خاص بـ"سينماتك"

أربعة أفلام تحريك وأنيماشن جرافيكس وعرائس توالت علي شاشات السينما الأمريكية منذ مطلع شهر نوفمبر الحالي وبعضها يفتتح هذه الأيام علي الشاشات الأوروبية وقريبا علي شاشة الصالة القريبة منك في وسط القاهرة أو في منطقة السالمية في الكويت أو في شارع فردان في بيروت عائلات كثيرة ستأخذ أولادها إلي هذه الأفلام لأجل الترفيه‏,‏ لكنها ستكتشف أن معظم هذه الأفلام لم تكن تفكر في الأطفال حينما كتبت ونفذت أهلا وسهلا بغزو آخر معاقل الترفيه البريء‏.

هناك متعة خاصة في تجاهل العروض المخصصة للنقاد والصحافيين وشراء وتحبيذ التوجه إلي صالات السينما مع الجمهورالعادي الوقوف في الصف شراء التذكرة دخول الصالة بلهفة الصغار عدم وجود من يتعرف إليك أو من تتعرف إليه لكن أساسا‏,‏ وبالنسبة إلي‏,‏ هناك دواعي المعرفة الفيلم ليس فقط النسخة المتحركة المعروضة علي الشاشة إنه أيضا التجربة وعي الجمهور ردة فعله تململه أو اهتمامه تشاهد الفيلم مع الجمهور ثم تقرأ إيرادات الفيلم في الأسبوع التالي وتدرك فعليا لم نجح الفيلم أو فشل‏.‏

في الأسابيع الأخيرة استغنيت عن مشاهدة أربعة أفلام في العروض الخاصة وفضلت مشاهدتها مع الجمهور المشترك بين هذه الأفلام هي أنها أفلام كرتونية وتحريك من كل نوع هذا القاسم المشترك هو السبب الذي من أجله اخترت مشاهدتها في العروض التجارية كنت أريد أن أعرف رد فعل الصغار لا يمكن أن تشاهد فيلما تعتقده لهم والموجودون من حولك من الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب أدمغة كبيرة كيف تستطيع أن تحكم إذا ما وصلت النكتة إلي المشاهد وكيف وصلت؟

الضحكة مازالت القصد الحقيقي وراء كل هذه الأفلام‏,‏ لكن الوصول إليها متفاوت السبل وأحيانا ليس الغاية الوحيدة‏.‏

خذ بولار أكسبرس مثلا‏,‏ فيلم بكلفة تتجاوز المئة والخمسين مليون دولار عن صبي صغير فقد إيمانه ببابا نويل‏(‏ سانتا كلوز فنام ليلته منزعجا في تلك الليلة يتراءي له حلم طويل يجد نفسه فيه يستقل قطارا توقف عند باب منزل والديه خرج إليه وناظر القطار يدعوه للصعود والانضمام إلي مجموعة من الأولاد كلهم متجهين إلي حيث سيأخذهم هذا القطار‏:‏ إلي القطب الشمالي حيث المخلوقات الصغيرة ونقطة انطلاق بابا نويل إنها رحلة في إيمان المرء وكما يقول ناظر المحطة للصبي حين يعود القطار به قبل نهاية الليل إلي منزله‏:‏ ليس المهم وجهة القطار‏,‏ المهم أن تقرر ركوبه‏.‏

رحلة الصبي تأخذه إلي عالم بالغ الغرابة‏,‏ مليء بمحطات المغامرة‏,‏ لكنه في ذات الوقت عالم آمن‏,‏ يسوده التفهم ويسوده الاحترام بين الأولاد كما بينهم وبين ناظر القطار والشخصيات الراشدة الأخري القليلة فيه‏,‏ هناك الكثير مما تتطلع إليه عيون الصغار وأفكارهم في هذا الفيلم إنه يعيد حب الكريسماس إلي الأولاد بعدما خطفتها أفلام حاولت النيل منه ومن رمزه بابا نويل آخر تلك الأفلام قذفته شركة ميراماكس للعرض قبل عام بالتحديد بعنوان باد سانتا مع بيلي بوب ثورنتون في الدور الأول‏:‏ سانتا كلوز لا يترك ما يخدش الحياء الا ويقوم به وعلي مرأي الصغار بولار إكسبرس يأخذ حكاية نشرت في‏29‏ صفحة‏,‏ كما قال لنا توم هانكس في الأسبوع الماضي‏,‏ ويحولها إلي فيلم من نحو ساعة وسبعين دقيقة ليس كل ما يحدث فيه موجود في القصة‏,‏ لكن ما يحدث فيه مثير للنظر الأطفال يتعرفون إلي أنفسهم في ثلاث شخصيات صغيرة أساسية يتابعون مغامراتهم يتلقفون المؤثرات الخاصة والكومبيوتر جرافيكس من دون تحليل وبقدر كبير من التركيز لكن لا ضحكات‏.‏

إن بولار إكسبرس بجدية طرحه لموضوعه هو فيلم للولد الذي يريد أن يفكر إذ جلست وراء صف من أولاد المدرسة وصلوا بصحبة مدرستهم لحضور حفلة العرض‏,‏ لاحظت أن أحدا منهم لم يضحك لكن أحدا منهم لم يتململ في الحقيقة كان الصمت دلالة علي متابعتهم الموضوع أولا‏.‏

ترموميتر الضحك أعلي بكثير في فيلم حكاية قرش‏,‏ لكن هناك رسالتين تجعلان الطفل يطرح علي أمه السؤال حول لماذا هذا وما هو المقصود بذاك حكاية قرش يدور حول سمكة حمراء صغيرة تعيش في أسفل سلم مجتمع الأسماك إنها تعمل منظفة ومدانة إلي سمكة أكبر منها بمبلغ من الجمبري السمكة الصغيرة لا تستطيع دفع دينها‏,‏ أخطبوطان يعملان لصالح السمكة الكبيرة يأخذان الصغيرة إلي حفلة تأديب في ذات الوقت هناك سمكتا قرش شقيقان يختلفان أحدهما ناعم المعشر يكره العنف ولا يرضي أن يأكل لحم الأسماك الأخري شقيقه جاء به ليقوي قلبه ويعلمه الصيد بناءا علي طلب والديهما القرش الطيب يتظاهر بالإنقضاض علي السمكة الصغيرة الأخطبوطان يهربان بعيدا حين يتبين للقرش‏,‏ الآخر أن شقيقه لم يقتل السمكة الصغيرة ينقض عليها لكي يقتلها لكنه يصيب رأسه براسية سفينة غارقة ويموت الإشاعة تملأ مدينة الأسماك أن السمكة الصغيرة قتلت سمكة القرش القرش الطيب لا يكذب الأكذوبة والسمكة الصغيرة تصبح نجمة محتفي بها في هذا الوقت والد سمكتي القرش يريد الانتقام‏.‏

الخارقون :الرسوم المتحركة فى تطور تقنى أخاذ

الضحكات متواصلة في هذه الكوميديا المرسومة بنفس المعالجات التقليدية لسينما الرسوم المتحركة‏:‏ ألوان وموسيقي وحركة منسابة وفاصل بين طريقة تنفيذ هذا النوع الولادي من الرسوم وبين الطريقة الأكثر تعقيدا في فيلم مثل بولار إكسبرس‏ (‏حيث أدي الممثلون الأحياء أدوارهم ثم تم إدخالهم الكومبيوتر لصنع شخصيات خيالية منهم تشبه الدمي الطريقة ذاتها التي اشتغل عليها بيتر جاكسون حين قدم أندي سركيس في دور المخلوق القزم المخادع في ثلاثية سيد الخواتم إنما شاملة كل شخصيات الفيلم هنا هذا الاختلاف هو أحد عناصر العمل التي تجعله قريبا من أذواق الصغار أكثر‏,‏ لكن الأمر لا يخلو من رسالتين هنا سيجدهما أولياء الأمور مثيرتين للإهتمام‏.‏

الرسالة الأولي إيجابية‏:‏ حبل الكذب قصير السمكة الصغيرة عاشت علي أكذوبة أنها قتلت سمكة القرش وذلك جعلها تبدو قوية ومعززة في مجتمع الأسماك لكنه كاد أن يؤدي بها إلي التهلكة‏,‏ الرسالة الثانية مختلفة لا أستطيع أن أقول عنها إنها سلبية‏,‏ لكنها ليست بريئة في ذات الوقت‏:‏ سمكة القرش التي تختلف عن باقي أترابها بأنها تأنف من أكل اللحم يقصد بها أن ترمز إلي كل جنس يختلف عن السائد الفيلم يعلم الصغار واجب احترام المختلف تلك السمكة قد ترمز إلي لون بشرة مختلفة‏,‏ أو الي صبي خجول أو إلي واحد من ديانة أخري‏,‏ وهناك إشارات أكثر وضوحا في هذا الإتجاه إلي المخنثين والشاذين الفكرة هنا هو أن الاختلاف ليس عيبا وأن علي الأب أن يرضي لابنه ما يختاره ذلك من قرار‏.‏

هناك شخصية صبي مختلف في بولار إكسبرس لكنه معالج علي نحو أعلي من التجريد اختلافه ليس قصدا بحد ذاته‏,‏ بل وسيلة لإظهار العاطفة صوب غيره وهناك فتاة أفرو أميركية في ذلك الفيلم‏,‏ لكنها فتاة تقود بولار إكسبرس لا يسأل المساواة يؤكدها‏.,‏ هذا يتركنا أمام الفيلمين الآخرين المعروضين حاليا من هذا اللون الشاسع الخارقون وفريق أمريكا‏:‏ بوليس العالم والاختلاف بينهما كبير علما بأنهما يتناولان شخصية السوبر هيرو‏(‏ البطل الخارق لكن في حين أن الخارقون هو احتفاء بالشخصية البطولية من دون أجندة سياسية خاصة‏,‏ فإن فريق أميركا هو أجندة خاصة بالكامل‏.‏

ما يقوم عليه فريق أميركا هو أن خمسة مغامرين يعملون لصالح مؤسسة أميركية سرية مهمتهم التصدي للإرهاب أينما وجد يفتح الفيلم في باريس حيث يقوم هؤلاء بإحباط عملية تفجير إرهابية لبضعة رجال ملتحين يرتدون الأزياء الأفغانية وأحدهم يحمل حقيبة متفجرة حين يداهمهم أبطال الفيلم يتلو الإرهابيون بكلام غير مفهوم‏ (‏مفبرك لكن كلمتي الله‏(‏ جل جلاله ومحمد صلي الله عليه وسلم‏)‏ تتكرران الأميركيون الخمسة لا يقتلون الإرهابيين فقط بل يدمرون الدائرة الثامنة والدائرة السادسة عشر من باريس بأكلمها بما في ذلك برج إيفل نظرا لقوة تصديهم أحد هؤلاء الخمسة يقتل في سبيل الواجب فيتم اختيار ممثل شاب لينضم إلي المجموعة هنا مشاهد من الشكوك والريبة قبل الانتقال إلي عملية أخري هذه المرة تقع عند سفوح الأهرام حيث سيقام مؤتمر للإرهابيين في القاهرة حسبما يقول رئيس المؤسسة لجنوده مرة أخري يداهم الأبطال معقل الإرهابيين ويقتلونهم دماء وحرائق ودمار يصفه الفيلم بأنه نال من نصف القاهرة‏!,‏ إلي الإرهابيين يضم هذا الفيلم اليميني المتطرف السينمائيين الهوليووديين اليساريين‏:‏ يقدم شون بن وأليك بولدوين وسوزان ساراندون وتيم روبنز من بين آخرين علي أساس أنهم متعاطفون مع الرئيس الكوري الشمالي الذي يدير الحلقات الإرهابية كلها الثلث الأخير من الفيلم مواجهة بين أبطاله وبين يساريي هوليوود والرئيس الكوري الشمالي‏.‏

فريق أمريكا‏:‏ بوليس العالم ليس فيلما كرتونيا‏,‏ بل هو دمي وعرائس متحركة ‏(تري الخيوط تحركها وهو ليس موجها إلي الصغار ليس فقط نظرا لموضوعه ولمشاهد عنف فيه‏,‏ بل لأنه يحتوي علي مشهد جنسي هو الأول من نوعه في فيلم عرائس ‏(كما يؤكد صانعو الفيلم فرحين لكن حتي ولو تم اختزال هذا المشهد الذي لا يقدم ولا يؤخر شيئا في كنه الفيلم‏,‏ فإن سياسة الفيلم المتطرفة تجعله علي طرف النقيض من كل الأفلام الأخري لا الكرتونية فقط بل شتي ما هو مطروح حاليا‏.‏

لكن الخارقون‏,‏ وهو عن أربع شخصيات خارقة القوة أيضا لا يتعاطي السياسة ذاتها في الأساس ينتحي هذا الفيلم الذي نفذته شركة بيكسار البريطانية التي سبق أن قدمت توي ستوري ومونسترز وعدة أفلام أنيماشن مميزة‏,‏ بأبطاله صوب سدة الفانتازيا وليس الواقع يقرأ في النوع ذاته الذي تألفت منه شخصيات سوبرمان وسبايدر مان‏,‏ وليس في الحياة المعاصرة حكايته من ناحية‏,‏ موضوعه وطريقة الشغل علي هذا الموضوع تقنيا من العناصر التي تجعل الخارقون أفضل فيلم أنيماشن بين هذه الأفلام الأربعة وأحد أفضل أفلام العام بكل تأكيد في تصميم يجعل الأحداث تبدو كما لو كانت مستقاة من سينما الستينيات وفي زمنها أيضا‏,‏ نتعرف إلي رجل ضخم لديه قوي خارقة تمكنه من تجنيد نفسه في خدمة القانون هناك عقد عمل بينه وبين البوليس يمكنه من مطاردة المجرمين واللصوص وإنقاذ حياة الناس في الدقائق العشر الأولي من الفيلم‏,‏ وبتنفيذ مذهل للعين‏,‏ يحبط بوب‏(‏ وهذا اسمه خمس عمليات مخلة بالقانون وينقذ حياة عديدين لكن المدينة تشكو من أنه كلما أقدم علي مغامرة كهذه‏,‏ كلفها الكثير من المال ما يدفع الحكومة للاستغناء عن خدماته بعد خمس عشرة سنة هو إنسان محبط ولو أن زوجته وأولادهما الثلاثة‏(‏ وكلهم ذوي قدرات خارقة أيضا سعداء به رب عائلة بعيدا عن المخاطر حينما تستأجر خدماته مؤسسة خاصة يفرح وينطلق لمواصلة ما كان توقف عنه لكنه يقع في فخ المؤسسة التي يديرها عدو له لم يكن بوب يعلم به الزوجة والأولاد ينطلقون لإنقاذه وهو ينقذهم بدوره فيما بعد وهناك العديد من المطاردات ومشاهد الأكشن التي لا تري فيها موتي ولا قتلي ولا دماء متفجرة‏,‏ لكنك تعلم تماما ما يدور في النهاية تعاود العائلة إنقاذ حياة المدينة ويرجع بوب إلي مهنته السابقة الأنيماشن حسب بيكسار لا يشبه أي أنيماشن آخر وهذا يتضح في هذا الفيلم إنه أسلوب في الرسوم المتحركة يجعله بعيدا عن رسوم ديزني ودريم ووركس وهوليوود بشكل عام بذلك يتضح أمامنا‏,‏ إذ نرقب الأفلام الأربعة مصفوفة كل منها بجانب الآخر‏,‏ إن الاختلافات ليست فقط في المنهج الروائي والأبعاد والطروحات المتوافرة في كل فيلم‏,‏ بل أيضا في أساليب العمل‏*‏

الأهرام العربي في 27 نوفمبر 2004