شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

قراءة لممثلي هوليوود على خلـفية موســم الجوائز

أداءات رائعة في أدوار صغيرة وكبيرة

محمد رضا

 

 

 

 

 

 

على الرغم من صرخات الانذار التقليدية التي تسبق عادة اعلان ترشيحات الغولدن غلوب والاوسكار، وتتزامن مع نهاية كل عام كما لو كانت مروحة هوائية معلقة على قارعة طريق تتحرك كلما مرت بها الريح، فإن العام المنصرم شهد عدداً من الافلام التي تتميّز بإداء ممثليها، الى جانب الحرفة الذكية والمعالجة التوّاقة الى درجات فنية عالية: كلينت ايستوود ومورغان فريمان وهيلاري سوانك في "مليون دولار بايبي". بول جياماتي، توماس هيدن تشيرش، فرجينيا مادسون، ساندرا أوه في "جوانب". ليوناردو دي كابريو، كيت بلانشيت في "الملاح". جايمي فوكس في "صحبة" ثم في "راي". دون شيدل في "فندق رواندا". ليام نيسون ولورا ليني في "كينسي". جوني دب كأفضل ما في "ايجاد نفرلاند". سكارلت جوهانسن في "أغنية حب لبوبي لونغ". كيت وينزلت في "أشعة شمس داخلية على عقل صاف".

هوليوود...

يمكن الاستطراد في ذكر الممثلين الذين عكسوا براعة واضحة في تجسيد شخصيات كما في النجاح في إيصال الفكرة من وراء الدور. طبعاً هذا النجاح لا يتبلور منفرداً من دون وجود مخرج يقوم بمهمة دوزنة تلك المواهب وتلقينها الرغبة التي في باله. عندما يختار المخرج ألكسندر باين اربعة ممثلين (جيواماي، تشيرش، مادسون وأوه) ليسوا معروفين بتضلعهم ببطولات افلام رئيسية، فإن خطته تقتضي لحمة ما بين الممثل والموضوع الذي كممثليه يدور في الطرق الخلفية من الحياة.

في "جوانب"، لدينا شخصية كاتب يبدأ مهمتين معاً: كتابة روايته الاولى ومواجهة السنة الاولى ما بعد الاربعين من العمر. مطلّق من عامين ولا يزال يعيش منفرداً يصحو ذات صباح على رنين الهاتف. صديقه الممثل التلفزيوني الذي انحدر الى مستوى تمثيل الاعلانات (تشيرش) ينتظره في بيت أهل خطيبته. كانا خططا للانطلاق الى شمال لوس انجلس حيث كروم العنب والنبيذ الصافي. اسبوع من جولة يمارس فيها جياماتي معرفته بأنواع الخمر وكيف تُصنع على آذان غير صاغية لصديق يودع حياة العزوبية بصعوبة.

تشيرش، الذي تشبه ملامح وجهه وعضلات بدنه تلك التي حباها الله على أرنولد شوارتزنيغر، إنما مع موهبة كان من شأنها أن تضع أرني على الرف مبكراً لو أتيح لها الظهور، يتورط في علاقة عاطفية مع نادلة (قليلة الظهور ساندرا أوه) إنما لكي تنجح، على صديقه أن يخرج مع صديقتها (فرجينيا ماديسون). الحادث من وراء هذه الخلطة كوميديا مواقف وشخصيات رائعة خصوصاً عندما تتهاوى العلاقة بين تشيرش وأوه بالسرعة التي بدأت فيها حالما اكتشفت المرأة المحبّة أن تشيرش يملأ فراغ حياته ريثما يحين موعد زواجه.

في مشهد لا يُنسى يصحو جياماتي في غرفة الفندق على دق عنيف على الباب. حين يفتحه يجد صديقه عارياً تماماً يرتجف من برد المرتفعات العالية لكاليفورنيا. تشيرش، بعد تهاوي العلاقة، يحاول أن يجد دفءاً لدى نادلة اخرى لكن حين يستجيبان نداءات العاطفة يدهمهما الزوج ليلاً فيفر تشيرش بما استطاع حمله: لا شيء.

حقيقة ان لا أحد من هؤلاء الممثلين نجم يدفع الفيلم الى مصاف يشبه ذلك النبيذ الذي يتحدّث عنه، صافياًَ وجميلاً ومن دون سكر كثير. لكن المخرج ألكسندر باين كان تعامل مع نجوم في السابق واستلخص الفيلم نفسه. في "عن شميد" تحدّث المخرج ايضاً عن أزمة سنوات النصف الثاني من العمر طالباً من جاك نيكولسون تأدية الدور الرئيسي.

المخرج الأيقونة

في المنحى نفسه يأتي فيلم كلينت ايستوود الجديد احتفاء بممثلين وشخصيات داومت الانتاجات الاميركية على تجاهلها في السنوات الاخيرة. مثل "جوانب" يأتي ايستوود (الذي لا يعيره معظم النقاد العرب ما يستحقه من تقدير لمجرد إنهم يرون فيه الايقونة النجومية السابقة ليس أكثر) بحكاية مطرزّة بشخصيات غير شابة. هو نفسه (73 سنة) يؤدي شخصية مدرّب ملاكمة يملك نادياً. في مطلع الفيلم يعلّق آمالاً كبيرة على ملاكمة الاسود الشاب. بعد فوزه يعاونه الملاكم على "دفش" سيارته كما يعاونه على الأمل بأن هناك بقايا حياة في ركام السنين الماضية.

في أحد الايام تدخل ناديه امرأة في الحادية والثلاثين من العمر وتبدأ بتمرين نفسها. يلاحظها مورغان فريمان في شخصية الملاكم السابق الذي تحوّل الى مدير النادي: رجل يحمل بدوره أعباء سنواته وافضل ما فيها مرّ بلا عودة. تطلب المرأة (هيلاري سواتك) من المدرّب إعدادها للمباريات. كل ما تطلبه لحياتها أن تصبح بطلة ملاكمة. وفي البداية يرفض المدرّب ويحاول ردعها، ثم يوافق بعدما تلمّس في إصرارها بعض ما يحبه في الفرد. الاحداث تتبلور على نحو غير متوقع في دراما نفسية ذات أبعاد وجودية رائعة تحيط بها قدرة ايستوود الفذة على تصوير شخصياته وأجوائها بعين دقيقة ونفاذ عميق الى جوهر حياتها.

التمثيل من هؤلاء الثلاثة، ايستوود وفريمان وسوانك، من افضل ما ارتسم على شاشة العام 2004، وكلما اعتقد المرء ان ايستوود مخرجا لا يستطيع تجاوز ما وصل اليه سابقا فاجأه بمستوى جديد: "ميستيك ريفز" كان السبب في ان شون بن وتيم روبنز نالا غولدن غلوب واوسكارات في العام الماضي. لكن الجوائز ليست المعيار. حتى ولو اخفق كل من هؤلاء الثلاثة في نيل هذه الجائزة او تلك، فان ذلك لن يلغي لا قدرة ايستوود على صنع شخصيات خلابة آسرة ولا قدرة ممثليه (وبينهم ايستوود نفسه) على المساهمة في صنع هذه الشخصيات بحسب المراد منها.

سقطات

بعض الاداءات في الافلام ذات الرغبة في الاختلاف يمكن نسيانها سريعا. جود لو في "اقرب" وفي "الملاح" من بينها. في الاول دور كبير يمحوه ظهور كلايف اووين في تلك الدراما التي يعالجها ببراعته المعهودة مايك نيكولز، وفي الثاني دور عابر يؤدي به شخصية الممثل الراحل ايرول فلين.

جيم كاري يبدو كما لو قرر فعل اقصى استطاعته في فيلم يحتاج الى دليل يدوي يشبه الدليل الذي يأتي مع جهاز التلفزيون حين تشتريه. المشاهد يجد نفسه في حاجة الى تركيب الجهاز وايصال الكابلات وتشغيل الاقنية الفضائية عليه. عملية تستغرق نحو ساعة في احسن الحالات. المشكلة هي انه حين يجد المشاهد سبيلا للاكتراث لما يحدث مع جيم كاري وكيت وينزلت في "اشعة شمس داخلية على عقل صاف" يكون الفيلم آذن بالانتهاء.

اداء توم هانكس في "ترمينال" و"قتلة السيدة" مطموس وهو يبقي جهدا فرديا لا يوازيه ابداع من المخرج ستيفن سيلبرغ في الفيلم الاول ولا حنكة من المخرج جوويل كووين في الثاني. في الفيلم الثاني نفسه تبرز إرما ب. هول، التي ادت شخصية صاحبة البيت العجوز، لكن مواهبها في عكس الشخصية تمتد فقط لمسافة قصيرة قبل تدخّل المخرج كووين وشقيقه الكاتب والمنتج ايثان لاحتواء تلك القدرة حتى لا تفلت وتتجاوز مساحتها الخاصة.

افضل ممثلة

مفاجأة العام النسائية كانت في الممثلة البريطانية إميلدا ستاونتون في فيلم مايك لي "فيرا دريك". هذه ممثلة آتية من الغيب. سوابقها مسرحية وتلفزيونية وتمثيل صوتي في فيلم كرتوني بعنوان "هروب الدجاج"، لكن ما تؤديه في بطولة "فيرا دريك" هو اعلى درجة من التجسيد النفسي والواقعي والبدني مجتمعة تحت بشرة تلك الممثلة الرائعة. في هذا الفيلم تؤدي شخصية امرأة متزوجة، لديها ولد وفتاة كلاهما اصبح شابا في حاجة لتأسيس بيته. زوجها يحبها وهي تحب الجميع بما في ذلك كل من يطلبها للمساعدة. انها امرأة عاملة (في مطلع الخمسينات في بريطانيا الخارجة من الحرب العالمية الثانية مدقعة) تترك عملها مساء لكنها لا تدخل بيتها الا بعد ان تزور جارا مقعدا تغلي له فنجان شاي وامرأة عجوزا تساعدها في ترتيب حاجاتها. الى جانب ذلك، تستجيب فيرا نداء الفتيات اللواتي يردن الاجهاض. لا تتقاضى قرشا واحدا على عملها بل تعتبره فعل خير تمارسه منذ عشرين سنة بلا متاعب وبأبسط الادوات. فجأة يدهم البوليس المنزل العائلي الضيق في ليلة احتفاء بخطبة ابنتها ويلقي القبض عليها. آخر فتاة اجرت لها عملية دخلت المستشفى بين الحياة والموت والمحقق اهتدى الى فيرا وها هي بكل طيبتها واميتها في عقد الحياة تجد نفسها مدانة.

اداء ستاونتون لم يكن ليبلغ مداه من الاجادة من دون عاملين: انها وحتى اصغر دور لممثل في هذا الفيلم، تؤدي دورها من دون كاميرا، اي من دون التمثيل للكاميرا، بالتالي لجمهور، وبالتالي لاحتمالات جوائز ونتائج تجارية. العامل الثاني ان المخرج الفذ مايك لي ولأجل تصوير واقعي معيش وبعيد عن الاداء التمثيلي المركب وبغية سلاسة السرد ومضمونه، اجرى "بروات" على المشاهد استمرت اسابيع كثيرة حتى هضم كل من في الفيلم دوره كما يهضم المرء منا حقائق حياته.

تحطيم حواجز

افضل اداء رجالي هو اصعب تحديدا من افضل اداء نسائي. ميلدا ستاونتون تتجاوز كل مساعي زميلاتها من نيكول كيدمان في "مولد" الى جوليا روبرتس في "اقرب" ومن كين وينزلت في "اشعة شمس داخلية على عقل صاف" الى رينيه زليغر في "بردجت جونز 3". لكن بعض الرجال يتجاوزون اترابهم ليجدوا انفسهم ما زالوا يواجهون آخرين يماثلونهم قوة.

ليوناردو دي كابريو يؤدي بطولة فيلم "الملاح" لمارتن سكورسيزي الجديد ولا نكران ان هذا هو افضل اداء له من بين السبعة عشر فيلما التي ظهر فيها حتى الآن. يلعب شخصية المنتج والصناعي والمليونير الاميركي هوارد هيوز. على الرغم من فروقات في الملامح وفي البنية الجسدية، دي كابريو افضل اختيار اقدم عليه المخرج سكورسيزي لبطولة فيلم له منذ اختار روبرت دي نيرو لبطولة "شوارع منحطة" و"سائق التاكسي". دي كابريو يكسر خطر الوسامة على الدور ويقدم اداء رائعا في هذه الشخصية المبنية على الواقع.

لكن جايمي فوكس يفعل الامر نفسه حين يجسد شخصية المغني راي تشارلز في فيلم بيوغرافي آخر هو "راي" يحطم الحواجز الطبيعية بينه وبين الشخصية الاخرى ويلتحم بها فتنسى راي لأن ما يعرضه جايمي هو ما كان سيعرضه راي تشارلز لو اتيح له ان يمثل قصة حياته.

هذان نموذجان لاندماج رائع يؤكدان ان التمثيل اليوم بات اكثر ذكاء مما كان عليه في الامس. لا اقصد ان ممثلي الفترة الذهبية في السينما الاميركية والبريطانية كانوا اقل اجادة، لكن اذا كان التمثيل في بعض جوانبه انعكاسا للموقع من الحياة الذي يحتله الممثل (صغيرا او نجما) في هذا العالم، فانه والحال هذه، اكثر تعقيدا اليوم مما كان عليه في الامس. في سينما مشدودة الى نتائج "شباك التذاكر" من العجيب انه لا تزال اعمال ينصرف صانعوها الى الكمال المطلق في كل ارجائها وحسب افضل ما هو متاح لكل موهبة على حدة. وهذا هو الفن.

النهار اللبنانية في 16 يناير 2005