( 1 )
السينما أساساً صورة.. وبالتالي عند الحديث عن السينما، لابد لنا من
العناية أكثر بالصورة السينمائية وما حواه الكادر السينمائي من حيثيات
وتفاصيل كبيرة وصغيرة، مؤثرة بالفعل على جماليات هذا الكادر السينمائي..
لذا سيكون حديثنا مفصلاً، عن طبيعة هذا العنصر المهم في صناعة السينما..
كما سنحاول أن نتعرف على فنانين بارزين عملوا في هذا المجال، بل أبدعوا،
وأثروا على صناعة هذا الفن الممتع..!!
والكاميرا، جهاز يحترمه الممثلون في كافة أنحاء العالم، يخافون
منه ويحبونه في نفس الوقت، فهو الذي يوصلهم إلى جمهورهم، وهو الذي يرفعهم
في أعين المتلقي أو العكس.. فالمتلقي لا يرى في الفيلم إلا ما يراه المصور
أو مدير التصوير، من خلال هذا الجهاز (الكاميرا).. والكاميرا لأنها آلة
صماء، فهي بالتالي بحاجة إلى عين خبيرة ومدربة.
إن التقدم التكنولوجي قد وفَّر للكاميرا السينمائية إمكانيات كثيرة، إلا
أن التصوير ـ بالطبع ـ يتجاوز هذا العامل التكنولوجي إلى العامل الذاتي
للمصور نفسه. أي إن قدرة المصور على التذوق والتمييز والحساسية في التعامل
مع وضع الكاميرا
وزاوية الرؤية، وما إلى ذلك من عوامل عديدة، تفتح أمام المصور مجالاً
واسعاً
للاختيار. وهذا ـ بالطبع ـ ما يميز مصور عن آخر.
والمصور أو مدير التصوير، هو المسئول عن أي خطأ في الفيلم، حيث يقوم بتخطيط
أعمال كاميرات التصوير وتوجيهها لالتقاط المناظر والمشاهد السينمائية.
ويتشاور مع المخرج لتحديد طبيعة المشهد المراد تصويره ونوعه والطريقة
المطلوبة لتقديمه. كما أنه يختار معدات وأجهزة التصوير والإضاءة المناسبة،
ويشرف على ترتيبات الإضاءة والإنارة ووضع الآلات للتصوير. إضافة إلى أنه
يوجه المصور أو المصورين خلال عملية التقاط
المشاهد..!!
ولأن المصور أو مدير التصوير هو الموصل لفكر كاتب السيناريو
وخيال المخرج، لذا عليه (كمصور) أن يكون أميناً على اللقطة التي يصورها،
ويتأكد
بأنها خالية من أي خطأ. ولأن المتلقي يشاهد الفيلم من خلال عين مدير
التصوير،
فهو ـ بدوره ـ لابد أن يؤمن بأن الصورة الجميلة لا يمكن أن تنتج من فراغ..
والفن لا يكون
فناً إلا إذا قدم فكراً قوياً. فالصورة عنده تكون صورة كامنة في نفسه قبل
أن تظهر
على الشاشة، يراها داخله من خلال صدق معايشته للسيناريو، ومن ثم يحولها إلى
صورة
حقيقية، يحول الجمل الحوارية إلى جمل ضوئية.
إن عملية التصوير السينمائي إذن، هي عبارة عن إدارة لجميع هذه العناصر
البصرية داخل الكادر وإضاءتها وتسجيلها على شريط الفيلم.. وهو ما يقوم به
المصور السينمائي (Cinematographer)،
والذي يطلق عليه غالباً مدير التصوير السينمائي (Director
of Photography).
( 2 )
(الصورة السينمائية)
قبل التوسع في الحديث عن التصوير ومدير التصوير السينمائي، لابد لنا من
التطرق إلى الصورة نفسها، والحديث عن ماهية هذه الصورة السينمائية..
وجماليات الكادر السينمائي وتكوينه، ومدى قابلية المتلقي لاستقبال هذه
الصورة بما تحويه من جماليات.
ففي كتابه (جاذبية الصورة السينمائية) (1)، يحدثنا الدكتور عقيل مهدي يوسف،
عن مفهوم الصورة في السينما، ومفهوم المتلقي في تقبل هذه الصورة.. حيث
يقول: " قد يود الإنسان وهو ينظر إلى (صورة) تعجبه أن يلمسها، أو يتذوقها،
أو يشمها أحياناً! فحواسنا تثار أمام تمثال من الكريستال مثلاً، وحين نلمس
زجاجة الصقيل نرتاح لنعومته، وقد يذكرنا بـ (الثلج) فيمد أحدنا لسانه
ليتأكد من درجة حرارته وأحياناً نشم (صور) الزهور في المجلات!!
في مثل هذه المواقف تحفزنا (الصور) حسياً، كما يحدث لنا يومياً في حياتنا
الطبيعية، حين نلمس أكف البشر (الناعمة والخشنة)، وحين نتذوق طعم الفواكه،
ونشم أريج الزهور. في السينما، يحاول المخرج أن ينقل إلى (المتفرج) هذا
الإحساس، ولكن كيف يمكن أن يفعل ذلك؟ بالطبع، ليس أمامه سوى البحث عن كيفية
صناعة (الصورة) السينمائية الجذابة.
إن صورة المركب في (بحر) والزورق في (نهر) الذي ننظر إليه يومياً، أو صورة
الناس في الأسواق أو شروق الشمس وغروبها، أمور يومية، ولكن حين تجرب أن
تصورها بـ (كاميرا) فوتوغرافية مثلاً، يتعين أن تقوم بإجراءات عديدة لإنجاح
اللقطة الجيدة، وهذه هي المرحلة الأولى: في التمييز بين حواسنا الطبيعية
وحواسنا الفنية التي تنقل لنا بواسطة (الصورة) مظاهر العالم حولنا. فكيف
يمكن للمخرج السينمائي أن يقنع بفيلمه المئات والألوف المحتشدة من الناس،
في موطنه وفي بلدان أجنبية؟!
كما نعرف أن (عين) المخرج، هي غير (عين) المصور، وهنا تقوم مرحلة ثانية:
بين ما يريد المخرج تصويره، وبين فهم المصور لتلك (الصورة) المطلوبة،
وبالتأكيد إن (الصورة) السمعية، لا تقل أهمية عن الصورة (البصرية) المرئية
على الكاميرا، وهنا تكون مرحلة ثالثة: تنتقل فيها (صورة) هذا الفيلم الذي
أنجزناه صورة وصوتاً، إلى مرحلة طبع الصورة في معمل التحميض، وكذلك تسجيل
الصوت على (الشريط).
كما يتطرق الدكتور عقيل مهدي يوسف* إلى جاذبية الصورة السينمائية لدى
المتلقي.. حيث يقول بأنها: "تنجز عبر مرحلتين: الأولى، هي التي يصب فيها
"المخرج" كل طاقاته الإبداعية من أفكار وأساليب تقنية لكي تكون الصورة
"الفيلمية" بمستواها الفني المرموق ونصوعها ودقة ألوانها وإشراقها. أما
المرحلة الثانية، فهي أن يكون الجمهور حاضرا في ذهن المخرج، بمعنى آخر إن
المونتاج حين يصوغ تصوراته بين حجم الفيلم وطوله وعمقه ومحتواه وإيقاعه،
فانه يفرض تصورا مركزيا للصورة السينمائية واتجاهاتها في مخاطبة الآخر.
( 3 )
(تكوين الكادر السينمائي)
إن الحديث المهم عن جاذبية الصورة السينمائية، يجرنا بالطبع إلى الحديث عن
طبيعة الكادر السينمائي وتكويناته.. حيث يشير الناقد هاشم النحاس* في مقدمه
ترجمته لكتاب (التكوين في الصورة السينمائية) *، إلى "أن الفن في الصورة
السينمائية، وإن اعتمد في وجوده أصلاً على توفر هذا التقدم التكنولوجي
واستيعاب المصور لإمكانياته، فهو يتجاوزه بتدخل العامل الذاتي للمصور.
ويحدد هذا العامل: قدرة المصور على التذوق والتمييز والحساسية في التعامل
مع وضع الكاميرا وزاوية الرؤية والمنظور والنسب بين الأبعاد والألوان.. وما
إلى ذلك من عوامل عديدة تفتح أمام المصور مجالاً واسعاً للاختيار".
ويختم النحاس مقدمته، بقوله: "مجمل القول أن المصور الجيد هو الذي يحصل على
الصورة المؤثرة. ولا يتوفر له ذلك باستيعاب الإمكانيات الآلية وحدها وإنما
يتجاوزها بالقدرة على الاختيار بين البدائل العديدة ما هو أقوى تعبيراً عن
الموضوع، واكتساب القدرة على رؤية الواقع من خلال القيم الصورية، ومراعاة
المعالجة الشاملة للموضوع".
أما مؤلف كتاب (التكوين في الصورة السينمائية)، جوزيف ماشيللي (2)، فيصف
التكوين السينمائي، بأنه عملية ترتيب للعناصر المصورة في وحدة مترابطة ذات
كيان متناسق. ويسترسل حين يقول: "تبدأ عملية التكوين مع بداية تحديد موقع
الممثل أو قطعة الأثاث أو الإكسسوار. والمطلوب عند تحديد وضع الممثلين
وحركتهم داخل المنظر الحصول على أفضل تأثير ممكن لدى جمهور المشاهدين.
وطالما أن رؤية الفيلم هي تجربة شعورية، فيجب أن يراعى ـ في الطريقة التي
يتم بها تكوين المناظر وتحديد الحركة داخلها وإعداد الإضاءة الخاصة بها
والتصوير والتوليف ـ توجيه مشاعر الجمهور نحو هدف السيناريو، وأن يتركز
انتباه المشاهد ـ في كل لحظة من لحظات الفيلم ـ على ما هو أكثر أهمية
بالنسبة للقصة، سواء كان ممثلاً أو جسماً أو حركة ما".
"ويعكس التكوين مستوى التذوق الشخصي للمصور. فالمصور صاحب الثقافة الفنية
والذوق السليم والشعور الفطري بالتوازن، والشكل، والإيقاع، والمكان، والخط،
وتقدير القيم اللونية، وصاحب الحاسة الدرامية، تنبع عنه التكوينات الجيدة
بالسليقة. وإن كان من الممكن أيضاً للمصور صاحب العقلية الآلية والنزعة
الفنية المحدودة أن يتعلم كيف يطبق المبادئ الأساسية للتكوين السليم بتنمية
قدرته على فهم العناصر المرئية والعاطفية الكامنة في الصور التي تتضمنها
القصة المعروضة".
"إن اتجاه حركة عين المشاهد وهو يتفحص الصورة بحثاً عن المعنى تمثل أحد
الاهتمامات الرئيسية التي لابد أن يضعها المصور (والمخرج السينمائي) في
اعتباره جيداً. ولا ينصب اهتمام المصور (والمخرج) على حركة العين داخل
الصورة وحدها، لكن الأهم أن يضع في اعتباره أيضاً الحركة الناتجة عن
الانتقال من صورة إلى أخرى".
"من الممكن الكشف عن سر التكوين الجيد في كلمة واحدة هي: البساطة. فالتكوين
المعقد أو المزدحم ـ حتى لو كان يتبع كل قواعد التكوين الجيد ـ لن يكون له
من التأثير الفعال ما للتكوين البسيط. والتكوين البسيط هو التكوين
الاقتصادي في استخدام الخط والشكل والكتلة والحركة، وهو التكوين الذي لا
يشمل سوى مركز أهمية واحد، ويتميز بأسلوب موحد يحقق التكامل الهارموني بين
زوايا الكاميرا والإضاءة والقيم اللونية".
( 4 )
يلعب مدير التصوير السينمائي، دوراً حيوياً للغاية في موقع التصوير من
خلال مسؤوليته
عن الإضاءة، وتكوين الصورة أثناء عملية التصوير. كما أنه يتحكم بدرجة كبيرة
في
تصميم الموقع، وبالتالي في تصميم الصورة المرئية النهائية للفيلم. أي أنه
يقوم بتقديم تفسير بصري من الصور المتحركة للصفحة المكتوبة في السيناريو
تبعا لرؤية المخرج. وتقع في دائرة مسئولياته أيضا اختيار نوع نيجاتيف
الفيلم، ومعدات الإضاءة، وعدسات الكاميرا. وموافقة مدير التصوير ضرورية على
الديكور، والإكسسوارات، والملابس، والشعر، والماكياج، وهو يعمل بالتعاون مع
المصور (Camera
Operator)،
وكبير عمال الإضاءة (Gaffer)،
والماشنيست (Key
Grip)..
لهذا فإن مدير التصوير السينمائي يأتي
ثانيا في الأهمية بعد المخرج مباشرة، ويكفى أن طريقة إنجازه للعمل تحدد مدى
الالتزام بجداول التصوير وبالتالي بحدود الميزانية.
المصور السينمائي (Camera
Operator):
هو المسئول عن التصوير بالكاميرا، وحركتها، وضبط بؤرة العدسة, وأي أمر
يتعلق بما هو موجود داخل الكادر الذي تراه
الكاميرا أثناء التصوير. وهو من قلائل العاملين في الفيلم الذين يمكنهم رفض
طبع
اللقطة بعد تصويرها لأن فيها خطأ، كما يمكنه أن يطلب إيقاف التصوير إذا أحس
بأن
اللقطة لا يتم تصويرها بالشكل المتفق عليه مع المخرج ومدير التصوير. وغالبا
ما يستعين في عمله بمساعد مصور واحد أو أكثر.
مساعد مصور أول (1st Assistant Camera Operator)
:
هو المسئول عن نصب الكاميرا في مكان
التصوير ولضم الفيلم فيها وتركيب العدسة عليها، ومتابعة وضوح الصورة أثناء
تصوير اللقطة, وكتابة تقارير الكاميرا للمصور.
مساعد
مصور ثان (2nd
Assistant Camera Operator):
هو المسئول عن
إحضار الفيلم الخام إلى موقع التصوير, وكتابة البيانات الخاصة بالمخزون
المتوفر منه، وتعبئة الأفلام في خزانة الكاميرا، ونقل الكاميرا من موقع
لآخر ويكون مسئولاً أمام المساعد الأول.
الماشنيست (Key
Grip):
هو
المسئول عن تجهيز معدات تحريك الكاميرا في مكان التصوير, ومن مهامه
الضرورية أن
يقوم بتنفيذ حركات الكاميرا على الحاملة (Dolly)،
أو ذراع الكاميرا (Boom)،
أو الرافعة (Crane)،
أو الشاريو (Tracking)..
أثناء التصوير بناء على قرار المخرج ومدير التصوير.
كبير عمال الإضاءة (Gaffer):
هو فني الكهرباء الأساسي في موقع التصوير، أي أنه المسئول أمام مدير
التصوير في كل ما يختص بالإضاءة، بما فيها عمل قائمة بكل معدات الإضاءة
المطلوبة في تصوير الفيلم, وتجهيز الإضاءة في كل لقطة كما خطط لها مدير
التصوير، ويتضمن هذا اختيار الوسائل المناسبة لتثبيت مصادر الإضاءة،
وتوصيلها بمنابع التيار الكهربي وضبط مستواها أثناء التصوير، بل إنه مسئول
أيضا عن صيانتها.. وكل ذلك تحت إشراف مدير التصوير. |