في فيلمه السادس (الارهاب والكباب - 1992) يكرر المخرج شريف عرفة تجربته
السابقة والناجحة مع الثنائي (عادل إمام ـ وحيد حامد).. حيث كتب السيناريو
لهذا الفيلم وحيد حامد وقام ببطولته النجم عادل إمام، بمشاركة كمال الشناوي
ويسرا وأحمد راتب وأشرف عبدالباقي وماحدة زكي وأحمد عقل وإنعام سالوسة.
و(الارهاب والكباب) فيلم يقدم فيه شريف عرفة دراما إجتماعية سياسية
كوميدية، تتخذ الفانتازيا شكلاً لها، علماً بأن أحداثها لا تخرج عن حيز
الواقع، أي أنها فانتازيا ممكنة الحدوث، وليست بعيدة عن المنطق.
يحكي الفيلم عن ذلك الموظف البسيط أحمد فتح الباب (عادل إمام) الذي إعتاد
على الالتزام باللوائح والقوانين وسماع كلام الحكومة. هذا الموظف الذي يعمل
في إحدى المصالح الحكومية في الصباح وكافتيريا في المساء، وذلك ليزيد من
دخله ويوفر لأسرته سبل الحياة الكريمة. يتعرض لمشكلة يتصور بأنها بسيطة،
ألا وهي نقل أولاده من مدرسة بعيدة عن سكنه الى أخرى قريبة، وحتى يتم ذلك
لابد له من التقدم بطلب الى مديرية التعليم الواقعة بمجمع التحرير الحكومي.
هنا يصطدم هذا الموظف بالروتين الحكومي، حيث يجد صعوبة في إنهاء معاملته
هذه، نتيجة لبيروقراطية الموظفين وإنصرافهم عن خدمة المواطنين. تبدأ
الاحداث الحقيقية للفيلم بعد تقديم كوميدي (غير ضروري يستهلك الكثير من زمن
الفيلم) بمعركة بين أحمد وبين أحد الموظفين الذي يستدعي رجال الامن
بالمجمع، ويشتبكون مع أحمد، الى ان يتمكن من الاستيلاء على سلاح أحدهم،
وتنطلق رصاصة بطريق الخطأ، ليهرع الجميع في حالة من الذعر الشديد، ويتسرب
الخبر الى مرافق المجمع الاخرى، على ان المجمع تم إقتحامه من قبل عماصر
إرهابية، وان هناك العديد من الرهائن. يجد هذا المواطن البسيط والبريء نفسه
فجأة ومن غير مقدمات وقد أمسك في يده مدفع رشاش لا يعرف حتى إستخدامه،
ويشعر بأنه في ورطة لا يعرف كيف ستؤدي به وكيف السبيل للخروج منها وقوات
الامن قد حاصرت المكان. ولانه يجد نفسه محاصراً بل مطلوب القبض عليه، فهو
يضطر الى إحتجاز بعض المواطنين كرهائن، بل وينضم إليه بعض الافراد ممن ليس
لهم حق الاعتراض، فجائتها الفرصة لتهرب من واقعها الى دور البطولة. يأتي في
مقدمة هؤلاء الصعيدي (أحمد راتب) ماسح الاحذية الهارب من الثأر، بعد ان باع
أرضه ليدفع ثمنها كخلو لمكان في مجمع التحرير، وهو يعاني ظلم المحكمة التي
دق أبوابها لسنوات للحصول على حقه دون فائدة. وهناك الجندي (أشرف
عبدالباقي) الذي يعاني هو الآخر من ظلم رئيسه الضابط، الذي سخره مدة خدمته
في الجيش لأغراضه الشخصية فصار خادماً له ولزوجته وأولاده. أما الزوج التعس
(علاء ولي الدين) الذي ذهب لينتحر من فوق المجمع هرباً من زوجته النكدية
التي أباح لها القانون أن تشكوه في المحكمة. وهناك أيضاً فتاة الملاهي
(يسرا) المتهمة بقضية آداب ويريدون منها أن توقع على أنها ضمن شبكة دعارة،
بالرغم من أنها كانت فقط تجالس الزبائن في فندق خمس نجوم.
هؤلاء هم الذين إنضموا الى ذلك المواطن المحروم أحمد فتح الباب.. شخصيات
تعاني من الفقر والحرمان وغياب العدالة.. هؤلاء البسطاء يجدون أنفسهم فجأة
في موقف لا يحسدون عليه.. يجدون أنفسهم في موقع المذنبين، بل ويطلقون عليهم
إرهابيين.. وهم الذين لا تمكنهم ثقافتهم أو معارفهم الحياتية من صياغة
الافكار في مجموعة رؤى أو مفاهيم علمية، لذلك نراهم يلتقون وبالفطرة مع أحد
المقهورين (عادل إمام) الذي يمثل جزءا من أحلامهم البسيطة جداً.
هنا يأخذ الفيلم منحى آخر، حيث النقد الواضح لسياسات الحكومة، والتي تبدأ
من الاعلام الذي لا يذكر الحقيقة، ومن ثم رجال الامن بصورهم الكرتونية
المضحكة، الخائفة والمذعورة، باستثناء وزير الداخلية (كمال الشناوي) الذي
يسعى للسيطرة على الموقف بدهاء.
وتبدأ المواجهة والمساومة معاً، في معركة غير متكافئة، بين الحكومة
والمواطنين (الارهابيين).. بين جهاز منظم ومزود بالاسلحة، يمكن ان يسيطر
على مدينة بكاملها.. بين هؤلاء الذين جمعوا أنابيب الغاز الموجودة في
المجمع للمواجهة في حال إستفحال الامر.
وفجأة، يكتشف أحمد ان هناك من يطلب منه تحديد مطالب مقابل الافراج عن
الرهائن والتخلي عن المبنى. في هذه اللحظة يبرز التساؤل: ماذا حدث؟ ولماذا؟
لتبدأ براعة كاتب السيناريو وموهبته، للهروب من الاجابة المنطقية.. حيث لا
يجد بديلاً سوى تقديم مشاهد ضاحكة غير مسفة بالطبع، يتخللها حوار شيق ولاذع
يدور بين وزير الداخلية و(الارهابيين).. كما تتجلي بوضوح موهبة المخرج في
المزج بين الواقعي والفانتازي من خلال لغة سينمائية معبرة.
عموماً.. يسألهم الوزير عن مطالبهم، فيطالب الجميع بأبسط حقوق الانسان
(العدالة والرحمة).. حيث يتخلى أحمد فتح الباب عن مطلبه الذي جاء من أجله،
ليسأل من معه عن مطالبهم وتكون المفاجأة بأنهم جميعاً ليس لديهم مطالب
محددة، لتنتهي المساومة بطلب وجبة كباب لكل واحد منهم، ودواء نادر وغالي
الثمن لامرأة عجوز، وهي مطالب حققها الوزير لهم.. إلا أنه رفض رفضاً قاطعاً
الانصياع لمطلبهم باستقالة الحكومة.. بل أنه قرر إقتحام المبنى، لولا ان
الارهابي أحمد وزملائه وافقوا، حقناً للدماء، للسماح للرهائن بالانسحاب من
المجمع ، والذين بدورهم أصروا على ان بأخذوا أحمد فتح الباب معهم .. لتعود
الحياة الطبيعية مرة أخرى لمجمع التحرير الحكومي.
في فيلم (الارهاب والكباب) يصل وحيد حامد الى مستوى فني عالٍ، ويقدم فكرة
جديدة وجريئة، مبتعداً بذلك عن أي تقليد، ومعتمداً على موقف معين تتصاعد من
خلاله الدراما.
كما يبدع حواراً ساخناً ومشوقاً تتخلله المرارة. هذا بالرغم من أنه ككاتب
يتحمل مغامرة تقديم فيلم تجري أحداثه في مكان واحد، حيث يشكل ذلك قيداً على
الكاتب، ولهذا نراه يلجأ أحياناً الى مونولوجات طويلة لعادل إمام يغلب على
بعضها المباشرة. ثم أنه لم يعتن بتعميق الشخصيات الاخرى المساندة لشخصية
عادل إمام.
أما بالنسبة للاخراج الذي حمله على كاهله الفنان الموهوب شريف عرفة، والذي
يسير بخطى ثابتة نحو إحتلال مكانة بارزة بين زملائه المخرجين المصريين، فهو
يثبت في فيلمه هذا مقدرة ودراية كاملة باللغة السينمائية ويؤكد موهبته في
إمكانية المزج بين الواقعي والفانتازي، مستخدماً كافة عناصر اللغة
السينمائية من تصوير ومونتاج وموسيقى، وإمكانية التوفيق بين أحلامه كفنان
ورغبات الجمهور دون تنازلات.
لقد إستطاع عرفة ان يجسد بكاميرا محسن نصر الرشيقة والشاعرية مشاهد ساخرة
قوية تمتاز بالجمال التكويني المعبر. كما برع في قيادة المجاميع، مثل مشاهد
الزحام داخل الباص والحركة داخل مجمع التحرير ومحاصرة رجال الامن المركزي
للمجمع. |