درس خصوصي رديء فى السخرية السياسية خريج ستار أكاديمى يرسب فى KG1 أحمد يوسف |
إلى أصحاب الأقلام الذين يكتبون حول السينما من باب العشم والشفعة، ويتشدقون بكلمات مثل "الجمهور" و"المتعة"، نهدى لهم هذا الفيلم الجماهيرى الممتع طبقا لمواصفاتهم، وإن كان فى الحقيقة لا يستحق أن ندعوه فيلما لأنه مجرد شريط من السيليولويد يمثل الحال الذى وصلنا إليه فى السينما وخارجها على السواء، فلم يعد أحد يعرف على وجه الدقة ما هى السينما مادام أحد نقادنا "الكبار" قد صرح بأنه إذا وقف بعض الممثلين أمام الكاميرا فلابد أن هناك فيلما. وكأنه يكفى أن تكون أمامك صفحة بيضاء عليها بعض نقاط من الحبر أو كلمات بلا معنى فلا تملك إلا أن تسلم بأن هذا نوع من الأدب، ولم يعد أحد يعرف ماهو النقد إذا كان بعض الصحفيين "بتوع كله" يستخدمون المساحات المتاحة لهم من ذلك الذى أتاحها لهم، ربنا يجازيه! لكى يوزعوا مجاملاتهم الاجتماعية على الممثل الفلانى والمخرج العلانى حتى لو لم يكونوا والله العظيم قد رأوا الفيلم من أصله، ولم يعد يسألهم أحد عن علاقة ذلك بالقارئ، ولم يعد أحد يعرف ما معنى المتعة الفنية إذا اختلطت بالدماغ العالى لمدخن الحشيش الغائب عن الوعى الذى يضحك على أى شيء حتى لو شتمته، ولم يعد أحد يعرف ماذا تعنى تلك الكلمة المخيفة: "الجمهور" الذى نعرف اليوم أنه يتعرض لعملية غسيل مخ يومية ولم يعد أمامه إلا أن "يتصل الآن" ويعيش فى كل لحظة من حياته بعقلية المقامر المدمن، أو أن يختار بتوع -الإسلام هو الحل- دون أن يعرف ماذا يعنى ذلك لحياته ومستقبله لأن أحدا لم يقدم له بديلا آخر. ربما تبدو السطور السابقة شديدة المبالغة إذا عرفت أنها بسبب شريط من السيليولويد يدعى "درس خصوصي"، لكن هذا الشريط فى جوهره عمل سياسى بالمعنى الأشمل للكلمة، فالسياسة كما تعرف ليست فقط ممارسة حزبية، بل هى وجهة نظر وموقف نتعامل بهما مع كل ما حولنا، فالسياسة تقفز فى وجه القارئ عندما يقرأ وجهة نظر لصحفى يدخل إلى مناطق لا يعرفها ليصف "الأندلس" بأنها كانت احتلالا عربيا لأسبانيا، ومن المنطقى فى رأيه أن يطرد الأسبان الاحتلال العربى من بلادهم، وليس مهما على الإطلاق دقة استخدام كلمات مثل "عربي" أو "أسباني" فى هذا السياق، فالصحفى إياه يتصور نفسه أنه قد أتى بما لم تأت به الأوائل دون أن يقرأ مرجعا واحدا فقط يعرف منه ماهى الأندلس التى "احتلت"، عشرات أو مئات الآلاف من المراجع بكل لغات العالم والأسبانية على رأسها، المهم أن الصحفى "رأيه كده، وكل واحد حر فى رأيه"، وليس مهما أن يستقر فى لاوعى القارئ أن التجربة الأسبانية احتلال مثل الصهيونية.. وهكذا يدفعنا الاستخفاف والخفة فى الصحافة إلى أن نحشو عقل القارئ بهذه الترهات، وهكذا أيضا تفعل الأعمال الفنية حتى أكثرها رداءة بل على الأخص أكثرها رداءة، عندما تقرر فى هزلها أن تفرض على "الجمهور" وجهة نظر سياسية تعصف بما تبقى لديه من مشاعر متوازنة أو مفاهيم عاقلة. أعرف أنك تنتظر أن تعرف ما هى حدوتة الشريط لكى تناقش بداخلك إذا ما كانت هناك بالفعل "مؤامرة" كما قد توحى لك هذه السطور، لكن المصيبة ليست فى الحدوتة وحدها كما سوف تري، لكن دعنا نبدأ بها. تبدأ الحكاية فى عام 1951 تحديدا وتحكى عن رجل عجوز يدعى أبو العلا (حسن حسني) يدفع ابنه خصوصى (محمد أفندى عطية) لكى يحارب الاحتلال الانجليزى بضرب عساكر الانجليز بالنبلة، ويدعوه إلى الموت: "إرجع شهيد لأولادك يترحموا عليك" (لا أدرى لماذا أصبحت الشهادة والشهداء مادة للسخرية فى أفلامنا الأخيرة، وهل هى مصادفة أم مؤامرة؟!)، وهكذا يخرج خصوصى تاركا أطفاله الثلاثة ليهتف رغما عنه فى مظاهرة فى الشارع وهو يبكي، والله العظيم يبكي، "الاستقلال التام أو الموت الزؤام"، وإلى جانبه رجل مخمور، يهتف "تحيا مصر"، بينما يغنى الأب فى هزل كامل، والله العظيم بمنتهى الهزل، "قوم يامصرى مصر دايما بتناديك"! وهكذا يقول لك الشريط أن "الكوميديا" تتيح له أن يقدم هذا الهزل، وليس مهما ماذا سوف يبقى فى ذهن "الجمهور" الذى يشكل أغلبه شباب لم يعاصر تلك الفترة. ليس هذا هو التاريخ المصرى الوحيد الذى يتعرض له الشريط بهذه "المسخرة"، فهو يضع نصف القرن الأخير فى "قفة" واحدة عندما يقفز الزمن بحيلة فنية ساذجة شكلا وموضوعا إلى الزمن المعاصر، فإذا بهذا "الخصوصي" لايزال شابا بينما كبر أطفاله الثلاثة الذين يفترض أنهم قد تجاوزوا الستين من العمر، ليقول لك الشريط إن هذا الجيل "كله" فاقد للتربية وأصبح مجموعة من "الملاحيس" الذين يجسدهم حسن حسنى وصلاح عبد الله وهالة فاخر بأداء مفرط البلاهة، وهم لا يفكرون إلا فى بيع منزلهم لولا عودة "الأب" الروش المكحرت، وهكذا فتاريخ مصر منذ عام 1951 وحتى اليوم أدى إلى خلق المتخلفين عقليا وأخلاقيا الذين يفرطون فى "بيت العزة والكرامة والشرف"، لكن الحل سوف يأتى على يد خريج ستار أكاديمى - ونعم الأكاديميات - "النجم" محمد عطية. هل وجدت فى حياتك هزلا وسخرية أكثر قبحا من ذلك تجاه الشعب المصرى أو أى شعب آخر؟ غير أن السياسة لا تقتصر على الحدوتة وحدها، بل تمتد أيضا إلى "تجهيلنا" بكل ما نعرفه عن الفن، فهذا الشريط فى الحقيقة "درس خصوصي" للجميع، فهو يقول أن صناعة السينما يجب أن تكون ملكا وملكية لمن يملكون خزائن المال، بدءا من صاحب قرية سياحية يصمم على تصويرها فى "كل" الشرائط التى يشترك فى إنتاجها كنوع من الإعلان عن جنته غير الموعودة حيث الحور غير العين لابسات البيكيني، وانتهاء بإمبراطورية "روتانا" - الشريكة فى إنتاج الشريط - التى اشترت الحصة الأكبر من تاريخ وحاضر مصر الفنى وتريد أن تصادر على مستقبله أيضا، والشريط يقول إن كتابة الأفلام مثل شكة الدبوس لا تحتاج إلا لكتابة بضع سطور ليترك الباقى للممثلين لكى يرتجلوا على طريقة مسارح الموالد، والشريط يقول أن إخراج الأفلام لا يختلف كثيرا عن إخراج "هالة شو" فالمخرج واحد فى الحالتين، ويكفيه أن تتشقلب الكاميرا وتدور حول نفسها، والشريط يقول أن التمثيل الكوميدى هو أن تحاكى الأراجوز فى حركاته وترقيص أردافه وتلعيب حواجبه بالمعنى الحرفى للكلمة، وأن الغناء هو ذلك الصوت الذى يخرج من فم محمد عطية بما لا علاقة له بما كنا نسميه الموسيقي، التى عرفناها فى صورتها الفطرية السحرية مع صوت الشيخ مصطفى اسماعيل، وضاعت منا عندما فرضوا علينا "اللاموسيقي" مع صوت الشيخ الحذيفى وشركاه. إن كل "الموازير" - التى يمكن أن نقيس بها صناعة السينما أو التأليف أو الإخراج أو التمثيل أو الغناء أو النقد السينمائى أو الكتابة فى أى حاجة - قد ضاعت جميعا، ولم يبق لنا سوى مسوخ منها، لا فرق فى ذلك بين مجاملات الصحفيين لأصدقائهم من الفنانين، أو ضجيج الفيديو كليب وهرتلة إعلانات الثلاث ورقات، ومهاترات "التوك شو" التى تترك المتفرج فى حيص بيص بحيث لا يعرف رأسه من رجليه، ويسلمه لأكثر الشعارات غموضا وخطورة فى عالم السياسة، وللأسف فإننا ساعدنا ونساعد على ذلك بالخفة والاستخفاف - وأحيانا الاسترزاق - فيما نقول ونفعل، فهل نترك "الجمهور" لكى يكفر بنصف تاريخ مصر؟ عندها لن يكون لديه اختيار إلا إحدى اثنتين: إما الحزب الوطنى وروتانا أو "بتوع" الإسلام هو الحل، وإما محمد عطية أو الشيخ الحذيفي! العربي المصرية في 4 ديسمبر 2005 |
فى مانهايم السينمائى الدولى 54 أحزان المهاجرين فى أفلام رائعة.. من العالم الثالث ضياء أبو اليزيد متخذا من الطفلة المغربية فاطمة شعاراً لدورته الرابعة والخمسين، أبدى -مهرجان مانهايم- السينمائى الدولى اهتماماً خاصاً هذا العام بقضايا المهاجرين من العالم العربى والاسلامى الى العالم الغربى بحثا عن عيش أفضل، والصعوبات التى يواجهونها، أقيمت عروض المهرجان الذى ضمت مسابقته الرسمية 20 فيلما روائيا طويلاً بين مدينتى مانهايم فى جنوب غرب ألمانيا، وهايد لبرج التى تبعد حوالى 50 كيلو متراً ويطلق عليها -أم الثقافة الأوروبية- لكثرة ما أنجبت من فلاسفة أوروبا الكبار، ولشهرة جامعتها العالمية. وفى ظل ما يشبه الغياب التام للسينما الأمريكية عن المهرجان كان حضور سينما العالم الثالث قوياً ومؤثراً من خلال أفلام قدمها مخرجون شبان من شيلى والمكسيك وايران وغيرها من الدول النامية. -على الجانب الآخر- هو عنوان الفيلم المكسيكى الذى فاز بجائزة خاصة يقدمها أصحاب دور العرض فى ألمانيا، ويتناول ثلاث قصص منفصلة، يربطها جميعاً موضوع واحد هو غياب الأب لسفره بحثاً عن الرزق، وأثر هذا على الأسر والمجتمعات الفقيرة فى الجنوب، وتدور الحكايات الثلاث فى كل من المغرب وكوبا والمكسيك، فبينما تخرج فاطمة ذات العشر سنوات من بيتها فى قرية مغربية قريبة من طنجة للبحث عن والدها الذى سافر الى أسبانيا بعد ان ضاق بها الحال، وتتعرض للاختطاف من قبل عصابة تجار بالأطفال، يخوض الطفل -انجل- مغامرة على سواحل هافانا محاولا الوصول مع صديق له الى الجانب الآخر من المحيط بواسطة طوق مطاطي، وتنتهى المغامرة بغرق الصديق، وعودة -انجل- الى منزله. أما الطفل المكسيكى بريزيليانو فيحاول استخدام قارب صغير ليعبر لوالده على الجانب الآخر من البحيرة، ويكاد يفقد حياته أيضا، لكن الجنية التى تسكن البحيرة هى التى تنفذه. أما المخرج الايرانى الشاب أمين بهراني، فقد حظى فيلمه -رجل يدفع العربة- بتنويه خاص من لجنة التحكيم الدولية واشادة بأسلوبه المميز فى تصوير الوحدة التى يعانيها -أحمد- المهاجر الباكستانى الذى بدأ حياته فى نيويورك مغنياً، وانتهى وهو يعيش على بيع القهوة والكعك فى عربة متنقلة. واللافت أن المخرج لم يلجأ الى ممثل محترف، بل الى صاحب القصة الحقيقية أحمد نفسه ليعيد تقديم حياته مرة أخرى على الشاشة بإجادة تامة وفى إطار فنى رائع المستوي. وفى مسابقة الأفلام القصيرة فاز المخرج ليفان كوجو شفيلى من جورجيا بإشادة لجنة التحكيم ايضا لقيامه بإنجاز عمله بكاميرا فوتوغرافية غير احترافية تحمل إمكانية تصوير الفيديو، وتناول فيلمه ايضا مجموعة من المهاجرين الأتراك يتعرضون لعملية نصب فى نيويورك. أما المخرجون الأوروبيون، فقد بدا عدد منهم مهتماً بمشكلات الأقليات ووضعهم داخل المجتمع الأوروبى الجديد. واستطاع واحد من هذه الأفلام أن يحصد أكثر من جائزة فى المهرجان، وهو فيلم -الفتاة الرحالة- الذى يتناول مشكلة مجموعات الغجر فى ايرلندا الذين لم تستطع الحكومة أن تحل مشكلاتهم حتى اليوم، وتناول فيلم -جيبو- الانجليزى ذات المشكلة فى عمل ينتمى الى ما يسمى بسينما -الدوجا- أما فيلم -لعبة الحظ- من تركيا فقد فاز بجائزة لجنة تحكيم النقاد ويتناول الحرب التى شنتها الحكومة على الأكراد فى الجنوب، وحياة جنديين شاركا فى تلك الحرب، لكنهما لم يستطيعا تحمل تبعات ما بعد الحرب، لينتهى كلاهما نهاية مأساوية. الفيلم الفائز بالجائزة الكبرى لمهرجان مانهايم هذا العام كان -توليف- من سلوفينيا والذى يتناول أسرة متوسطة تتعرض للانهيار لكنها تتماسك وتستطيع تجاوز محنتها. وعلى هامش مسابقته الرسمية، قام المهرجان بتكريم مخرج واحد هو الكرواتى توميسلاف راديتشى من خلال عرض فيلمه الجديد -ماصورته ايفا يوم 21 أكتوبر 2003- وهو عمل فنى شديد الرقى والحداثة والتجديد، حيث تدور جميع أحداث الفيلم من وجهة نظر إيفا وحدها، وهى فتاة تتلقى كاميرا فيديو رقمية هدية عيد ميلادها الخامس عشر، وتقوم بتسجيل أحداث اليوم بأكمله، ونشاهد نحن فقط ما التقطته عدستها، حيث ينتحل المخرج شخصية المصور الهاوى الذى يستخدم الكاميرا للمرة الأولى مخلفا انطباعا بالسذاجة والعفوية، ومحكماً قبضته فى ذات الوقت بحرفية هائلة على عناصر الصورة والصوت بحيث لا يفقد المتفرج قدرته على متابعة الأحداث وعلاقات الشخصيات ببعضها. وهكذا بتنظيم جيد، واختيارات سينمائية موفقة فى أغلبها، استطاع مانهايم هايدلبرج السينمائى الدولى أن يختتم دورته الرابعة والخمسين يوم الأحد الماضى محافظا على مكانته وطابعه الخاص بين مهرجانات السينما الأوروبية. العربي المصرية في 4 ديسمبر 2005 |