يعد الفنان محسن نصر من بين أهم مديري التصوير في مصر والوطن العربي، الذين
تعاملوا مع الكاميرا بصفتها الحسية، وإبراز قدراتها الخاصة في التعامل مع
الممثل والمكان، والضوء والظل. مما جعل اسمه يصبح عنواناً للجودة، جراء
تقديمه لرؤية بصرية واعية بأهمية الصورة وتكويناتها في السينما.
ينتمي محسن نصر إلى عائلة فنية، وبالذات في مجال الصورة السينمائية، فهو
الشقيق الأصغر للمصور الكبير عبدالحليم نصر، ومدير التصوير محمود نصر.. مما
سهل دخوله في مجال الصورة، وحضي بتوجيه شقيقيه، في نواح كثيرة متعلقة بشئون
الصورة السينمائية.. ولولا وجود تلك الموهبة الواضحة لديه، لما تميز في
مجال متخصص كهذا، حيث تم توجيهه للدراسة في المعهد العالي للسينما، وبعد
تخرجه منه عام 1963 بدرجة امتياز، وعمله كمعيد في المعهد لفترة عامين، عمل
كمساعد مصور مع شقيقيه، اللذان علماه مهنة التصوير، حتى أصبح مصوراً
مستقلاً.
قام محسن نصر بتصوير عدد ليس بالقليل من الأفلام المهمة، مع مخرجين
متميزين، أبرزهم الكبير يوسف شاهين، ولمخرجين علي بدرخان، رأفت الميهي،
محمد خان، شريف عرفة.. وذلك عبر مشوار سينمائي طويل مع الصورة السينمائية
تجاوز الخمسون عاماً، حيث بدأ كمصور في عام 1958، مع فيلم (كهرمانة)، إخراج
سيد بدير.. أما أول أعماله كمدير تصوير فكان في فيلم (أختي) عام 1971، مع
المخرج الكبير هنري بركات.
وخلال هذا المشوار الطويل، قدم محسن نصر أكثر من مائة وثلاثون فيلماً..
أبرزها، الكرنك، على من نطلق الرصاص، شفيقة ومتولي، إسكندرية ليه، حبيبي
دائماً، أهل القمة، موعد على العشاء، حدونة مصرية، حب في زنزانة، الوداع
بونابرت، إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أحلام هند وكاميليا، سمك لبن تمر هندي،
الهروب، طيور الظلام، يا دنيا يا غرامي، المصير، الساحر.. كما عمل في
الدراما التلفزيونية أيضاً، وآخر أعماله كان الجزء الثاني من مسلسل
(الدالي) عام 2007.
وكانت ثمرة هذه المسيرة المتميزة مع الصورة، حصول محسن نصر على العديد من
الجوائز والشهادات التقديرية، والأوسمة، كما كرمه مهرجان الإسكندرية
السينمائي عام 2008، كواحد من أهم مصوري السينما في تاريخ السينما المصرية
والعربية.
من جراء تلك الخبرة التي اكتسبها خلال عمله، يقدم مدير التصوير السينمائي
محسن نصر فلسفة خاصة في فن التصوير، وطريقة خاصة في التعامل مع الكاميرا،
حيث يؤكد بأن استعمال إضاءة قليلة وبصورة أساسية يقلل من أخطائها.. وإن ثمة
علاقة وثيقة بين الدراما والتصوير، فالمسألة ليست إضاءة فحسب، بل نسب
ومقاييس خاصة جداً.. يقول نصر: (...قد تكفي ثلاث لمبات بدلاً من عشرين لمبة
من حيث التأثير والقوة، إنها الحساسية المكتسبة من خبرة العمل الطويل خلف
الكاميرا...). *
ويواصل ليؤكد على أنه أحياناً لا يستعمل إضاءة في مكان التصوير، ويعتمد فقط
على إضاءة المكان الطبيعية.. (...لذا أستعمل أفلاماً خام سينمائية عالية
الحساسية، المهم أن يحافظ الضوء على المفهوم والجو العام للفيلم. أفضل
الظلام إلى حد بعيد، ولا أحب التصوير في الضوء القوي، من شأن الإضاءة
الخافتة القليلة أن تساعد في التفكير والإبداع...). (2) أما بالنسبة
للألوان في الصورة السينمائي، فهو يعطيها لغة خاصة بعيدة عن التصنع، حيث
يقول: (...لا أفرض لوناً بعيداً عن الواقع، تنبع الألوان من واقعها
الحياتي، ولا أتدخل في واقعها، إلا إذا كانت مزعجة في اللقطة...). *
ويرى محسن نصر، بأن علاقة مدير التصوير بالمخرج السينمائي، تعتبر أهم علاقة
في الفيلم، بل هي المسئولة تماماً عن الصورة السينمائية، وذلك لقيامهما
بالتخطيط الكامل للشكل الذي ستظهر به الصورة على الشاشة.. ونقاشهما
المتواصل في الموضوع والطرق المناسبة له كالإضاءة والحركة والألوان، سيصل
بهما إلى أفضل صورة للتعبير عن الموضوع.. (... مهمة البناء البصري المتخيل
للصورة هي عمل مشترك بينهما، يقوده المخرج ويبتكره مدير التصوير حسب فنه
وموهبته وثقافته باستخدام أدواته ومعداته ورجاله...). *
من جهته، يذكر محسن نصر، بأنه بعد قراءة السيناريو، يتكون لديه انطباع عام
لأحداث الفيلم ومضمونه، ويكون خياله مرتبط كلياً بشكل المعالجة البصرية
للفيلم ككل.. وبالتالي يقدم تصوراته للمخرج، الذي لديه القرار النهائي لكل
التصورات.
ويؤكد نصر بأنه: (...محظوظ إلى حد بعيد لأنني عملت مع مخرجين يتمتعون
بكفاءة ممتازة.. أما إذا كان المخرج صاحب خبرة ضعيفة أو ليس ملماً بأصول
الفن السينمائي وقواعده، أو لا يعرف شيئاً عن العدسات ومكونات الصورة
وتركيبها، فأضطر إلى تنفيذ عملي بإتقان تام ليكون التصوير جيداً... في
تقديري، سبب نجاح أي فيلم هو التعاون الخلاق بين المخرج ومدير التصوير، ما
يعطي نوعاً من الكمال المرئي للفيلم، ناهيك عن ضرورة التقاء ثقافة الصورة
لدى المخرج والمصور لإخراج فن جميل...). *
كما يذكر محسن نصر، بأنه ليس هناك فيلم صعب وفيلم غير صعب في التصوير، حيث
يقول بأن المجهود واحد، المهمة شاقة وتحتاج إلى جهد عضلي وحركي، لذلك لا
فرق عنده مثلاً في العمل مع مخرج كبير مثل يوسف شاهين، أو مع مخرج شاب في
بداية حياته الفنية.. (...هدفي الرئيس في أي فيلم أصوره هو صنع شيء فريد
وممتع لتعبر الصورة عن المضمون، أترك أحاسيسي تقودني نحو أفضل صورة
سينمائية من وجهة نظري...). *
وعن الصعوبات التي يتعرض لها مدير التصوير، يؤكد محسن نصر على: (...أن مهنة
مدير التصوير في السينما هي من أصعب المهن، لأنه يكون في حالة قلق وترقب
وتفكير دائم، فهو يتابع عماله ويحثهم على العمل ويمنحهم القدرة على النشاط
والحركة، خصوصاً أن عامل الوقت والإنجاز من أهم مميزات مدير التصوير
الناجح...). * |