صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

55

54

53

52

51

 

فيلم "أميرة"، أو الوليد الهجين لحالةٍ سينمائيةٍ عربيةٍ عامّة  (2/2)

كتابة: د. مالك خوري/ القاهرة

 
 
 

سينما التضامن مع فلسطين

وفي هذا السياق، فإنّ "سينما التضامن مع فلسطين" تمرّ بدورها في مرحلةٍ شديدة الخطورة سيكون لها دور مفصلي في رسم ملامح الثيمة، والشكل الخاصيّن بهذه السينما.

فقد ازداد خلال العقدين الماضيين اهتمام كثير من السينمائيين بالاستفادة من دعم مؤسساتٍ، عالمية، وعربية أضفت على نفسها طابع المحتضن "للسينما المستقلة".

هذا النوع من السينما استطاع الاستفادة عالمياً من دعم منظمات حكومية، وغير حكومية خصوصا في بعض دول الاتحاد الاوروبي، أو تلك الممولة من قبل بعض الدول الخليجية.

ضمن المستفيدين كان العديد من السينمائيين الفلسطينيين، أو المهتمين بالشأن الفلسطيني.

لكن، تبعاً لطبيعتها، وارتباطاتها المالية، والسياسية، كان من الطبيعي أن تسهم هذه المؤسسات في تشجيع رؤى محددة، و"مبسترة" حول موضوع فلسطين.

حيث جرى تدريجياً تقليص حجم المروحة السياسية، والشكلية لهذا الشكل من التعبير السينمائي الى أطرٍ تلاءمت، أو بالأقلّ لم تتناقض مع مصالح القوى المهيمنة عليها )والأمثلة كثيرة جداً في هذا المجال، خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة(.

وترجمت هذه التوجهات من خلال أفلام شددت في مضمونها الفكري العامّ على الطبيعة "الانسانية" لما يعاني منه الفلسطينيون على يدّ "اسرائيل".

وركزت الكثير من هذه الأفلام على الادانة الجزئية للممارسات "الاسرائيلية" تجاه الفلسطينيين، (وهذا يبقى مقبولاً غربياً، وخليجيا(، وبالتالي، وجهت الانتباه نحو الدعوة لايجاد طرق للوصول الى "تعايشٍ سلميّ" بين الفلسطينيين، و"الاسرائيليين".

هذه السينما تميل إلى تفادي طرح الصراع في فلسطين، أو المنطقة ضمن سياقه السياسي، والتاريخي الأشمل، والأعمق، خصوصاً لجهة التعاطي مع الصهيونية كحركةٍ كولونيالية، استيطانية، عنصرية، وعلاقة ذلك بمصالح الاستعماريّن القديم، والجديد في المنطقة.   

إن هذا النوع "المُبستر" من "سينما التضامن مع فلسطين" )ومنه فيلم "أميرة"(، وعلى الرغم من بعض النجاحات التي حققها في بعض الأوساط السينيفيلية في العالم، ساهم من ناحية أخرى في الإضعاف من قوة، وعمق الطروحات الفكرية، وحتى الفنية لهذه السينما، وجعلها تتخذ طابعاً سطحياً، وغير واقعي.

وإن كانت هذه السينما قد تلاءمت في شكلها العام مع ما تتعاطف معه الأوساط المهيمنة في بعض المهرجانات السينمائية العربية، والعالمية، فإن أفلامها ساهمت في تفريغ طرح الموضوع الفلسطيني من حيثياته التاريخية، والطبقية.

كما ساهمت أيضاً في عزل هذه السينما أكثر وأكثر عن جمهورها الفلسطيني، والعربي، والعالمي القابع خارج جدارات هذه المهرجانات.

 

الكارتيل، و"أميرة"

لهذا، فإن ما حصل مع فيلم "أميرة" من مرحلة ما قبل انتاجه الى مرحلة انتاجه ثم تسويقه عالمياً لم يأتِ من فراغ.

فمن هما المخرجيّن الذيّن كانا في صلب تكوين الفيلم (محمد دياب)، ودعم تكوين الفيلم (هاني ابو اسعد)؟

إدا رجعنا الى الوراء قليلاً، نلاحظ أن كلاهما من النوع الذي اعتاد طرح مواضيع ذات علاقة بالواقع السياسي الخاص ببيئتهما الاجتماعية، لكن، في الوقت الذي يتناسب مع اللحظة التي يكون فيها العالم السينمائي في الغرب مهتماً بما يحدث في المنطقة العربية، وما يدور فيها.

ولكنهما تميزا أيضاً بميلهما إلى التعاطي مع السياسة "عن بعيد"، وكأنهما يحاولان دوماً الظهور بمظهر المتفرج المحايد، وإن كانا أيضا يبدوان حريصين على اضفاء مسحة ميلودرامية "انسانية" على رؤيتهما لأحداث، وثيمة أفلامهما.

هكذا تعاطى دياب مع السياسة، على سبيل المثال، حين تناول موضوع التحرش في فيلمه "القاهرة 678" عام 2010 ، أو حين قارب موضوعة الصراع مع الاخوان في فيلم "اشتباك" عام 2016. وكأنّ وجهة النظر السياسية في إطار مواضيع أفلامه هو الطاعون الذي لا يمكن الاقتراب منه خصوصاً لجهة التعليق عليه.

وهذا ما اعتاد هاني أبو أسعد على القيام به لدى تعاطيه مع الموضوع الفلسطيني، من "الجنة الآن" عام 2005، مروراً بـ"عمر" في 2012، الى "آيدول" عام 2015 )فقط كأمثلةٍ معروفة(، يركز أسعد دوماً )هكذا يقول( على "البُعد الانساني" في القضية الفلسطينية.

وبالمناسبة، فهذا ليس خطأ بحدّ ذاته، لكن الخطأ هو في محاولة اللعب على الأوهام الايديولوجية في فصل الانساني عن السياسي، خصوصاً في إطار موضوع مثل القضية الفلسطينية.

حيث أنه في إطار واقعنا العربي مند أوائل القرن الحالي، فهذا يعني التعاطي مع الاستيطان الصهيوني في فلسطين كمجرد صراع "انساني"، أو ديني، أو عنصري، أو فردي على أرض متنازع عليها.

وبالتالي، فإنّ الحلّ لواقع كهذا لا بدّ أن يتم في إطار الاتفاق بين الطرفين على أن "يحبوا بعضهم بعضاً، يتقاسموا ما هم مختلفون حوله ... وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ.

لكن، هكذا صورة هي أبعد ما تكون عن الحقيقة، والواقع التاريخيين للصراع في المنطقة. ومساهمة أيّ عربي، أو فلسطيني في اعادة تدوير هذا الوهم الأيديولوجي، وبأيّ شكلٍ كان، هو دعم مباشر للصهيونية، خصوصاً في هذه المرحلة التاريخية لجدلية الصراع القائم.

والمثقف، والسينمائي العربي، والفلسطيني الذي لا يميز، ولا يشير الى البعد السياسي الحاضر، بل يموّه، ويغطي على الخلفية التاريخية السياسية بامتياز لهذا الصراع، فهو يختار الانحياز الى المعسكر المُعادي للحقّ السياسي للشعب الفلسطيني في وطنه.

وأكثر من هذا، يكون قد اختار الانحياز الى المشروع الاستعماري التقسيمي في منطقتنا، والذي بدأ في فلسطين، ويدقّ اليوم أبواب كلّ وطنٍ عربي موجود على الخارطة.

فادا كنتم بالفعل لا تستسيغون التعاطي في السياسة، ولا مقاربة مفاعيلها، فبكلّ بساطة نقول لكم، لا تتعاطوا مع ثيماتها مند البداية، أما أن "تاخدوا على خاطركم"، وتنتفضون ضدّ النقد القاسي تجاه تأويلاتكم للواقع السياسي، وأن تتوقعوا منا السكوت على تشويهكم للواقع الحالي، والتاريخي لما يحدث في المنطقة كرمى لنيل رضى اللوبيات الصهيونية في كان، وفينيسيا، وبرلين، وغيرها، وكسب بعض الجوائز، والتقديرات، فهذا لن يحصل.

وطالما هناك مقاومٌ واحدٌ على هذه الأرض ما زال يؤمن بالحق، وبالحرية الحقيقية من نيّر الاستعمار الغربي على عقولنا، وأرواحنا، وأوطاننا، سنرفض هذا الغزو المُقنّع ضدّ الذاكرة، والعقل، والوعيّ العربي الجمعي للسياسة، وللتاريخ.    

بيّد أنّ قصة الفيلم لا تنتهي عند هذين المخرجين، فإذا نظرنا الى لائحة الأسماء وراء تمويل الفيلم، وتسويقه عالمياً، ومحلياً، نجد، على سبيل المثال لا الحصر، فيلم كلينك (محمد حفظي)، وأكاميديا (معزّ مسعود)، وآراب ميديا، بالاضافة الى "ماد سوليوشن"، وكلها جهات معروفة بارتباطاتها الخليجية، وكذلك بارتباطاتها غير المباشرة بالسعودي تركي الشيخ.

أضف الى كلّ هؤلاء علاقاتهم الوطيدة مع "المركز العربي للسينما"، والمُمول بدوره خليجياً، مضافاً إليهم جوقة "النقاد" من المجموعة التي تهيمن حاليا على ما كانت تمثل أهم جمعية لنقاد السينما في العالم العربي، وأصبحت اليوم بفضل علاقات هذه المجموعة خليجياً تمثل "النقاد السينمائيين العرب" على المستوى العالمي، تفهم عملياً كيف يصل فيلم مثل "أميرة" إلى ما وصل اليه عالمياً، على الرغم من وضاعته، سخافته، وضعف بنيته السينمائية.

 

المطلوب تضامن جديّ بوجه الهيمنة

 

وحتى بعد بعد انفضاح سخافة الفيلم، وتحويره للواقع، والتاريخ الفلسطيني، انبرى المدافعون التقليديون عن التيار المهيمن حالياً على الحالة السينمائية العربية للدفاع عن "الهفوات" التي اصبحت تمثل نمطاً لممارساتها على أرض الواقع.

والمفارقة، هي أن اسلوبهم في الدفاع يجتر نفسه مجدداً، خصوصاً في كلّ مرة يحاول فيه أحد مشغليهم القيام بمغامرة تطبيعية جديدة مع الكيان الصهيوني: من محاولات الإتيان بسينمائيين يدعمون اسرائيل الى مهرجاناتٍ عربية، إلى محاولات إدراج أفلام مدعومة صهيونياً في برامج عروض مهرجانية عربية، إلى الاستماتة في الدفاع عن سينمائيين عرب يدعون علناً للتطبيع مع الكيان.

في كلّ مرة، يحاول هؤلاء تسخيف مقاومة الجمهور لهذه المحاولات التي تفشل في معظم الأحيان، داعين إلى تجاوز هذه الانتقادات "البالية"، والرضوخ لما يحاول اسيادهم فرضه على الجمهور العربي الرافض للتطبيع مع الصهيونية.

مؤخراً، عادت المُعلقة الفلسطينية الاردنية علا الشيخ لنفس المنطق في دفاعها عن فيلم "أميرة". الناقدة التي تربطها بمجموعة الكارتيل السينمائي المُشار إليه سابقاً علاقة عملٍ قوية، رفضت مؤخراً حملات التخوين، والاساءة إلى صناع الفيلم، باعتبار أن هذا الاسلوب لم يعدّ مقبولاً. تقول الشيخ: "لا يصحّ خلط الحابل بالنابل.. فريق عمل فيلم "أميرة" من مخرجين، ومنتجين، وممثلين، فريقٌ محترمٌ، وقدم تاريخياً الكثير من الأعمال المهمة.. حتى على الصعيد الفلسطيني، لا تجعل غضبك يحولك لشخصٍ معه سوطٌ يجلد فيه، وتبدأ في إصدار أحكام".

وتابعت: "فيلم تناول قضية حساسة، ومحورية في شكل الصمود الفلسطيني، وطبيعيّ يصير عليه ردّة فعل، ومن حقك كمُشاهد انك تعبر عن رأيك، وترفض الفكرة، بس مش من حقك تخوّن صكوك الوطنية مش انت اللي بتحددها.. لا يصح أن تتهم أحد بعدم الوطنية." )تأويل في موقع "في الفن"، 8 ديسمبر 2021(

لكن، هل تكرار مثل هذه "الهفوات" المُسيئة، ومن قبل نفس الأفراد، والمجموعات بما لا يخدم إلاّ الخطاب الصهيوني، يمكن النظر اليه بالفعل كممارسة "بريئة"، ولا "حول لها، ولا قوة"؟! أو هل يمكن لنا أن نصدق أن فناناَ فلسطينياً بمستوى هاني أبو أسعد لا يستوعب، أو على غير دراية بتعقيدات ما يحصل في موضوع هو في الواقع متداول في تفاصيله على لسان كل فلسطيني؟ وألا تصبّ مثل هده "الهفوات" من خلال السينما في خانة تسطيح فهم العالم الغربي، والعربي للصراع القائم منذ عقودٍ حول فلسطين، وتسهم في الدعم المباشر للنهج الاستسلامي، وحالة عدم الاكتراث، والاستصغار التي ينظر من خلالها الكثير من العرب تجاه القضية الفلسطينية؟

ما حصل مع فيلم "أميرة" هو مثال على ظاهرة تطغى على الثقافة السينمائية العربية حالياً، والتي لا يمكن مواجهتها الاّ بالعمل التضامني الجماعي لخلق أطرٍ جديدة على الأقلّ لمقاومة هذا التيار، ودحرّ بعض مفاعيل أعماله.   

سينماتك في ـ  08 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 28.12.2021

 

>>>

55

54

53

52

51

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004