العراقي كارلو هارتيون سينمائي يبحث عن عمل! بغداد - ماجد السامرائي |
عوالم الخيبة والإحباط والبحث عن المخرج في القارات الثلاث نانت - ندى الأزهري رصد معظم الأفلام الآتية من القارات الثلاث أوضاعها الصعبة وعبر عن حيرة الكائن فيها وعجزه عن الوصول إلى مخرج من معاناته اليومية وأحلامه التي تنهار أمام العوائق التي تفرضها ظروف العيش في بلدان فقيرة تعاني مشكلات على الصعد كافة, السياسية والطائفية والاقتصادية. بدت تلك الأحلام مادية في معظمها. الحلم بالثروة والرفاهية, بعالم الأغنياء "عالم المال الذي هو كل شيء". كما تردد في أفلام عدة تبين أحلام الشباب في العوالم الفقيرة "الهند والمغرب وتونس وإيران والأرجنتين...". شرائط تظهر الأبواب المغلقة أمام الشباب والتي لا تفتح في نظرهم, إلا بالهجرة والهرب من الواقع المرير حيث لا مال ولا حرية, وأحياناً لا هوية. من العالم العربي, أتى من المغرب "باب البحر" الفيلم الثاني لداود أولاد سياد بعد "عود الريح". دخل الفيلم في المسابقة الرسمية ولم يحظ بأية جائزة. وقد رصد ظاهرة زوارق الموت, عبر قصة مريم الباحثة عن حرية تتوخاها على الشواطئ المقابلة, والهاربة من حياة صعبة جعلتها تسرق صاحبة العمل لتتمكن من الرحيل. وعلى رغم أن الفيلم أكد من جديد قدرات المخرج الإبداعية وطاقاته المتميزة على صعيد المادة البصرية, فإن السيناريو (شارك المخرج في كتابته) الذي أراد الانطلاق من فكرة الهجرة كأمر واقع, وجد صعوبة في اغناء هذه الفكرة وصوغها لتبدو حكاية يقوم عليها الفيلم ما أفقد الشخصيات صدقيتها وجعل السرد رخواً أو غير متماسك في بعض الأحيان. فيما بيّن "الأمير" التونسي للمخرج محمد زران, ملامح من حياة الشباب العاطل و العامل, وأحلامه في الثروة والحب من خلال حكاية عادل العامل في محل للزهور (فقير بيد انه وسيم وله اهتمامات ثقافية) والهائم بدنيا المسؤولة في أحد المصارف (جميلة وتركب سيارة فخمة). حب مستحيل؟ لا يقول الفيلم في نظرة تفاؤلية تقابلها أخرى تشاؤمية حول وضع المثقف العربي, الخاسر في محيط لا يهتم بالثقافة ولا يدعمها. وجاء هذا الفيلم أقرب في أسلوبه إلى السينما المصرية منه إلى التونسية. وأطلت أجواء الحرب اللبنانية في فيلم دانيال عربيد المؤثر "معارك حب". ففي حين انتقده البعض لاستخدامه, كما في كل الأفلام اللبنانية, الحرب كموضوع, رأى آخرون أن الحرب هنا كانت كخلفية ولم نر مشاهدها بل لمسنا نتائجها على حياة الصغار والكبار وتأثيرها في نفوسهم. كما نجحت المخرجة في التعبير عن الجو العام السائد في بيروت أثناء الحرب. خلقنا وعلقنا وأتت الأفلام الوثائقية الفلسطينية المشاركة لتبرز الوضع المعيشي الصعب حتى الاختناق في رام الله "لعله خير" فيلم رائد الحلو, وقضية الهوية والانتماء في "خلقنا وعلقنا" أو "تحقيق شخصي" لعلا طبري التي أكدت أنها لا تهدف من وراء فيلمها إلى تمثيل الفلسطينيين في الداخل, بل قضيتها الشخصية. فيلم جديد في فكرته وجريء من حيث أنه يلقي الضوء على فلسطيني الداخل أو "عرب إسرائيل" وإشكالية هذه التسمية من جهة, ومن جهة أخرى وهي الأساسية: هويتهم الإسرائيلية ونظرتهم إلى "عيد استقلال" إسرائيل. إذ أجبر جيل الخمسينات والستينات على الاحتفال به في المدارس بسبب الخوف في البيت الفلسطيني من قمع وقهر السلطات الإسرائيلية عند الإشارة إلى الهوية الفلسطينية أو عند منع الأولاد من الاحتفال به. وبين الفيلم أن إدراك جيل الثمانينات مختلف في هذا الأمر إذ بدأت تتردد عبارة "نحن عرب" في تعليم الأولاد لهويتهم. ومن إيران, نهاية مأسوية في شريط "بوتيك" لحامد نعمة الله. ورصد لأحوال الشباب العاطل, ومحاولة التخلص من الأزمات, بأحلام الهجرة أو بالزواج من شريك (أو شريكة) غني, أو بالمتاجرة بالمخدرات أو بتعاطيها. و ثمة سؤال يطرح نفسه بعد مشاهدة عدد من هذه الأفلام. لماذا نريد أن نكون أغنياء؟ هل لنشبه الغني الوحيد الذي بدا في الشريط الإيراني تافهاً قميئاً لا هم له سوى تعاطي المخدرات والسكر ومعاشرة الفتيات والبطالة وجعل الآخرين يعملون؟ أم للحصول على "تلفزيون 29 بوصة والاستراحة كل اليوم". كما حلم مهاجر فقير عائد من دبي في الفيلم الهندي "دع الريح تهب" للمخرج بارتو سين غوتبا؟ أحلام فقيرة تفرزها العولمة والرغبة في مجاراة ما يعرض على الشاشات وفي الإعلانات من رفاهية. ولم يقتصر الفيلم الهندي على أحلام الفقراء فقط بل وضعنا في أجواء التهديدات بقيام حرب نووية بين الهند والباكستان, والمشكلات الطائفية بين المسلمين والهندوس. الأمل في السينما فقط أما "ما يحيي الأمل في السينما" (كما عبر المخرج بعد نيله جائزة الجمهور الشاب) وليس في الحياة (كما عبر بعض المشاهدين), فكان الفيلم الصيني "ريري ريري يه يه" أو نهار وليل المنتمي إلى سينما المؤلف للمخرج الشاب "وانغ شاو", والذي فاز بثلاث جوائز في مهرجان نانت ومنها الجائزة الأولى "المنطاد الذهبي". وتطرق الشريط بكثير من الرهافة إلى المشاعر المتضاربة التي تنتاب البطل, وهو متنازع بين احترامه لمعلمه وبين رغباته الذاتية. وبين حياته مع أقرانه من عمال المناجم وشغلهم في أجواء قاسية (حصل انفجار في أحد المناجم في الصين في الوقت نفسه الذي عرض الفيلم ما أظهر ظروف العمل الصعبة). أفلام استمتعنا بها على رغم أجوائها القاتمة بفضل القيمة الفنية لمعظمها, ولعمقها وإنسانيتها التي لا تتوافر في الكثير من الأحيان في السينما الغربية. ولم ينقذنا من هذه الأجواء إلا عباس كياروستامي الذي عرضت لأفلام نادرة له قصيرة وطويلة, التي وإن كان أكثرها يدور حول الأطفال, فهي متجددة في أسلوبها وفي طرحها المميز. وتظهر عالم الصغار الشبيه بعالم الكبار بما يحتويه من الخيبة والأمل والقوة والضعف والتسامح والمكر والبراءة. عالم يثير في المشاهد شتى المشاعر من التعاطف إلى الدهشة والابتسام. الحياة اللبنانية ـ 17 ديسمبر 2004 |
كانت بداية الفنان العراقي كارلو هارتيون مع السينما عندما دخلها ممثلاً. ولتلك البداية مفارقة حصلت له في بداية حياته الفنية يذكرها بمزيد من المتعة (والسخرية ايضاً) وذلك عندما تم اختياره عام 1956 لأداء دور في فيلم "عروس الفرات".. ولأن الفيلم يتناول جانباً من الحياة الريفية في جنوب العراق, فإن مخرج الفيلم طلب تغيير اسمه في عنوان الفيلم من "كارلو..." الى "كاظم...", فما كان منه الا ان رفض ذلك مفضلاً الانسحاب من الدور الذي اسند اليه, لكنه بقي من العاملين مع المخرج. يحدد "كارلو" البداية الفعلية له مع السينما بالعمل مع المخرج عبدالجبار ولي الذي اسند اليه دوراً في الفيلم التاريخي "نبوخذ نصر", فكان ذلك هو دوره السينمائي الأول, وقف فيه الى جانب فنانين قديرين منهم الفنان سامي عبدالحميد. ومن ذلك العام (1959) أصبح يفكر بالسينما والعمل السينمائي مجالاً يحقق فيه طموحاته الفنية. وفي العام ذاته انضم الى "اكاديمية السينما" في بودابست, وواصل دراسته فيها حتى عام 1965, انتج خلالها عدداً من الافلام التسجيلية القصيرة, اما تجربته في الاخراج السينمائي فبدأت - كما يقول - حينما عمل مساعد مخرج مع المخرج الهنغاري يانجو مكلوش. حينما عاد الى بغداد عمل في الاذاعة اولاً, ثم تحول الى الاخراج التلفزيوني, وكان اول عمل درامي اخرجه للتلفزيون سهرة تمثيلية بعنوان "اللغز" (1968). بعد ذلك بعام اخرج مسلسلاً درامياً بعنوان "عطارد" وكلاهما كانا لكاتب الدراما التلفزيونية معاذ يوسف. اما نقطة التحول الفعلية في عمله التلفزيوني فكانت عام 1972 حينما اخرج مسلسلاً عن "ثورة العشرين" في العراق بعنوان: "عشر ليرات" اعتمد فيه التصوير الخارجي للمرة الأولى في الاعمال الدرامية التلفزيونية. اما اول فيلم اخرجه للسينما العراقية فكان في اواخر السبعينات بعنوان "اللوحة", مصوراً فيه حياة الطلبة. ومن بعده كان فيلمه الثاني "البندول", وكانا من اوائل الاعمال السينمائية في التلفزيون العراقي. وبعد ذلك اخرج لدائرة السينما والمسرح فيلمين روائيين هما: "شيء من القوة" (1985), و"زمن الحب" (1991). واذا كان جمع في عمله هذا بين "الدراما التلفزيونية" و"الفيلم السينمائي" فلأنه - كما يرى - يجد اللقاء متحققاً بين "لغة التلفزيون" و"لغة السينما"... فكلاهما يعتمد "اللغة المتحركة" او الصورة. واليوم حينما ينظر كارلو هارتيون الى واقع السينما في العراق, فهو ينظر اليه بمزيد من الاسف, "لأن السينما فيه لم تحقق ما كان منتظراً ان تحققه بالقياس الى تاريخها". وعلى ذلك فهو يرى "ان العمل على ايجاد سينما حقيقية يبدأ من تحقيق ثقة جمهور السينما بالفنان العراقي, وبالكشف عن امكانات الفنانين العراقيين من هذه الناحية". ويعتبر اننا "اذا اردنا تقوية الثقة بالمنتج الخاص, فإن على الدولة ان تبادر, من جانبها, الى دعم هذا القطاع, سواء من طريق الدعم والتشجيع او من طريق المساهمة معه في تكاليف العملية الانتاجية". غير ان للفنان هارتيون ملاحظاته على هذا الجانب الانتاجي... فهو اذ يجد "ان هناك اقطاراً عربية سبقتنا في مجال السينما والانتاج السينمائي, من حيث عدد الأفلام والمستوى الفني", يقول ان "ما قامت به السينما العراقية لا يتعدى المحاولات. فعدد الافلام المنتجة حتى الآن قليل بالقياس الى الحقبة الزمنية التي قطعناها مع هذا العمل, والتي تتجاوز نصف القرن", ويجد "ان ما انتج عراقياً من افلام سينمائية لا يرسي اي تقاليد سينمائية", ويعزو ذلك الى "ان الهم عند المسؤولين عن هذا القطاع لم يكن ايجاد, او تطوير حركة سينمائية, وانما ظل العمل في هذا الحقل خاضعاً لرغبات متباينة". وعلى هذا فهو يرد على القائلين بوجود تاريخ للسينما العراقية بأنه "تاريخ ضعيف", محملاً مسؤولية الضعف هذه, الى جانب المؤسسة, للعاملين في السينما الذين يجد ان الكثيرين منهم "لم يتعلموا بعد لغة الصورة التي هي اللغة الاساسية في السينما", الأمر الذي يطاول "كاتب السيناريو" ايضاً. في المقابل يجد "ان لدينا ممثلين رائعين, يتفوقون في عملهم على ملاحظات المخرج وتوجيهاته. ومع انهم قلة, الا انهم يتميزون بالروح الحقيقية للممثل, من تلقائية الاداء وحضور الشخصية". وعلى هذا, فهو يطالب بتطوير "مناهج الدراسات السينمائية في اقسام السينما في معاهد الفنون وكلياتها في العراق لتتماشى مع هذه المنهجية السينمائية التي يراها, اذ يجب ان يتعلم العامل في حقل السينما فن تشكيل الصورة اولاً, هذا فضلاً عن الثقافة السينمائية". ويعزو هارتيون جانباً من تأخر الحياة السينمائية في العراق الى الحياة الاجتماعية العراقية وما يسودها من تقاليد قاسية وعادات اجتماعية صارمة. ويقول: "إن الجانب الديني هو المتغلب على مناحي هذه الحياة كافة, وهو عامل من عوامل الحد من حرية العمل السينمائي, وكذلك في ايجاد "مجتمع سينما", اذا جاز التعبير". مشيراً, في هذا المجال, الى ما يعده "فجوة كبيرة" في العمل السينمائي وهو ما يشكله "غياب العنصر النسوي. انه عنصر شبه مفتقد لا من العمل السينمائي وحده, بل ومن العمل الدرامي ايضاً.. وكذلك من المسرح, وغياب العنصر النسوي, او ندرته, سبب اساس في تخلف الكثير من اعمالنا الدرامية والمسرحية والسينمائية". وفي هذا السياق يرصد ظاهرة اخرى تخص المجتمع العراقي, فهو "مجتمع ليست لديه توجهات فنية كما ينبغي ان تكون في مجتمع مديني على نصيب من الحضارة والتقدم. والفنانون انفسهم, بكل جهودهم لم يستطيعوا ايجاد وسط خاص بهم, على سعة هذا المجتمع وحجمه". فإذا سألته عن سبيل الخروج من هذه الازمة, اكد "ان العامل المادي مهم وأساس في هذه العملية, وذلك بأن نجعل الفن والعمل الفني مصدراً اساسياً في دخل الفنان بحيث يستطيع الاعتماد عليه اعتماداً كلياً في تسيير امور حياته العامة والخاصة, عندها سيكون الاقبال كبيراً, من العنصر النسوي تحديداً, على الانخراط في مجالات العمل الفني, والانصراف اليه انصرافاً كلياً". وانطلاقاً من هذا الواقع - بحسب ما يرى - يأتي "تردد القطاع الخاص في دعم هذه الحركة. فصاحب رأس المال الذي يساهم في عمل ما, وينفق عليه يريد, في اسوأ الاحوال, ان يسترد رأسماله كاملاً, ان لم تتحقق له منه الارباح. ان واقع الحياة الفنية في العراق لا يشجع على دخول رأس المال هذا مجالات الانتاج الفني". ومع انه يبدي سروره, وحماسته, لتعدد القنوات الفضائية في العراق منتظراً منها زيادة في الانتاج عن الحياة العراقية والواقع العراقي".. الا انه اجاب عن السؤال: "بماذا تفكر حالياً؟" بالقول: "ابحث عن عمل, اريد ان اعمل". ويضيف: "ان معظم المخرجين العراقيين, على امكاناتهم المتميزة, هم اليوم شبه عاطلين من العمل". الحياة اللبنانية في 17 ديسمبر 2004 |