بدأت بالأفلام الصامتة القصيرة 108 أعوام على أول عرض سينمائي عدنان مدانات |
|
تصادف نهاية هذا العام ذكرى مرور مائة وثمانية أعوام على إقامة اول عرض سينمائي عام في العالم، وهذا العرض الأول تم التعارف على انه يوم ولادة السينما وبداية تاريخها. بدأت ملامح فن السينما تبرز منذ بداية القرن العشرين مع أفلام المخرج الفرنسي جورج ميليه رائد سينما الخيال والمؤثرات البصرية، وتدريجياً، اتضحت وسائل التعبير الخاصة بهذا الفن الجديد أكثر فأكثر منذ العقد الثاني للقرن العشرين، خاصة من خلال فيلمي المخرج الكبير الملقب بأبي السينما دافيد يورك غريفت “مولد أمة” (1915) و”التعصب” (1916)، الروائيين الطويلين، وبعض المدارس السينمائية الأوروبية ذات المنحى التجريبي، وأهمها المدرسة التعبيرية الألمانية ونموذجها الأبرز “مقصورة الدكتور كاليغاري” (9191). حتى بداية العشرينات كانت أطوال الأفلام، مع استثناءات قليلة، إما قصيرة أو متوسطة الطول. ومنذ العشرينات بدأ يسود التوجه نحو الأفلام الروائية الطويلة التي صارت تنضوي تحت أنواع سينمائية متعددة رسمت مسارات واتجاهات الأفلام الروائية حتى يومنا هذا. كانت الأفلام في السنوات الأولى من سينما العشرينات صامتة فيما شهدت سنواتها الأخيرة البدايات الأولى للسينما الناطقة. كان لظهور السينما الناطقة، على أهميته المستقبلية، الفضل في إعادة الاعتبار في ما بعد للإنجازات الرائدة الكبيرة في مجال وسائل التعبير السينمائية الفنية التي عرفتها السينما الصامتة خاصة في السنوات الأولى من العشرينات مما جعل المنظرين والمؤرخين السينمائيين يطلقون عليها صفة “الصامت العظيم”. هنا جولة حول بعض أهم المحطات التي شهدتها سينما العشرينات، والتي لا غنى لأي دارس للسينما عن أن يتعرف إليها. من الأفلام التي صارت علامة مميزة في تاريخ السينما الفيلم الألماني الطويل الصامت “دانتون” (1921). يتميز الفيلم الألماني الصامت “دانتون” بأنه واحد من الأفلام التي عالجت في وقت مبكر من تاريخ السينما العالمية مسائل سياسية تتعلق بالثورة والإرهاب والسلطة والقمع. وتحكي أحداث الفيلم عن فترة مهمة من تاريخ الثورة الفرنسية من خلال الصراع بين اثنين من أقطاب هذه الثورة هما روبيسبير ودانتون. وينتهي الفيلم بالجملة الشهيرة التي باتت تضرب كمثل والمطبوعة على الشاشة في اللقطة الأخيرة من الفيلم والتي تقول : لقد انتصر روبيسبير ولكن الثورة تأكل أبناءها. فيلم “دانتون” مقتبس عن مسرحية بعنوان “موت دانتون” من تأليف جورج بوخنر. أما مخرج الفيلم فهو ديميتري بوشوفيتسكي. تميز فيلم دانتون ببراعة المخرج في اختيار الممثلين المناسبين للدور وكذلك بإدارته لحركات المجاميع سواء في الشارع أو في داخل المحكمة. ومن ناحية ثانية كان المخرج جريئاً في نقده للجماهير غير الواعية التي يحكم التعصب والتهور والانفعال السريع تصرفاتها بحيث تصبح مثل الدمية بين أيدي رجال السلطة. كما شهد العام 1921 ولادة الفيلم المتوسط الطول “الصبي” (60 دقيقة) وهو الفيلم الكوميدي الذي كان أول فيلم من أفلام شارلي شابلن لا يكتفي بتمثيله، بل يقوم بكتابته وإنتاجه وإخراجه، مكرساً نفسه منذ ذلك الحين فناناً سينمائياً مبدعاً وشاملاً. بعد أربعة أعوام من إنتاج هذا الفيلم سيقوم شارلي شابلن بتحقيق رائعته السينمائية، الفيلم الروائي الكوميدي الطويل “البحث عن الذهب” (نحو ثمانين دقيقة) والذي تضمن مجموعة من المشاهد العبقرية المضحكة المبكية في آن، ومن أهمها المشهد الذي ظهر فيه شارلي شابلن، وقد أضناه الجوع فيما هو محاصر في كوخ وسط الثلوج مع زميل له، يعد وليمة من حذائه الذي قام بسلقه ثم شرع يلتهم أجزاءه بكل تلذذ وسط ذهول زميله الجائع إلى درجة انه قبل ذلك خيل له أن شابلن إوزة فهجم عليه ليلتهمه. وستشهد العشرينات أيضاً ولادة كوميدي عبقري آخر هو باستر كيتون، الذي كان مثل شارلي شابلن فنانا شاملاً يؤلف أفلامه ويخرجها وينتجها ويمثلها ولكنه كان مختلفاً كلياً عن شارلي شابلن من حيث أسلوب التمثيل الكوميدي وأفضل من شابلن بكثير كمخرج فنان، والذي يعتبر فيلمه الصامت الكوميدي الطويل “الجنرال” (1927) من أهم الروائع التي عرفها تاريخ السينما، ويلعب فيه باستر كيتون دور ميكانيكي قطارات زمن الحرب الأهلية الأمريكية يطارد وحده فرقة من الجيش العدو قامت باختطاف القطار الذي يقل الفتاة التي يحب، وهو ما اعتبر واحدا من أهم مشاهد المطاردة في السينما على مدى تاريخها. وفي العام التالي يقدم باستر كيتون تحفة سينمائية أخرى هي “قارب البخار بيل الصغير” الذي تضمن مشهدا عبقريا في تصويره وإخراجه وتقنيات مؤثراته البصرية تعصف فيه الريح العاتية في أرجاء المدينة وتدمر كل ما في طريقها. في العام 1924 أنجز فيلم “الجشع” المخرج النمساوي المولد أريك فون شتروهايم، أحد أشهر مخرجي هوليوود في عصر السينما الصامتة. يستند فيلم “الجشع” إلى رواية شائعة بعنوان “ماكتيج” للكاتب الأمريكي فرانك نوريس تدور حول عامل اسمه ماكتيج يتحول إلى طبيب أسنان يفتح عيادة في مدينة سان فرانسيسكو ثم يتزوج من شابة اسمها “ترينا” وهي ابنة مهاجرين ألمانيين. وبعد أن تفوز “ترينا” بمبلغ كبير من المال في اليانصيب يستحوذ عليها الجشع في حين أن الزوج “ماكتيج” يفقد ثروته ومصدر رزقه في صراع بينه وبين منافسه “ماركوس” فيتحول ماكتيج إلى متسكع وسكير ويقوم بقتل زوجته. وفي النهاية تحدث مواجهة بين “ماكتيج” و”ماركوس” في الصحراء “ديث فالي” فيقوم “ماكتيج” بقتل “ماركوس” ولكنه لا يستطيع أن يفك القيد الذي يربط معصمه بمعصم القتيل. عمد المخرج أريك فون شتروهايم في إخراج فيلم “الجشع” إلى التقيد بجميع تفاصيل الرواية الأصلية “ماكتيج” للكاتب فرانك نوريس بحيث إن الفيلم في نسخته الأصلية التي بلغ طولها 10 ساعات جاء مطابقا تماما للرواية، صفحة بصفحة. ومع أن المنتج قام باختصار النسخة الأصلية إلى نحو الساعتين فان الباحثين السينمائيين يعتقدون أن فيلم “الجشع” بصيغته المختصرة يظل واحدا من الدرر السينمائية الكلاسيكية. ويبرز الفيلم بقوة وبقسوة موضوع القصة الأساسي، وهو تأثير المال والذهب في شخصية الإنسان الذي يفقده سجاياه الإنسانية. ويظهر الفيلم اهتمام المخرج أريك فون شتروهايم بالتفاصيل الدقيقة، وهي من العلامات المميزة لأفلامه. ويشتمل الفيلم على أكثر من 20 سلسلة من المشاهد التي لا تمحى من الذاكرة، كمشهد الزفاف في الشقة الذي يتزامن مع تشييع جنازة، مما يوحي بالنهاية المحتومة لتلك العلاقة الزوجية، والمواجهة بين الخصمين في الصحراء في نهاية الفيلم، كما يتضمن الفيلم الكثير من الحلول البصرية المونتاجية التي تضفي على مشاهد الفيلم الدلالات الرمزية المطلوبة، مثل مشهد الطائر في القفص. بعد عرض الفيلم في فرنسا عام ،1926 كتب أحد النقاد يقول: “كل ما في هذا الفيلم، الناس والأشياء، مليء بالحياة، الشخصيات الثانوية مقدمة بطريقة حية، مثلما هو الأمر بالنسبة للشخصيات الرئيسية. إن تصوير الفيلم للجانب المادي في الروح الإنسانية نراه لأول مرّة في السينما بعد المسرح. والفيلم يعرض هذا بطريقة أفضل وأكثر دقة من المسرح”. تميز العام 1925 بإنتاج الفيلم الروسي الشهير “المدرعة بوتومكين” للمخرج سيرجي إيزنشتاين، والذي لا يزال يعتبر حتى الآن واحدا من أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما. ففي بدايات هذا القرن، في عام ،1905 كانت الثورة الشعبية التي اعتبرت الوليدة الأولى التحضيرية للثورة البلشفية عام 1917 على روسيا القيصرية. وهنا كان دور فيلم “المدرعة بوتومكين” لمخرجه الروسي العظيم أيزنشتاين ليوثق هذا التحول التاريخي بفيلم سينمائي يدور حول تمرّد مجموعة من البحارة على الضباط والعسكريين. وقد ارتأى أيزنشتاين ألا يكون البطل الثوري فردا، كما هي العادة، وإنمّا الأفراد الأبطال في كامل الشعب البطل.. لذلك فقد أبدع المخرج في طرح وتصوير المجاميع البشرية وحركتهم المتكاملة من يمين الكادر ويساره وأسفله وأعلاه، فيما حدا بالمشاهد ليرى تلك الشاشة تتحرك في كافة أبعادها، وقد عزّز حراك الثورة التي لا تهدأ. ورغم اختلاف الأحداث وأبطالها في فصول الفيلم الخمسة، إلا أنها تتشابه في المؤثر (القمع) والهدف (الثورة) مما جعل من كل فرد ثائر بطلا، وقد أسهم ذلك في توصيل الفكرة الشاملة للثورة من خلال شخصيات هذه الفصول الخمسة على اختلاف موقع أحداثها... البحر أم البر. وثمة مشهد عظيم في الفيلم وفي تاريخ السينما العالمية وهو مشهد الدرج الواسع الذي عليه يتعارك خط الثورة المتصاعد وخط القمع، والذي من خلاله، وعلى الرغم من غياب المؤثرات الصوتية، تظهر قدرة هذا المخرج العظيم الإبداعية. ومن ضمن اللقطات العديدة التي يستدل المخرج بها على الثورة، فقد كان من أوائل من استخدم السيمياء في السينما، نرى في الفيلم تماثيل لثلاثة أسود؛ أولها نائم والآخر متأهب والثالث مهاجم، وبذلك استطاع المخرج أن ينقل مفهوم الثورة ومراحلها من خلال تماثيل صامتة جامدة. وبهذا الفيلم كان أيزنشتاين أفضل من استخدم اللقطة الكبيرة كأساس في التعبير الدرامي للحدث كأن يركز على النصف العلوي أو السفلي لجسم الممثل أو التركيز على وجهه وتعابيره، أو حتى عضو من أعضاء جسده... فقد كان ذلك جديدا وشاذا في عصره. ويعتبر الفيلم الصامت “الاستعراض الكبير” للمخرج كينغ فيدور والذي أيضاً يعود إنتاجه إلى عام 1925 وتدور أحداثه في أجواء الحرب العالمية الأولى، الدراما الحربية الواقعية السينمائية الأولى من نوعها في تاريخ السينما العالمية. وهذا الفيلم يعتبر نموذجا للأفلام الحربية ولا يزال يعتبر من أشهرها. قام ببطولة الفيلم الممثل جون غيلبرت الذي كان في حينه من كبار نجوم السينما ومن أكثرهم وسامة. وهو يلعب في الفيلم دور الشاب الأنيق المدلل جيم ابيرسون الذي يعيش حياة كسولة في كنف عائلته الثرية. ولكنه عندما تقوم الحرب العالمية الأولى يتأثر بالحماس الجماهيري للحرب ويبادر لتسجيل اسمه كمتطوع في الجيش. ويصور المخرج بداية المعارك عبر مشهد طويل مذهل في إخراجه وقوته نرى فيه أرتال الدبابات المتجهة بأعداد كبيرة نحو ساحة المعركة متبوعة بآلاف المشاة. ويسبق ذلك عنوان على الشاشة يقول: “ها قد بدأ الاستعراض الكبير”. ويشكل هذا المشهد الرائع الطويل نوعا من السيمفونية البصرية المؤثرة التي لا تنسى على مر الزمن. وقد اشترك في هذا المشهد ما يزيد على مائتي آلية عسكرية تم تأمينها من قبل الجيش الحكومي. وهذا المشهد النهائي من الفيلم أثر في حينه في عواطف المشاهدين، وهو لا يزال يؤثر في المشاهدين في كل مرة يعاد فيها عرض الفيلم حتى الآن. الفيلم مقتبس عن رواية بعنوان “ثمن المجد” للكاتب الأمريكي لاورنس ستالنغز عن تجربة عاشها بنفسه ومن ضمنها فقدانه لساقه. رغم روح الفكاهة التي تتغلغل في الفيلم، بخاصة في نصفه الأول، فإن النصف الثاني منه يصور الحرب ككابوس يودي بأرواح الشبان. إن الرسالة الأساسية للفيلم معادية للحرب وهو لذلك يركز على تتبع مصائر الجنود أكثر مما يركز على الأحداث الحربية. ومع ذلك يعتبر الفيلم من أفضل ما أنتجته هوليود من أفلام حربية وقد صار جزءا من كلاسيكيات السينما الأمريكية. وإذا ما قفزنا إلى العام ،1927 فسنجد أنه تميز بعدة تجارب سينمائية مهمة كل في مجالها. فإضافة إلى الفيلم الأمريكي “الجنرال” ظهر الفيلم الألماني “متروبوليس” (120 دقيقة) للمخرج الألماني الكبير فريتز لانغ. وهو فيلم ينتمي أسلوبيا إلى المدرسة التعبيرية الألمانية ولكنه ينتمي من حيث النوع إلى سينما الخيال العلمي، حيث تجري أحداثه في العام ،2026 ويروي قصة عالم يؤمن بأن الروبوت يمكن أن يحل مستقبلاً محل الإنسان العامل، لذلك فهو يخترع روبوتاً أنثى جميلة تشبه فتاة تدعى ماريا لها احترام كبير عند أفراد الطبقة العاملة، وذلك كي تقوم الفتاة الروبوت بتحريض العمال ليقوموا بثورة تتسبب في القضاء عليهم. أما فيلم “الأجنحة” الذي أخرجه ويليام ويلمان ويبلغ طوله مائة وتسعاً وثلاثين دقيقة، فهو الفيلم الصامت الأول الذي ينال جائزة الأوسكار عن أفضل تصوير. والفيلم يحكي قصة اثنين من الطيارين الأمريكيين يتطوعان معا للقتال في فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى ويعيشان معا تجربة حب لفتاة واحدة. يتضمن الفيلم مشاهد حركة بارعة التنفيذ ومشوقة جدا للمعارك التي تتم في الأجواء بين الطائرات. كما شهد العام ذاته إطلاق فيلم “مغني الجاز” للمخرج آلان كروسلاند والذي سيؤرخ له باعتباره أول فيلم ناطق في تاريخ السينما، على الرغم من أن الجزء الناطق في هذا الفيلم قليل جداً بالمقارنة مع طوله البالغ حوالي الساعة والنصف. والفيلم، كما يدل عنوان، ذو طابع كموسيقي، ويروي قصة مغن شاب يغضب منه والده لأنه قرر العمل كمغن لأغاني الجاز في الملاهي. أما نهاية هذه الحقبة فقد توجها الفيلم الأمريكي “لحن برودواي” (1929) للمخرج هاري بومونت، وهو أول فيلم موسيقي روائي طويل تنتجه شركة متروغولدين ماير وتوزعه مصحوبا بدعاية انه فيلم ناطق بكامله، وهو أول فيلم موسيقي يفوز بجائزة من جوائز الأوسكار الرئيسية. وهذا الفيلم الذي يروي قصة فرقة فنية للرقص والغناء مكونة من شقيقتين أصبح في ما بعد نموذجاً تسير في خطاه الأفلام الموسيقية. الخليج الإماراتية في 3 يناير 2005 |