه فحسب، وليس هناك سبب ليخيب املنا من بلد لم تبع روحها. حين لا تخرج فيلماً أو لا تمثل في افلام الآخرين، لا تتوقف رغبتك في تأليف القصص. دوماً أروي القصص، أكتب، امنح صوتي للأفلام الوثائقية، أكتب الحكايات للاطفال. · في كتابك تتكلم عن البحارة والمرأة والحب، هل هذه الامور اساسية لتكوينك الثقافي والسينمائي؟ أنا رجل بحر، اذاً انا بحار. من هذا المنطلق اهتم بالبحارة الذين اتخذتهم ذريعة كي أتكلم عن رجال هذا العالم. احكي عن الحب والمرأة لأنهما الامران اللذان يعيش الرجال من اجلهما. لولا النساء للازم البحارة سفنهم. النساء اعطين البحارة الرغبة في أن يدوسوا بأقدامهم الارض. والارض تملك ما يكفي من الجمال كي نتعلق بها، انها قصص رجال، رحلات يكتشف فيها المرء ذاته. · هل حبك للادب هو الذي دفعك لتكتب افلامك؟ منذ الصغر، كنت مهتماً بالكتابة والتعامل مع الكلمات والجمل، وهذا ما فعلته عندما كتبت السيناريوهات. · مثلت وكتبت، لكن كيف تعلمت تقنيات التصوير والاخراج لإنجاز الافلام؟ أنا في ال ،57 أخذت وقتي كي أتعلم، وبدأت العمل في السينما حين كنت في ال ،22 علماً اني انطلقت من المسرح، وعندما تحتضنك السينما وتأخذك الى عالمها الخاص، وبعدما تشترك في أكثر من 30 فيلماً، لا بد ان تتعلم أين تضع كاميرتك. المساعدون السينمائيون يتولون عملية الاخراج من كثرة ما يمضون من وقت على بلاتوهات التصوير، الممثلون يعرفون السينما جيداً، وبالتالي فمن الطبيعي ان يمروا خلف الكاميرا. · من الان ديلون الى جان غابان... عاصرت كبار نجوم الفن السابع، وشاركتهم في بطولة بعض كلاسيكيات السينما الفرنسية. ماذا تغير في عمل الممثل؟ كل شيء تغير. ال”ستار سيستيم” في طريقه الى الزوال في فرنسا، رغم انه لا يزال موجوداً في الولايات المتحدة، مسألة تقديس الممثل لم تعد موجودة في فرنسا التي تعد من البلدان النادرة حيث لم نعد نجد نجوم سينما كما في السابق. لم يعد هناك نجوم قادرون على جذب المشاهدين لمجرد ان اسماءهم في اعلى الملصق. فيلم جديد لدانيال اوتوي او جيرار دوبارديو قد يصدر في الصالات ويتعرض للفشل، ولا احد يكترث للمسألة. · ماذا تتذكر عن اول تجربة تمثيلية لك؟ المتعة. كنت ادخل عالم السينما وعالم “الوحوش المقدسين”. تعلمت الكثير من هؤلاء، وهذا ما اعطاني الثقة بنفسي. · ألا تعتبر نفسك نجماً؟ على الاطلاق. لا يوجد نجوم في فرنسا. لدينا مكاننا فحسب. قد اعتبر نجما نسبياً في المسرح، على عكس السينما التي ينافسني فيها نجوم مثل اوتوي او دوبارديو. لكن في النهاية الامر سيان، لأن المشاهد لا يشاهد هذين الفنانين أكثر مما يشاهدني. · لا تزال فرنسا من البلدان النادرة حيث المعايير التي يستند اليها الجمهور لانتقاء الافلام ليست مقتصرة كلها على اسم الممثل؟ هذا صحيح، لكن لا اعرف اذا كان هذا ايجابياً أو لا، رغم انني اتمنى العودة الى ما تمثله هالة الممثل على الشاشة، ليس حباً بهيبة الممثل التي لا يجوز لمسها، انما ايماناً مني بانه يجب على النجوم ان يجتذبوا المشاهدين باتجاه نوع معين من الافلام، وفي طليعتها افلام المؤلفين واخرى تتسم بالصعوبة والتعقيد. · يعود انتاج فيلمك الاخير الى العام ،1995 ومنذ ذلك لم تقدم أي جديد على الصعيد الاخراجي. لماذا؟ لم انجز افلاماً اخرى اولاً لاني لم اجد موضوعاً يثير اهتمامي، ثم قدمت بعض المسرحيات الجديدة والافلام الوثائقية، وسبب قلة الانتاج يعود الى انني وجدت صعوبات في تمويل مشاريعي، زد ان السينما الفرنسية، في وقت من الاوقات، كانت ترغب في طرح موضوعات مستمدة من الحياة اليومية، وتدور احداثها على الزوج والزوجة والعشيق، هذا ليس عالمياً. أما الآن فاعمل على فيلم ستلتقط مشاهده في تشيلي. · أين طموحاتك اليوم؟ لا تزال هي هي. لهذا السبب سأصور فيلمي القادم في تشيلي إذ يروي قصة حب مجنون في الصحراء اثناء الدكتاتورية في ثلاثينات القرن الماضي، وسيتضمن الفيلم موسيقا الجاز وانغام أمريكا الشمالية. · شاركت ايضاً في عدد لا بأس به من الافلام التجارية التي كانت تعكس حينذاك الواقع الاجتماعي.. أوافقك الرأي، لكن لا نستطيع الاكتفاء بهذا القدر، لي طريقي الخاص، ورحلتي الخاصة التي اسعى الذهاب فيها الى ابعد مكان ممكن، والبحث عن مساحات مجهولة وخوض مغامرات خطرة، وهذا ما استطاع ان يغيرني ويطورني. والسينما ايضاً شهدت تطوراً ملحوظاً، فعصر المتخصصين ولّى، واليوم لم يعد بامكاننا استقطاب 60 أو 70 ألف مشاهد في باريس في اول يوم افتتاح الفيلم. هذا لم يعد موجوداً، ويجب القبول بهذا الوضع. ثم ان عدد كتاب السيناريو المستعدين لكتابة هذا النوع من الافلام ليسوا موجودين، وأفلام كالذي صنعها جوسي جيوفاني ولينو فانتورا وبلمندو وديلون تتكلم عن عصر آخر. هناك في فرنسا اليوم مخرج يدعى اوليفييه مارشال، وفيلمه 36 Quai Des Orfevres الذي قيل عنه الكثير من الامور الحسنة، قد يحرك عجلة الافلام البوليسية التي اشتهرت بها السينما الفرنسية، ويحيي تقليداً في المشهد السينمائي الفرنسي شهد بعض التراجع في السنوات الاخيرة. وهذا ناتج ربما من رغبات الجمهور التي تتغير بين حين وآخر. · الا تجد مكاناً لك في السينما الفرنسية الحالية؟ ليس كثيراً. لا تلومني فأنا اعتبر نفسي رحالة. اجد ان السينما الفرنسية تفتقد الروح والشجاعة والابتكار والمفاجأة. وربما يعود الى تطوير السينما الفرنسية اذا كان لم يعجبني الوضع. · في مسارك المهني من هم المخرجون الذين تمتعت في العمل معهم؟ راوول رويز، وفرنسوا اوزون، وبرنار راب. احببت العمل مع المخرجة الممثلة نيكول غارسيا وكذلك مع باتريس لوكونت وآخرين. الخليج الإماراتية في 28 نوفمبر 2004 |