الكاميرا الرقمية سلاح المواجهة مع الإنتاج المخرجون يتجهون نحو التبسيط في التقنية توفيراً القاهرة ـ ناهد صلاح |
لم يدخل المخرج يسري نصرالله بفيلمه «باب الشمس»، تاريخ السينما العربية من أوسع أبوابه فقط، ولكنه أيضا دخل بنا إلى منطقة السؤال الملغوم: هل وجود مثل هذا الفيلم الضخم يعد تراجعا عن شعار الديجيتال الذي رفعه السينمائيون الجادون، وفي مقدمتهم يسري نصر الله، ليتمكنوا من تحقيق أحلامهم بعيدا عن تعسف الشروط الإنتاجية التي تفرضها السوق؟ «باب الشمس» المأخوذ عن رواية اللبناني إلياس خوري، يتناول القضية الفلسطينية من العام 1943 إلى العام 1994، تم تنفيذه على مستوى تقني عال من دون الإستعانة بأسلوب الديجيتال أو بالكاميرا الرقمية،بعد أن توفرت له مصادر إنتاجية متنوعة توزعت بين فرنسا وألمانيا ومصر والمغرب. لعل هذا الثراء الإنتاجي كان وراء عدم إستخدام التكنولوجيا الرقمية كتقنية فنية،خاصة أن مخرجي السينما المصرية الكبار لم يستخدموها كنوع من الرفاهية أو كحيلة فنية، تشكل لهم إضافة وإنما هرب من قسوة الظروف الإنتاجية، فلم يكن أمامهم سوى اللجوء إلى حلول ذات طابع إنتاجي رخيص. ربما كانت الصدفة جعلت يسري نصر الله أول المتقدمين في السينما المصرية إلى ساحة الديجيتال بفيلمه «المدينة»، الذي حققه في العام 2000، بعد فورة افلام الديجيتال التي اكتسحت بها مدرسة «دوجما 95» الدانماركية السوق العالمي، وغيرت المشهدية التقليدية سواء في عمل الاستوديوهات، أو أسلوب العروض، ولكنها أيضا فتحت أبوابا مغلقة أمام سينمائيين كبار أمثال محمد خان وخيري بشارة وأسماء البكري للتجريب في هذه المساحة بعد ماضاق بهم أفق السينما المصرية عموما.لكن هل نجحوا فيما اتجهوا إليه؟! في إطلالة سريعة على تسلل «الديجيتال» إلى السينما المصرية، سنجد أن «مدينة» يسري نصر الله كان لها السبق، وما عبر عنها حينذاك قائلا: «أتصور أن تجربة «المدينة» طرحت حلولا جديدة على المستوى الجمالي والإقتصادي، مناسبة تماما لحال السينما المصرية، نحن نتحدث عن فرق هائل في التكلفة بين الديجيتال والـ 35مللي. كما أن هناك مشاهد في الأفلام لايمكن تصويرها جيدا إلا بالفيديو،مثل مشهد السباحة في النيل ليلا، وهو من أجمل مشاهد «المدينة»، فلو انني حاولت تصويره 35مللي، لكنت احتجت إلى إضاءة عالية جدا ودرجة حساسية للفيلم الخام مكلفة إلى حد كبير». وإذا كان «نصرالله» هنا قد تحدث من واقع تجربته الخاصة والرائدة في السينما المصرية،فإنه أيضا أكد أنه سيلجأ إلي «الديجيتال» طالما وجد له فائدة، إذ قال: التقنية لايجب أن تكون عدوا للمخرج،فعمله يتطلب منه أن يصادق كل تكنولوجيا جديدة ويدخلها في نسيج عمله ثم يحولها لصالحه، وفي النهاية يخلق لنفسه من خلال تلك الصداقة أكبر هامش ممكن من حرية التعبير المرئي والفني والبصري والسياسي. محمد خان هو الآخر خاض التجربة بفيلمه «كليفتي»، بطولة باسم سمرة ورولا محمود، ويعد حاليا لتجربة ديجيتال جديدة بفيلمه «بنات وسط البلد» سيناريو وحوار وسام سليمان، مراهنا على «الديجيتال» كخطوة لسينما مصرية مستقلة،وكفرصة للتحررمن سطوة رأس المال الذي لايبحث سوى عن الربح متجاهلا الفن والإبداع، وهو ما يعبر عنه قائلا: « ظروف السينما الحالية والهيمنة على التوزيع والإنتاج في وقت واحد، لا مجال لأي موضوع طموح أن يجد له مكانا على الساحة، ولا سبيل للخلاص من هذه السيطرة، إلا عن طريق «الديجيتال»الذي يعطي الحرية للمبدع في تقديم ما يريد، من أن يكون تحت رحمة الإنتاج، فالديجيتال هو المستقبل، وأنا سعيد بتجربة «يفتي»لأنها لا تعتمد على شباك التذاكر، ومن ناحية أخرى تسمح لي بتقديم تجربة أفخر بها في ظل الظروف الإنتاجية الحالية. كما حققت لي حرية كاملة بطريقة غير مكلفة،ولذا فقد قررت أن أخوض التجربة مرة أخرى مع فيلمي المقبل «بنات وسط البلد» رغم حماسة «خان»تجاه المستقبل الرقمي للسينما الذي يرى أنه لامفر منه، مؤكدا أن هذا لا يؤثر على طريقة سرده أو أسلوبه، إلا أن فيلمه «كليفتي» الذي احتفى بعض النقاد لمجرد أنه يحمل توقيع «محمد خان» هو في حقيقة الأمر لايمكن مقارنته بأفلام أخرى مثل «ضربة شمس» أو «زوجة رجل مهم» أو «طائر على الطريق» أو «أحلام هند وكاميليا»، وغيرها من أفلام في رصيده شكلت وعيا جماهيريا وأضافت إلى السينما المصرية بريقا خاصا. فالفيلم منذ الوهلة الأولى اتسم بفقر الإنتاج، وربما كان هذا بديهيا لأن الإنتاج الفقير كان السبب للجوئه لهذا الحل التقني، لكن ماذا عن مستوى الفيلم ذاته؟ فهل استطاع «خان» أن يتجاوز هذه المشكلة إلى جماليات أكثر سواء على مستوى الشكل أوالمضمون؟، في الحقيقة إن الفيلم بدا كمغامرة كبيرة لم تخل من المخاطر، حتى أن نقادا آخرين رأوا أنه يعتمد على بناء تقليدي تتحرك من خلاله كاميرا كأنها تصور تقريرا عادياً، لينضم الفيلم إلى الصورة السائدة للسينما المصرية، حيث يدور داخل إطارالسردية ذاتها، ليكون في النهاية فيلما تقليديا حتى لو كان تم تصويره بأسلوب متمرد هو الديجيتال. أما رهان المخرجة أسماء البكري فكان تحديا صارخا لتعسف الإنتاج السينمائي السائد وتحيزه لنوعية معينة من الأفلام، فقدمت فيلمها «العنف والسخرية»، رافعة شعار «المستقبل للديجيتال». وقالت: «بصراحة الديجيتال كان الوسيلة الأنسب لتصوير فيلمي الذي عاني من مشاكل انتاجية كبيرة، فقد ذهبت به الى جميع جهات الإنتاج العامة والخاصة في مصر، ورفضوه، فلم أجد حلا غير الديجيتال لتجاوز الأزمة والعمل من دون قلق الكلفة المادية، وهي خطوة جريئة خطاها الكثيرون من المخرجين في العالم، ولاسيما انها تعطي نتائج جيدة بتكلفة اقل، كما انها تمنح المخرج الحرية في التحرك باستقلالية اكثر» . وقد مارست «أسماء البكري»، حريتها إلى أقصى درجة فاختارت ممثليها جميعهم من الوجوه الجديدة التي تقف أمام الكاميرا لأول مرة، باستثناء استعانتها بالممثلة عائشة الكيلاني وبالمخرج زكي فطين ممثلا، وابتعدت عن التيمات التجارية إذ تناولت في فيلمها الذي كتبته مع السيناريست حسام الدين زكريا عن رواية لألبير قصيري فكرة فلسفية ترتكز علي قيمة «السخرية»، من خلال مجموعتين من الناس يريدون التخلص من الحاكم الطاغية كل واحدة على طريقتها. فيما تريد المجموعة الأولى قتله، ترى المجموعة الثانية ان السخرية هي السلاح الأعظم لمواجهته لأن العنف لا يجلب سوى العنف ورغم أهمية الفكرة التي يطرحها الفيلم، إلا أن فقره الإنتاجي كان واضحا وتأثر به الإيقاع ذاته. المخرج خيري بشارة انضم أيضا إلى القائمة فصور فيلمه «ليلة في القمر» الذي لم يعرض حتى الآن، وبالتالي من الصعب الحكم عليه، ومعرفة ما إذا كان «الديجيتال» قد شكل له إضافة أم لا؟ ولكن المؤكد أن الفيلم،حسب تصريح مخرجه، لم يكلفه كثيرا، ولم يستغرق التصوير سوى ثلاثة أسابيع وبضعة أيام. يبقى أنه ربما كان دخول كاميرا الفيديو «الديجيتال»، مجال العمل السينمائي في مصر هي الفرصة الوحيدة المناسبة لمخرجين كبار، لم يرفعوا راياتهم البيضاء أمام طوفان التنازلات الذي أغرق السينما، ولكن هذا لم يشبع عطش السؤال الذي لم يزل مطروحا: هل كانت محاولاتهم البسيطة للتحرر على قدر المغامرة التي خاضوها مع تكنولوجيا الديجيتال، وهل الكاميرا الرقمية وحدها تكفي للنجاة والوصول بالسينما المصرية إلى بر الإبداع الآمن؟! البيان الإماراتية في 17 أبريل 2005 |
|