المخرج نضال الدبس: «تحت السقف» ليس مجرد غرفة دمشق – فجر يعقوب |
|
انتهى المخرج السوري نضال الدبس أخيراً من تصوير فيلمه الروائي الطويل الأول "تحت السقف"، ما يعني انه لم يُمنع من المشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي الماضي – كما أشيع – ذلك انه الآن في المراحل الأخيرة من العمليات الفنية التي تتطلب عادة أوقاتاً استثنائية للانتهاء منها، ناهيك بأنه وكما يقول المخرج نفسه عن فيلمه "ابن العام 2005". ونضال الدبس الذي درس هندسة العمارة في جامعة دمشق بانتظار أن تتاح له دراسة السينما في مكان آخر، جاءته هذه الفرصة وهو في سنته الدراسية الأخيرة، فقرر ألا يحصل على شهادته الجامعية كي لا يضيّع فرصة سفره الى موسكو، إذ ان هناك قانوناً في سورية يحظر على المهندسين مغادرتها. وكان المخرج الدبس بدأ مساره بإخراج فيلم روائي قصير بعنوان "يا ليل يا عين"، نال جوائز عدة في مهرجانات مونبلييه وتونس ودمشق، كما أقام ثلاثة معارض فنية فردية، إضافة الى انه يكتب القصة القصيرة. حــول فيلمه الجــديــد (من انتاج المؤسسة العامـة للسينما في دمشق) كان لنا معه هذا الحوار: · عُرف عن السينما السورية إجمالاً ولعها بالقضايا الكبرى (وفلسطين على رأسها)، فيما أنت كما تقول تبحث عن تفصيلات قد تبدو للوهلة الأولى أقل شأناً، كأن تتحدث عن الحب مثلاً؟! - فيلم "تحت السقف" هو محاولة لأن نخرج من سيطرة الشعار والمقولة المعلبة والفكرة والهدف باتجاه الفرد والذات، أي باتجاه الانسان. وفي رأيي أن هذا ليس تنكراًَ للهم العام كما قد تكال الاتهامات، وهو ليس بديلاً منه. حتى تذهب الى الانساني في بلد مثل بلدنا لا يمكن ان تهرب من العام لأنه جزء منك ومن ذاتك، وحضوره قدري بهذا المعنى. يمكن لنا أن نضعه في مكانه لا أن نبدأ أو ننتهي منه بالقدر الذي يكون فيه إحدى ميزات المحيط الذي يفعله فيّ كفرد. وإحدى هذه الميزات لا تكون الحب فقط، بل كل ما له علاقة بالوقوف أمام عالمي الفردي الداخلي. الحب جزء مني مثله مثل الوفاء والصداقة والكراهية، وكل هذه المفاهيم التي بوسعي الانطلاق منها لمجرد التركيز عليها. · هل تعتقد اننا فشلنا في معالجة القضايا الكبرى؟ - أرى ان من المبكر ان تتحدث عن فشل، والأحرى بنا أن نتناقش الى أين وصلت هذه المحاولات، وهي محاولات قليلة في هذا الاتجاه على أية حال. البحث عن الفكرة · أن تكون تحت سقف واحد... يعني أن تغلق على فكرتك..!! - أنا ليست لدي فكرة في الاساس، وهذا ما أريد أن أوصله، أنا لا أغلق هذا المكان، وليست لديّ فكرة حتى أغلقه عليها. بالعكس ففي مفهوم المكان أنا ليس لدي سقف بمعنى غرفة، وإنما فضاء أكبر من مجرد مكعب اسمنتي، وإذا ما أردت فهو خزان ذاكرة... خزان الماضي، والفكرة الأساسية فيه أن يصبح ضيقاً على الحاضر. الفيلم يصل في النهاية الى حلٍ يتلخص بتدمير المكان. هكذا يرى البطل وهذا مهم جداً، إذ لا توجد محاولة لجرّ البطل أو الفيلم أو الأحداث الى خدمة مقولة أو فكرة. الأحداث تجري لوحدها بحرية كبيرة، وهذا يجعلها تتصادم مع الثوابت. وبهذا المعنى يصبح المكان أحد هذه الثوابت، وكسر هذه الثوابت يصبح مرتبطاً تماماً بكسر هذا المكان. · يصبح ضيقاً على الحاضر... يعني يصبح ضيقاً على الفعل السينمائي نفسه...!! - بالضبط. الفعل السينمائي واحد من هذه الثوابت المخيفة، وبات يجدر بنا إعادة النظر فيه(...). · أذكر ان المخرج اسامة محمد قال عن فيلمك (قبل تصويره) انه سيكون بمثابة انعطافة في السينما السورية... الآن (بعد تصويره) كيف تنظر الى هذا الامر؟! - انه محاولة لإعادة النظر بـ"ثوابت" انبنت عليها السينما في سورية تحت اسم سينما جادة أو هادفة، فإذا كان المقصود بالانعطافة هو اعادة النظر بهذه المفاهيم، نعم، بوسعي الادعاء ان هناك معنى لكلام اسامة محمد، فالشيء الاساس الذي عملته هو انه لدي وجهة نظر تقول اننا نبحث في الاماكن المضاءة، وقد خكر على بالي ان أسلط الضوء على الاماكن المعتمة التي لم يجر البحث فيها سابقاً. والذي جعلني اكتشف هذه الأماكن هو الكمّ الهائل من الأسئلة التي واجهتني وأنا أضيئها، وهي وضعتني في مواجهة ذاتي، وهذا شكّل لدي تحدياً على المستوى الانساني، ففي هذه الأماكن ليست هناك (ثوابت) نتكئ عليها، فهي أماكن حرة لدرجة غير معهودة، وهنا يصبح المطلوب منك ان تصبح قادراً على نقل أسئلتها بطاقة من الحرية متضمنة إياها، وهذا كان صعباً، ولكنه كان في الوقت نفسه ممتعاً وصادماً لي شخصياً ولـ(الكاستنغ) الذي عمل معي في الفيلم. · ما هي الأزمة التي تواجهها السينما السورية الآن في رأيك؟ - أنا لا أحب أن أتحدث عن "أزمة السينما السورية"، فهذه المسألة أصبحت من الثوابت التي تحدثنا عنها، وقد يعتقد البعض انه بما أن المؤسسة العامة للسينما هي المنتج الوحيد للسينما في سورية فإنـها المسـؤولة عـن الأزمة كونها تحمل ثلاث صفات، فهي إذاً ما يجمع المشكلات الثقافية والاقتصادية والمؤسساتية. ولا أعرف حقيقة لماذا يجب تعقيد الأمور بهذه الطريقة؟! · كم كلّف فيلمك؟ - أنا لا أحب أن أتحدث عن الكلفة والامور الانتاجية الاخرى، فهذا ليس موضوع نقاشنا. · لو دفعوا لك خُمس الموازنة التي عملت بها من خارج القطاع العام، هل كنت ستعمله؟ - هذا يعتمد على المشروع، ولو أعطوني موازنة أقل، فهذه مشكلتهم، وفي كل الأحوال أنا أفضّل ألا تثار مثل هذه المواضيع. · في حوار جانبي تحدثت عن (سذاجة) مقصودة في حركة الكاميرا، مع أنك عملت مع مصور مجرّب ومخضرم مثل يوسف بن يوسف... - بدأت فكرة التعامل مع الكاميرا بهذه الطريقة من الشخصية نفسها، فالبطل هو مصور أعراس، أضف ان اللحظة التي يفترض أن أصور بها الفيلم والشخصيات محكومة ببساطة زاوية الرؤية، وهذا جعلني أفكر بأن على الكاميرا أن تكون مرتاحة وبسيطة بزاويتها وإضاءتها وحركتها. لقد حاولت أن تكون الكاميرا حرة، وأن تتخلص من ثباتها وجمودها، فقد كانت محمولة، وإذا ما وضعت على الحامل، فعلى أرضية اسفنجية، وهذا أوجد حال قلق كبيرة تشبه حال البطل. حتى انني تركت للممثلين مساحة كبيرة للارتجال، وهي مساحة كانت مفيدة للفيلم، فقد حصلت على مشهدين من هذا الارتجال أفضل مما هو مكتوب في السيناريو نفسه. · كيف تقبّل المصور حلولك الاخراجية هذه. - هو أحس بالمنطق الدرامي لهذه الحلول، واشتغل على هذا الاساس. الحياة اللبنانية في 4 فبراير 2005 |