صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

55

54

53

52

51

 

عن بعض لقطات "ألمّ، ومجدّ"

للإسباني "بيدرو ألمودوفار"

كتابة: صلاح سرميني

 
 
 

كي نفهم السينما التجريبية، ونتذوّقها، من المُفيد أن نمتلك الحدّ الأدنى من الثقافة التشكيلية.

وهنا، يمكن الاستعانة بمثالٍ عشوائيّ، وليكن اللوحات المُركبة للفنان الصينيّ Zao Wou-Ki، وبالتحديد، تلك المُكوّنة من ثلاث لوحاتٍ متجاورة، يمكن اعتبارها لوحةٌ بحدّ ذاتها، وكلّ لوحة منفردة من هذه الثلاثيّات هي لوحةً لوحدها.

في السينما، ومنذ بداياتها، كان هناك شاشةٌ واحدة، ومع تطوّر اللغة السينمائية، بدأ بعض المخرجين، ورُبما معظمهم، استغلال إمكانية تقسيم الشاشة إلى مساحتيّن، وأكثر، وأكثر.. وذلك بهدف تجسيد أحداثٍ تجري في زمنٍ/مكانٍ واحد، أو في أزمنةٍ/أمكنةٍ مختلفة.

السينما التجريبية ذهبت في بحوثها الجمالية/الشكلية إلى أبعد من ذلك، استخدام شاشتين، أو أكثر لعرض فيلم، وحتى الانتقال من شاشةٍ/شاشاتٍ إلى أخرى.

ومع تطوّر التقنيات الرقمية، أصبح بالإمكان تقسيم الشاشة إلى عددٍ لا يُحصى من الشاشات الصغيرة جداً.

السؤال الأن: من هو الفنان الرائد الذي استوحى إمكانية تقسيم اللوحة التشكيلية إلى عدة لوحاتٍ متجاورة كما حال النموذج الحالي (لوحات الفنان الصيني)؟

هل السينما هي التي أوحت هذا التقسيم إلى الرسم، أم أنّ الرسم هو الذي أوحى ذلك للسينما؟

ومع أنّ الإجابة تحتاج إلى بحثٍ مُعمّقٍ في تاريخ الوسيطيّن، ما أعرفه بأنّ التجريد شكلٌ من أشكال المُمارسة التشكيلية في الفن المُعاصر، لماذا نقبله إذاً، ونتذوّقه، وعندما نشاهد فيلماً تجريدياً نتوقف عنده، ونضطرب، وتتعطل إمكانيات استقبالنا؟ مع أنه لو نبشنا في ذاكرتنا، سوف نجد التجريد في الكثير من الأفلام الحكائية، ومن أمثلتها الحديثة التاريخ، بداية فيلم "ألمّ، ومجدّ" للإسباني "بيدرو ألمودوفار".

في هذا الفيلم، وبعيداً عن الحكاية التي يمكن معرفتها بمُشاهدة الفيلم نفسه بدون اللجوء إلى هذا النصّ النقديّ الانطباعيّ، أو ذاك التلخيص الصحفي، فإنّ ما يُلفت الانتباه، انتباه من يتابع الحكاية، والشخصيات، والأحداث من خلال مفرداتها السينمائية، ذاك المشهد الافتتاحيّ القصير التجريبيّ بامتياز، حيث تتداخل الألوان فيما بينها، وتتوالد، وتتدفق في فضاءٍ حلميّ.

المتفرج الفضولي الباحث عن مكوّنات الصورة، سوف يتساءل عن أسباب استخدام هذه الافتتاحية التي تُحيلنا فوراً إلى السينما التجريبية، ولكنه عندما يتفحص لاحقاً كلّ تلك اللوحات التي نشاهدها معلقةُ في الديكورات الداخلية للفيلم، وحتى نعثر على جذورها الكامنة في اللاوعيّ (لاوعيّ المخرج/الشخصية الرئيسية) في صورةٍ يرسمها عاملٌ شابٌ للشخصية الرئيسية "سلفادور/أنطونيو بانديراس" عندما كان طفلاً في التاسعة من عمره، وهذا يعني بأن هناك الكثير مما يمكن أن يُكتب عن هذا الفيلم، وأيّ فيلم بعيداً عن الحكاية.

خلال متابعتنا لأحداث الفيلم، سوف نفهم بأن "سلفادور" مقتني لوحاتٍ فنية يظهر بعضها معلقةً على جدران منزله المُزدحم بالألوان المُتنافرة، ومن يدقق أكثر، سوف يعثر على لوحاتٍ من الفن التبسيطيّ، والبوب آرت، ورُبما إحدى لوحات الفنان الأمريكي "أندي وارول"، ...أقول رُبما.

وهنا سوف يتساءل الناقد الفضوليّ المُهمل للحكاية، والمُنقب في الصورة:

ـ هل هناك أيّ تأثراتٍ بهذا الفنان الذي أحدث ثورةً في الفنون؟

تطلبت الإجابة عن هذا السؤال بعض البحث في الأنترنت عن هذا التأثر، وكانت المفاجأة العثور على عددٍ وافر من الصور الشخصية/البورتريهات لـ "بيدرو ألمو دوفار"، يقف بمواجهة الكاميرا في لقطاتٍ كبيرة، وكأنه يستمع إلى إرشادات مصور في أحد محلاتٍ التصوير الشعبية، أو كأنه يجلس في داخل جهاز فوتوماتون (التصوير الفوريّ)، يُنجز صوراً رسمية سوف يستخدمها من أجل بطاقة الهوية، او جواز السفر، أو كأنها أنجزت في مخفرٍ للشرطة كي تُوضع في ملفه القضائي إلى جانب بصمات أصابعه، وعلى الفور، سوف نتذكر البورتريهات السينمائية (Screen Tests) التي أنجزها "أندي وارول" في الستينيّات لبعض المشاهير في وضعياتٍ مشابهة تقريباً لتلك التي اختارها "بيدرو ألمودوفار" في بورتريهاته، ومن هنا يمكن النبش في أفلامه، والبحث عن جانبٍ من جوانبها الأسلوبية التي رُبما لم ينتبه إليها أحدٌ، أو على الأقلّ، المشهد النقدي العربي المُغرم بتلخيص الحكايات.

 

Douleur et Gloire (Dolor y gloria) ، إسبانيا/فرنسا، 2019

حوارات سينمائية... ع الماشي

مع الناقد السينمائي السوري صلاح سرميني

 ماهي أول ذكرى لك عن الأفلام؟ 

كان ذلك في عمر الخامسة، أو السادسة، عندما أخذني أخي عبد المعطي معه إلى إحدى الصالات الشعبية في حلب (أعتقد أنها كانت سينما الفردوس)، حيث تعرّفت لأول مرةٍ على السينما، الأفلام، الظلام، الصياح، المأكولات السريعة، والمشروبات الغازية، ..والروائح العفنة، بعد ذلك، أُصبت بعدوى السينما، وأصبحت مدمناً عليها، وقتذاك، كنت أعتقد بأن كلّ ما نشاهده يحدث خلف شاشة العرض، وكان يراودني سؤالُ هوسيّ : كيف تموت شخصيةٌ ما، وتعود إلى الحياة من جديد؟

 

ما هو أول فيلم أجنبي شاهدته؟ وماذا كانت ردّة فعلك حياله؟
كان ذلك العرض الأول يتضمّن فيلمان بآنٍ واحد (كعادة الصالات الشعبية)، الأول فيلم رعبّ، لا أتذكر منه إلاّ رجلاً ينبتُ الشعر في وجهه، ويتحوّل إلى وحشٍ، جعلني لسنواتٍ عديدة أخشى البقاء لوحدي في الظلام خوفاً من ظهور "أبو الشعر"، والثاني، فيلمٌ حربيّ، لا أتذكر منه أيضاً إلاّ مصفحة عسكرية، وجنوداً، ولكنني ما زلتُ أتذكر بأنني استغرقت في النوم خلال عرض الفيلميّن، وكانت تلك الساعات، بالنسبة لي، حلماً.

 

ما هو الحوار الذي يحضرك دوماً أكثر من أيّ حوارٍ آخر في الافلام التي شاهدتها؟ 

بعض حواراتٍ من فيلم "المومياء" لـ"شادي عبد السلام"، ومنها:

ما نحن إلاّ حبة رملٍ في جوف هذا الجبل، اتبعوني....

بالنسبة للسينمات الأجنبية، أعتقد بأن المُولعين بأفلام "جان لوك غودار" لن ينسوا تلك الجملة الحوارية الشهيرة جداً التي يقولها "جان بول بولموندو" في فيلم "على آخر نفس"  :

 « Si vous n'aimez pas la mer, si vous n'aimez pas la montagne, si vous n'aimez pas la ville. allez vous faire foutre

لو ما بتحبوش البحر، لو مابتحبوش الريف، لو ما بتحبوش المدينة...روحوا في ستين داهيه.

 

إذا وصفنا مهرجان دبي السينمائي الدولي (الذي كنت تعمل مستشاراً فيه قبل أن يتوقف) على أنه فيلم، فأيّ واحد سيكون؟


رُبما الفيلم الهنديّ "جودا أكبر" للعظيم (Ashutosh Gowariker) من إنتاج عام 2008، وبالتحديد مشهد الأغنية:

 Azeem O Shaan Shahenshah Jodhaa Akbar (عظيم الشأن الشاهنشاه جودا أكبر).

ورُبما فيلم (Dune) الذي لم يتمكن (Alejandro Jodorowsky) من إنجازه.

 

كيف برأيك ستتطور السينما كونها صناعةً، ووسيطاً في الأعوام المائة المقبلة؟ 

من هذا "الخبيث" الذي وضع هذا السؤال، وأجبرني على التفكير لمدة ساعة، ونصف، وأربع دقائق، وثانيتيّن، كان بإمكاني خلالها مشاهدة نصف فيلم هندي، أو ثلاثة أفلام تجريبية، وربع.

لقد جعلني هذا السؤال "على آخر نفس" (À bout de souffle)، أفكر بالجملة التي ترددها "آنا كارينا" (Anna Karina) في فيلم "ببيرو المجنون"(Pierrot le Fou):

Qu'est ce que je peux faire, j'sais pas quoi faire.

ماذا يمكنني أن أفعل، لا أعرف ماذا أفعل.

ولولا ضيق المساحة لكتبتُ شعراً سوريالياً.

 

ما هو أفضل شيء حظيّت به من السينما؟ 

منذ تعرّفي على السينما لأول مرة، وعلى الرغم من تأثير أول فيلم رعب شاهدته في حياتي، إلاّ أنها فيما بعد، جعلتني أعيش أحلام يقظة بشكلٍ دائم، وكلما خذلني الواقع، وشخصياته، ألجأ إلى السينما، فأجدها دائماً أكثر محبةً، وتسامحاً، وانتصاراً للخير، والقيم النبيلة.

 

*على الأرجح، تمّ إجراء هذا الحوار المختصر بمناسبة الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي

مقتطفات من حوار مع المخرج المصري عمر الزهيري

"بعد دراستي الإخراج السينمائي في الأكاديمية المصرية للفنون - المعهد العالي للسينما، أخرجتُ فيلمين قصيرين، "زفير" عام 2011، و"عواقب افتتاح دورات المياه العامة عند الكيلو 375" ، وهو أول فيلم مصري يتمّ اختياره لمسابقة Cinéfondation في مهرجان كان السينمائي 2014.

يبدأ "ريش" من فكرةٍ بسيطة كانت لديّ قبل 6 سنوات، يحكي الفيلم قصة رجلٍ يتحول إلى دجاجة، وهناك أدلةٌ جديةٌ على ذلك، فهي ليست مزحة، ولا مؤامرة.

من خلال هذه الفكرة المجازية، أرغب في تصوير شريحة صعبة من الحياة في أسرة مصرية عادية.

بينما تواجه موقفاً سخيفاً، يتفاعل أفراد هذه العائلة دون التفكير كثيراً، لكن، في الواقع، هم عالقون، وبما أنهم ليسوا أبطالاً، فلا أحد يهتم بهم، أو بقضاياهم.

إنه موقفٌ أشعر أنه قريبٌ جداً مني، وفجأة، منذ اللحظة التي خطرت لي فكرة صنع هذا الفيلم، أصبح الأمر هوساً بالنسبة لي.

الهاماتي عديدة، وأنا متأصلٌ في الثقافة المصرية، لا سيما في تراثها السينمائي، والموسيقيّ.

صُنّاع الأفلام يوسف شاهين، محمد خان، خيري بشارة، يسري نصر الله، أسامة فوزي، لكن أيضاَ روبرت بريسون، آكي كوريسماكي، وجاك تاتي ألهموني في هذا الفيلم، الذي بنيّ كقصيدة أحاول من خلالها أن أجعل الجمهور يشعر بجوهر حياتنا. .

من خلال الإخراج، حاولت إنشاء نوع من الجسر بينهم، وبيننا، حتى نشعر بما يشعرون به.

أردت أن أكون صادقاً معهم بقدر الإمكان، مع مخاوفهم، بدون تصنيفهم، أو إصدار أحكام عليهم".

 

المصدر:

الموقع الإلكتروني الرسميّ لأسبوع النقاد في مهرجان كان السينمائي الدولي

سينماتك في ـ  08 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 12.12.2021

 

>>>

55

54

53

52

51

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004