صلاح سرميني

 
سيرة جديد مقالات ملفات
 
 
 
 

ملفات

 

>>>

50

49

48

47

46

 

دراما الضوء

مدير التصوير السوريّ حنّا ورد

من البدايات، وحتى اليوم (4/4)

أجرى الحوار: محمد زرزور

تفريغ: شيرين عيسى

 
 
 
 

بعد أن شاهد مدير التصوير البرتغالي إلزو روك _ وهو الذي شارك في العديد من الأفلام السورية _ فيلم "تراب الغرباء" للمخرج سمير ذكرى، والذي كنتَ فيه مديراً للتصوير، ومصوراً، قال:

ـ لماذا تأتون بي، ولديكم هكذا مبدع؟

"تراب الغرباء" الذي حصلتَ من خلاله على جائزة أفضل تصوير في مهرجان البحرين عام 2000، بالإضافة إلى جوائز أخرى في مهرجانيّ دمشق، والقاهرة السينمائيّين.

 

·      ما رأيك باستعانة المؤسّسة العامة للسينما في سوريا بمدراء تصوير أجانب في أفلامها، وماذا تعني لك الجوائز؟ وهل تجد أنّ مدير التصوير مظلوماً في بلادنا العربية؟

 

ـ سؤالٌ أشكاليّ، وهو لبّ مستقبل المهنة، لا أعتقد أنّ هناك تعبير اسمه مدير تصوير أجنبي، مخرج أجنبي، مخرج وطني، ممثل ابن البلد، ممثل أجنبي، هذا التعبير غير موجود، يوجد في المهنة مدير تصوير مناسب للعمل، وآخر غير مناسب، برأييّ، قصة مدراء التصوير الأجانب جاءت على ما أظن بسبب الخوف من عدم تحمّل مدير التصوير المحلي زيادة أيام التصوير، دائماً يجعلون السبب في الإضاءة، ومدير التصوير.

برأييّ، ما عمله إلزو روك في فيلم "صندوق الدنيا" من الناحية التصويرية، والجماليات كان رائعاً جداً، أما من حيث تناسب هذه الجماليات مع موضوع الفيلم، وألوان الطبيعة التي صوّر فيها، برأييّ، كان سيئاً جداً، ومثل ما قلت لأسامة: "بأنّ إلزو عمل استعراض على حساب المخرج، والمنتج"، ولم يصنع فيلماً كما يريد المخرج أبداً، كان التصوير في وادٍ، والإخراج في ثلاثة أودية أخرى، كانا بعيدان جداً عن بعضهما للأسف الشديد، لم تنجح تجربة لمدير تصوير أجنبي إلاّ تجربة أردوغان أنجين في فيلم "أحلام المدينة"، والحقّ يُقال، استطاع أن يصنع من إمكاناتٍ محدودة في الإضاءة أجواء للفيلم ساعدت في نجاحه، وللأسف، لم يذكره أحد.

لا يوجد مدير تصوير جيد، وآخر غير جيد، عبد القادر شربجي صنع فيلم "نجوم النهار" بشكلٍ جيد، وأبدع أكثر ما يُمكن مع هيثم حقي في مسلسلاته.

نعم، حقّ مدراء التصوير مهدور، وبشكلٍ عام، لا يوجد مخرج ذكر اسم مدير تصوير عمل معه، وكأنّ مدراء التصوير أعداءهم، لا توجد أصول مهنة.

انظر الآن في المؤسّسة، هناك أربعة عشر شخصاً درسوا في يريفان، ولينينغراد، ولم يعمل منهم سوى اثنان، أو ثلاثة فقط، والبقية كلّهم سافروا، ووضعوا من لا يملك شهادة اختصاصية كمدير تصوير، فكيف أستطيع أن أعمل كمصور إن كنت لا أفهم في الصورة السينمائيّة.

يجب أن تكون العلاقة بين المخرج، ومدير التصوير اليوم أقوى من علاقة العاشق، والمعشوق، أيضاً علاقة مدير التصوير مع مهندس الديكور، وكذلك علاقته مع الفنيين الكثر، ومساعدي التصوير، وعلاقة المخرج مع الممثلين أيضاً، إنّ لم يكن الحب موجوداً لن تكون هناك سينما.

 لقد حضرت مسلسلات ألمانية، وهم يقومون بالتصوير معهم Storyboard دقيقة لجميع اللقطات، طبعاً هم يغيرون، ولا يعملون كلّ شيء كما هو مئة بالمئة، لكن المقصود، الجميع يعمل بدقة، لا أحد يناقش، ولا أحد يتشاجر مع أحد، لأنّهم قد يجرون اختباراتٍ سابقة، وتجارب، ويفهمون على بعضهم بسرعة، لذلك، أقول دائماً بأنّ مرحلة التحضير مهمة جداً.

أما بالنسبة للجوائز، لها شقان، الشق الأول لطيف، تسعد لأنّك أخدت جائزة، وأصبح هناك اعتراف بجهدك، أما أنا شخصياً، أفضل أن تكون الجائزة حضور أكبر عدد من المشاهدين، حين يشاهد المشاهد أفلامي، ويخبرني بأنّها أعجبته، هذا، بالنسبة لي، أكبر جائزة، طبعاً حين تحصل على جائزة، فهذا أمرٌ ممتعٌ جداً، لكنها ليست الأساس.

 

·      عندما نستعرض مسيرة حنّا ورد الطويلة، لابدّ أن نتوقف عند تجربةٍ هامة، وهي فيلم الصور المتحركة "حكاية مسمارية" إخراج موفق قات عام 1993 ..حدثنا عن هذه التجربة، وما هو دور مدير التصوير في هذا النوع من الأفلام؟

 

بالنسبة لأفلام الصور المتحركة العادية، لا توجد فيها مشكلة أبداً، عبارة عن إزاحة سلايد (صورة)، ووضع سلايد آخر(صورة)، بمعنى، من أجل إضاءة الفيلم، تحتاج إلى ضوءٍ من كلّ جانبٍ، وانتهى الأمر.

"حكاية مسمارية" تختلف، فهنا لدينا حركة ثلاثية الأبعاد 3D ، لدينا مسامير تتحرك على الزجاج، وليس سيلولويت، نزيل مسماراً، ونضع مكانه مسماراً آخر، آخذت معنا الإضاءة وقتاً، عملٌ صعبٌ جداً، لأنّ الإضاءة من الزاوية، ولا نريد أن ينعكس لمعانها على الزجاج، وينكشف أنّ هناك زجاج، كانت تجربةٌ جميلةٌ جداً مع موفق قات الفنان، للأسف أنّه لم يستمر، ربما كانت ظروفه في كندا غير مناسبة، لم يستمرّ في الأنيميشن، لكنه عمل عملاً مهماً في الأنيمشن في سوريا.

 

لدى مشاهدتي لأفلام:

"شمس صغيرة"، إخراج الفوز طنجور عام 2007

"حكاية كلّ يوم"، إخراج نضال حسن عام 2007

"حياة عادية"، إخراج بيان طربيه عام 2008

وهي كلّها أفلاماً قصيرة، أدرتَ تصويرها، وكانت من انتاج المؤسّسة العامة للسينما بدمشق، لاحظتُ في كلّ فيلم صورة مختلفة، وهو ما يعكس تناغم الإضاءة، والتكوين مع واقع الفيلم.

 

·      إلى أيّ مدى يُعتبر مدير التصوير مُطالباً بتحقيق هذه المعادلة، دون أن يطغى جمال الصورة على رؤية المخرج لفيلمه؟

 

الأستاذ ليونيت كاسماتوف الذي درّسنا، كان من أهمّ مدراء التصوير السوفييت في الاتحاد السوفييتي، كان ينبهنا دائماً أن يكون حلّ التصوير متجانساً مع الحلول الإخراجية للمخرج، وأن يتناغم بشكلٍ مطلقٍ معه، كان يقول لنا: إذا وجدت المخرج ضعيفاً، لا توّقع العقد معه، ولا تقبل العمل معه، أفضل مجاملته، إن جاملته ستفشلان معاً، وهذا الكلام صحيح جداً.

يمتلك كلّ مخرج من الثلاثة رؤيةً خاصة به، وفلسفته، وطريقته الإخراجية، قرأت السيناريوهات، وتحدثنا، ورأينا أماكن التصوير، فاخترت الطريقة المناسبة، وكلّهم قالوا الطريقة مناسبة درامياً، وهنا أودّ أن أقول شيئاً مهماً جداً، حين شاهدت فيلم "خارج التغطية"، وجدت أن تشويهاً متعمداً من قبل مدير التصوير لشخصية مديرة المدرسة التي أدتها المرحومة فدوى سليمان، لذلك خفتُ من الممثلة في فيلم "حكاية كلّ يوم" مع الصديق نضال حسن، فحين صوّرتها بعض الصور الفوتوغرافية، وأخذت لها لقطةً، وهي تمشي، فُوجئتُ بجمال وجهها، وحين شاهدتُ المواد حين صورنا سينما، وهي تمشي، وتنظر إلى الأعلى، فُوجئتُ أيضاً  بسحر وجهها، فبقيت صامتاً، وبعد ثلاثة أيام ذهبنا، وصوّرنا بالشقة الأخرى التي تكون فيها مع فارس الحلو، على اعتبار أنّها في مكانٍ آخر، فُوجئت حين وضعت عليها إنارة شاعرية يتحمّلها المشهد، كيف كان وجهها جميلاً للغاية، هل رأيت كيف يلعب مدير التصوير، فـ إلزو مثلاً في فيلم "خارج التغطية" ارتكب جريمةً، فقد أظهر مديرة المدرسة مشوّهة، هل هذا ما كان يريده المخرج، لا أدري !  فمدير التصوير يجب أن يكون عين المخرج كما قال آيزنشتاين، ويجب أن يكون مرآة المخرج في عكس الأجواء الدرامية للفيلم التي تتناسب مع موضوع السيناريو، ورؤية المخرج.

 

·      في فيلم "أنفلونزا"، وهو فيلمٌ قصير من انتاج، واخراج رياض مقدسي عام 2010، لمستُ تنافساً حقيقياً بين كلّ لقطة، وأخرى وكأنّ كلّ واحدة تصنف نفسها الأجمل إلى أن تأتي الثانية لتسقطها عن عرشها، ماهي التقنيات التي استخدمتها في هذا الفيلم؟

 

لا أتفق معكَ عندما تقول هناك تنافس، بالعكس، هذه تجربة أولى للمخرج، وكنت أساعده ليخرج بأفضل صورة، وإذا شاهدت الفيلم مرة أخرى، سوف ترى أنّ هناك شيء تمّ العمل عليه بشكلٍ مختلف.

فيلم "انفلونزا" هو التجربة الإخراجية الثانية للمخرج رياض مقدسي، وهنا، لأول مرة في الشرق الأوسط نستخدم 2SK-2K  ديجيتال كاميرا، وصورتها رائعة، لأنّ من صنّعها هو المُصمّم الرئيسي الذي كان في شركة آري، لقد تعرّضنا إلى مشكلاتٍ مرعبة في الطقس، كان هناك تناوب في ظهور الغيوم، والشمس، فاستخدمت ضوءاً كنت أضيئه كلّما غابت الشمس، فلم ينتبه أحد إلى الأمر، على العكس، كنت دقيقاً، وحريصاً جداً على إظهار أجواء بسيطة، وإن أعجبتك جداً ألوان الضباب، فهذا متعمد المبالغة بناءً على طلب المخرج _كوميديا سوداء_ فيما تبقى من المشاهد، حاولت أن أكون متوافقاً مع المخرج بشكلٍ تام.

 

·      يقودنا الحديث عن التقنيات إلى تساؤلٍ مهمّ حول لقب مخرج، أو مدير التصوير، فقد أصبح اليوم سهلاً مع توفر التقنيات العالية من كاميرات، ومعدات إضاءة، ودورات شبه مجانية، ودبلومات مهنية نحصل عليها بيومين، أو أكثر قليلاً ..ما هو موقف الخبير الأكاديمي حنّا ورد من استسهال المهنة لدى البعض؟

 

 للأسف، هذا الاستسهال قديم، وقد ظهر في الثمانينيّات عندما بدأنا التفكير بعمل دراما تلفزيونية في التلفزيون بطريقةٍ مقابلة بضوء واحد.

 

·      منذ العام 2000 وأنت تواظب على تنظيم دوراتٍ تدريبية بالتعاون مع عددٍ من الشركات العالمية المُصنّعة للمعدات التلفزيونية، والسينمائيّة في دولٍ عديدة، سواء بشكلٍ مستقل، أو بالتعاون مع خبراء في مجال التصوير كتلك الدورة التي قدمتها عام 2010 في مركز التدريب الإذاعي، والتلفزيوني بدمشق مع الخبير العالمي الألماني ديدو ويغيريت، ومدير التصوير البريطاني جوناثان هاريس ..ماهي النصائح التي تقدمها لطلابك بعيداً عن قواعد التصوير؟

 

ـ تعلموا، تعلموا، ثمّ تعلموا، حتى الآن لا أزال أتعلم، البارحة قبل المحاضرة اتصلت بخبيرٍ بشركةٍ من الشركات، وقلت له: اشرح لي معنى الكلمة تقنياً، قال لي: أنت تعرفه، قلت له: أريد التأكد منه، عدم المعرفة ليس عيباً، لكن، أن تنقل معلوماتٍ خاطئة، هذا الأمر لا أخلاقي، اليوم، لا أحد يستطيع أن يُعلم شخصاً آخر كيف يُركّب الإضاءة.

يسألوني: كيف نرّكب إضاءة ما، هذا الكلام! لوكان هناك مخططاتٍ لوضع الإضاءة، يجب أن يجلس مدراء الإضاءة في بيوتهم، إذن يجب أن نتعلم، لا أنسى كيف أمضيت ثلاثة أشهر، وأنا أصوّر رأس تمثالٍ من الجبس الأبيض، وهذا الذي علمني الإضاءة.

 

·      خلال كلّ هذه المسيرة الغنية بالأعمال السينمائيّة بمختلف أنواعها، والمُسلسلات، والأفلام التلفزيونية، وحصد الجوائز في عديد المهرجانات، وتعاملك مع مخرجين مختلفين عمرياً، ومهنياً ...هل من شروطٍ تفرضها اليوم للعمل مع مخرجٍ مبتدئٍ يمتلك مشروعاً سينمائيّاً؟

 

ـ أتحمّل سذاجة بعض الطلاب، وأسئلتهم، فإذا كان المخرج متحمّساً، وأفكاره جميلة، ولديه رغبة في أن يعمل شيئاً ما، أهتمّ به جيداً، ليس لديّ مخرج جديد، ومخرج قديم، حيث أتعامل مع جميع العالم باحترامٍ شديد، وأصحاب الذوق يفهمونني جيداً.

لماذا أطلب من طلابي أن يدرسوا، وأقول لهم: أنا أعلمكم كيف ترون الضوء، وكيف تتخيلون المشهد، وتترجمون الكلام الدرامي إلى أجواء إضاءة، لا أستطيع تعليمكم كيف تركبون إضاءة، لم يعلمني أحدٌ كيف أركّب إضاءة، كانوا يعطونا تمارين لكي نتعلم، انتقادهم لنا هو من صنعنا.

 

·      هل أنت راضٍ عن كلّ ما قدمته في مسيرتك المهنية؟

 

عن الرضا، أنا راضِ، لكن، على النتائج التي لديّ نسخ منها، كان من الممكن أن أفعل أكثر لو أعطيت لي فرص، والسبب من بعد الـ2000 أسباب إدارية، ومزاجية، وليس لأسباب فنية.

كلما كانت أسوأ، كلما كانت أفضل

الأفلام المُثيرة للشفقة، التي تدعو إلى الأسف، الأكثر فشلاً، هي أيضاً أكثر الأفلام التي تجعلنا نضحك من أعماقنا.

بذوقٍ سيءٍ للغاية، جمع فرانسوا فوريستييه 101 فيلماً من هذا النوع ضرورية لثقافة كلّ واحدٍ منا:

من "حبّ، تانغو، وماندولينّ (Liebe ist ja nur ein Märchen) مع جورج غيتاري إلى Zardoz (نسخة جيمس بوند على شاكلة إنسان نياندرتال)، بما في ذلك Plan 9 from Outer Space (لإدّ وود الرائع)، أو Robot Monster (تمّ تصويره في أربعة أيام بواسطة صاحب صالة أفلام إباحية في ألاسكا).

ناهيك عن "Terror of Tiny Town"، الويسترن الموسيقىّ الوحيد الذي مثله قصار القامة (وغنائهم أيضاً).

يخبرنا فرانسوا فوريستييه عن كلّ الأشياء الجيدة التي يفكر فيها عن La Soupe aux choux (شوربة الكرنب)، فيلم الخيال العلمي الوحيد الذي يعتمد على الضراط، وBarb Wire، مع باميلا أندرسون المملوءة بالهواء، أو  Independence Day، وهو نجاحٌ غبيّ ضخم عام 1996.

وبالتالي، فإن هذا الاختيار الدقيق يقدم لنا أفضل ما في الأسوأ، وأحياناً أسوأ الأسوأ.

وهذا من دواعي السرور الأعظم لمن يحبّ هذه الأفلام.

سينماتك في ـ  07 يناير 2023

* هذه المواد نشرت في جريدة التيار السودانية، بتاريخ 24.10.2021

 

>>>

50

49

48

47

46

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004