قراءة في السينما العالمية للعام2004 آلام المسيح وفهرنهايت11/9 الأكثر هجوما هوليوود- محمد رضا |
|
إذ ترتسم نهاية عام من العروض والنشاطات السينمائية في أمريكا وحول العالم, تتراءي لكل عامل في الحقل السينمائي إشارات مختلفة بعضها متناقضة. هل الإقبال علي الأفلام منتعش كما توحي الأرقام الضخمة التي تحققها الأفلام السينمائية أم هي ضخمة بسبب ارتفاع ثمن التذاكر المباعة عنوة عما كانت عليه قبل سنوات قليلة؟ هل مستوي الأفلام عموما انخفض عما كان عليه كما توحي العروض المتوفرة, أم أنه ما زال مرتفعا كما تدعي المهرجانات التي تستقبل كل عام أكثر من500 فيلم جديد من كل أنحاء العالم تنفرد بعرضه أو تتداوله فيما بينها؟ ثم ما هي أفضل أفلام العام؟ هل هناك من مفاجآت سارة؟ هل تنتج السينما تحفا رائعة أم أن نقادها هم الذين يتعطشون لمثل هذه الأفلام لدرجة أن كل ما هو مختلف قليلا وجيد قليلا يصبح تحفة جاهزة للتصدير؟ ربما بعض هذه الأسئلة لا علاقة له بسنة محددة, لكن العام2004 أصر عليها وبعض الردود غير نهائية. لم يكن العام2004 عام شيء محدد بتيار جانح أو بظاهرة مثيرة. كانت هناك عدة إشارات وملامح لكن العديد منها كان استمرارا لما سبق. كانت هناك أحداث معينة تصلح للمراجعة والنقاش, لكنها كانت في نهاية الأمر صغيرة أو عابرة. علي الرغم من ذلك, فإن نظرة متعمقة لكل هذا اللاتميز تفيد في قراءة سنة خاصة. ولنبدأ من البداية. شركات هوليوود الكبيرة اعتذرت في مطلع العام2004 عن توزيع فيلم مل جيبسون آلام المسيح وتضلعت به شركة توزيع صغيرة اسمها نيوماركت. بعد أسبوعين كانت بعض تلك الشركات الكبيرة تراجع موقفها وتتمني لو أنها لم تعتذر. الفيلم انطلق كبيرا ومدويا ومن أسبوعه الأول تجاوزت كلفته التي لم تزد علي18 مليون دولار. في نهاية عروضه كان قد سجل370 مليون دولار من الإيرادات في السوق الأمريكية وحدها ونحو350 مليونا من عروضه العالمية. طبعا كان للهجوم الذي شنته الجمعيات اليهودية علي الفيلم مثيرة للمخاوف من أنه سيثير ضد الساميين مشاعر معادية دوره في ترويج الفيلم, لكن ذلك هو جزء من اللعبة. آلام المسيح استفاد من كل العناصر التي عكسها المشروع بأكمله: الموضوع الديني, اسم مل جيبسون وشهرته, جرأة طرحه لدور اليهود في محاولة قتل المسيح ثم من ردات الفعل اليهودية ضده والكاثوليكية معه. والحقيقة أن آلام المسيح هو أحد فيلمين جمعا أكبر قدر من المشاهدين وتعرضا لأكبر قدر من الهجوم. الفيلم الآخر هو فهرنهايت11/9 لمايكل مور. المشترك المهم بينهما هو أن الهجوم عليهما انطلق ليس بغاية النقد بل بغاية إيقاف عرضهما. هذا نوع جديد من الرقابة لم تتعود عليه السينما الأمريكية من قبل. الشيء المهم الآخر هو أن فهرنهايت11/9 جمع قبل انزوائه من صالات السينما الأمريكية119 مليون دولار. هذا ليس فقط رقما عاليا نسبة لفيلم هو- في نهاية كل أمر- تسجيلي, بل رقما قياسيا لم ينعم به فيلم تسجيلي من قبل( أضف الي هذا المبلغ نحو280 مليون دولار عالمية) وكما كان باولينج فور كولومباين( فيلم مايكل مور السابق) شق طريقا لعروض أفلام تسجيلية في الصالات الرئيسية, فتح هذا الفيلم المزيد من الأبواب المغلقة في نطاق هذه السينما. في واحد من أسابيع شهر تشرين الأول/ أكتوبر كان هناك أحد عشر فيلما وثائقيا في صالات أمريكا الرئيسية. هذا شيء إنفرد به العام2004 عن سواه. هوليوود تعتمد علي العالم ما بين فيلم جيبسون الديني المحافظ, وفيلم مايكل مور السياسي الليبرالي نصف بليون دولار من الإيرادات. المفارقة هنا هي أن الفيلمين قليلا التكلفة وأن الأفلام الكبيرة, ومنها ما هو تاريخي مثل طروادة والملك آرثر والإسكندر, لم تستطع أن تثر اهتماما جانحا كالذي أثاره كل من هذين الفيلمين. طراودة لوولفجانج بيترسون جمع نحو250 مليون دولار من السوق الأمريكية لكن كلفته بلغت نحو150 مليون دولار, والفيلم, أي فيلم, بحاجة إلي ضعف كلفته ونصف كلفته من قبل أن يسجل أرباحا. بكلمات أخري طروادة كان بحاجة إلي375 مليون دولار من الإيرادات تتوزع بين حصص الممثلين والمنتجين المسبقة وحصص الصالات المرتفعة وكلفة الإعلانات وفوائد المصارف ثم كلفة الفيلم نفسه من قبل أن يبدأ بإحصاء أرباحه. هذا لم يحدث مع طروادة ولا مع الملك آرثر( لأنطوان فوكوا). أما الإسكندر الذي بلغت تكلفته200 مليون دولار والذي أخرجه أوليفر ستون, فإنه صاحب أكبر فشل في العام2004 إذ لم يسترجع أكثر من50 مليونا من عروضه الأمريكية. الحال هكذا, فإن شركات الإنتاج الأمريكية تستند لما تفرزه الأسواق العالمية( في غرب أوروبا وجنوب شرق آسيا أساسا) من إيرادات لأجل تغطية كلفتها. هذا الاتكال المتزايد علي السوق العالمية دفع هوليوود في العام2004 للبدء بالتفكير بتوجيه أفلامهم معدلة ومنقحة بغاية كسب ذلك الجمهور, بينما كان المشاهد الأمريكي هو الوحيد الذي يتم إنتاج الأفلام لأجله. الباقون عليهم القبول بما يقبل هو به أو يرفضه. ليس كل الأفلام الكبيرة فشلت. الفيلم الكرتوني شرك2 جمع440 مليون دولار من داخل أمريكا و881 مليون دولار من السوق العالمية. سبايدر مان2 جلب372 مليون دولار من الداخل و784 مليونا من الداخل. الأول تكلف قرابة60 مليون دولار لصنعه والثاني قريبا من100 مليون دولار. في المقابل, والي جانب الإسكندر أخفقت أفلام توخت النجاح مثل هيدلاجو وألامو( كلاهما من نوع الويسترن) وكات وومان( أكشن) ومفكرة ريديك( أكشن). عام من الرسوم عام2004 كان أيضا عام شيوع الأفلام الأقل اعتمادا علي البشر من الممثلين. في نهايات السنة كان الجمهور يتعامل مع فيلم فريق أمريكا: بوليس العالم والخارقون وقصة قرش وبولار إكسبرس وسبوناج بوب, وكل من هذه الأفلام كان نوعا مختلفا من الفيلم غير الحي. الأول دمي متحركة, الثاني رسوم متحركة من النوع الممتاز والثالث رسوم متحركة منفذة تلفزيونيا, كشأن سبوناج بوب, أما بولار إكسبرس فكان فيلما منفذا علي الكمبيوتر: كل ممثليه, وبينهم توم هانكس, مثلوا أمام كاميرات ديجيتال حساسة ثم انصرفوا إلي بيوتهم. الكمبيوتر غيرهم علي نحو مبتكر لا علاقة له بالمظهر الحقيقي للممثل. وفي عام اختفي فيه سيد الخواتم وظهر فيه الجزء الثالث من هاري بوتر فإن الجمهور كان حاضرا لأفلام رعب صغيرة حققت نجاحات تتفاوت من فيلم لآخر. مما شاهدناه هذا العام بذرة تشاكي, الحنق, شون الموتي( بريطاني), الغريب ضد المفترس, وراء الأبواب, حشرات, طارد الأرواح3 من بين أخري. أيضا تعددت الأفلام المعاد صنعها عن أصول سابقة: السير بفخر, المرشح المنشوري, هل نرقص, الحقد( كلاهما عن فيلمين يابانيين) و- مع نهاية العام- تحليق الفينكس( عن فيلم بنفس العنوان حققه الراحل روبرت ألدريتش سنة1965). الديجيتال كان القضية المتجددة سنة2004: هل ندخله. لا ندخله. وفي حين بات طبيعيا أن يميل المخرجون إلي التصوير بكاميرا بلا فيلم, إلا أن الصورة النهائية لأين ستتوجه السينما بهذا المد التكنولوجي لن تتشكل قبل عامين من الآن. ومبيعات أشرطة الفيديو هبطت عالميا في العام2004 بينما ارتفعت مبيعات أسطوانات الـ دي في دي. واختفاء الأشرطة من التداول تدريجيا, ثم تماما بعد ثلاث أو أربع سنوات من الآن, هو أكثر توقعا من استيلاء الديجيتال علي مقومات السينما التقليدية علي الرغم من الحماس المنتشر بين فرقاء كثيرين يرغبون في مشاهدة الفصل الأخير لسطوة الفيلم السينمائي لصالح الديجيتال وبينهم أصحاب صالات وشركات توزيع. براندو وعبد الخالق المهرجانات السينمائية, مرة أخري, كانت المورد الرئيسي لبعض أفضل أفلام العام. وبينما كرر برلين مستواه الجيد الذي حافظ عليه في الأعوام الخمسة الأخيرة من دون أن ينميه, شهد مهرجان كان دورة جديدة سادت فيها الأفلام التي بدا كثير منها كما لو أنه اختير ليضر بالمهرجان وليس لإنجاحه. أما مهرجان فانيسيا فحافظ علي عادته في تغيير مدرائه. سندانس وتورنتو ولندن مازالت مهرجانات بلا لجان تحكيم وجوائز رسمية, وهذا يمنحها حرية واسعة ويجذب إليها جمهورا كبيرا يتلقف منها عروضا عالمية أولي أو مجموعة من الأفلام التي عرضت في مهرجانات أخري يرضي بها الجمهور المحلي الذي لا يستطيع حضور هذه الأفلام في أية مناسبة أخري. وعلي صعيد المهرجانات أيضا نسجل نجاح مهرجانين عربيين هما أفلام من الإمارات في أبو ظبي, ومهرجان دبي السينمائي الدولي في دبي. والناقد الراحل غسان عبد الخالق أطلق في العام2004 مهرجانا واعدا هو أصيلة لكنه رحل قبل أن يقطف نجاح الدورة الأولي بالكامل والتحضير لدورة العام المقبل. وعلي ذكر الرحيل, فإن العام2004 شهد خسارة السينما لعميد الممثلين العالميين وهو مارلون براندو. كان متوعكا منذ عدة أشهر يعيش علي الأكسجين ويأمل في فيلم أخير رآه متمثلا في مشروع كتبه وكاد أن يخرجه التونسي رضا الباهي. لكن المشروع تأخر والممثل مات تاركا وراءه العديد من الممثلين الذين يعملون علي منواله لكن أحدا لا يخلف أحدا خصوصا في السينما. أفضل عشرة أفلام للعام2004 كما العام الماضي, ينتقي هذا الناقد عشرة أفلام يعتبرها أفضل ما تم عرضه من أعمال خلال السنة. القائمة ليست مرتبة حسب الأفضلية. -1 موسيقانا إخراج جان- لوك جودار( فرنسا). -2 فوق الدار البيضاء, الملائكة لا تطيرإخراج محمد العسلي( المغرب). -3 زنار النار إخراج بهيج حجيج( لبنان). -4 الخارقون إخراج براد بيرد( الولايات المتحدة) -5 توني تاكيتاني إخراج جون إتشيكاوا( اليابان) -6 مفكرة الدراجة إخراج وولتر سايليس( البرازيل) -7 فيرا دريك إخراج مايك لي( بريطانيا). -8 جانبيا إخراج ألكسندر باين( الولايات المتحدة) -9 ملايين دولار بايبي إخراج كلينت إيستوود( الولايات المتحدة). 10- اليوم التاسع إخراج فولكر شلندروف( ألمانيا). الأهرام العربي في 1 يناير 2005 |