20 مليون جنيه عـيدية الحكومة للسينما! كتب ـ نــــادر عـــــدلي |
قررت حكومة د. أحمد نظيف دعم الأفلام المصرية بمبلغ20 مليون جنيه سنويا, وهذا قرار تاريخي ومذهل بكل المقاييس.. وعلي مدي معرفتي فإن هذه المرة الأولي في تاريخ صناعة السينما المصرية التي تقرر فيها الحكومة أن تصبح مع السينما وليست ضدها!.. وعلي مدي75 سنة هي العمر الحقيقي لصناعة الأفلام, كانت الحكومات تتفنن في الضرائب والجمارك عليها, وأسست الرقابة خصيصا لفرض السيطرة عليها!.. ومعني القرار ببساطة أنه أخيرا جاءت حكومة تعرف قيمة صناعة السينما. قد يكون من الممتع سرد قصة علاقة السينما بالحكومات المتعاقبة, وكيف بدأت الرقابة عليها من جهاز يتبع وزارة الداخلية, والأفلام العديدة التي عانت من المصادرة والحذف, وكيف أثر ذلك علي تجنب انتاج الأفلام التي تطرح قضايا اجتماعية مهمة, بل وأثر ذلك علي حركة الانتاج عموما.. ولولا شطارة أهل الشام التجارية الذين كانوا يوزعون الفيلم المصري في العالم العربي, لما عاشت صناعة السينما!.. ثم تمخض ذهن الحكومات الاشتراكية في الستينات عن تأميم الصناعة التي بدأت ونمت وعاشت قطاع خاص, ورغم أن القطاع العام انتج بعض الأفلام المتميزة, إلا أن رصيده الأكبر كان لإنتاج الأفلام الاستهلاكية, ولأنه قطاع عام, فإنه أهمل أصول الصناعة من استوديوهات ومعامل, وأصبحت عبئا عليه..فقرر بيعها أو تأجيرها بعد أن وصلت إلي أدني درجة من الكفاءة. وسط كل هذا ظلت الحكومات لاترحم في فرض الضرائب والجمارك علي كل ما يتعلق بصناعة السينما, ووصل الحال إلي أن الانتاج تراجع من70 فيلما أو أكثر, إلي15 فيلما!.. وحتي عندما قررت إحدي الحكومات اقامة مهرجان القاهرة السينمائي لتتباهي به في عالم الدول المتحضرة صاحبة المهرجانات الكبري, ما هي إلا سنوات قليلة, وقام أحد رؤساء مجلس الوزراء بوقف دعم الحكومة للمهرجان, وطلب من رئيس المهرجان كتابة تعهد بأنه إذا أصر علي إقامة المهرجان, فإنه لن يطلب مليما واحدا من الحكومة, وحدثت هذه الواقعة منذ أكثر من15 سنة.. هكذا!.. هكذا كانت العلاقة بين الحكومات المختلفة والسينما!. من هنا.. فإن قرار د. أحمد نظيف رئيس الوزراء بدعم السينما, هو قرار تاريخي فعلا!.. وجاء في الوقت الصحيح, لأن حركة الانتاج أصبحت متعثرة, ولأن شركات خليجية تملك محطات فضائية بدأت تفرض سيطرتها علي الصناعة( بعد أن اشترت كل ما نملك من أفلام!).. وقد يكون مبلغ20 مليون جنيه ليس مبلغا كبيرا لإنعاش الصناعة, ولكني أراه مبلغا كافيا جدا في هذا التوقيت, وسوف يؤثر بشكل ايجابي في انتاج الأفلام.. والأهم من ذلك أنه إثبات أن الحكومة الحالية تعرف قيمة السينما, وانها صناعة سوف تستفيد منها خزانة الدولة كثيرا, واعتقد أن وزير المالية د. يوسف بطرس غالي يمكنه أن يرصد ذلك بالأرقام. وسبق أن كتبت كيف استطاعت المغرب أن تضع أسس صناعة سينما خلال خمس سنوات فقط بدعم الحكومة.. وهناك تجربة أخري تحدث في تونس.. ودبي قررت أن تقيم صناعةسينما عندها!.. لقد اكتشفوا أنها صناعة مربحة للغاية. لكن.. يظل لنا التميز ــ ولا أقول هذا بدوافع وطنية ــ فنحن نملك كل أصول الصناعة, وقام القطاع الخاص بتجديدها وتطويرها( رغم كل التعنت الذي عان منه من شركة مصر للاستوديوهات والتوزيع ودور العرض.. ومازال يعاني!).. ونملك الفني والفنان, ونملك الفكر والابداع.. وبالتالي فإن قرار مجلس الوزراء سوف ينعش الصناعة بشكل سريع وقوي. تبقي نقطة واحدة, كيف نستثمر الــ20مليون جنيه, ونستفيد من هذا التغير التاريخي في نظرة الحكومة للسينما؟.. الكرة هنا في ملعب وزارة الثقافة والوزير الفنان فاروق حسني, وأظن أنه يفكر الآن في أفضل وسيلة لدعم الصناعة بهذا المبلغ.. وهناك آراء ظهرت تدعو إلي توزيع الملايين العشرين بزيادة جوائز المهرجان القومي, واقامة دور عرض بالأقاليم و.. و.. إلخ.. والاتجاه للتفكير بهذه الطريقة سوف يجعل الدعم كأنه لم يكن! فقد نشر أن الدعم من أجل الأفلام المصرية, ويجب ألا نتفرع به إلي أي شئ آخر, ويجب أن يذهب المبلغ بالكامل إلي انتاج الأفلام ـ كل الأفلام ـ التي تضمن انتعاش الصناعة مهما يكن تصنيفها: كوميدي, واقعي, ميلودرامي, استعراضي.. ودعونا من شعارات الأفلام الجادة, والأفلام التي تطرح كذا وكذا.. لأن مجرد زيادة الانتاج من20 فيلما إلي35 فيلما سوف يعطي ما نرجو من انتعاش, وسوف يجعل صناعة السينما من أهم الصناعات التي تعتمد عليها مصر.. والخزانة العامة. الأهرام اليومي في 19 يناير 2005 |
أخيرا.. الدولة تدعــم السينما كل دول العال تدع الأفلا حتي أمريكا وبوركينافاسـو كتب ـ أحمد عاطف
أعلن الفنان فاروق حسني وزير الثقافة عن موافقة مجلس الوزراء علي تخصيص
مبلغ20 مليون جنيه لدعم السينما, وانه سوف يتم تشكيل لجنة من وزارتي
الثقافة والمالية لوضع الضوابط.. ولكن طرحت تساؤلات مثل لماذا تدعم
الدولة السينما؟.. وهل الهدف هو زيادة الافلام المنتجة أم تحسين نوعيتها؟ ولا تتخلف الدول في العالم عن دعم السينما.. ففي أوروبا وحدها169 صندوق دعم في31 دولة, مقدار ما تمنحه1.2 مليار يورو.. فرنسا وحدها يصل دعم السينما فيها إلي490 مليون يورو, وألمانيا(185), وإسبانيا(70), وبريطانيا(62), وإيطاليا(56).. وأكثر من70% من أموال الدعم مخصصة للإنتاج وبالأخص انتاج الافلام الروائية الطويلة.. وكثير من تلك الدول تدعم التوزيع بقوة لكي تصنع توازنا بالسوق بين الافلام الفنية والافلام التجارية. وتمثل أموال الدعم في أوروبا55% من ميزانيات الافلام أما قنوات التليفزيون فتساهم بـ26% والبنوك بـ9% من مجمل الاستثمارات.. أما أموال الدعم فتستقطعها الدول من الضرائب المفروضة علي تذاكر السينما وبيع شرائط الفيديو ومصاريف بث القنوات التليفزيونية العادية والمشفرة..ولأن أغلب المبالغ الممنوحة للدعم هي مبالغ لاترد( باستثناء حالات نادرة في ألمانيا) ولهذا تضخ الدول كل عام مبلغا جديدا في صناديق دعمها. وحتي الولايات المتحدة الأمريكية التي تنتج ما بين500 و600 فيلم سنويا فنصف هذه الأفلام هي أفلام مستقلة لاتنتج إلا من خلال الدعم.. والمساعدات تأتي من جهات كثيرة منها ما هو فيدرالي( حكومي) أو أهلي( منظمات المجتمع المدني) أو خاص( المؤسسات التطوعية) وفي الصين واليابان وروسيا أيضا يعتمد الانتاج في كل منها علي دعم الدولة.. ومن بين الدول العربية نجد دعم المغرب وتونس للسينما هي الأكثر وضوحا.. فالمغرب منحت عام2002 مايوازي25 مليون جنيه مصري.. وتونس تمنح مبلغا يصل إلي35% من تكلفة الفيلم بمتوسط300 ألف دولار( نحو1.8 مليون جنيه لكل فيلم). لكن الغريب حقا هو أن ثلاث دول إفريقية محدودة الموارد تمنح دعما ملحوظا للسينما هي السنغال وساحل العاج وبوركينافاسو.. والدولة الأخيرة من أفقر دول العالم حسب تصنيف الأمم المتحدة وبرغم ذلك تفعل ما بوسعها للحفاظ علي ثقافتها القومية لهذا نجد افلامها حاضرة باستمرار في المهرجانات العالمية. ولأن في كل مراحل تاريخ السينما المصرية.. كان المنتجون يسمحون بجزء من الدعم للأفلام الجادة.. لكن الآن الصورة اختلفت, فالسوق تسيطر عليها الأفلام التجارية بنوعيها الكوميدي والغنائي فقط باستثناء فيلم أو اثنين.. لكن تجربة أساليب أو أنواع سينمائية جديدة لايرغب أغلب المنتجين والموزعين في المغامرة بإنتاجها..وهذا هو دور الدولة في مساعدة أفلام تعبر عن الواقع الحقيقي للمجتمع.. وتساعد علي ترسيخ هويته وتفتح افاقا جديدة للتعبير السينمائي بعيدا عن رأس المال السينمائي الحالي الخائف دوما من المغامرة. الأهرام اليومي في 19 يناير 2005 |