حبك نار دمر شكسبير وقمر ينافس دي كابريو الطموح وحده لا يكفي لنجاح حالة حب علا الشافعي |
أعتقد أنها ليست مصادفة أن تأتي أفلام العيد في معظمها تحمل أسماء لأغنيات عبدالحليم حافظ, حبك نار وكان يوم حبك, خاصة أن معظم نجوم الغناء يضعون عبدالحليم كنموذج يجب الوصول إلي نجاحاته في السينما والغناء. وقد أتيحت لي حتي الآن مشاهدة فيلمين, الأول حبك نار والثاني حالة حب. الفيلمان عمل مخرجاهما لمدة عامين تقريبا حتي تمكنا من إنهائهما. حبك نار الفيلم هو التجربة الثانية للمخرج إيهاب راضي, بعد فيلمه الأول فتاة من إسرائيل وإيهاب هو آخر عنقود المخرجين ـ حتي الآن ـ في عائلة راضي, بعد والده محمد راضي, وعمه منير راضي, وحبك نار هو معالجة عصرية ـ مصرية, لرائعة شكسبير روميو وجوليت التي سبق وأن تناولها كتاب ومخرجون كبار في السينما المصرية والعالمية والأوروبية, ومنهم الإيطالي زيفرللي وآخر هذه المعالجات الفيلم الأمريكي الذي قام ببطولته ليونارد دي كابرو, لذلك لا أفهم إصرار إيهاب علي التصدي لإخراج نفس النص, اللهم إلا إذا كان يرغب في وضع اسمه في مصاف هؤلاء المخرجين!! والمفارقة أن من يقدم علي خطوة كهذه سواء كان كاتب النص أم المخرج, يعرف مسبقا أنه يضع نفسه في مأزق من ناحيتين, الأولي هو مقارنته بالمخرجين العالميين الذين أخرجوا النص, لأنك ببساطة لن تستطيع الهروب من سطوة هذه المعالجات ونفس الحال بالنسبة لطاقم العمل, والمأزق الثاني هو الكيفية التي ستتم بها معالجة النص الشكسبيري, وما حدث في حبك نار أبسط ما نطلق عليه إنه شيء مأساوي!! فروميو في فيلمنا هو مصطفي قمر ـ كريم, وجولييت نيللي كريم ـ سلمي, وابن عم كريم ـ طارق, رامز جلال, وابن عم سلمي ـ عماد ـ مجدي كامل, وإيهاب راضي هو صاحب القصة أو الصياغة الدرامية الجديدة, أما صاحب السيناريو والحوار في العمل, فهو الناقد السينمائي المتميز أحمد يوسف والذي أعتز بشكل شخصي بكتاباته النقدية وكذلك كل مهتم ومتابع للسينما فهو صاحب عين نقدية خاصة جدا ومتابع جيد لإنتاجات الفن السابع العالمية, لذلك كنت أنتظر وبشغف أول إنتاجاته السينمائية, ولكن للأسف أصابني الإحباط الشديد, ولا أعرف إذا كان السر هو سيطرة المخرج إيهاب راضي علي عناصر العمل من كتابة القصة والمونتاج والإخراج, والإنتاج, لوالده محمد راضي, ليس ذلك فقط بل اختيار الممثلين وتوظيفهم السيد راضي, وشقيقته غادة راضي في دور صديقة سلمي, وأحاول بذلك أن ألتمس له عذرا, ولكن يلح علي أنه من البداية هو الذي اختار المخرج والذي بالتأكيد قد شاهد عمله الأول, وحلله كناقد سينمائي متخصص. وبالتأكيد ستأتي مقارنة كل العناصر الفنية ضد فيلمنا خاصة وكما قلت إنك لن تستطيع أن تبعد عن ذهنك فيلم ليونارد دي كابريو والذي شاهده الجمهور المصري وحقق نجاحا هائلا في دور العرض, حيث اختار المخرج الأمريكي أن يحدث في الصورة السينمائية لتكون ملائمة للقرن الواحد والعشرين, مع الاحتفاظ بالنص الشعري لشكسبير في الحوار وكان ذلك ذكاء شديدا من صاحب العمل لأنه ببساطة أدرك أن أي كاتب أو مبدع لن يجد كلمات تعادل في جمالها ونفاذها إلي أعماق النفس البشرية مثل جمل شكسبير. وإذا كان كل شيء عند شكسبير مبررا والبناء الدرامي محبوكا فالنقيض هنا تماما, فالأساس الدرامي الذي بني عليه الفيلم, هو حالة الكره الشديدة بين عائلتي القصاص سعيد عبدالغني والزناتي فوزي يوسف والتي لا نعرف أسبابها إلا بعد مرور أكثر من4/3 ساعة من المدة الزمنية للفيلم, فالاثنان ينتميان إلي الصعيد وجاءا إلي الإسكندرية بحثا عن فرص عمل, إلاأن عاملين لديهما قتلا بعضهما في لعبة قمار, فهل هذا مبرر درامي قوي يبني عليه كل هذا الصراع الدموي؟! ونظرا لسوء تنفيذ مشهد الفلاش باك ستختلط عليك للحظة المسألة وستتساءل هل هما عاملان عندهما أم أبناؤهما, أم أقاربهما ولذلك لن تتردد لحظتها في سؤال من يجاورك في المقعد؟! لذلك سترتاب مشاهد العنف والصراع بين أبناء عم كريم وسلمي وأنت في حالة دهشة, فلا شيء مبررا علي الإطلاق, ناهيك عن الأداء المبالغ فيه الذي يقوم به مجدي كامل في شخصية ابن عم سلمي, ولا أعرف هل أداء مجدي هو اجتهاد شخصي منه أم أن المخرج أقنعه بأن يظل طوال الفيلم نافخا عروقه وصوته عاليا جدا وألا يتوقف عن إحداث حالة من الصخب والضجيج في كل مشهد يظهر به, وفي كل الأحوال سيكون الاثنان سواء المخرج أم الممثل هما المسئولان فمفهومها للشر قاصر جدا! وتتأكد سوء إدارة الممثلين في الأداء الثلاثيني للممثلين فسعيد عبدالغني يمثل طوال الوقت بالعين والحاجب, ليؤكد علي جبروته وتسلطه, ونفس الحال بالنسبة لغادة راضي, والتي تجسد دور رانيا صديقة سلمي, فهي لا تملك حضورا وصوتها يخذلها في أغلب مشاهد الفيلم, أما السيد راضي, فأداؤه أصبح معروفا, وهو صديق العائلتين والذي يحاول دوما الإصلاح بينهما ويزوج سلمي, وكريم في السر, ونفس الحال لمحمد مشرف, الذي يقوم بدور العطار, الذي يحضر الدواء لجولييت أقصد سلمي, والذي يذكرك فورا بوالد عبدالمنعم إبراهيم في طاقية الإخفاء. والوحيد الذي نفد من الأداء الزاعق هو رامز جلال, أما مصطفي قمر فكان يبدو تائها في أغلب مشاهده حيث تاه أداؤه بين النحنحة والاستكانة, والعجيب أن إيهاب راضي, لم يتقدم إخراجيا خطوة واحدة, فالممثلون حركتهم مسرحية وكذلك حركة الكاميرا تشعر طوال الوقت بأنها مفتعلة, وكأن الكاميرا مقيدة وأضاع المخرج علي نفسه فرصة التركيز في المشاهد التي جمعت بين سلمي وكريم, والتي كانت يجب أن تقدم بنعومة شديدة, وتعتمد إخراجيا ومونتاجيا علي المزج وليس القطع الحاد, ليس ذلك فقط بل هناك مشهد بالكامل ستجد له مشهدا مماثلا في التكنيك في فيلم فتاة من إسرائيل عندما كان يقف فاروق الفيشاوي علي البحر في مواجهة محمود ياسين, نفس المشهد بين سعيد عبدالغني وفوزي يوسف, ولكن الاختلاف أن المشهد الأول تم تصويره علي شاطيء طابا, أما الثاني فكان علي شاطيء الإسكندرية! ولن أحدثكم عن النهاية السعيدة فأخيرا تزوج روميو من جولييت, وأهمس في أذن المخرج وكاتب السيناريو أن أجمل شيء في قصة روميو وجولييت هي أنها قصة حب لم تكتمل وهذا هو سر خلودها, تماما مثل كل قصص الحب التراثية. وفاتني أن مصطفي قمر, قد ظلم نفسه كثيرا أو قد يعتقد هو العكس, خاصة أنه ـ من وجهة نظره ـ تفوق علي ليونارد دي كابريو في فيلمه حيث قام بغناء خمس أغنيات أثقلت دراما الفيلم! أما نيللي كريم, فجاءت باهتة جدا. وسأنهي بتعليق مشاهدة كانت تجلس بجواري ألمانية في زيارة لمصر مع صديق لها, قالت لي إنهم حطموا شكسبير؟! حالة حب..InLove أما حالة حب فهو العمل الأول للمخرج سعد هنداوي, والذي قدم العديد من الأفلام التسجيلية والروائية القصيرة, ومنها البلاد البعيدة, ويوم الأحد المادي والتي أمسك فيها بتفاصيل إنسانية شديدة الدقة والوجع, ونال عنها العديد من الجوائز المحلية والعالمية, وكان مقررا له أن يبدأ عدة مشروعات سينمائية ولكن أصابها التعثر إنتاجيا, وجاء حالة حب بمثابة الحلم الذي عاني صاحبه من طول انتظاره إلا أنه تحقق أخيرا, والذي انتظره الكثيرون معه وبعد عمل عامين وأكثر انتهي سعد من فيلمه, والذي يعد التجربة الأولي أيضا لكاتب السيناريو أحمد عبدالفتاح ومدير التصوير نزار شاكر, والمنتج الفني أحمد الدسوقي الموهوب في تقديم كل جديد في الكاسيت والسينما, والبطولة الأولي لتامر حسني, وزينة وعمرو ممدوح. القصة تبدأ مع فنان تشكيلي محبط يجسد دوره د. محمد مرشد, الأستاذ بمعهد الفنون المسرحية متزوج من فنانة موهوبة أيضا تجسد دورها مها أبوعوف, لديهما طفلان( سيف) هاني سلامة,( يوسف) تامر حسني, ويقرر الأب السفر إلي باريس ليحقق ذاته وترفض الزوجة, فيأخذ الأب ابنه الأول معه تاركا الثاني مع أمه, لينشأ كل منهما في ثقافة مختلفة, إلي أن يلتقيا. مع بدايات المشاهد الأولي للفيلم نشعر أننا أمام مخرج موهوب يملك وجهة نظر إخراجية, فالفيلم يتناول فكرة السفر كحل لكل المشاكل المادية, فالحياة دوما علي الجانب الآخر, هذا هو الاعتقاد السائد دائما, والحياة بالنسبة للفنان التشكيلي هي باريس المدينة المفتوحة التي تضم مئات الجنسيات والتي يهرب إليها بطلنا حالما فلم يجد سوي الخواء وتحول إلي فنان يرسم البورتريهات علي الأرصفة للراغبين والراغبات, إلا أنه يرفض العودة استسلاما لهزيمته النفسية, وتأتي المشاهد المصورة في باريس والتي قدمت خطوطا درامية تؤكد أننا بصدد عمل متميز سيناقش قضية المهاجرين العرب وما أصبحوا يعانونه من عنصرية بعد أحداث11 سبتمبر وذلك من خلال شخصية( حبيبة) هند صبري, التونسية التي انفصل والداها, وعاشت بمفردها في تلك المدينة مهمومة بهذه القضية وتناقشها من خلال عملها كصحفية في إحدي الوكالات الفرنسية, وتربطها علاقة حب قوية مع سيف, ابن الفنان التشكيلي الذي أصبح مخرجا للإعلانات, وتجمعه الصدفة في التعرف إلي شاب مصري هاجر بشكل غير شرعي, ويخلصه من خناقة مع عرب آخرين ينتمون للشمال الإفريقي, ويعرف منه أنه يعمل في أشياءغير قانونية ويحمله أمانة لأهله في حالة حدوث أي مكروه له, إلي هنا والمشاهد تأتي سريعة مليئة بالحياة والتفاصيل, والمونتاج إيقاعه متناسب تماما, وكذلك صورة نزار شاكر, وأجاد الوجه الجديد عمرو ممدوح في مشاهده التي جسدت معاناة المهاجرين غير الشرعيين, ولكن المفارقة أن بطلنا سيف الذي أصبح همه الأساسي هو عمرو وليس معاناته هو الآخر من نفس الحالة مع اختلاف التفاصيل, فهناك بخل في مشاعر هاني سلامة, لتجسيد هذه المرحلة, وذلك يتحمله المخرج بكل تأكيد. بعد ذلك تشعر أن كل شيء تم في عجالة, فجأة يجد البوليس جثة عمرو متعفنة في الشقة التي يختبيء بها, وينهار سيف ويقرر العودة إلي مصر! بحثا عن أمه وأخيه وكأنه كان ينتظر تلكيكة ليقوم بذلك وهذا لا يتفق مع منطق الشخصية التي جاءت في البداية رافضة لما فعله أبوه وراغبة في العودة فهو إذن لا يحتاج أي تلكيكة للنزول والمفارقة أن الكثير من المشاهد الدرامية والتي كان من المفترض أن يتفاعل معها الجمهور انقلبت إلي مشاهد كوميدية, مثلا مشهد موت عمرو وانهيار سيف وذهابه إلي حبيبته في منزلها, وارتمائه في حضنها ووصولها إلي ممارسة الجنس نفسيا حالة الحزن الشديد قد تستوجب حالة أخري من الاحتواء وهو موقف درامي شديد الحساسية مال سعد فيه إلي استعراض نفسه كمخرج بعيدا عن الاهتمام بخلق تفاصيل تحمل حالة درامية ناعمة, واكتفي المخرج بلقطة واحدة وبدت حركة الكاميرا غير تلقائية بل متكلفة نظرا للزاوية التي اختارها المخرج, وهذه الطريقة التي تم تنفيذ المشهد بها جعلت بعض الحاضرين يعلقون عمرو مات.. يا ريته كان مات من الأول ولا أبالغ إذا قلت إنهم أخذوا يداعبون صديقاتهم وأصدقاءهم وعمرو مات يالا!. ومع نزول سيف إلي مصر بحثا عن شقيقه ومعه حبيبته تشعر أن العديد من الخطوط الدرامية التي فتحت في البداية أهملت وأصبحنا أمام خطوط جديدة, كما أن المونتاج في الجزء الأول ظلم كثيرا تامر حسني, حيث كان المخرج يحاول القطع ما بين الاثنين لنتعرف عن كيف يعيش كل منهما وحياته ومع أصدقائه, وأعتقد أن ذلك حدث لأن المخرج يعمل طوال الوقت وفي ذهنه إرضاء جميع الأطراف, فهاني سلامة نجم سينما له تجارب, وتامر حسني مطرب شاب شديد التألق له شعبية طاغية بين الشباب الشريحة الأكثر إقبالا علي دخول السينما. وفجأة نجد أن هاني سلامة يبرر لماذا يسير بكاميرا طوال الوقت ويصور علي الرغم من أنه مخرج ولا يحتاج إلي تبرير بدعوي أنه ينجز فيلما عن أطفال الشوارع ولا أعرف لماذا تحول فجأة إلي أجنبي لا يري في بلده غير أطفال مشردين, وآخرين يشمون كوله وأضاع سعد علي نفسه وعلي ممثليه فرصة مهمة في أن يجعل مشهد لقاء الشقيقيين كماستر سين وجاء تنفيذ المشهد بعجالة شديدة, وكان يلزمه هنا مشهد فلاش باك ليربط بين عشقهما وهما طفلان للعب تحت المطر, وعندما نظرا لبعضهما في المطعم الذي يغني به يوسف ففجأة نجدهما ينظران لبعض ويخرجان إلي الخارج وتمطر السماء! وسرعان ما يفتح لنا خط درامي آخر مع صديق يوسف, شريف رمزي, الذي يحلم بالسفر إلي أمريكا ويتعرف إلي فتاة أمريكية دنيا عن طريق الإنترنت, يعتقد أنها ستمنحه صك السفر! وبالمصادفة نجدها من أم مصرية تتحدث مصريلبلب ونكتشف أنها محترفة تجارة حبوب مخدرة, ويتورط يوسف شقيق سيف ويدخل السجن, وبالطبع لابد أن يأخذ شريف رمزي هذه المساحة, فهو ابن موزع الفيلم محمد حسن رمزي, وانعكس هذا اللهاث الدرامي بالنسبة لشخصيات النجوم الذكور قياسا للشخصيات النسائية في الفيلم والتي جاءت باهتة غير مؤثرة وتحديدا زينة والتي ظلمت مونتاجيا فيما يبدو بدءا من الطريقة التي تم تقديمها بها وصولا إلي تطور الشخصية وكذلك هند صبري, التي جملت شخصيتها قماشة درامية هائلة. حالة التوهان الدرامي هذه أربكتنا وأربكت مخرجنا حيث شغلته هذه الخطوط عن أن يأخذ من ممثليه أفضل ما عندهم, ناهيك عن خطأ الراكورات المتعلق بزيادة وزن الممثلين, وعلي الرغم من هذه الحالة يظل فيلم سعد هو الأفضل سينمائيا بين كل المعروض ولكن عليه أن يتجاوز المسألة النفسية في العمل الأول, والتي عادة ما تضع أصحاب التجارب الأولي في مأزق نشفق عليهم منه لأنه مخرج يملك أدواته, وكذلك كاتب السيناريو أحمد عبدالفتاح والذي أعتقد أن سعدا ظلمه في العديد من المشاهد التي كتبت وصورت وحذفت في المونتاج كما صرح لي بعض أبطال الفيلم ويجب أن نشير إلي شجاعة تامر حسني والذي اختار أن يقدم نفسه كممثل واكتفي بأغنيتين* الأهرام العربي في 27 نوفمبر 2004 |