شعار الموقع (Our Logo)

 

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

اندريه تاركوفسكي: «المرآة» يعمق تساؤلات عن الحياة والموت

سكورسيزي: صورة الذات عبر مجنون السينما والجراثيم والطيران

امير كوستوريكا طفل السينما العالمية المشاغب

باب الشمس اختارته الـ التايم من أفضل‏10‏ أفلام علي مستوي العالم

جيهان نجيم فيلمها القادم عن جون كيري

بيدرو المودوفار.. كلمة ختام حياتنا لم تكتب بعد

 

 

 

 

 

فيلم عريس من جهة أمنية لعادل إمام:

حشد من الحركات والمواقف والحوارات هدفها جلب الضحك

عمان ـ يحيي القيسي

 

 

 

 

 

 

الذي يشاهد الفيلم الجديد، عريس لجهة أمنية، من بطولة عادل إمام الذي تعرضه دور السينما المحلية في عمان، يدرك علي الفور أن الرجل لم يخرج بعد من عباءته، ولم تتغير كثيرا طرقه في التعاطي مع الكوميديا سواء من خلال الحركات أو الكلمات، ومن الواضح أنه يسابق الزمن ليحاول أن يثبت أنه ما زال شابا، وأن النساء يقعن بسهولة في حبائله، وأنه يمكن أن يطيح بمجموعة من الرجال الأشداء بضربة واحدة، ورغم أنه يقوم هنا بدور أب غيور علي ابنته لدرجة غير معقولة إلا أن جانبه الآخر كصائد للنساء الأجنبيات يحاول أن يذكر المشاهد بأفلامه السابقة وبفحولته الخارقة.... ولكن قبل الولوج إلي حكاية الفيلم الجديد الذي أخرجه علي إدريس أود أن أشير هنا إلي أن مثل هذا الفيلم يرسخ الصور النمطية تماما، وما علي مشاهده إلا أن يغيب عقله وأفكاره الجادة طيلة العرض، وأن يأخذ استراحة من أجل الضحك، فالفيلم مصنوع لهذه المهمة تماما، ولا شيء غيرها، ولهذا لا يمكن أن يصمد أمام أي محاكمة عقلية لمضمونه وطريقة صياغته، إذ أن ما يجري من أحداث تحكمها الصدف والمبالغات أمر أصبح مثيرا للضحك عليه، وليس منه، وعلي العموم فإن الفيلم يقدم وجبة غنية من المشاهد، والتعليقات والأحداث الجالبة للضحك والتسلية ولهذا يمكن لمن يرغب أن يرتاح مؤقتا من الجدية والعبوس أن يجد فيه ملجأ ممتعا.

عادل إمام هنا تاجر محل للتحف والمواد الأثرية، وكل ما يرغب السائح الأجنبي أن يأخذه كذكري معه حين مغادرته مصر، والرجل يبدو مليونيرا ولديه مجموعة من المحلات، وهو يعيش مع ابنته الجميلة اليانعة حلا شيحا واسمها في الفيلم، حبيبة، في فيلا فخمة، ومن الواضح منذ اللقطات الأولي أن النجاري باشا التاجر الشهير يسير مع ابنته ويراقبها أينما توجهت، ويمنع من يريد النظر إليها، إنها تبدو قطعة من ممتلكاته الثمينة غير قادر علي التفريط بها لأي كان حتي لو من أجل الزواج، وهنا فإن النجاري يعيش مع ابنته فقط، وليس ثمة أي معلومة عن بقية أفراد العائلة أو الأم، هناك غياب كلي لهذا الأمر، ومن المشاهد الأولي أن أحد الشباب يتطلع إلي حبيبة، وتكون هي مع والدها أثناء قيادتها لسيارتها، ولا يطيق أبدا نظرات الشاب فيلجأ إلي إيقاف سيارته وسط الشارع والقيام بتعنيف هذا الشاب الصايع علي حد تعبيره، وهنا يتجمع الناس من كل صوب، وتحدث أزمة في السير، ووحده عادل إمام يوزع الصفعات علي المارة الذين يختلفون مع رأيه، ويكاد الأمر أن يطال ضابط الشرطة أيضا.

هناك مشهد آخر يجمع الابنة مع أبيها في معرض للفن التشكيلي، وبالطبع فإن طريقة مشاهدة عادل إمام للوحات وتعليقاته تجعل من الفن التشكيلي أمرا سخيفا،وتتفه الفنانين أيضا والمثقفين، ولا يقتصر الأمر علي ذلك ما دام أن الهدف هو جعل المشاهد يضحك ولو علي حساب أي شيء، والحكاية بمجملها تتحدث عن التاجر النجاري وابنته وكيف يسعي إلي أن يتخلص من العرسان الذين يتقدمون لطلب يدها علي سنة الله ورسوله فهو من جهة يعتقد أن هؤلاء العرسان يطمعون بثروته، ومن جهة أخري لا يطيق الابتعاد عنها، فهو يرافقها إلي كل مكان تذهب إليه عسي أن يعوضها عن رفقة أي شاب آخر، ومن جهة أخري يستمر في معظم الليالي بتضليل السائحات الأجنبيات من أجل أن يقضي معهن وقتا ممتعا قد يمتد إلي ساعات الفجر،وفي إحدي مغامراته مع هندية يحاول أحد ضباط الشرطة أن يسجنه لكن ضابطا آخر يتدخل لإنقاذه، وهو هنا شريف منير الذي يعلن عن نفسه كضابط في جهة أمنية دون أن يحددها، وقد يفهم المشاهد أنها، أمن الدولة، مثلا، ونكتشف أن شريف يرغب أيضا بطلب يد حبيبة، وهنا تبدأ المغامرات والأحداث المشوقة، فالنجاري يرفض هذا الزواج، ويبدأ بوضع الصعوبات أمامه، والشروط التي تكاد تكون مستحيلة، ونجد أن ضابط الأمن يحاول من جهته أن يخضع لكل الاختبارات وينجح فيها تماما، فهو خلوق، ومليونير، وضابط ذو مركز كبير، ونعلم أيضا أنه حاصل علي شهادة الدكتوراه في القانون الدولي، أي أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وفي النهاية تتم الزيجة وسط حضور قوي لرجال الأمن خوفا من أن يتم تفجير الحفل من قبل المتشددين، فقد بعث النجاري برسالة تهديد باسمة جماعة التكفير والهجرة إلي الفندق من أجل إفشال الزواج، واتخذت الأجهزة الأمنية حالة مبالغة من الاحتياطات، ولا أريد هنا أن أعلق علي الصورة المثيرة للشفقة والسخرية التي ظهرت بها هذه الأجهزة، من أجل إضحاك الجمهور، ولا أدري أيضا كيف قبلت أن تظهر بمثل هذه الصورة الكاريكاتورية عبر حشد عدد كبير من رجال الأمن الكومبارس امام فندق معروف، بل والمشاركة في الحفل كجمهور وحيد..
وعلي كل حال فإن إخضاع الفيلم وأحداثه لأي منطق عقلي سيطيح به تماما، ولكن القبول به كفيلم إضحاك يبرر له كل التجاوزات، ما دام فهم الكوميديا في أغلب الأفلام العربية قائما علي مثل هذه المبالغات والصور النمطية، والجمل المكررة، والحركات المفاجئة، ومن جهة أخري تظهر لبلبة في دور والدة ضابط الأمن، شريف منير، وهي أرملة للواء سابق في الأمن أيضا، وهنا تظهر المناكفات بين عادل إمام و لبلبة كشخصين لا يطيقان أن يكون بينهما نسب، وكعناصر محبطة لمشروع الزواج للحبيبين، ولكن النهايات تكون دوما مفرحة من أجل أن يخرج الجمهور من قاعة السينما دون نكد، وأن يكون راضيا تماما، وتوقعاته هي الصائبة علي رأي العبارة الشهيرة، الجمهور عاوز كدة.

يحاول العروسان أن يقضيا شهر عسل في مناطق بعيدة من العالم هربا من ملاحقة والد العروس، وبعد أن يقطعا هذه المسافة يجدانه بانتظارهما، وتبدو أيام العسل مثيرة للشفقة إذ لا يكاد العريس يري عروسه ما دام أن والدها هو الذي يريدها أن تظل إلي جانبه، وهنا يستنجد شريف بوالدته الشرسة لتخلصه من النجاري والد حبيبة، وبالطبع تحضر إلي هناك وتتيح له الفرصة أن يلتقي بعروسه للمرة الأولي، وما يحدث في الأفلام هو أن كل شيء مجاب، والنهاية تجمع المتباغضين معا، ولا أريد هنا أن أركز علي التفاصيل حتي لا أفقد المشاهد المتعة وأستبق الأحداث فالعبرة هنا في الأداء والحركات والجمال الكوميدية الطابع وليس في ذكر ما جري.

بقي أن أشير إلي أداء الممثلين فالدور الأساسي هنا لعادل إمام، والفيلم يبدو مصنوعا بالكامل من أجله وبالطبع فإن تجربة إمام غنية وكبيرة وقادرة علي التجدد والعطاء، وهو كوميدي محترف وعفوي لكن من المهم أن ينتبه لسطوة العمر عليه وأن يختار ما يناسبه من الأدوار الهادئة بعيدا عن أدوار مغامرات الشباب التي لم تعد تتناسب مع سنه، وهناك حضور واضح للممثلة الشابة حلا شيحة كشابة متدفقة بالحياة،و متعلقة بوالدها، ومن الواضح التركيز علي جسدها وفتنته المخفية أو المكشوفة بين الحين والآخر لا سيما بعد عودتها من رحلة لبس الحجاب التي لم تطل، ومن جهة أخري قدم شريف منير دوره باتقان، وانسجام، ولا يملك المرء إلا أن يتعاطف معه ويحبه، وبالطبع فهو لا يتحمل مبالغات كاتب السيناريو والمخرج بشأن الأحداث التي يمر بها، ومنها الكثير مما لا يقنع. بقي أن أشير إلي أن لبلبة هنا ساهمت في إضفاء نوع من الحيوية في أجواء الفيلم، رغم أنها بدت دوما غاضبة وحادة المزاج.

وعموما فإن، عريس من جهة أمنية، يوفر قدرا كبيرا من المتعة البصرية والمواقف التي تبعث علي الضحك والتخلص من الكآبة، ولكن في ظل عطالة مؤقتة ومع سبق الإصرار والترصد للعقل.

القدس العربي في 30 نوفمبر 2004