خطفه الموت من نشوة نجاحه أحمد السماحي |
يوم الجمعة الماضي رحل صديقي الفنان فكري أباظة صاحب القلب الطيب المليء بالصدق والبراءة والحب والخير لكل البشر, غادر الحياة إلي الأبد تاركا بركان حزن يتفجر في أعماق أصدقائه: أحمد ذكي ـ فاروق الفيشاوي ـ هشام سليم ـ عمر عبد العزيز ـ عبد الله فرغلي وغيرهم من أصدقائه الفنانين الذين كنت أقابلهم في مكتبه أثناء كتابة حلقات الدونجوان التي تناولت حياة شقيقه النجم رشدي أباظة ونشرت في مجلة الأهرام العربي منذ أربع سنوات. اختار فكري الفراق فودع عالمنا واستسلمت روحه إلي بارئها, وبنفس البساطة والصدق والتلقائية التي تسلل بها إلي قلوب أصدقائه أغمض عينيه وفارق الحياة إلي الأبد. في آخر مكالمة هاتفية بيننا والتي حدثت قبل رحيله بأيام قليلة اتصلت به لتهنئته علي دوره الجميل في مسلسل محمود المصري, ودعوته لحضور الندوة التي أقمناها في نهاية شهر رمضان عن الدراما التليفزيونية فقال لي ضاحكا:هل أعجبتك حقيقي؟! لو صحيح أعجبتك أكتب عني حاجة ولم أكن أتصور أنه سيفارقنا بهذه السرعة ويهبط من قطار الحياة قبل الوصول إلي المحطة النهائية ودون أن يترك لنا كلمة وداع, وإنني سأكتب عنه لكي أرثيه وليس بغرض الإشادة به. لن أتكلم عن فنه كثيرا لأنني أشعر أنه ظلم فنيا ولم يأخذ حقه ولا مكانته الفنية التي كان يستحقها, وربما كان هو شخصيا سببا من هذه الأسباب لأنه كان موهبة فنية قائمة علي حالة مزاجية فأحيانا تجده مقبلا علي العمل بنشاط وهمة, وأحيانا أخري يرفض العديد من السيناريوهات المعروضة عليه بحجة أن فريق العمل الموجود في هذه الأعمال لا تربطه بهم علاقة صداقة وطيدة, أو بينهم مشاكل أو دمهم ثقيل, كان يحب دائما أن يذهب إلي العمل كأنه ذاهب إلي رحلة أو للتنزه. البداية لم يكن طريق فكري أباظة الفني مليئا بالورود كما يتصور البعض ولكنه عاني كثيرا حيث كان والده يريده أن يصبح مثله ويلتحق بكلية البوليس ويتخرج ضابطا يحمل النجوم علي كتفيه والطبنجة في وسطه, لكنه خيب ظنه والتحق بمعهد الفنون المسرحية, وبعد المشكلة الأولي مع والده والتي اجتازها بهدوء لأن شقيقه سبق وأن سجل التمرد الأول, أصبح فكري يعاني من مشكلة تمرد شقيقه رشدي أباظة, وهذا التمرد ليس له علاقة بمبدأ الموافقة علي العمل أم لا بالعكس كان رشدي الفنان قد تقبل دخول أخيه إلي الوسط الفني بكثير من التشجيع ولكن المشكلة تنحصر في أن هذا التشجيع مع وقف التنفيذ, أي أنه كان من الممكن أن يستخدم نفوذه كبطل ومنتج أحيانا لكي يدفع به إلي الأمام ولكن شاء أن يقف موقفا محايدا وأن يقول لشقيقه بمنتهي الصراحة والوضوح في هذا الوسط لا تنفع الشفاعة يجب أن تشق طريقك فوق الشوك وبإمكاناتك وحدك حتي أنه رفض أن يشاركه بطولة فيلم أريد حلا بعد أن وقع اختيار سعيد مرزوق مخرج الفيلم عليه ليقوم بدور حبيب فاتن حمامة, علي الرغم من أنه ودون قصد كان سببا في احتراف شقيقه للعبة التمثيل حيث كان يصطحبه معه إلي الاستديوهات حيث أحبها, ومن ثم جاءته الفرصة أيضا عن طريق رشدي ـ وليس بواسطته ـ وذلك عندما كان المخرج علي رضا علي موعد مع رشدي واضطر رشدي للسفر وأرسل فكري يعتذر ونظر إليه رضا بعين الخبير وأخذه علي الفور ليجري له اختبارا ثم أسند إليه دور مدحت الشاب اللاهي شقيق نجلاء فهمي في فيلم البنات لازم تتجوز وبعد هذا الفيلم كرت المسبحة فمثل عددا من الأفلام منها وضاع العمر يا ولدي بطولته مع نور الشريف وشهيرة ورشدي أباظة ومعالي زايد وإخراج عاطف سالم, كفاني يا قلب بطولته مع حسن يوسف وشمس البارودي, ليلة لا تنسي بطولته مع ميرفت أمين ويوسف فخر الدين, أين المفر مع سهير رمزي, وغيرها من الأفلام مثل مذبحة الشرفاء ـ دسوقي أفندي في المصيف ـ الطيب والشرس والجميلة ـ جرانيتا ـ يوم السادات وكان آخر أفلامه يوم الكرامة الذي عرض منذ شهر ونصف الشهر فقط. أما بالنسبة للمسلسلات فكان مسلسل الشاطيء المهجور مع حسن يوسف أول أعماله التليفزيونية وبعده توالت الأعمال مثل المجهول ـ الأحلام الوردية ـ الكومي ـ إمام الدعاة وغيرها وكان آخر عملين له عيش أيامك ومحمود المصري. يذكر أن فكري كان زوجا للفنانة المعتزلة حياة قنديل وله ثلاثة أولاد هم محمد وشيماء وشاهنده. المثير أنه رحل عن عمر يناهز الثانية والخمسين وهو نفس العمر تقريبا الذي رحل فيه شقيقه رشدي أباظة. وأخيرا كل الدموع التي سقطت ولاتزال تسقط لفراقك ليس لكونك فنانا جميلا قد رحل وإنما لكونك فنانا وإنسانا نبيلا علي خلق في زمن قل فيه النبل وندرت فيه الأخلاق* الأهرام العربي في 27 نوفمبر 2004 |