شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

 

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

كياروستمي وباناهي في تجربة مشتركة جديدة

الذهب الأحمر في طهران أثمن من الإنسان

قيس قاسم

 

 

 

 

من انتاج رابطة المرأة العربية والاتحاد الأوروبي... «الضحية» دراما من بطولة سميرة عبدالعزيز

القاهرة - نادية سعد 

خاضت الفنانة سميرة عبدالعزيز معركة انتخابية ضارية في قريتها الصغيرة تعرضت خلالها للكثير من المعوقات التي حالت دون فوزها في الانتخابات، وذلك من خلال فيلم «الضحية» الذي جسدت فيه دور «الدكتورة ألفت» التي قررت أن ترشح نفسها للانتخابات أمام منافسها فوزي المعروف بالبلطجة وشراء الاصوات والضمائر، ومع ذلك ينجح في الفوز عليها لأن أهل الدائرة يرفضون إعطاء صوتهم لامرأة، إذ يرون أن السياسة خلقت للرجال فقط!

الفيلم انتجته رابطة المرأة العربية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي كبادرة لتفعيل الدراما في دعم وصول المرأة الى مراكز صنع القرار. اعتمد مؤلف الفيلم أيمن سلامة ومخرجته الشابة إيناس حلمي طريقة «الفلاش باك»، ففي أول لقطة تظهر الدكتورة ألفت لتواجه النتيجة المُرة بسقوطها في الانتخابات ويحاول ابنها أن يرافقها في طريق عودتها بالسيارة خوفاً من انهيارها إلا أنها تستجمع كل قوتها وتعلن أنها بخير ولم تحبطها التجربة الفاشلة، وفي شوارع القرية تسترجع شريط المعركة الانتخابية التي تعكس واقعاً مريراً وتدوي في أذنها الشعارات التي كان يرددها أهل القرية لمصلحة منافسها فوزي الذي لم يكن له برنامج انتخابي بل اعتمد على شراء الأصوات بالمال والطعام. وأخذت ألفت تتذكر سرادق الانتخابات التي التقت فيه أهل قريتها ووعدها لهم بأنها ستبذل جهداً كبيراً في تحقيق مصالحهم لحل مشكلة البطالة ومحو الأمية ورصف الطريق وبناء كوبري يحمي المارة من حوادث الطرق المتكررة، وتذكرت أيضاً إصرارها على بناء مستشفى خيري لأهل قريتها قدمت فيه العلاج المجاني للمحتاجين وشغلت الكثيرين في الخدمات المعاونة في المستشفى. واسترجعت هجوم البلطجية وسماسرة الانتخابات على سرادق الدعاية الانتخابية من دون أن يدافع عنها أحد حتى من قوات الأمن. أخذتها الحسرة لأن، حتى زوجها، لم يكن مسانداً لها بل كان يضعف عزيمتها. وبعد أن اجتازت كل شوارع القرية وكادت تخرج منها متجهة إلى المدينة التي تعيش فيها مع أسرتها قررت في لحظة حاسمة ألا تستسلم وأن تعود لتستمر في خدماتها لأهل قريتها، وينتهي الفيلم على مشهد مصرع طفل هو ابن أكبر السماسرة الذين قاموا بشراء الاصوات لمصلحة منافسها. وهنا تصر «الدكتورة ألفت» أن الكوبري لا بد من أن يبنى حتى لو لم تكن هي المرشحة الفائزة.

ويحسب لهذا الفيلم أنه استطاع في زمن وجيز أن يتعرض للكثير من المشكلات التي تواجه المرأة التي تخوض الانتخابات.

وألقى الفيلم الضوء على الكثير من الانتقادات الموجهة إلى الأحزاب التي لا تعمل على تكوين قيادات نسائية، وشرح قيمة المشاركة الانتخابية وأن السياسة ليست بعيدة من واقع المجتمع.

شهدت الندوة التي نظمتها رابطة المرأة العربية للعرض الأول للفيلم مناقشات بين الحضور سواء من الكتاب أم الإعلاميين أم عضوات في البرلمان المصري، فرأى الكاتب محفوظ عبدالرحمن أن الفيلم يحمل رسائل مباشرة يعتبرها ضعيفة التأثير في المشاهد، إلا أنه اعتبره فيلماً راقياً ومبادرة جيدة.

ورأت الدكتورة عواطف عبدالرحمن أستاذة الصحافة أن الأفلام التسجيلية في هذه القضية أكثر حيوية مثل الأفلام التي أخرجتها عطيات الأبنودي، إلا أن الحاضرين عارضوا هذا الرأي واعتبروا أن مشاركة ممثلين مشهورين تعد عنصر جذب للمشاهدة أكثر من الأفلام التسجيلية. وقد شارك في بطولته محمد عبد الجواد وعلاء زينهم.

بينما رأت إحدى عضوات البرلمان المصري أن الفيلم رسم للمرشحة شخصية ضعيفة لا يمكن أن تنجح في كسب الانتخابات لأنها - على رغم جهودها الطيبة - لا تعرف لعبة السياسة ولم تنجح حتى في اكتساب صوت زوجها أو ابنتها، ولم تفلح في تكوين قاعدة انتخابية قبل خوض الانتخابات، وأن هذه السمات لا يمكن أن تنجح مرشحة.

ومن جهتها، رأت الدكتورة راندا رزق استاذة الدراما أن الفيلم يتميز بإيقاعه السريع غير الممل ويقدم محاولة جديدة لنشر ثقافة درامية هادفة.

واحتلت فكرة بناء الكوبري مساحة كبيرة من المناقشة إذ رأى كثيرون أنه معنى رمزي للتواصل وعبور التخلف الفكري وأن مصرع الطفل يعني أن الضحية ليست «المرأة» وإنما «المجتمع» إلا أن معظم المشاركين اتفقوا على أن الفيلم يخدم القضية في شكل كبير، وأن المسألة تتعدى الدعوة الى انتخاب المرأة إلى انتخاب المرشح الأفضل، وأنه يمكن أن يثري الكثير من المناقشات من خلال الحلقات النقاشية التي تتبناها الجهات المختلفة في نشر الوعي السياسي خصوصاً أن البطلة من الوجوه المؤثرة في المشاهدين بصدق أدائها.

وأعربت الفنانة سميرة عبدالعزيز عن سعادتها بالمشاركة في هذا الفيلم وانفعالها بالقضايا المطروحة فيه وبحق المرأة في المشاركة السياسية.

ومن جهتها، قالت رئيسة رابطة المرأة العربية الدكتورة هدى بدران أن الجدل الذي أثاره الفيلم دليل نجاحه.

الحياة اللبنانية

27 ديسمبر 2004

 

عباس كياروستمي وجعفر باناهي فنانان ايرانيان مهمان، أشتركا قبل سنوات في أنجاز فيلم "دائرة"، وبعد نجاحه، كررا تجربتهما ثانية في "الذهب الأحمر". سيناريو الفيلمين كتبهما كياروستمي، وفكرة فيلمه الأخير بناها على قصة واقعية قرأها في أحدى الصحف الايرانية التي نشرت، أن لصا أقدم على الأنتحار داخل متجر للمجوهرات الثمينة دخل لسرقته. هذة القصة الغامضة قبلها المخرج باناهي دون تردد، وقام بسردها بصريا بأسلوبه الخاص، معطيا لها، كغيرها من أفلامه، بعدا أجتماعيا ونفسيا.

النهاية

بدأ المخرج فيلمه من حيث أنتهت قصته، فالمشهد الأول يظهر فيه شاب ضخم الجثة يدخل الى متجر للمجوهرات، الكاميرا ثابته في الداخل تلتقط ولوجه، ثم نسمع صراخ التاجر وتكسر قطع أثاث المتجر، لا أحد في الكادر سوى صورة الشارع الخارجي المثبته عليه الكاميرا، وبعد لحظات يظهر الشاب ثانية فيرفع مسدسه ويصوبه الى رأسه، فيخر ساقطا. هل قتل اللص التاجر، هل سرق، ولماذا قتل نفسه؟ بهذة الأسئلة سيشدنا باناهي الى حكاية المنتحر، حسين، ونهايتها التراجيدية. البداية

في المشهد الثاني سنتعرف وجها لوجه على حسين وهو يجلس في مقهى شعبي مع صديقه علي، الذي يعرض عليه سرقاته الصغيرة، البائسة، محفظة شبه فارغة فيها وصل بمبلغ كبير لا يصدق ان أحدا يستطيع دفعه مقابل شراء مجوهرات. فكرة زيارة المتجر والتأكد من وجوده يفرضها علي بألحاحه، فيتجهان بدراجتهما النارية اليه. تجاهل التاجر لهما ورفض دخولهما المحل كانت الضربة التي أوجعت مشاعر حسين وأسكتته، فعاد الى عمله، كموزع للبيتزا، حزينا ومحبطا.

عبر هذين المشهدين يطور كياروستمي فكرته ويسهل على باناهي تنفيذها. فهذا الكائن الفقير، المقل الكلام يخفي حزنا عميقا في داخله وحساسية عالية أزاء العالم الخارجي.

سائق تاكسي وكافكا ايراني

من رحلاته المكوكية في توزيع البيتزا، يتعرف حسين على عوالم متناقضة بين وجوده الشخصي والأخرين. فطهران ليس مكانا للفقراء من أمثاله فقط، هناك أغنياء يعيشون عالما لم يدخله، يعرفه كوسيط بين بطونهم المتخمة وتشهياتهم وبيت صاحب البيتزا. في تجواله على دراجة توزيع البيتزا ليلا وسرقاته الصغيرة نهارا، يتشكل عالم هذا الكائن، ومن أشاراته العابرة سنعرف أنه عاش تجربة الحرب العراقية الايرانية وأنه يتناول أدوية مهدئة تزيد من ضخامته، وأنه عاش زمنا كانت النساء فيه يتجولن في الشوارع شبه عاريات ( دون حجاب؟) كل ذلك سنعرفه دون تفاصيل. أذا نحن مواجهة كائن ممزق، منعزل داخليا ، يعاني أضطرابا نفسيا أقرب الى الشيزوفرينيا، وتناقضا حياتيا يوميا. حركته في شوارع المدينة بدراجته، وتعرضه للموت في كل لحظة لردائة وفوضى المرور، تجمع في داخله حقدا طبقيا، وأحباطا شخصيا يزداد برؤية بؤس مدينته وتناقضاتها. أليس هذا ما قدمه مارتن سكورسيزي في "سائق التاكسي" ؟ دون شك أن باناهي وكياروستمي ادركا أوجه الشبه هذا! ولكن نوع معالجتهما المحلية بأمتياز سمحت لهما المضي في أنجازه. فايران، اليوم، تبدو مدينة كافكوية، تجمع كل الغرائب والأعاجيب. ومشهد أحتفال مسؤل أيراني في شقته، هو نوع خاص من محاكم كافكا، المارة يحتجزون ويعتقلون في الطريق السالكة اليها دون مبرر، عبور الناس أمامها ممنوع حتى أنتهاء الحفل، ورجال الشرطة والمخابرات يتولون مهمة رعاية لهو الكبار بحماس، وباناهي يشتغل في هذا المناخ بطريقة غريبة هي الأخرى. فعندما ينزل حسين ويوزع البيتزا على الشرطة والمحتجزين يبدو كملاك عملاق ينتقل بين الضحية والجلاد. أن حسين، ودون مبالغة، يبدو في هذا الفيلم وكأنه يعيد عالمية ما قام به دي نيرو، فالمحلية هنا تكتسي حلة أنسانية، تقربها من بعدها العالمي. وما أنتقال الكاميرا الى غرفته في حارته الفقيرة سوى محاولة لتسجيل صورة عالم جاء منه حسين ولم يعرف سواه، غير مرة واحدة وبالمصادفة، كانت كافية لقتله كمدا. تجربة واحدة عرف فيها، كم هو الفرق شاسعا بين شمال مدينته وجنوبها. كسعة الفرق بين شمال كرتنا الأرضية وجنوبها!

كائن رخيص الثمن

قبل هذة التجربة حاول حسين  دخول المتجر ثانية مع خطيبته، أراد شراء خاتم خطوبة لها، أرتدى لهذة المناسبة طقما وربطة عنق، لم تنفع بشيء. التاجر تجاهلهم وعاملهم كديدان لا ترى. هذا التجاهل مرض حسين، وأغضبه. والمصادفة الغريبة التي سمحت له بدخول بيت ثري دعاه لتمشية الوقت، هيجت غضبه أكثر وشدت عليه مرضه العصبي، فقرر بعدها سرقة المتجر بما فيه أنتقاما من سلوك صاحبه المتغطرس والكريه. "الذهب الأحمر" سيكون وبالا أشد من الحرب والمرض النفسي على حسين، الذي أعتبرها قدرا سماويا لا مفر منها، أما أحتقار الأنسان وبسبب فقره وقلة حيلته فمقرون بالأنسان نفسه وبأخلاقه. والذهب الأحمر ،الأغلى، هو قيمة مادية صنعناها بأيدينا لنفضل بعضنا على بعض. أنه أختيار طبقي أجتماعي جرحه أشد إيلاما من جروح الحروب وأعمق من الوجع النفسي. الكوميديا السوداء والتراجيدية أجتمعتا بنجاح لترفعا كل هذة الأنفعالات الدرامية وتنقلاها الى المشاهد عبر سرد بصري محبوك ومشغول بعناية كبيرة.

السينما الايرانية.. مرة أخرى مدهشة

الدورة (الأنتحار والسرقة) التي بنى عليها باناهي فيلمه، أشبعها تفصيلا بحركة حسين في المدينة. وعلى خطورة الأفراط بالتصوير الليلي لحركة الدراجة اليومية الطويلة، الذي يعد مجازفة تقنية قد تضيع التركيز، فأنه وازنها بقوة التعبير الصامت التي أبرع فيها الممثل  حسين عمادين ( دور حسين) وأيضا قوة السيناريو والحوار المقتضب الذي فرض على المشاهد التفكير في أبعاده، كما أن الغوص في تفاصيل الحياة اليومية الايرانية زاد من فضولنا في معرفة هذا المجتمع وتناقضاته، بين القيم الدينية المعلنة وبين خفايا السلوك اليومي المغاير، الذي يراد السكوت عنه أعلاميا.

وبما ان الفيلم ايراني الأنتاج فأنه يفرض علينا نحن العرب أسئلة حول جدية سينمتنا ومقارنتها مع قرينتها الايرانية التي، أسمح لنفسي وأكرر ما قيل سابقا، بأنها قطعت أشواطا كبيرة نبدو أمامها متخلفين وذرائعين، لا نريد، لأسباب كثيرة، الأعتراف ان سينما أخرى بسيطة، فقيرة، لكنها جريئة تحمل في طياتها نقدا مسؤلا، تتقدم علينا وتدهشنا بجديدها كل مرة.  

أسم الفيلم: الذهب الأحمر

أخراج: جعفر باناهي

سيناريو: عباس كياروستمي

تمثيل: حسين عمادين، كميار شيشي، عزيتا رايجي وغيرهم.

أنتاج: أيران 2003

موقع "إيلاف" في 22 ديسمبر 2004