صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

50

49

48

47

46

 

دراما الضوء

مدير التصوير السوريّ حنّا ورد

من البدايات، وحتى اليوم (3)

أجرى الحوار: محمد زرزور

تفريغ: شيرين عيسى

 
 
 

·      اليوم، في ظلّ التطوّر التكنولوجي الذي نعيشه، وخاصةً مع الكاميرات الرقمية المتطورة، هل أصبحت مهمة مدير التصوير، والاضاءة أسهل؟

 

برأييّ، السؤال أبسط من ذلك، أولاً: التلفزيونات التي بدأت تعمل مسلسلات، نفذّت الإضاءة عن طريق أشخاصٍ هم نفس أولئك الذين كانوا يعملون في الاستديو، فهؤلاء، بشكلٍ عام، يحبون أن يعملوا إضاءة فلات، لم يتعلموا، هناك اثنان فقط، سمير سمارة رحمه الله، ومحمد الرواس كانا يعملان عملاً جميلاً جداً في الإضاءة.

لا يوجد شيء اسمه إضاءة تلفزيونية، وإضاءة سينمائيّة، ما يختلف هو الدراما، تستطيع أن تقول دراما تلفزيونية، ودراما سينمائيّة، لكن، لا تستطيع أن تقول إضاءة سينمائيّة، وإضاءة تلفزيونية للمسلسلات. المصريون يعملون إضاءة سينمائيّة على أعلى مستوى، السوفييت، أو الروس أيضاً قدموا إضاءة رائعة، المسلسلات الأوروبية، أو الأميركية أيضاً إضاءة رائعة، أريد أن أسألك: ماذا يختلف "دالاس" عن فيلم سينمائيّ من حيث الصورة، هل تختلف؟

وكان يُصور 35 مللي، مسلسل "بطرس الكبير" الذي أنجز في روسيا عام 1984 صُور 35 مللي سينما، ولم يُصوّر فيديو، وكان مدير تصويره فيكتوروس سورارو.

الفكرة هنا، أنّ الخطأ خطأ، والصحيح صحيح، لا يوجد إضاءة سينمائيّة، وإضاءة تلفزيونية.

اليوم، أصبحتَ تشاهد برامج في التلفزيونات الأوروبية، وعندما ترى الإضاءة، تقول: ما هذا الفيلم السينمائيّ، وليس ذلك فقط، في أمريكا هناك الأليكسا، وهي كاميرا سينمائيّة إلكترونية، دخلت إلى الاستوديوهات مع عدساتها السينمائيّة، إذا كان سعر عدسة السينما الزوم 25 ألف دولار تقريباً، فعدسة الزوم السينمائيّة التي تستخدمها الأليكسا سعرها من 60 إلى 70 ألف دولار، وما فوق، والكاميرا الأليكسا أغلى من الكاميرا التلفزيونية العادية، فأمريكا تريد صورةً جيدة.

 لذلك، أنا ضدّ أن نقول إضاءة سينمائيّة، لقد أدخلت الإضاءة السينمائيّة إلى المسلسلات، من هم قبلي هذه هي إمكاناتهم، لا أستطيع أن ألومهم، علاقتي جيدة مع كلّ شعبة الإضاءة في التلفزيون السوري، وخاصة ًالقدامى، أول من هنأني بفيلم "وقائع العام المقبل" هو سمير سمارة رحمه الله، لقد دعوته، وحضر الفيلم، فقد ساعدني في بعض الأمور التقنية في تحضيرات الفيلم، لقد دعوت الجميع في الافتتاح، وأساعد اليوم في تطوير الصورة التلفزيونية، أشكّ بأنّ يوجد شخصٌ في التلفزيون السوري، أو المصري، أو الأردني، أو الليبي يستطيع استخدام الأجهزة التي ذكرتها بنسبةٍ أكثر من 30 بالمئة من إمكاناتها، لأنه يجب أن تعرف نظرية الألوان، فلم تعدّ الإضاءة مجرد وضع  فلتر، اليوم هذه الفلاتر موجودة في الكاميرا، إضافةً إلى ذلك، تخيّل اليوم بجهاز تابلت iPad تستطيع التحكم بخمسمئة بروجكتور، لاحظ أنني في هذا الأستوديو الصغير الذي لا يعيره أيّ شخص اهتماماً، عملت اثنا عشر تصميم إضاءة.

بالمناسبة، هذه الأجهزة تكلف أقلّ، فتستطيع من خلالها أن تظهر في الخلفية إستانبول، أو آيا صوفيا، أو باريس، أو أيّ مدينة أخرى تختارها، ومتوفرة لديك صورتها، فالأمور أصبحت أسهل.

حيث كنا في بدايات عملنا، نخرج إلى التصوير ومعنا 30 كيلو إضاءة، الآن 3 كيلو إضاءة تكفيك، نحن دائماً نركض وراء التكنولوجيا لخدمة أفكارنا.

إنّ تحويل السينما من فيلم إلى ديجيتال سينما فوتوغرافي عمل تبديلاتٍ جذرية في صناعة الصورة، الفيلم السينمائيّ كان حيادياً، كنا نعرف تركيبته، كان من ثلاث ماركات، كوداك، ولونه تقريباً ذهبي على أصفر، وفوجي، ألوانه باردة، وأكفا كيفرت، ألوانه دافئة، وهو أكثر لون أحبه، لكن هذه الشركة لاقت مصاعب، وأفلست، فبقي هناك شركتان عملاقتان هما كوداك مع فوجي فيلم.

تصلّح الألوان في الفيلم السينمائيّ بفيلترات، إذن، لا نستطيع أن نتدّخل في تركيب الصورة إلاّ إذا وضعنا فيلترات خلال التصوير، تسمح تركيبة كاميرات الديجيتال أن نعمل تلوين، أصبح يوجد software نستطيع أن ندخل على الإعدادات، نرفعه، ونخفضه.

وكلّ هذا لم يكن موجوداً في الفيلم، ألحقت هذه المزايا بكاميرا ديجيتال سينماتوغرافي، فلحقت بها شركات إضاءة، وحين ظهرت إضاءة اللد، أصبح هناك إمكانية تحقيق أكثر من نوع إضاءة في الوقت ذاته، وتغيير أزرار، وصار لدينا فلترات، فعملياً، أصبح لدينا كاميرا معمل بصري متكامل، والإضاءة معمل ألوان متكامل، وهذا كلّه إلكتروني، لكن، هذا الأمر زاد الصعوبات على مدراء التصوير القدماء، فمن لم يطوروا أنفسهم، أصبحوا يقعون في مشاكل، لأنّه أصبح على المصور أن يضبط الأجهزة بشكلٍ دقيق جداً، ويعرف الألوان، وكيف يضبط أكثر من جهاز مع بعض، لكن، ازدادت الأدوات، والخيارات، وعدد الألوان، والإمكانات الإبداعية في التصوير، وما يتبعه في المونتاج، والتلوين.

 كنا في السابق، في حالة الخدع السينمائيّة، نتعب كي تظهر التيترات، الآن بكبسة زرّ نستطيع إنجاز أعقد الخدع السينمائيّة المتعارف عليها، للأسف، الوكلاء بشكلٍ عام في بلادنا لا يحبون أن يصنعوا تسويق معرفي (تسويق معلومات)، يريدون تسويقاً يربحون منه نقوداً، لذلك، أصبح هناك تشكيك بقدرة العاملين في الحقل السينمائيّ باستخدام التكنولوجيا الجديدة، لم يعلّمهم أحد، وهذا الأمر لا يمكن تعلمه، حيث في المعهد لا تستطيع أن تتعلم الإلكترونيات، وكيف تغيّر الألوان.

 مدراء التصوير في مصر مثلاً كلّهم كبار يفهمون أكثر من جميع العالم، لكن، اليوم تغيير الأجهزة لم يعدّ أمراً سهلاً، إنّهم يستخدمون الجهاز بنصف إمكانياته التقنية، وخاصةً حين جاءت الكورونا خفّ السفر إلى خارج البلاد، فأصبح الأمر يتطلب من الجميع معرفةً أكبر، بمعنى، المعرفة لا تصنع منك مدير تصوير ممتاز، لكنها تسهّل لك حياتك.

كنتَ شريكاً للمخرج الراحل عمر أميرالاي في تصوير 5 أفلام وثائقية، منها ما قدم السيرة الذاتية لرئيسيّ الوزراء بناظير بوتو عام 1990، ورفيق الحريري عام 2000، وما بينهما فيلم "نور، وظلال" الذي كان بمناسبة مائة عام على ولادة السينما، وكان الفيلم تكريماً لـنزيه الشهبندر عام 1994...

 

·      ما هو الاختلاف _ كمدير تصوير _ بالرؤية، والأدوات، وأشياء أخرى بين الفيلم الوثائقي، والفيلم الروائي؟

 

لا يوجد فروقاتٍ بالمُطلق في طريقة العمل بين الروائي، أو الوثائقي، والتلفزيوني، أو السينمائيّ، الإضاءة هي عنصرٌ دراميٌّ، وجماليّ، هناك أجواء نطبّقها على فيلم وثائقي، وأخرى على فيلم روائي، المضمون الدرامي للفيلم بشكلٍ عام، وللمشهد بشكلٍ خاص، هو الذي يدفعني إلى أن أصمّم إضاءةً بهذا الاتجاه، أو باتجاهٍ آخر.

حين عملنا مقابلاتٍ مع نساءٍ في فيلم "بنازير بوتو"، مع سياسياتٍ كبار يعرفونها، كان عمر يريد أن يعملها لوحة، وهذا الاقتراح أعجبني جداً، ولم أجد أنّ هذه المقابلة تختلف عن مشهدٍ درامي، وحين عملنا مع ذو الفقار علي بوتو في بيت العائلة، كان يريد في التصوير حركة، فأحضرت كرسي عجزة، وصوّرت وأنا جالس عليه، وتحركت، وعملت إضاءة مهمة ربطتها مع الداخل، والخارج.

 بالنسبة للوثائقي، كان عمر من أهمّ المخرجين الذين عملت معهم، إنه إنسانٌ يحترم المجموعة احتراماً كبيراً، ويحب الصورة، ومن يعمل على الصورة، كانت العلاقة بيننا فوق الممتاز، لابدّ من وجود تجاذباتٍ، لكن، يبقى عمر موضوعياً، ويفهم في الصنعة أكثر من أصدقائه بكثير، أحزن جداً لأنّه ساعد غيره، ولم يستطع أن ينجز فيلمه الروائي الذي كان يرغب إنجازه، وعنوانه "القرامطة"، كانت لديه رغبة كبيرة في إنجاز هذا الفيلم الروائي.

 حين تشاهد فيلم "الحريري الرجل ذو النعال الذهبية"، إذا أخرجت شخصية الحريري، والكاريزما الخاصة به، تقول أنّ هناك شيء درامي يحدث في الفيلم، وهذه هي طريقة عمر في العمل، عنده الأجواء مهمة جداً، ويفرّق بين ما هو إنارة، وما هو إضاءة، من خلال الجوّ الذي تصنعه بأدوات الإضاءة، فالجوّ الدرامي للقطة، أو للمشهد بأدوات الإضاءة هو الذي يساعد المتفرج على تقبّل الفكرة التي يتحدث عنها من نُجري معه المقابلة.

 وإذا لاحظتَ في المشاهد تختلف الإضاءة على الحريري، وهذا الأمر متعمّد، وفي فيلم "بنازير بوتو" أيضاً تختلف الإضاءة من شخصيةٍ إلى أخرى، فقبل التصوير يعطوني فكرة عن الشخصية، من هي، وماذا ستقول بشكلٍ عام، وبأيّ اتجاه، فحين صوّرنا مع أم بنازير بوتو في بيت العائلة، كان التصوير خيالياً لوجود مكتبة من أكبر المكتبات التي رأيتها في حياتي، وتابعة لشخصٍ واحدٍ هو أبو بنازير بوتو في بيت العائلة في كراتشي.

عملتَ أيضاً مع مخرجين أجانب في أفلام وثائقية أخرى، "تغيير الاتجاه"، إخراج هيلين ويلنكسون انتاج BBC عام 1991، و"الإسلام _الحرب الداخلية"، إخراج شربل أوس آلي انتاج شركتيّ العربية، و TPI الأمريكية عام 2003 ...

 

·      هل هناك اختلافٌ في أسلوب الانتاج بين العرب، والغرب؟

 

الأسلوب الإنتاجي بين الأوروبيين، والأمريكان، وبيننا، هو أنّ كلّ واحدٍ منهم يعمل عمله، وهم يحترمون طلباتك، يقولون لك يأنّ طلبك محقّ، لكنه خارج الميزانية، ولن نستطيع تأمينه، ما رأيك أن نؤمن بديلاً آخر، هل يكفي؟ هذه هي إمكانياتنا، لا يقولون لك إن شاء الله، سنصنع لك المستحيل، بل هذه هي ميزانيتنا، أو يؤمنّون لك كلّ شيء حسب الاتفاق، وما يفعلونه صحيح، لأنّهم يريدون بيع الفيلم. 

بينما عندنا يُباع الفيلم، ويُشترى على أساس من العلاقات الشخصية، لذلك، لا أحد يهتم بالجودة، رغم أنّه لدينا مخرجون ممتازون، ومدراء تصوير، ومونتيرية، كلّها كوادر ممتازة، ولدينا معدات أكثر من أوروبا، وأمريكا، لكن، ينقصنا المنتج، وشخص يشتري الأعمال للمحطات التلفزيونية، يكون مهنياً، ويقدّر جهود الآخرين، ويضع سعراً مناسباً لهذا الجهد، فالمعادلة هكذا، من الممكن أن تشتري أيّ محطة أجنبية فيلماً بعشرين ألف دولار لعرض مرة واحدة مثلاً، ويشترون فيلم آخر بمئة ألف، لأنّ هناك جودة فنية عالية، جودة سينمائيّة عالية، هذا الأمر مهم جداً، لذلك، تراهم جميعاً يعملون بجودة، ثم مثلاً قسم ضبط الجودة، يقول أنّ اللقطات سيئة بنسبة 20 بالمئة، يجتمعون بسرعة، ويقولون نستطيع عرضه، فيطلب المسؤول عن الشراء بخصم ثلاثين بالمئة، لأنّ قسم ضبط الجودة قالوا له أنّ هناك مشكلة في الجودة، ليس فقط في الجودة البصرية، بل الجودة الفكرية، والدرامية أيضاً، فلذلك يعمل الجميع بشكلٍ صحيح،  ليس لأنّهم منضبطون، بل هناك قانون يُطبّق على الجميع، ويجبرهم بأن يكونوا منضبطين.

سينماتك في ـ  07 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 14.10.2021

 

>>>

50

49

48

47

46

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004