قدم المخرج وكاتب السيناريو رأفت الميهي فيلمه (الأفوكاتو) عام 1983، وهو
فيلم ينتمي إلى ما يسمى بالكوميديا السوداء، ليقدم لنا كوميديا راقية
وهادفة، افتقدتها السينما المصرية منذ أيام نجيب الريحاني (إن صح التعبير)،
واضعاً نصب عينيه الرواج الجماهيري للفيلم الكوميدي، ومستغلاً ذلك لتصحيح
الاعتقاد الخاطئ والسائد عن الكوميديا، خصوصاً إن الأفلام التي تناولت
الكوميديا ـ وما أكثرها ـ تناولتها بشكل تجاري بحت، متخذة من التهريج
طريقاً للربح المادي.
فالكوميديا هي أكثر الفنون الدرامية تعرضاً للظلم والإجحاف، في كل زمان
ومكان. وذلك نتيجة ذلك الاعتقاد السائد بأن الكوميديا هي فن الإضحاك
والتهريج فقط. علماً بأن الكوميديا - على غير ما هو شائع - ليست بعيدة عن
مشاكل الإنسان وقضاياه الحقيقية. وهذا بالضبط ما فعله الميهي، عندما قدم
(الأفوكاتو) ليكون نموذجاً للكوميديا الهادفة، مبتعداً عن الإسفاف
والتهريج.
ومنذ أن بدأ رأفت الميهي الكتابة للسينما، كان اهتمامه منصباً على معالجة
هموم الإنسان المصري والعربي وقضاياه السياسية الاجتماعية والنفسية، ويبدو
ذلك جلياً في فيلمه الأول كمخرج (عيون لا تنام)، حيث تناول فيه وبواقعية
أحد الأمراض الاجتماعية المتفشية في المجتمع. كذلك يواصل الميهي التعبير عن
هذا الواقع في فيلمه (الأفوكاتو)، وإنما من خلال رؤية سينمائية مختلفة
وجديدة وبأسلوب اعتمد فيه على عدم التقيد بقوانين الواقع، بل إنه لجأ إلى
الفانتازيا. واستطاع ـ بهذا الأسلوب ـ أن يتجاوز المحاذير التي ظلت بعيدة
عن النقد والتعرض لها من خلال السينما، عن طريق غير مباشر وساخر في نفس
الوقت.. فهو يسخر من شخصية المحامي، ويسخر من السلطة القضائية، ويسخر من
السجن والسجان، وكذلك يدين الطبيب والمأذون الشرعي.. وكل هذه رموز للمجتمع
والسلطة، أدانها وكشف بعض أوراقها، باعتبارها أنماط فاسدة استطاعت استغلال
سلطاتها لتحقيق مصالحها الشخصية، وهي إفراز طبيعي لمجتمع الانفتاح الفاسد.
وقد نجح رأفت الميهي في اختياره لشخصية المحامي حسن سبانخ (عادل إمام)
بصفته رجل القانون المدافع عن الحق والعدالة، ليكون هو المتلاعب بهذه
العدالة. فهو يستخدم المسافة بين القوانين والواقع ليقلب الحقائق ويجعل من
البريء متهماً وبالعكس. ومن خلال هذا التناقض تحدث عملية فرز للمواقف
الاجتماعية التي يريد أن يعريها ويكشفها في حياتنا اليومية.
يتحدث رأفت الميهي، فيقول: (...حسن سبانخ هو كل مسئول يحيد عن أداء واجبه،
هذا هو مفهومي للسينما، فهي نقد الواقع وكشفه. وإذا كان هناك من يريد إبقاء
الواقع على ما هو عليه فإنني لست كذلك. والفن لا ينبغي عليه أن يلعب هذا
الدور (...) إن ما تعلمته في حياتي إن السينما هي أداة الناس لنقد السلطة
والمسئولين...).
وفيلم (الأفوكاتو) لا يعتمد على ما تقوله الحدوتة، بقدر اعتماده على
المواقف الاجتماعية والكوميدية الساخرة. وقد استطاع الميهي (المخرج) أن
يجسدها بأسلوب فني بسيط وغير معقد، ابتعد فيه عن أسلوب الإبهار، واحتفظ فقط
بالحرية في تنفيذ المشهد، حتى بدت المشاهد كاريكاتورية، وهي ـ بالطبع ـ صفة
من صفات الفانتازيا.
نهاية الفيلم جاءت على غير المتوقع، فالفيلم يقدم صدمة للمتفرج ويجعله يخرج
من الفيلم بشعور من الاكتئاب، بالرغم من كوميديا الموضوع التي يعيشها طوال
أحداث الفيلم. ولعل هذا نتيجة للكم الهائل من السلبيات والعيوب التي يبرزها
لنا الفيلم ويعيشها المجتمع المصري، إن لم يكن العربي بشكل عام.
مشهد النهاية، وعدة مشاهد أخرى، تؤكد لنا بأن الفيلم قد نفذ بشكل يتم فيه
تحطيم وكسر قوانين الواقع، وإلا لكانت النهاية مضحكة كنهايات الأفلام
الكوميدية التقليدية. |