شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

«التملص» لعبداللطيف قشيش:

فيلم فريد في تاريخ السينما الفرنسية

باريس - ندى الأزهري

 

 

 

 

«هذه جائزة تقتسم مع فريق العمل كله. شكراً جزيلاً». بهذه العبارة المختصرة، وبانفعال باد وتواضع مؤثر تسلم المخرج عبداللطيف قشيش جائزة «السيزار» عن «التملص» الذي اعتبر «أفضل فيلم فرنسي لعام2000». كان الفيلم فاز وفي الحفل نفسه بثلاث جوائز مهمة أخرى: أفضل إخراج، أفضل سيناريو وأفضل تمثيل (الأمل الصاعد للممثلة الشابة سارة فورستييه). وخالف فوز الفيلم بهذه الجوائز الأربع، لا سيما منها «أفضل فيلم» والإخراج، التوقعات التي وضعته على قائمة الترشيحات، ولكن بعد أفلام فرنسية أخرى كانت حظيت بإقبال جماهيري واسع، ومنها على سبيل المثال «خطبة ليوم أحد طويل»، الذي كان مرشحاً لإثني عشر سيزار، و»الكورال» الذي رشح لثمانية. وهو ما أثار نوعاً من الدهشة لدى البعض، والحفيظة لدى بعض آخر. ولكن الفيلم قبل هذا وذاك، أثار الإعجاب الكبير عند محبي السينما الذين رأوا فيه خروجاً عن الدائرة الضيقة للسينما الفرنسية، وعند «أهل المهنة» الذين أطلقوا عليه صفات مثل «مبهر»، «رائع» ، وأنه «وأخيراً، فيلم يستحق السيزار!» (راجع مقالة عن الفيلم في الصفحة نفسها).

عبداللطيف قشيش الذي ولد في تونس، قدم إلى جنوب فرنسا وهو في الخامسة من عمره مع أسرته. وعمل منذ بداياته في المسرح الفرنسي، ثم مثل في أفلام عدة، كان أولها عام 1984 «شاي بالنعناع» لعبدالكريم بهلول حيث لعب دور مهاجر جزائري في فرنسا. كما عمل مع المخرج الفرنسي أندريه تشيني في «الأبرياء»، ومع المخرج التونسي نوري بو زيد في «بيزنس». حيث نال عن دوره فيه جائزة التمثيل في مهرجاني دمشق لعام 1993 ونامور للفرانكوفونية. حقق أول أفلامه «إنها غلطة فولتير» عام2000، ونال عنه الأسد الذهبي لأفضل عمل أول في مهرجان البندقية.

يقوم حالياً بالتحضير لفيلمه الثالث الذي يصوره في جنوب فرنسا. وقد التقيناه لدقائق معدودة في مطار شارل ديغول وهو بين طائرة مقبلة من الجنوب وأخرى مغادرة إلى نيويورك.

·         في البدء ما هي ترجمتك الخاصة لعنوان الفيلم إلى العربية؟ التهرب مثلاً؟

- لا، ليس تماماً. قصدت به تلك الحركة التي يقوم بها الرياضي مثلاً ليتجنب أو يتحاشى شيئاً ما. ثمة تصور لشيء جسدي أي له علاقة بالحركة.

·         علمنا أن السيناريو في جعبتك منذ سنوات. كيف جاءت فكرة الفيلم؟ ولماذا أردت الحديث عن سكان الضواحي بالذات؟

- منذ زمن طويل، كنت أريد التحدث عن هذا الموضوع، عن أناس لا تتحدث عنهم السينما الفرنسية، أناس من أصول مهاجرة. لقد رغبت في إعطائهم بعداً «سينمائياً» لا يبدو في أخبار الحوادث اليومية، وإنسانية كنت أراها فيهم، لكنها لا تظهر في الصورة العامة المأخوذة عنهم.

عدم ارتياح

·         هل عانيت أنت بالذات من هذه الصورة؟

- نعم، نعم! لكن، ربما تكون»المعاناة» كلمة كبيرة. يمكن القول ثمة عدم ارتياح، أو نوع من الانزعاج إزاء هذه الصورة.

·         وفي ما يتعلق بالفيلم، هل شعرت بثقل هذه الصورة؟

- نعم. جداً. لم «يهضم» الأمر كثيراً! بداية، الفيلم لم يتلق أية مساعدة مادية. ونهاية هو حصل على ما حصل عليه ولم يتم تمرير ذلك بسهولة. وعلى سبيل المثال بعد نيله السيزار، كانت ثمة تعليقات غبية من نوع أن» ذوق الجمهور قد أهمل» (في إشارة إلى الأفلام التي لقيت إقبالاً جماهيرياً شديداً ولم تحظ بالجوائز المهمة التي حصل عليها فيلمه)، ناسين أن الدائرة التي خرج فيها الفيلم كانت ضيقة، وأنه لم يتح له في الأصل أن يعرض على جمهور واسع. لكن كل ذلك غير مهم. إنها تعليقات غبية!

·         أتت من جانب النقاد أو من أهل المهنة؟

- لا على العكس. لقد جاءتني تعليقات إيجابية من النقاد وأهل المهنة ومن مخرجين كثيرين. وهي تظهر إعجابهم بالفيلم، وتقديرهم للعمل الذي قمنا به. وكان هذا شيئاً رائعاً.

·         هل لديك اطلاع على السينما العربية؟

- بالطبع، لا سيما المصرية منها. أعرف الأفلام وليس المخرجين. فقط (يوسف) شاهين.

(وهنا حاول أن يتذكر اسم فيلم مصري «جميل جداً» كما عبر، عن شخصيتين نسائيتين( ربما كان «هند وكاميليا»). ثم تابع:

- أرى ما يعرض من الأفلام العربية في فرنسا وعددها قليل جداً.

·         تحضر حالياً فيلمك الثالث، هل ساهم نيلك الجائزة في مشروعك هذا؟

- موازنة الفيلم كانت جاهزة قبل نيل الجائزة.

·         نقصد المساهمة المعنوية، وليس المادية؟

- في الحقيقة، لست واعياً للأمر. قبل الجائزة كنت أحضر الفيلم، وبعد نيلها مباشرة عدت لإكماله.

·         ولكن هل تضيف حيازة الجائزة شيئاً؟ هل تغير الجوائز شيئاً في نظرة الآخرين وأسلوب تعاملهم؟

- إنها شيء موقت جداً. ثمة كثيرون من الذين حصلوا عليها، لم نسمع عنهم في ما بعد.

عالم المهاجرين

·         وما هو موضوع فيلمك الذي تعمل عليه الآن؟

- هو قصة عن أسرة مهاجرة في جنوب فرنسا. الأب الذي وصل إلى سن التقاعد، لم يكن راضياً عن وضعه. فهو يرغب بالتغيير وتحقيق شيء له قيمته في حياته. فيسعى لتأسيس شركة... إنه فيلم أكثر ذاتية من فيلمي السابقين.

·     فيلمك الأول كان عن حياة مهاجر تونسي غير شرعي. والثاني عن أهل الضواحي. والثالث سيكون عن أسرة مهاجرة. هل تنوي البقاء ضمن هذه المواضيع؟ أي حياة المهاجرين وواقعهم؟

- هم ليسوا حقاً مهاجرين. إنهم فرنسيون! أنا أتحدث عما أعرفه. عن ذلك المستوى الاجتماعي الذي خبرته أكثر من غيره. كل مؤلف يتحدث عما يؤثر فيه وعن المحيط الذي عايشه. إن ما أحاول تقديمه هو هذا الوسط الاجتماعي، وليس لدي حالياً مشاريع مختلفة.

·         جاء الممثلون من تلك الأحياء التي تحدثت عنها. فكيف اخترتهم؟ وكيف كان التعامل معهم وهم ليسوا من المحترفين؟

- لم يكونوا ممثلين. وقد أجرينا عملية اختيار عادية (كاستنغ). كانت لدى بعضهم تجارب سابقة مثل سارة (التي فازت بجائزة التمثيل كأفضل أمل صاعد). أما إدارتهم فكانت متعة لي. وقد عملنا معاً في الصيف لمدة شهرين. لديهم طاقة هائلة.

·     لم يكن في الفيلم ثمة سكينة أو لحظة صمت! وكان الحوار بين الشخصيات يتحول بسهولة وطوال الوقت إلى جدال وصراخ! هل كان ذلك مقصوداً؟

- نعم. كانت لدي الرغبة في إظهار الطاقة الكبيرة التي يختزنها هؤلاء والتي يمكنها أن تصدر عنهم. كانت لديهم إرادة قوية للعمل والوصول إلى نهاية مغامرة شيقة قاموا بها. في مخيلتي ذكريات حلوة عن انجاز هذا الفيلم.

·     كان فيلمك «التملص» ذا موازنة ضيئلة كما عرفنا، وقد قرأت أن الجائزة قد تكون منحت له «لتشجيع الأفلام ذات الموازنة الصغيرة». فما ردك على كل هذا «القيل والقال»؟

- كان ثمة الكثير من «القيل والقال» كما تقولين! والسبب أشرحه لنفسي، ولكل طريقته في الشرح. انني أعتقد أن الفيلم جميل جداً. وهو فيلم فريد في تاريخ السينما الفرنسية. وهذه هي الخلاصة! لا أحد يستطيع الكلام على الأسباب التي تدفع إلى إعلاء شأن فيلم ما. إنه اختيار ديموقراطي. يصوت أناس من المهنة لأنهم أحبوا أو لم يحبوا الفيلم. ولن يقرروا مسبقاً «آه سنصوت لفيلم منخفض الموازنة أو آخر ذي موازنة ضخمة». إن هيئة التحكيم لا تتكون من خمسة أشخاص وإنما من خمسة آلاف ولا نعرف لماذا صوتوا لفيلم بعينه، لكنهم وفي شكل عام يصوتون لفيلم أحبوه أو أثر فيهم.

من انتقد، أناس لا يعرفون ما هي هذه المهنة وليسوا على دراية بالكيفية التي يصنع فيها فيلم. لأننا عندما نعرف كيف يتم صنع فيلم، فليس لدينا ما نقوله حول طريقة الآخرين في التصويت.

وهنا تداركنا الوقت. وكان عليه المغادرة قبل أن يفوته موعد الطائرة. وكانت الملاحظة على عبداللطيف قشيش أنه لم يقل مرة واحدة: فيلمي، بل الفيلم أو فيلمنا.

الحياة اللبنانية في 15 أبريل 2005