فيلم (هدى ومعالي الوزير ـ 1995) من بطولة نبيلة عبيد ويوسف شعبان ومجموعة
كبيرة من نجوم السينما المصرية. وهو لا يختلف كثيراً عن نوعية الأفلام
المصرية التجارية. ولا نعني بتسمية الأفلام التجارية هي الأفلام الرديئة أو
الهابطة، وإنما الأفلام التي مجمل الأفلام التي تسعى إلى الجمهور العريض
بأي طريقة ممكنة، بقض النظر عن مستوى الفيلم الفني والتقني. وهذا يعنى
بالطبع في أنه يمكن أن يكون الفيلم ذو مستوى لا بأس به فنياً وتقنياً، وفي
نفس الوقت ينجح جماهيرياً.
يحكي الفيلم عن هدى (نبيلة عبيد) البنت الفقيرة والتي تعيش في أحد الأحياء
الشعبية في القاهرة، إلا أن الفرصة تأتيها للزواج من أحد المليونيرات العرب
لترجع إلى مصر وهي محملة بالملايين. وتبدأ في الشروع بتأسيس شركة مقاولات
لبناء المساكن الشعبية. ولأنها تريد الطريق الأقصر للشهرة، فهي تعرف كيف
الوصول إليه. فتجمع عدداً من أفراد أسرتها الذين يعيشون حياة الصعلكة
والنصب والاحتيال، وتغير من هيئاتهم وهندامهم وتلبسهم أفضل الملابس وتشركهم
معها في الشركة لحمايتها من الطامعون فيها. كما تبحث عن مجموعة من الفتيات
الجميلات وتلبسهم على الموضة ليعملن في السكرتارية وليكن عوناً لها في
تسيير أمورها الرسمية مع المسؤلين في الدولة. وتبدأ في البحث عن معلومات
دقيقة عن شخصيات معروفة، تعرف مسبقاً بأنها ستستفيد منها كثيراً. الشخصية
الأولى هو أحمد بيه (يوسف شعبان) محامي معروف وعضو مجلس الشعب وله اتصالات
قوية مع الكثير من الشخصيات المهمة في الدولة. وفي حفل افتتاح الشركة تتعرف
هدى على أغلب الشخصيات المرموقة في البلد، وذلك بفضل أحمد بيه. هنا يصبح كل
شيء واضح للمتفرج، وهو إن هدى أسست هذه الشركة لتقوم على الغش والتزوير.
وتبدأ الإعلان عن شركتها في الصحف والمجلات، أما ف التليفزيون فيكون
الإعلان على صورة لقاء تليفزيوني مع هدى تبين فيه المميزات المغرية التي
ستمنحها للمواطن الذي سيستأجر شقة في مشروعاتها الإسكانية. ومن الطبيعي أن
يصدق هذا المواطن البسيط كلام سيدة الأعمال هدى خصوصاً بأنها تتحدث من جهاز
حكومي خطير كالتليفزيون.
أما بالنسبة لزوجها الذي تركته في بلده، فهو يفكر في الهروب من بلده وطلب
اللجوء السياسي في مصر، خصوصاً بأن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين
مقطوعة. وهو يعتقد بأنه بهذا الأمر سيكون قريباً من زوجته هدى، إلا أنها
تعرف بأنه سيتعبها كثيراً إذا أصبح بقربها في مصر، فتدبر للتخلص منه، وذلك
بالتبليغ عنه لدى حكومته. وبعد عودتها إلى مصر تطلب الطلاق من المحكمة التي
تطلقها غيابياً بسبب سجن زوجها في بلده.
وبعد أن تستقر إمبراطورية هدى، تظهر الصحفية أماني (تهاني راشد) لتنبش في
دفاتر هدى وشركتها لتكشف النصب والتزوير الذي قامت عليه هذه الشركة، وتنشره
في الصحيفة. وبالرغم من أن هدى تستخدم كل الطرق الشرعية وغير الشرعية، إلا
أن المحكمة تحكم لصالح الصحفية أماني لحوزتها على كافة الأدلة والمستندات
التي تدين هدى وشركتها. فنرى كيف تنهار الشركة بنفس السرعة التي قامت بها.
أما سيدة الأعمال هدى، فهي تهرب إلى الخارج بمساعدة سعادة الوزير أحمد بيه،
وتنجو من القضاء.
هذه هي أحداث فيلم (هدى ومعالي الوزير) التي نرى بأنها تشكل تحذيراً واضحاً
لقدرة الجهاز الإعلامي، وبالأخص التليفزيون، على التأثير في المتفرج
مباشرة. لذلك يجب التأكد من أي خبر أو إعلان أو حتى معلومة صغيرة قبل بثها
على المتفرج. هذه هي الفكرة الرئيسية التي نستخلصها من الفيلم. وهي معلومة
إيجابية صغيرة، إلا أن صانعي الفيلم قد دخلوا في متاهات الدراما التقليدية
وصنعوا فيلماً طويلاً يدور حول هذه المعلومة الصغيرة. وقد جاء في عناوين
الفيلم بأن القصة السينمائية والسيناريو والحوار لهذا الفيلم كتبها سعيد
مرزوق بالإضافة إلى الإخراج، عن قصة للكاتب نبيل خالد. وهذا يعني بأن
الفيلم يتحمل عبئه الأكبر سعيد مرزوق لوحده.
وإذا أردنا أن نتحدث عن السيناريو، فيمكن القول بأنه سيناريو ضعيف يحتوى
على الكثير من السلبيات، التي أدت إلى هبوط مستوى الفيلم. فهناك أحداثاً
وشخصيات رئيسية بدت مفبركة وغير منطقية ولم ينجح سعيد مرزوق في رسمها.
فمثلاً الطريقة الساذجة التي بدأ بها الفيلم أحداثه لم تكن مقنعة تماماً.
فكيف علينا أن نصدق بأن الإنسان في غمضة عين يمكن أن يصبح صاحب ملايين،
وبهذه الطريقة التي حدثت لهدى. وقد أضحكتني حقاً تلك الحيلة الساذجة التي
حبكتها هدى وزوجها على مديرها في العمل لإجباره على السفر بدونها. شعرت
وكأنني أمام مشهد فكاهي وتافه أيضاً. ثم كيف يريد أن يقنعنا السيناريو بذلك
التحول الذي حدث لأقارب هدى. كيف لنا أن نؤمن بمنطقية أن نجلب إنساناً من
الشوارع والحواري ونقول له بأنك مسئول عن شركة كبيرة. خصوصاً وإن هؤلاء
الأقارب قد أظهرهم الفيلم كمعتوهين وسذج لا يعرفون أي شيء في شؤون البزنس،
إضافة إلى الصبغة الكوميدية التي أضفاها عليهم رغبة في إضحاك المتفرج، دون
مراعاة بأن ذلك سيضر ببناء الشخصية نفسها. ثم أن كثير من المشاهد والأحداث
قد قدمها الفيلم بشكل تقليدي مباشر، وغالباً ما تكون المباشرة مقتلاً للفن،
حيث ضياع الجانب الجمالي التخيلي.
هذا بالنسبة للسيناريو، أما بالنسبة للإخراج والنواحي الفنية الأخرى، فسعيد
مرزوق بخبرته وموهبته الفذة استطاع أن يحرك كاميرته بشكل ملفت ويقدم زوايا
تصوير جميلة ومعبرة في بعض الأحيان، فكان للإضاءة دوراً فعالاً في التعبير
في مشاهد كثيرة. ولولا ضعف السيناريو والحوار لكان بإمكان سعيد مرزوق أن
يقدم تكوينات جمالية تعبيرية مؤثرة. صحيح بأن سعيد مرزوق قد نجح في إدارة
من معه من فنيين وفنانين، إلا أن هذا الجهد قد ضاع أيضاً في تجسيد فكرة
وسيناريو ضعيف. |