مدير التصوير الدكتور ماهر راضي، يعد واحداً من أعمدة التصوير السينمائي في
مصر والوطن العربي، وذلك للكثير من الإنجازات التي حققها على مستويي الصورة
والضوء، هذا بالرغم من قلة أعماله الروائية الطويلة (23 عملاً).. فهو الذي
عمل خلف الكاميرا قرابة الأربعين عاماً، يصور ويبحث عن أفكار ومعان تعبر
عما يحسه كفنان ومفكر للصورة السينمائية، وكيفية توصيلها للمتفرج. فنجح في
إثراء هذا المجال، وحصد الكثير من الجوائز وشهادات التقدير.
بدأت علاقة ماهر راضي بالكاميرا مبكراً، حيث كان عاشقاً للتصوير
الفوتوغرافي، يقضي وقتاً طويلاً أمام الصور والمناظر التي تحيطها.. وتأصلت
هذه الموهبة، عندما زاد ارتباطه بالصور بعد حصوله على الثانوية العامة. مما
جعله يلتحق بالمعهد العالي للسينما عام 1967. وشجعه على ذلك نشأته الفنية،
وتأثره بالفنان السيد راضي (ابن عمه)، والمخرج محمد راضي، والفنانة عفاف
راضي، واستفاد بخبرتهم في مجال الفن..!!
التحق راضي بالقوات المسلحة بعد تخرجه من المعهد، حيث كانت الحرب على
الأبواب، فذهب لميدان القتال، كمراسل حربي، مهمته نقل الأحداث بالصوت
والصورة. وبعد انتهاء الحرب، دخل عالم التصوير السينمائي، دون خوف أو قلق،
وبدأ حياته مصوراً بفيلم "هل تعرفين معنى الحزن" للمخرج محمد راضي عام
1968، وبعد انتهاء الحرب عام 1974 عمل مصوراً في أفلام محمد راضي
"الأبرياء"، "أبناء الصمت"، و"أنا وابنتي والحب". وكان أول عمل له كمدير
تصوير كان الفيلم القصير (الحادثة)، والروائي كان "صانع النجوم"، أيضاً
للمخرج محمد راضي.
ولم تتوقف طموحات ماهر راضي على الفيلم الروائي فقط، بل شارك في عدة أعمال
تسجيلية، أكسبته خبرة أكبر في التعامل مع الكاميرا.. منها «السندوتش» عام
1975، «ادفو» عام 1980، «الدندراوية» عام 1980، «عشش الترجمان» عام 1981،
«بحار العطش» عام 1982، «الكرسي الذهبي» عام 1982، «ما قبل الأهرامات» عام
1982، وأخرها «مراكب الشمس» عام 1983. (2)
يقول الفنان ماهر راضي، في توصيفه لمدير التصوير: (...علي الفنان أن يكون
تفكيره بصريا في تناوله لمرئيات الفيلم, وهذا يعني أن نفكر في نقل
المعاني والأفكار والأحاسيس التي يتناولها الموضوع من خلال عناصر بصرية
تستطيع من خلالها إثارة المعرفة البصرية للمشاهد, والتي تتحول بدورها في
عقله إلي أفكار ومعان وأحاسيس تؤثر في عقله ووجدانه...). (1)
(...اعتمد في عملي على الموضوع واعتبره القاعدة الأساسية التي تعد مصدر
إلهام مدير التصوير، ويأتي بعده الشكل الدراسي الذي أبني عليه رؤيتي في
التصوير والتعبير عن المشهد، ثم التأثيرات التي تظهر في خيالي، ثم التعبير
بلغة الضوء التي تميزني عن غيري، وتخاطب الوجدان، وتوجه للأحاسيس
الإنسانية...). (2)
يتحدث مدير التصوير السينمائي ماهر راضي عن أسلوبه في التصوير، إذ يذكر
بأن: (...هناك عنصران بالفن في غاية الأهمية وساعدا في تكوين شخصيتي
السينمائية الأول دراستي التي علمتني كيف للصورة أن تقول الكثير؛ لذلك كرهت
«الثرثرة السينمائية»، وأدركت أن في التعامل مع أي جهاز إعلامي بصري لا بد
أن يراعي صانع العمل أنه يحاور الجهاز البصري للمتلقي.. ولا بد أن تكون لغة
الحوار عاملا مهما لتوصيل المعلومة والإحساس، والعنصر الثاني هو التوصيف،
مما يجعلني كمدير تصوير صاحب رؤية جديدة وثاقبة معادلة لرؤية المخرج، وليس
مجرد مفسرة لها، ولذلك فإن هذين العاملين كانا سببا في أن تحمل معظم أفلامي
نوعاً من المشاغبات السينمائية سواء مع الجمهور أم مع المخرجين...). (2)
(...يعد عنصر الضوء من أهم عناصر التصوير يتم من خلاله رسم التأثير الضوئي
للمكان، كما أن عنصر الظلام له الأهمية نفسها؛ لكن للأسف لا يفكر مدير
التصوير عادة في الظلام؛ فإذا كان الضوء يعبر عن قيمة الخير بأشكالها
المختلفة، فالظلام يعبر عن الشر بأشكاله المختلفة أيضا، والواقع يحتم وجود
الخير مع الشر؛ حتى يكون العالم واقعياً، وإذا حدث عكس ذلك فإن المصور لا
يعبر عن واقع...). (2)
بالإضافة إلى إنجازات ماهر راضي في مجال تصوير الأفلام الروائية
والتسجيلية، فهي لم تغنيه أو تمنعه من ممارسة التدريس والتأليف في نفس
المجال.. فهو الحاصل على الماجستير في التصوير السينمائي عام 1983،
والدكتوراه في فلسفة الفنون السينمائية عام 1987، ويقوم بتدريس مادة
التصوير السينمائي في المعهد العالي للسينما، وبعض الجامعات الخاصة، علاوة
على ذلك، فقد قام بتأسيس جمعية معامل الألوان، بهدف نشر الوعي الثقافي
للتصوير، من خلال إقامة ندوات ومحاضرات لتدريب العاملين في مجال الصورة
ورعايتهم. كما أنه ساهم في مجال الإنتاج السينمائي، بإنتاجه لفيلمي "أيام
الغضب"، و"زيارة السيد الرئيس". وكان التأليف هو آخر المجالات التي يدخلها
ماهر راضي، وذلك بتأليفه كتابي "فن الضوء في التصوير السينمائي"، و"فكرة
الضوء".. وقد فاز عن كتابه الأخير بجائزة الشيخ زايد للكتاب، لجهده الواضح
في مزج البعد الأكاديمي والخبرة العملية والرؤية الفنية في التعامل مع
الصورة السينمائية.
عن كتابه "فكرة الضوء"، يقول: (...وجدت أن هذا الموضوع لم يتطرق إليه أحد
في أدبيات السينما المصرية، ووضعت فيه خلاصة رحلتي التي استمرت أكثر من 40
عاماً كمدير تصوير في السينما المصرية؛ فبدأت أبحث عن موضوع الضوء باعتباره
لغة تعبير عن الأفكار والمعاني والأحاسيس، وتأثيره في المتلقي «المشاهد»،
وعرضت فيه رؤيتي الخاصة لبناء الفيلم ضوئياً باستخلاص تجارب تقنية، وجمعت
فيه بين الرؤى الأكاديمية والفلسفية للتكفير البصري والتجربة الشخصية
والعملية لي...). (2) |