تبنته وزارة الإعلام والثقافة أخيرا: مهرجان أفلام الإمارات.. إنطـلاقة لسينما خليجية جديدة أبو ظبي ــ محمد رضا |
كانت هناك مفاجأة مهمة في الساعة الأخيرة من الدورة الرابعة لمهرجان أفلام من الإمارات عندما تم الإعلان رسميا عن أن وزارة الإعلام والثقافة قررت تبني المهرجان بالكامل ودعمه بما يتطلب معنويا وماديا بدءا من العام المقبل. حتي تلك اللحظة كان الدعم الرسمي غير مباشر إذ أن المهرجان الإماراتي انطلق منذ أربع سنوات كأحد نشاطات المجمع الثقافي في أبو ظبي, وهو مؤسسة رسمية لها باعها الطويل في النشاطات الثقافية والفنية المختلفة منذ إنشائها قبل أكثر من عشر سنوات تحت رئاسة محمد السويدي. المهرجان نفسه فكرة وتأسيس وإدارة مسعود أمر الله وهو سينمائي أخرج أفلاما قصيرة ولديه مشاريع طويلة كلها في الأدراج لعدم وجود تمويل كاف. علي عكس أترابه, مسعود لديه الخبرة والثقافة لصنع فيلم كامل المواصفات, لكن مساعيه الحثيثة منذ إطلاق هذا المهرجان انحصرت في توظيف الفرصة السانحة لمحاولة خلق جيل من السينمائيين. وهو بتعداد السنين القليلة التي مرت علي هذا المهرجان, نجح فيما هو أكثر من ذلك.ليس مفاجئا, إذن, ذلك الإعلان المهم في نهاية الدورة الحاشدة بل هو الإشارة الصحيحة إلي انطلاقة أكبر وولادة جديدة. إلي مستقبل ثقافي أفضل يعمل المسئولون هناك علي تأمين الوصول إليه مدركين أن الوقت قد حان لمنح هذا المهرجان التأييد الذي يستحق. وهم لم يتأخروا لكن كان لابد أن يدرسوا نتائجه إلي الآن ويستمدوا منها القرار المناسب, وهذا ما حدث. صفحة تاريخ مهرجان أفلام من الإمارات هو مهرجان بمسابقة مزدوجة: واحدة خاصة بالطلاب والثانية مفتوحة للمخرجين والسينمائيين غير الطلاب. وكل واحدة منقسمة بدورها إلي مستويين: روائي وتسجيلي. وما تم إنجازه في أربع سنوات فقط ليس ارتفاع عدد المشترك من الأفلام المصنوعة أو الممولة محليا من أقل من عشرين في العام الأول إلي أكثر من531 في هذا العام فحسب, بل تأسيسا لسينما لم تكن لتنطلق. مهرجان أفلام من الإمارات هو المهرجان العربي الوحيد الذي استطاع أن يصبح حافزا لصنع أفلام. بذلك, المفهوم الذي كان منتشرا من قبل ومعمولا به في أذهان عديدين المتسائل عن كيف يمكن إقامة مهرجان سينمائي في بلد خال من السينما كسره هذا المهرجان مؤكدا أن ذلك ممكن. في الوقت ذاته, لا نتحدث عن سينما متكاملة. معظم ما عرض هذا العام لا يرقي, علي الأقل في رأي رئيس لجنة التحكيم محمد العسلي, إلي مستوي جيد. وهذا إلي حد ما أمر طبيعي وربما من الأجدر توقعه171 فيلما لا يمكن أن تكون كلها فوق المتوسط, ولا حتي نصفها. طبيعة الأمور تفرض ذلك وتفرض أيضا مسألة النظر إلي الظروف التي تتم بها عملية تحقيق هذه الأفلام. الوضع السينمائي في منطقة الخليج بأسرها, والمهرجان يستقبل أفلاما عربية خارج المسابقة إذا ما شاء أي سينمائي الاشتراك به, لم يعرف منذ الأعوام الثلاثين الماضية سوي المحاولات الفردية. الأفلام المحلية القصيرة التي خرجت من الإمارات والكويت والمملكة العربية السعودية وعمان علي الأخص تعاملت مع مواضيع تسجيلية محدودة عادة ما كانت حول الغوص بحثا عن اللؤلؤ واكتشاف آبار النفط وبعض المواضيع الصناعية والبيئية الأخري. حين أطلق الكويتي خالد الصديق فيلمه الذي لا يشيخ بس يا بحر قبل نحو30 سنة بدا أمرا ناشزا في حينه. فيلم من دولة بلا صناعة؟ لكن لنفكر قليلا في تلك الظروف. حين خرج بس يا بحر مؤرخا لصفحة جديدة في سينما منطقة الخليج كانت السينما العالمية مزدحمة بالتجارب السينمائية الرائعة وبالمخرجين الموهوبين والمتميزين من أكيرا كوراساوا إلي لويس بونويل ومن أندريه تاركوفسكي إلي فديريكو فيلليني ومن تجارب السينما الثورية اللاتينية إلي تلك الكلاسيكية اليابانية. العالم كله كان حافلا بالمدارس الجديدة والتيارات ولأول مرة منذ إطلاقها آل القرار في السينما الأمريكية إلي يدي المخرج وليس شركة الإنتاج. هذا كله انعكس إيجابا ليس لأنه أخرج المحاولات الخليجية المستحيلة من قمقمها لبعض الوقت, بل أساسا لأن السينما العربية من مصر إلي المغرب مرورا بلبنان وسوريا والعراق, انتعشت وتولي المخرج فيها قيادة أمة من الكتاب والمفكرين والمثقفين والفنانين. إمكانيات والواقع في منطقة الإمارات هو- تحديدا- عدم وجود أية فرصة ماثلة علي الشاشة الكبيرة باستثناء الفيلم الأمريكي الذي إذا اتبعت خطواته محاولا تقليده قصرت, وإذا ابتعدت عنه لن تجد نموذجا آخر تقتضي منه إلا إذا كانت لديك لائحة من الأفلام الأوروبية القديمة والحديثة تطلبها علي اسطوانات وتشاهدها في بيتك. بعض الأفلام القصيرة التي شاهدناها كانت محاكاة أمريكية. بعض النقاد العرب, مثل صلاح هاشم, هاجم هذه المحاكاة علي أساس أنها غير مطلوبة. كذلك لم يجد المخرج محمد العسلي, رئيس لجنة التحكيم أية ضرورة لها. لكن عندي لو أن المشكلة ليست في النية ولا في الطموح إنما في عدم توفر الإمكانيات المناسبة. بعد ذلك, وحين تتوفر تلك الإمكانيات يمكن الحكم علي التوجه الذي تحتضنه. ذلك لأن ما يبقي هو البحث عن هوية خاصة لا يمكن للسينما الإماراتية أن تستقطبها من السينما الأمريكية أو سواها. ما تحققه إمكانية مشاهدة نماذج متعددة كتلك التي ذكرناها هي تعدد المتأثرات التي تمنح المخرج- المحتمل نماذج مختلفة يختار منها ما يعتقد أن موهبته وهويته الثقافية بحاجة إليها. مخرجات إذن ما الذي احتوته الدورة الرابعة من مهرجان أفلام من الإمارات من أفلام تركت تأثيرا إيجابيا علي العديدين ومنحت المهرجان القيمة التي يستحق؟ الفستان بعرف لجنة التحكيم كما بعرف آخرين عديدين, استحق جائزة أفضل فيلم روائي قصير. مخرجه يتبني موضوعا اجتماعيا جادا ويعبر عنه باقتصاد ملحوظ وفي محله. وهو سبق له أن فاز بشهادة تقديرية قبل عامين عن فيلمه الأرجوحة. ليس الفستان هو فيلمه الوحيد الفائز في هذه الدورة, بل فاز أيضا بالجائزة الأولي لأفضل فيلم تسجيلي قصير( عنوانه رقي الفعل) ما يعكس, علي الأرجح, صعوبة الاختيار ودقته في ذات الوقت. هذا الفيلم هو واحد من30 فيلما من فئة الأفلام المتنافسة في المسابقة العامة, أما مسابقة فئة الطلاب فعرضت105 أفلام. معظم مخرجيها جدد لم يسبق لهم الوقوف وراء الكاميرا من قبل ومن بينهم عدد من المخرجات الطموحات أمثال سارا حمد( حلم جميل) وعبير سالمة( المهمة) وعائشة القاسمي( يوم آخر) وياسمين فواز نابلسي( كامل) ولطيفة سعيد الفاسي( يوم في الزمن) وجميعهن أبدين قدرات واعدة ولو علي نحو متساو. المشكلة هي أن احتمالات التوقف عن العمل في السينما هو أيضا متساو مع إحتمالات الاستمرار. أكثر من مخرجة قدمت أفلامها في الدورات السابقة غابت هذا العام وقد تغيب العام المقبل. ومع أن هذا يحدث أيضا بين الشباب لذات الظروف الإنتاجية إلا أن المرأة في الإمارات تواجه, فوق هذه الظروف, التقاليد التي تمنع بعض المخرجات من القدرة علي الاستمرار. يوم عادي لعمر إبراهيم, ومن كتابة إبراهيم الملا, لديه فكرة جيدة معبر عنها بأسلوب ناجح وإن لم يكن متكاملا: كاتب يجلس في مقهاه ويحاول الكتابة, لكن قبل أن ينجح في كتابة السطر الأول عليه أن يفتح نوافذ الخيال وهذه تنقله إلي رحاب عديدة. أحد أفضل التجارب التي رأيناها هنا هذه السنة هي لوليد الشحي متمثلة بفيلم علامات الموتي. مثل فيلمه الذي فاز بالروائية الأولي في العام الماضي, وعنوانه طوي عشبة, يقدم المخرج وفريقه عملا من تلك النادرة في السينما العربية وفي السينما الخليجية طبعا, وهو الفيلم ذو الحس التأملي الذي قلما يتفوه بكلمة. شخصيات في مقبرة أحدها حارس المقبرة الأصم والأبكم الذي ينجح الفيلم في التعبير عن تساؤلاته حول ما يسمعه وما ينطق به الآخرون. الموقع والبيئة والحركة والتعبير كلها تكرار لما ورد في طوي عشبة, لذلك ما هو الناقص هنا هو إضافة نوعية. في الغيث لفاصل سعيد المحيري ممارسة في الكادرات المنتقاة بعناية مسكوبة علي قصة بسيطة التكوين لصبي يريد أن يعرف سبب اختفاء الحدائقي ذي العاهة الدائمة. بداية ونهاية فيلم الافتتاح كان مدرسة بحد ذاتها. إنه الفيلم المغربي فوق الدار البيضاء, الملائكة لا تطير لمحمد العسلي الذي هو- بدوره- مدرسة متميزة في السينما العربية كونه يدرب الكادرات علي نفقته وذلك في ستديو أسسه علي نفقته أيضا آملا في تخريج دفعات من الكتاب والمخرجين. فوق الدار البيضاء.... دراما رائعة حول ذلك الشرخ بين القرية والمدينة. الملائكة تحلق فوق القري الفقيرة المعوزة لكنها ممتنعة عن المدينة المتضاربة. أما فيلم الختام فكان محليا. الفيلم الإماراتي الروائي الطويل الأول منذ سنوات بعيدة( والبعض يقول الأول وكفي). إنه الحلم لهاني الشيباني. الحكاية هي لفيلم داخل فيلم. الأول هو الفيلم الذي يقوم ثلاث شخصيات بتمثيله, هم علي الجابري وفاطمة البلوشي وعبد الله حسن أحمد, ضاعوا فوق رمال الصحراء ويعيشون الآن في أزمتين واحدة عاطفية والأخري أزمة حياة أو موت. والآخر هو الفيلم الخارجي الذي من المفترض أن يكون التمهيد لما هو في العمق: المخرج( بلال عبد الله) والكاتب( يوسف إبراهيم) يحاولان تحقيق هذا الفيلم الصحراوي. الكثير كان يمكن له أن يقع لو أن الكتابة كانت أفضل والإخراج كان أكثر وعيا. الحلم فيه النية وتغيب عنه القضية. لكن ذلك هو حال العديد من الأفلام الأخري. كذلك من مشاكل معظم ما شاهدناه التعامل مع كاميرات الديجيتال. هذه ما كان يجب لها أن تولد, وإذ فعلت ما كان يجب لها أن تكون وسيلة البداية, لأن العديد من المواهب الجديدة ستختصر الطريق ولن تعرف كيف تتعامل مع الكاميرا الفيلمية. حين ذكر ذلك لصديق قال: لكن الظروف تفرض. صحيح, لكن النتيجة وخيمة* جوائز المسابقة الرابعة
الأهرام العربي في 29 مارس 2005 |
بعد انسحاب الأمريكيين: هوليوود تصنع الحروب للآخرين ريم عزمي اكتفي الأمريكيون بما يتابعون علي شاشات التليفزيون من القصص الواقعية الدائرة في ساحة المعركة, فلم تعد هناك حاجة لذهابهم إلي دور العرض لمشاهدة أفلامهم الروائية التي تتناول الحروب, سواء كانت حروبهم الخاصة أم حروب الآخرين أم أنهم يتفادون سماع أخبار الحروب والدمار عموما؟الملاحظ أن نوعية أفلام الحروب لم تعد تلقي النجاح المعهود في الولايات المتحدة الأمريكية, أما في فترة سابقة فكانت تتصدر قوائم السباق, حتي إن مجموعة حرب النجوم الأولي في السبعينيات والثمانينيات حققت شعبية أكبر من المجموعة التالية في التسعينيات, وبداية الألفية الثالثة, وأحدث وأبرز مثال فيلم الإسكندر الذي يعرض منذ حوالي شهرين, ولم يحقق سوي34 مليون دولار أمريكي, وهو رقم شديد الضآلة مقارنة بالمكاسب الهوليوودية. وفي المقابل تتمتع الأفلام الخيالية من المغامرات والتشويق بنسبة مشاهدة عالية, فنجد فيلم الكنز الوطني بطولة نيكولاس كيدج, وهو من نوعية المغامرة يحصد أكثر من167 مليون دولار أمريكي, وقد بدأ عرضه في توقيت مقارب لفيلم الإسكندر, وهناك قياسات عديدة علي هذا المنوال, فأغلب أفلام الحروب التي عرضت في الفترة الأخيرة مثل الإسكندر, وطروادة والملك آرثر, والساموراي الأخير, لم تتخط أرباحها100 مليون دولار. في حين كانت أفلام الحروب الواقعية والخيالية سابقا تحقق أرباحا هائلة, وعلي سبيل المثال يوم الاستقلال, الذي تخطي306 ملايين دولار, وإنقاذ الجندي ريان216 مليون دولار, وبيرل هاربور,198 مليون دولار, والمصارع,187 مليون دولار, وسلاح القمة,176 مليون دولار, والجزء الثاني من رامبو120 مليون دولار, ماذا حدث للأمريكيين؟ هل عزفوا عن مشاهدة الدماء المصطنعة وأصبحوا يفضلونها حقيقية؟ أم أن العار والشعور بالذنب يتملكانهم فلا يقدرون علي مواجهة أنفسهم؟ أم أنهم مغيبون تماما وتحولوا لكائنات مبرمجة أليفة تفضل العزلة؟ رأينا الأمريكيين يتجهون إلي الكوميديا والترفيه, فحققت سلسلتا هاري بوتر, ومملكة الخواتم وهما من نوعية المغامرة والفانتازيا التي تناسب المراهقين والصغار, أعلي الأرباح في الفترة الأخيرة, وتخطت مكاسب كل جزء منها300 مليون دولار, وبنظرة صغيرة إلي قوائم السباق حاليا في الولايات المتحدة الأمريكية, نجد أن الأفلام المتفوقة حاليا ما بين الرعب مثل يخفي ويبحث, ووحدي في الظلام, وبين الكوميديا هل وصلنا بعد؟, ومقابلة عائلة فوكر هي التي تسيطر علي القمة, وبالكاد ينافس فيلم الطيار وهو من نوعية الدراما ومأخوذ عن قصة حقيقية, وبطولة الوسيم ليوناردو دي كابريو علي القمة. كانت هوليوود دوما مرتبطة بالسياسة الأمريكية, وهناك تعاون مشترك بينهما, فهل اختلفت السياسات المقدمة للجمهور أم تضاربت المصالح التي تجمعهما؟
ربما لا يصنع
الأمريكيون أفلام الحروب لأنفسهم, فيكفي أن يشاهدها الآخرون ويصابوا
بالدهشة,
ويهابوا القدرة الأمريكية, وهو نوع من الحرب النفسية. فيخطر ببالنا بشكل تلقائي أن ما جري من تسريب لصور التعذيب لم يكن مصادفة, بل بترتيب وتوقيت معينين لتوجيه رسالة محددة عن الطغيان الأمريكي وإرهاب الآخرين, وربما نتأكد من ذلك عند تسرب صور أخري فيما بعد في مناسبات مفرحة للمسلمين مثل الأعياد والمواسم الدينية, أي أننا لا يمكننا الاعتماد علي المصادفة والركون إلي الحظ لكشف الحقائق, فكل شئ يتم بموافقات وترتيبات دقيقة. وظلت الأفلام الأمريكية تعرض لنا طوال سنوات وسنوات سلاسل مبهرة عن البطل الأمريكي الذي لا يقهر, وفي أحيان أخري البطلة الأمريكية أيضا التي تقهر, ونذكر أمثلة لديمي مور في المجندة جين, وأنجلينا جولي في مغامرات لارا كروفت, أما الآن فصورة البطل الذي لا يقهر تراجعت للخلف, وبالتالي انسحب الجمهور عند رؤية بطل أكثر واقعية يتألم ويعاني ولا تنقصه نقاط الضعف. وعودة لأفلامنا التي لا تحقق النجاح المطلوب, مثل الإسكندر, وهو إنتاج ألماني فرنسي هولندي بريطاني مشترك, إخراج أوليفرستون, وهو صاحب باع طويل في الأفلام الأمريكية الموجعة التي تراجع التاريخ الأمريكي, مثل ولد في الرابع من يوليو, ومن قتل كيندي؟, والذي نفي وجود أية إسقاطات علي الغزوات الأمريكية الحالية, لكنها ربما تكمن في اللاوعي, الفيلم بطولة كولين فاريل, وأنجلينا جولي وفال كيلمر, هذا الفيلم يساير موضة الأفلام الإغريقية التي ظهرت أخيرا. ومن المنتظر إنتاج فيلم آخر عن الإسكندر الأكبر بطولة ليوناردو دي كابريو, ونيكول كيدمان وميل جيبسون, ليعرض في فترة قريبة, فيلم الإسكندر من النوعية المتعبة للأعصاب, والتي لا تدع فرصة للحلم, بل هناك تكثيف هائل للأحداث, وفي أحيان أخري مشاهد شديدة الرتابة, لكن لا يمكننا تجاهل التقنية المبهرة التي تضعنا وسط المعارك, كأننا نستنشق الغبار الذي تثيره الجياد بحوافرها, ولن ننسي مشهدا في معركة الأفيال التي كانت تهز صالة العرض, ثم ألوان المشاهد التي تحولت للأحمر كما لو كنا أمام لوحة تجريدية مخضبة بالدماء عند إصابة الإسكندر. لكن الإسكندر يأخذ نفس اتجاه أفلام المعارك الحديثة, فالبطل تعيس ونهايته مؤلمة, ورغم كل ما حقق من مجد فهو لا يرضي ولا يشعر بالراحة. شهدنا ذلك أيضا في حرب طروادة, فبطل الإلياذة الإغريقية الشهيرة أخيل رجل يتمتع بكل المميزات, لكنه ناقم علي حياته طوال الوقت, كما أن مصيره مأساوي. الفيلم بطولة براد بيت, وإخراج فولفجانج بيترسن, وكأن هوليوود حاولت إيجاد بعد إنساني للشخوص في الأعمال الحربية عندما انتقلت إلي القصص الإغريقية الأكثر حضارة بدلا من الملامح الرومانية المبالغ فيها, مثل فيلم المصارع, الذي أعاد أمجاد حقبة الستينيات التي قدمت سلاسل عن التاريخ الروماني, الذي تعتبره أوروبا وأمريكا أصل أمجادهما العسكرية الحديثة. رأينا محاولات للبحث عن جذور واقعية لأسطورة الملك آرثر في بريطانيا من خلال فيلم الملك آرثر بطولة كليف أوين وإخراج أنطوان فوكوا, وتقديمه بصورة أكثر إنسانية بعيدا عن الخيال, كما حدث مع شخصية أخيل في حرب طروادة وإظهار كل حدث بشكل منطقي مبسط بعيدا عن المبالغات الشعرية, وأخيرا فيلم الساموراي الأخير بطولة توم كروز وإخراج إدوارد زويك, الذي ركز علي محاولة تطوير الإمبراطورية اليابانية عام1876 وتصدي محاربي الساموراي لهذا النهوض. الفيلم يدع المشاهد وسط حيرة من التساؤل عن ماهية الحضارة, وهل التمدن يحمل فعلا معان سامية, ويشير الفيلم أيضا إلي إبادة الهنود الحمر في أمريكا, أي أنه عمل يحمل في طياته كثيرا من المرارة, المجموعة التي تحدثنا عنها تشترك جميعها في هذا المذاق المر, لكنها في نفس الوقت تؤكد علي عظمة الغرب. كما لو كان الغرب يعيش في صراع يتجسد مع هؤلاء الذين يقومون ببطولة الأفلام, منهم أقوياء ومنتصرون طوال الوقت, لكنهم لا يعيشون في سلام مع أنفسهم ولا مع الآخرين, وهو ثمن فادح للمكاسب الحربية والأطماع الشخصية* الأهرام العربي في 29 مارس 2005
|