أشباح يد إلهية تطارد حصـــــاد الزيتون! هوليوود- محمد رضا |
عدد الأفلام التي تم إرسالها لدخول الترشيحات الرسمية لمسابقة الأوسكار هذا العام خمسون فيلما تمثل خمسين دولة. ومن الخطأ اعتبار هذا بمثابة ترشيحات, فهي ليست سوي مقدمة للترشيحات التي ستعلن في السابع عشر من الشهر الحالي( يناير/ كانون الثاني) عندما يتم اختيار خمسة متنافسين لكل مسابقة من مسابقات الأوسكار. خمسة ممثلين رجال. خمس ممثلات. خمسة مخرجين. خمسة مصورين. خمسة كتاب. خمسة أفلام ناطقة بالإنجليزية, خمسة أفلام ناطقة بلغات غير إنجليزية, وهذه الأخيرة تسمي بـ مسابقة الأفلام الأجنبية, وسواها ما يشمل كل الفروع المهمة في العمل السينمائي. قديما كان القول السائد هو أن الأوسكار عبارة عن الحفلة التي تكافيء هوليوود نفسها بها. لكن مع ازدياد أهمية السوق الدولية ورغبة أكاديمية العلوم والفنون السينمائية( الجمعية المانحة للأوسكار) في أن تأتي جائزتها في هذا المجال علي ذات أهمية جوائزها في المجالات الأخري, ثم السعي الدؤوب لسينمات العالم دخول المسابقة, أصبح جائزا القول إن الأوسكار لا يكافيء السينما الأمريكية فقط, بل السينما حول العالم. طبعا هو ليس المكافأة الوحيدة في هذا المجال, فهناك جوائز الأكاديمية البريطانية للعلوم السينمائية بافتا وجوائز السينما الأوروبية وجوائز المهرجانات الرئيسية من برلين الي كان وفنيسيا. لكن شيئا ما في السيد أوسكار يجعل السعي إليه مختلفا وجوهريا. الجائزة التي كانت محط سخرية وانتقاد العديد من السينمائيين حول العالم تحولت في السنوات الخمس الأخيرة علي الأخص, الي موضع سعيهم للفوز بها. بحب السيما لأسامة فوزي هو منتخب السينما المصرية لدخول مسابقة الأوسكار وهو أحد فيلمين عربيين وحيدين في هذا الإطار. الثاني هو فيلم حنا إلياس حصاد الزيتون وكلاهما لن يظهر في قائمة الخمس الرسمية إلا إذا غلبت العاطفة المنتخبين ووجدوا أن في فيلم حصاد الزيتون منحي سياسيا مسالما يستحق الإعجاب. إلا أن ماحدث مع فيلم يد إلهية لإيليا سليمان يظل شبحا يطارد ترشيح حصاد الزيتون, حيث رفضت الأكاديمية في2002 دخول الفيلم معتذرة بأنه ليست هناك دولة أسمها فلسطين, لكن علي اعتبار أن العالم يتحدث السينما بلغة رفيعة لا عواطف فيها ولا نيات فإن أكثر الأفلام أهلا لدخول تلك الترشيحات آتية من المزيج السنوي المعتاد: أفلام أوروبية غربية وأفلام جنوب شرق آسيوية وحفنة قليلة من باقي أنحاء العالم. ياباني وصيني الفيلم الياباني المتقدم هذا العام هو للمخرج هيروكازو كوري-إيدا وعنوانه لا أحد يعلم. دراما مستوحاة من قصة واقعية اختار المخرج نقلها من دون تحليل أو تعليق إنما مع الكثير من الإيحاء الاجتماعي. الحدث الحقيقي وقع سنة1988 عندما تم اكتشاف أربعة أطفال تركتهم أمهم وحدهم في شقة أقرب إلي علبة سردين واختفت من دون أثر. لكننا نتابع القصة من مطلعها أي قبل اختفاء الأم. والمشهد الأول الذي يقدم هذه الأسرة مثير: الأم( ممثلة قليلة الظهور أسمها يو) تستأجر البيت ومعها طفلان. لكن عندما تدخل الشقة وتبدأ بفتح حقائبها تستخرج طفلين آخرين كانت أخفتهما لأجل أن تفوز بالشقة الصغيرة من دون الاضطرار للإعلان عنهما حتي لا تحرم من الشقة. ونكتشف سريعا أن الأطفال الأربعة بدورهم غير مسجلين في أي سجل وهو ما يضيف علي العزلة التي تفرضها الأحداث بعدا اجتماعيا خاصا.وعلي الوضع الإنساني عمقا ولو حزينا. في أحد الأيام تقرر الأم الاختفاء مؤقتا عن حياة عائلتها فتترك ظرفا فيه رسالة ومال إلي ابنتها الكبري أكيرا( يويا ياغيرا) لكي تعتني بأشقائها. ثم تعود بعد أسابيع محملة بالهدايا. والمنوال يبدو روتينيا إلي أن تختفي يوما من دون أن تترك خطابا أو تعليمات. ويصبح علي أكيرا تحمل مسؤولية مبكرة في إعالة نفسها والأطفال الثلاثة. عرض هذا الفيلم في أكثر من مهرجان, لكن ما دفعه لتمثيل اليابان يبدو غريبا فهو ليس- نقديا- أفضل فيلم ياباني تم إنتاجه في العام2004, بل هو من بين أبرزها. لكن الواقع هو أن لا أحد يعلم لديه حظ ضئيل في دخول المسابقة. الحظ الأكبر بالنسبة لكل ما هو قادم من سينما جنوب شرق آسيا يكمن في فيلم منزل الخناجر الطائرة لزانغ ييمو. إنه فيلم مشاهده جميلة. مصنوعة للإبهار. تابلوهات فنية لفرسان لا يجيدون إستخدام السيوف والسهام فقط بل الطيران في الأجواء العالية والمشي علي غصون الأشجار وإصابة أي هدف دقيق باستخدام الصوت وإغماض العينين. المضمون مستسلم أمام الرغبة في الإمتاع البصري حال فيلم زانغ ييمو السابق بطل. بالانتقال إلي أوروبا الغربية نجد أن التمثيل الألماني متمثل بفيلم سقوط لأوليفييه هيرشبيغل, ويدور حول الساعات الأخيرة من حياة أدولف هتلر حيث يجمع معاونيه لبحث الوضع المتأتي من تراجع قوات ألمانيا أمام تقدم جيوش الحلفاء. الفيلم, الذي يقود بطولته برونو غانز وألكسندرا ماريا لارا وكورينا حرفوش, ليس أفضل من فيلم الألماني فولكر شلندروف اليوم التاسع. هولوكوست مسيحي فولكر شلندروف وهو ذات المخرج الذي زار لبنان في الثمانينيات وحقق فيلما بعنوان المزور عن صحافي ألماني يصل إلي بيروت لإعداد تقارير عن الحرب لكن العنف يجذبه إليه. هذه المرة يختار موضوعا يعود به إلي الحرب العالمية الثانية. عن الهولوكوست لكن مع اختلاف شديد: هذه المرة الضحايا الذين في الفيلم ليسوا يهودا, رغم وجود ذكر لهم, بل هم بعض الـ400 ألف مسيحي قضوا في معسكرات التجميع. موضوع لم تتطرق إليه السينما من قبل لأن أحدا قبل شلندروف لم يعر مذكرات الأب جان برنارد, المنشورة سنة1945 بعنوان المعسكرZ4587 اهتماما. ربما لأن موضوع الهولوكوست استنفد كل الاهتمام الذي يستطيع أن يستنفده من الجمهور, وربما لأن هناك من يريد أن يوهم أن الهولوكوست كان موجها صوب مجموعة واحدة من الناس. والأرجح هو السببان معا. مهما يكن من أمر, هذا فيلم جيد في كل ناحية من نواحيه يعود به المخرج الألماني المعروف إلي الواجهة الفنية. أما التجارية فلا أمل له في امتلاك فرصة النجاح التي سنحت للائحة شيندلر أو عازف البيانو. والماضي عائد في صيغة البحث عن الذات تبعا للمتغيرات التي اجتاحت أوروبا الشرقية كذلك. في مياه عظيمة يقدم لنا المخرج الماسادوني إيو ترايكوف حياة سياسي يتذكر, وهو علي فراش المرض, حياته وهو صبي يترعرع في ظل النظام الستاليني. إنه واحد من تلك الأفلام التي تضع أطفالا في مقدمتها وتترك لهم مجال تناول الأحداث من وجهة نظرهم. هذا ما فعله أسامة فوزي في بحب السيما وهذا ما فعله أيضا لويس مندوكي في فيلمه المكسيكي أصوات بريئة الذي تقع أحداثه في السلفادور في ثمانينات القرن الماضي. كذلك نشاهده نوعا في فيلم الكورس, وهو اشتراك فرنسي لكريستوف باراتييه وفيه مجموعة من الطلاب الذين يعانون من مشاكل نفسية واجتماعية يتوحدون تحت راية استاذهم ليكونوا فريق كورس. كورس فرنسي هذا الفيلم بدوره ليس أفضل فيلم فرنسي. إذا استثنينا الأفلام الأخيرة لإريك رومير وباتريس ليكونت وكلود شابرول, فهناك علي الأقل فترة الخطوبة الطويلة جدا للمخرج جان- بيير جونو وبطولة أودري توتو. كلاهما برز إلي السطح قبل ثلاث سنوات عبر فيلم إميلي الذي كان كسرا لقواعد السينما الفرنسية. ليس فقط لأن المخرج صور دجيتال, بل لأن أسلوبه في السرد كان تحطيما للمتعارف عليه من سلاسة وترتيب. فيلمه الجديد هذا أكثر هدوءا علي هذه الجبهة, لكنه أكثر تعقيدا مع أحداث تتوالي قد تكون من أزمنة مختلفة ونقلات تتواصل قد تكون من صنع مخيلة البطلة. لكن حالما يضع المشاهد يده علي ما يدور قابلا بأسلوب المخرج فإن الفيلم يستولي عليه. في شتي الأحوال هناك, ولنحو ثلث ساعة أولي, تمهيد واقعي يضعنا في خنادق الحرب العالمية الأولي كما لم يفعل فيلم فرنسي منذ سنوات بعيدة. في حين تم الإحتفاء بـ الكورس إلا أن فيلم كنترول المجري ـ علي الرغم من تميزه لم يجد صدي, والفيلم للمخرج نمرود أتال( شاب جديد) يدور حول مجموعة المراقبين في متروات الأنفاق. كل الأحداث تقع تحت الأرض حيث يعيش قائد هذه المجموعة ليل نهار رافضا الصعود إلي الحياة بعد الدوام. هناك مجرم مجهول لا تلتقطه كاميرات الأنفاق جيدا مسئول عن قتل مسافرين أبرياء عن طريق دفعهم تحت عجلات القطارات حين تصل المحطة. بطل الفيلم متهم من قبل البوليس لكن إلي جانب أن عليه إثبات براءته بصيد القاتل الحقيقي, وهناك عدة شخصيات مشتبه بها, عليه أيضا حل معضلات حياته العاطفية. أماكن الأحداث تمنح الفيلم ما يحتاجه من أجواء مثيرة. لكن الأكثر من ذلك أهمية هو إدارة المخرج التي تضع المشاهد علي كرسيه متوثبا طوال الوقت. وماتريكس روسي الاشتراك الروسي مختلف ولا يقل رغبة في إبتكار شكلي طموح. إنه فيلم بعنوان مراقبة ليلية من مخرج جديد آخر أسمه تيمور بكمامبيتوف. وأفضل وسيلة لوصف الفيلم هو القول إنه النسخة الروسية من فيلم ماتريكس. ليس فقط بسبب كنه أحداثه الخيالية( نبوءة بولادة روسي موهوب سيخلص العالم من فوضاه الحالية) بل أيضا لأنه الجزء الأول من ثلاثية. أي أن الجهة المنتجة خططت لثلاثية علي غرار سيد الخواتم وماتريكس ولديها العناصر الفنية للإقدام علي ذلك بالإضافة الي عناصر الإعجاب الجماهيري, ذلك أن الفيلم حصد أكثر من خمسة عشر مليون دولار في روسيا, وهو رقم مرتفع نسبة لرخص سعر التذاكر( يساوي تقريبا45 مليون دولار او أكثر قليلا في الولايات المتحدة). ولا يمكن إنهاء هذه الجولة من دون توفير الأفلام التي يعتقد هذا الناقد أنها ستنفذ في نهاية المطاف إلي مستوي المسابقة الرسمية حين تعلن هذه في السابع عشر من هذا الشهر. الأفلام الخمسة التي أعتقد إنها ستعلن في مسابقة أفضل فيلم أجنبي هي: منزل الخناجر الطائرة لزانغ ييمو( الصين) ـ و كونترول لنمرود أتال( المجر) ـ و مفتاح البيت لجياني أميليو( إيطاليا) ـ و السقوط لأوليفر هيرشبيغل( ألمانيا) ـ و الكورس لكريستوف باراتييه( فرنسا). أحد الفيلمين الأخيرين سيخرج من المسابقة إذا ما أجمع عدد كاف من المقترعين علي أن الفيلم الأفغاني أرض ورماد لعتيق رحيمي هو أكثر استحقاقا, وهو بالفعل كذلك. إنه دراما اجتماعية حول جد وحفيد علي أرض من الدمار. وإذا كان فيلم صادق برماك في العام الماضي, وهو أسامة, قد قرر مهاجمة نظام طالبان, فإن هذا الفيلم من حسن الاختيار بحيث إنه يهاجم الحرب والقصف من أي جهة وتحت أي غاية. بذلك فإن رسالته الإنسانية أكثر شمولا ومن دون حدود* الأهرام العربي في 15 يناير 2005 |
يحاول ان يقول جديداً ويستعيد إبداعات كبار سبقوه... خالد يوسف: «أنت عمري» مدين بالكثير ليوسف شاهين القاهرة - فيكي حبيب «الانتصار للحب والانتصار لقيمة الحياة نفسها لم يكونا يوماً قضية صغيرة». بهذه العبارة يردّ المخرج السينمائي الشاب خالد يوسف على اسئلة البعض وانتقاداتهم لدخوله عالم الرومانسية التراجيدية في فيلمه الاخير «انت عمري»، بعد فيلمين سابقين غلب عليهما الطابع السياسي وعبرا كل على طريقته عن توجهات صاحبهما المرتبطة ارتباطاً عضوياً بقضايا الوطن. ونعني بهما «العاصفة» المتحدث عن حرب الخليج، و«جواز بقرار جمهوري» الذي يتناول بعض مسائل السلطة في قالب كوميدي. فيلم خالد يوسف الجديد الذي عرض اخيراً في مهرجان القاهرة الدولي ونالت الممثلة الشابة نيللي كريم جائزة افضل ممثلة عن دورها فيه، يسبر اغوار النفس الانسانية ويطرح قضية شائكة هي قضية الوجود نفسه. يوسف وهند ثنائي شاب يسيطر الحب على حياتهما الزوجية ويعيشان حياة هانئة بلا مشكلات او تعقيدات. لكن الحياة الهانئة هذه لن تدوم طويلاً اذ فجأة يعكر صفوها اكتشاف الزوج اصابته بمرض عضال، وهنا تبدأ الاحداث بالتأزم، خصوصاً عندما يقرر يوسف (هاني سلامة) الهروب بهدوء من عائلته (زوجته وابنه ووالده) بدلاً من مواجهتها بالحقيقة... وفي رحلته مع المرض تشاء له الاقدار ان يقع في غرام امرأة اخرى تعيش ظرفه نفسه، فتتحول شمس (نيللي كريم) الى المعادل الموضوعي للحياة ويساهم حبهما في التغلب على الالم وتحدي الموت. لكن ايعقل ان تتقبل هند خيانة حبيبها؟ الواقع هو انه حينما تكتشف الزوجة (منّة شلبي) الحقيقة، تسعى بكل ما أوتيت به من قوة الى استرجاع زوجها، لكنه يتمسك بالحياة عبر الحبيبة الجديدة... وجدان فيلم خالد يوسف الجديد هذا، فيلم مملوء بالعواطف والوجدان، واضح فيه تأثره بيوسف شاهين بعد سنوات طويلة من العمل معه. «التأثر بيوسف شاهين تهمة لا انكرها وشرف لا ادعيه»، يقول خالد يوسف، ويتابع: «من يعمل مع يوسف شاهين 10 سنوات ولا يتأثر فيه انسان فاشل حتماً. اذ من الصعب جداً تجاوز تجربة جيل الرواد ممن صنعوا مجد السينما المصرية ويوسف شاهين في مقدمهم. وفي الحقيقة حتى لو لم اعمل مع يوسف شاهين لكنت حتما تأثرت به من خلال افلامه، بالضبط كما تأثرت ببركات وعز الدين ذو الفقار وفطين عبد الوهاب وصلاح ابو سيف... التأثر موجود... لكن في النهاية يبقى لكل واحد شخصيته وهمومه وهموم جيله، وهذا غالباً ما ينتج من ثقافة وتربية مغايرتين». فأين يظهر تأثر خالد يوسف بسينما يوسف شاهين في هذا الفيلم بالذات؟ يقول: «سينما يوسف شاهين تتميز بالوجدان. والوجدان الذي في فيلمي هو حتماً تأثر بيوسف شاهين. فأنا تعلمت منه كيف استعمل وجداني واستغله لخدمة اعمالي. ولنضف الى ذلك تأثري به في تصويري لأسوان بعد ان نقل الي بعينيه حبه لتلك المدينة. وانا لا انكر انني حينما صورتها كنت مستلهماً نظرة يوسف شاهين الجميلة الى أسوان والى اهل النوبة حيث كان صور فيلم «الناس والنيل» في ستينات القرن الفائت كل ذلك اضافة الى المنهج العلمي الذي يتبعه في كيفية ادارة عمله السينمائي منذ كتابته كسيناريو مروراً بكل شاردة وواردة حتى يخرج العمل الى النور». واذا كان خالد يوسف اختار اسم فيلمه من اغنية شهيرة لأم كلثوم لتأثره الشديد بتلك الفنانة وانحيازه للعصر الذي تمثله، فان فيلمه اعادنا الى تلك الفترة من الزمن من خلال تركيزه على الوجدان وشحنة العواطف الكبيرة والشغل على الاحاسيس، التي تغيب من السينما الاستهلاكية الرائجة في ايامنا هذه. ذلك ان خالد يوسف يبحث دائماً عن الاختلاف في افلامه حتى لو اخذ البعض عليه في فيلمه الاخير تصويره عالماً مملوءاً بالجمال والخير ويغيب عنه الشر وقسوة الواقع. «انتصار الجمال في عصر سيادة القبح نوع من المقاومة. فالخيال يملأ الفيلم، تصوير الجمال تمن. من هنا اردد ان الانتصار للجمال وللقيم النبيلة نوع من المقاومة. مقاومة الواقع بكل فحشه ووحشيته. فانا اتمنى ان تكون المشاعر الانسانية على هذه الدرجة من الرقي، أي كما صورتها في الفيلم. وفي رأيي ان هذا التمني هو مقاومة للواقع الذي يضغط علينا طوال الوقت ويحولنا الى حيوانات مفترسة نقتل بعضنا بعضاً بسهولة شديدة». موهبة ورقي النبل والرقي في المشاعر رافقهما رقي في اداء الابطال الذين لم يسعنا الا التعاطف معهم. وبذلك عرف خالد يوسف كيف يستخرج من ابطاله ما يريده بسهولة كما يقول لنا، «فأنا لا اعمل مع ممثل لا احبه، وهذا ادين به ليوسف شاهين ايضاً، اذ علمني انه عندما تنشأ علاقة ودّ بين المخرج والممثل، وعندما يعرف المخرج الممثل جيداً على المستوى الانساني، يستطيع عندها ان يستخرج منه ما يريد. وهنا في مثل هذه الحال يصبح كافياً ان تتعاملي مع الممثل بالنظر فقط وبلا أي ملاحظات تقريباً. فالتواصل الانساني بين المخرج والممثل لا بد ان يكون موجوداً حتى ينجح العمل. وفي الاساس منة شلبي ونيللي كريم وهاني سلامة وقبلهم حنان الترك ممثلون موهوبون». ولا يمكن الحديث مع خالد يوسف من دون ان نمر على واقع السينما في مصر وما وصلت اليه من مستوى. «واقع مزر هو الذي تعيشه السينما المصرية في هذه الايام»، يقول خالد يوسف، ويتابع: «كيف لا والانتاج السينمائي هبط من 100 فيلم الى 15 أو 20 فيلماً في السنة؟ كيف لا وأهم مخرجي السينما قابعون في منازلهم بلا عمل؟ المشكلة كبيرة وتكبر اكثر عندما نتحدث عن عباقرة وعمالقة مثل محمد خان وداوود عبدالسيد وخيري بشارة وعلي بدرخان وعلي عبدالخالق... هذا الجيل الذي لا يقل اهمية عن جيل يوسف شاهين وصلاح ابو سيف وبركات وعزالدين ذو الفقار.. الجيل الذي قدم سينما مغايرة ومختلفة. في ستينات القرن الفائت نشأت مباراة حقيقية بين الكبار واثرت الحياة الفنية وشكلت وجداننا، اما اليوم فلا شيء من هذا القبيل». وعندما تسأله عن اسباب ازمة الصناعة السينمائية في مصر لا يتردد خالد يوسف في الاجابة ان «اساس الموضوع يكمن في ان الدولة غير مؤمنة بالسينما وغير مؤمنة انها من الادوات التي تشكل وجدان الاجيال، فالسينما في جانبها الثقافي تصدر ثقافتك الى ثقافات اخرى... والدولة تواجهها بتشريعات قاتلة». وينهي خالد يوسف كلامه قائلاً: «في انتظار عودة الدولة الى الايمان بالسينما، ها هو جيلي يحارب ويحاول في حدود المتاح. فانا مثلاً لا اتردد ابداً في صنع فيلم مختلف سواء اعجب السوق ام لم يعجبه. ولا اخفي عليك انني حينما اجد منفذ نور احاول ان اجعله شمساً وفيلماً... لكن المناخ محبط...». الحياة اللبنانية في 15 يناير 2005 |