يقر بالجماهيرية الكبيرة للنجم المصري الراحل لكنه لا يعتبره افضل فناني جيله:
القاهرة ـ من محمود قرني |
ظل الفنان الراحل أحمد زكي وسوف يظل بعد رحيله مثيرا للفضول والأسئلة، ومثيرا للمحبة في معظم الأحيان، لكن الأمر لن يخلو أبدا من بعض الكارهين لاسيما من أبناء المهنة والسادرين في غيها. أحمد زكي فنان استثنائي، لذلك كانت محبته وجماهيريته استثنائيتين أيضا، ولم يستطع رحيله المتوقع أن يقلل من حجم الفاجعة التي شعر بها عشاقه في مصر والعالم العربي، وقد اضطرت سلطات الأمن في مصر لإلغاء الجنازة الشعبية التي كان من المقرر أن يسير فيها جثمانه بسبب تدافع الملايين أمام مسجد مصطفي محمود بشارع جامعة الدول العربية وقد اقتصر مشيعوه ـ مجبرين ـ علي إلقاء نظرة وداعه الأخيرة داخل الميدان نفسه. البعض يري أن ما كتبته الصحافة عن أحمد زكي تجاوز الأفاق المحدودة لتجربته ويرون في ذلك مبالغة غير دقيقة، ويقف بين هؤلاء كاتب السيناريو مصطفي محرم الذي قدم لأحمد زكي خمسة أفلام أبرزها فيلم الباطنية. أصدر محرم كتابا جديدا صدر قبل أيام عن منشورات الدار وهي من الدور المصرية الحديثة، وقد صدر الكتاب تحت عنوان الأصل والصورة وكانت معظم مقالات الكتاب قد نشرت مسلسلة في جريدة القاهرة ويبدو أنها كانت تلاقي استحسان رئيس تحريرها صلاح عيسي الذي ساند نشرها رغم ما أثارته من معارك. ويبدو أن الكاتب أعد كتابه علي عجالة ليس مفهومة فوقع في أخطاء صغيرة وكبيرة أيضا لا يصح لكاتب في شهرته الوقوع فيها. فهو في مستهل كتابه يهديه إلي محمود سعد الصديق الصدوق للفنان أحمد زكي والمتحدث الرسمي عنه ـ حسب نص الإهداء ـ هذا الإهداء المحايد الذي لا نعرف إن كان مدحا أم ذما ينساه المؤلف تماما لكنه يفصح عنه في المتن حيث يقول ما لفت نظري بشدة تلك العصبية والتشنج من رئيس تحرير إحدي المجلات الفنية التي اشتهرت لتفاهتها وأحاديثها التي تجريها مع نجوم الفن التي تثير الرثاء لعقليات من يقومون بإجراء هذه الأحاديث وعقليات من يدلون بها، فقد نصب هذا المدعي من نفسه متحدثا رسميا للنجم الراحل أحمد زكي.. ويستطرد محرم قائلا: لست ممن يقيمون وزنا لأمثال هؤلاء الصغار الذين أصبحوا يعيثون فسادا وبلطجة في كثير من الصحف والمجلات وهم للأسف أثبت التاريخ تفاهتهم ولفظهم إلي دائرة النسيان وهم كثيرون ، ويبدو أن مصطفي محرم نسي أنه أفصح عن اسم صاحبه في الإهداء فكال له الشتائم المنتقاة وهو يقوم بتجهيل اسمه، بينما يشير في المقدمة إلي أن هذا الصدق الصدوق لأحمد زكي كان يرفض أي أحاديث علي لسان النجم دون الحصول علي إذن منه. ورغم أن مصطفي محرم يقر تماما الجماهيرية الكبيرة للنجم أحمد زكي إلا أنه يري أنه ليس الفنان الوحيد، بل ربما لا يكون أفضل الفنانين علي الساحة ويقول إننا تعودنا أن نعرض سيناريوهات السينما المصرية أولا علي عادل إمام فإذا اعتذر تذهب السيناريوهات إلي محمد عبد العزيز فإذا اعتذر تذهب إلي أحمد زكي، ويشير إلي أنه يقرأ أشياء عجيبة وأراء غريبة تؤدي في النهاية إلي أن الفنان احمد زكي هو أفضل من لورنس أوليفييه ومارلون براندو، بل هو أعظم ممثل أنجبته البشرية، ويري المؤلف ان ذلك لن يكون في صالح أحمد زكي، ويقول: لو أنصفناه كل هذا الإنصاف المبالغ فيه فماذا يتبقي لمحمود يس ونور الشريف وعادل إمام ومحمود مرسي، ويري محرم أن احمد زكي لم يكن نجم شباك ولم تكن أفلامه تحظي بإقبال جماهيري كبير مثل أفلام محمود يس عندما كان نجما وكذلك عادل إمام، ويري محرم نجاح فيلمي أحمد زكي ناصر 56 و السادات إلي قيامه بتقليدهما ويقول في الواقع الذي نجح في هذين الفيلمين هما جمال عبد الناصر وأنور السادات ويقول أن احمد زكي نجح فقط في الأفلام التي شارك فيها مع آخرين أما البطولات الفردية فلم تحقق نجاحا كبيرا ويتساءل بعد ذلك فماذا نقول عن ممثل مجيد قام بالعمل في 56 فيلما ولم يحقق سوي نجاح محدود؟ ثم يردف قائلا أن احمد زكي كان يتمتع بذكاء كبير وربما كان هذا الذكاء أكبر من موهبته، لذلك فقد أدرك بعد خبرته الطويلة في العمل السينمائي أن طريق النجاح الحقيقي والمضمون يدور حول أفلام الشخصيات ذات التاريخ اللامع. فهذه الأفلام ذات شهرة مسبقة وهي أفلام تعتمد اعتمادا كبيرا علي فن المكياج والقدرة الفائقة علي التقليد. ولا اعرف كيف يتسق كلام مصطفي محرم الذي قاله في مقدمة الكتاب مع كلامه الوارد في الصفحة رقم 136 حيث ينفي تماما عن أحمد زكي تهمة التقليد ويقول: كان اداء أحمد زكي لشخصية عبد الناصر أداء رائعا يحدوه الثقة والهدوء بعيدا عن التقمص الذي يبعد الفنان عن حرفيته الفنية. لا يشعر المرء وهو يشاهد الفيلم أن أحمد زكي يقلد شخصية عبد الناصر ولكنه يحاكيها . أيهما نصدق إذن، مصطفي محرم الذي ينهال بالسباب علي أحمد زكي أم مصطفي محرم الذي يمدحه، فليس لدينا من تفسير سوي أن المقالات المادحة كانت مكتوبة قبل رحيل النجم، ثم تغيرت فجأة لتتحول إلي سباب بعد رحيله. ولماذا يتهم مصطفي محرم أحمد زكي بانعدام الجماهيرية ثم يقول عنه: أستطيع أن أزعم بأن هذا الاهتمام البالغ لم يحظ بمثله أي نجم من قبل في ميدان التمثيل أو مطرب في حقل الغناء أو أي فنان أو كاتب مهما علا شأنه. لا أستثني من ذلك عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وأساطين الغناء، وأستطيع أن أزعم أن عبد الحليم حافظ قد زاد شهرة علي شهرة أثناء مرض أحمد زكي وارتباط هذا المرض بأدائه دور عبد الحليم حافظ في فيلم حليم. ويبدو الكتاب في مجمله موجها ضد أحمد زكي دون أسباب واضحة كما يبدو من الكتاب نفسه، اللهم إلا إذا كانت هناك أسباب شخصية لا نعلمها ولا أستطيع الجزم بها، فقد عمل المؤلف مع أحمد زكي في خمسة أفلام يري أنها من الأفلام التي ساهمت في نجاح أحمد زكي الساحق فيما بعد، بل يرد مصطفي محرم تقديم احمد زكي وانتشاله من الأدوار الباهتة التي كان يقدمها لنفسه. ويبدو المؤلف كذلك متحاملا إلي حد بعيد في إفشائه لأسرار خاصة عن سهرات جمعته وبعض النجوم بأحمد زكي، واتجاهه من خلف سرد هذه الأقاصيص إلي إدانة احمد زكي أخلاقيا، لأسباب مختلفة يمكن فهمهما من خلال السطور. فهو لم ينس تعديه بالضرب علي الناقد طارق الشناوي بسبب انتقاده أحد أفلام أحمد زكي، بل يقال أن احمد ضرب مصطفي محرم نفسه ويشير المؤلف أيضا إلي العصبية المقيتة التي كانت تنتاب أحمد زكي حال التعرض لأحد أدواره بالنقد ويحكي كيف أن أحمد زكي سهر ذات ليلة حتي الصباح ليشرح لمحرم وأحد أصدقائه كيف أن أداءه كان رائعا في دور كان محل انتقاد هذا الصديق. وهي أقاصيص في مجملها لا تصب في مصلحة أحمد زكي وتحاول تقديمه في صورة شخص مشوش وملتاث في أحسن الحالات وينال الكتاب في النهاية من عبقرية فنان وجماهيرية نجم حصل علي إجماع أمته بشكل غير مسبوق كما يعترف مصطفي محرم نفسه. وإذا كان ذلك هو ما قصده محرم من الكتاب فهو مردود إليه لأن اللوثة والتشويش الحقيقيين يكمنان في الكتاب نفسه وليس في أحمد زكي، ويفسر ذلك التناقضات الواسعة في الوقائع التي سردها الكتاب لا سيما في الواقعتين اللتين ذكرناهما في هذه القراءة. وقد كان القراء يأملون من كتاب كهذا أن يقدم قراءة عميقة لمشروع أحمد زكي لا أن يكتفي بكونه مجموعة من الحواديت مكانها المجلة السيارة التي تهتم بالفرقعات الصحافية، من نوعية مجلة محمود سعد وأمثاله. إن علاقة الجماهير بأحمد زكي فريدة من نوعها واعتقد أنها تحتاج إلي كتب أخري لقراءتها، فهو الفنان الذي تجسدت في ملامحه طيبة وتواضع هذا الشعب، بل تجسدت فيه سمرة العامة والدهماء وفقرهم، فبطولة أحمد زكي هي بطولة الفقراء والمعوزين، وعودة بالفروسية والنبالة إلي أصحابها من أهل الطبقة المتوسطة والمعدمة التي لم يكن بطلها يوما دعاة الياقات البيضاء في أفلام الحب الخائب في السبعينيات، كما لم يكن بطلها يوما من بلطجية السينما المصرية في أفلام المقاولات سيئة السمعة التي كان مصطفي محرم أحد صناعها. القدس العربي في 6 ديسمبر 2005 |
كتاب عن الممثل المصري أحمد زكي سعد القرش القاهرة(رويترز) - في حفل تكريمه على هامش مهرجان القاهرة السينمائي الدولي المقام حاليا قال الممثل المصري عمر الشريف الذي اشتهر بأدوار البطولة في أفلام أجنبية ان مواطنه الممثل أحمد زكي كان أكثر منه موهبة لولا حاجز اللغة الذي منع الاخير من الانطلاق الى "العالمية". ويرى كثير من نقاد السينما العرب أن زكي الذي رحل في مارس اذار الماضي أهم موهبة في فن التمثيل في مصر خلال الثلاثين عاما الاخيرة من خلال أفلام منها (البيه البواب) و(أرض الخوف) و(شفيقة ومتولي) و(كابوريا) و(هستيريا)و(ضد الحكومة) و(الهروب) و(البريء) و(الحب فوق هضبة الهرم) التي استطاع فيها الجمع بين الموهبة والنجومية عبر حضور طاغ كسر حاجز الوسامة في السينما المصرية. ويذهب الباحث المصري أحمد شوقي عبد الفتاح في كتابه (أحمد زكي.. الموهبة والتفرد) الى أن زكي (1949 - 2005) كان يتمتع بموهبة فذة واصفا اياه بأنه "ممثل نادر الوجود." وأضاف في الكتاب الذي صدر عن مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي الذي افتتحت دورته التاسعة والعشرون الثلاثاء الماضي أن نجاح زكي هو ثمرة مشتركة بينه وبين "نخبة من مخرجي الثمانينيات وعلى رأسهم الانتحاري محمد خان" الذي قدم مع زكي أفلاما منها (زوجة رجل مهم) و(أحلام هند وكاميليا) و(أيام السادات). وتساءل في الكتاب الذي يقع في 200 صفحة من القطع الكبير.. هل أحمد زكي بطل شعبي؟ مشيرا الى أنه قدم في مسيرته الفنية أدوار ابن الطبقة المتوسطة كما قدم أفلام المهمشين "في جرأة فنية خاصة تحدى بها نفسه قبل المجتمع. ولكن هل هذه الادوار تجعله بطل الاحياء الشعبية.." وأشار الى أدوار أو نماذج بشرية قدمها في أعماله "خرجت من تفردها الى الحالة الجمعية" ومنها شخصية منتصر في فيلم (الهروب) التي تختلف عن شخصيتي الرئيسين المصريين السابقين جمال عبد الناصر وأنور السادات الذين برع زكي في تقمص شخصيتيهما.
وقال عبد الفتاح ان زكي الذي كان سببا في نجاح فيلم (ناصر 56) تقمص شخصية
عبد الناصر الذي "كان يزوره في المنام كما قال مؤلف الفيلم محفوظ عبد
الرحمن... انها لحظات يأتي فيها عبد الناصر ويحل في الجسد لبرهة وينصرف.
ويعرف أحمد زكي المواءمة بين التقاء الارواح ولقاء العين بالكاميرا. انه
عمل خيالي مئة بالمئة. وأضاف أن أداء زكي في فيلم (أيام السادات) كان "أكثر توهجا وأطول نفسا وأعمق شعورا رغم تباين الحالات الانفعالية على عكس فيلم (ناصر 56)." ولزكي فيلم لم يعرض بعد هو (حليم.. صورة شعب) الذي تأجل تصويره أكثر من مرة بسبب اصابة زكي بسرطان الرئة قبل أكثر من عام على وفاته ولكنه صور معظم مشاهده أثناء خضوعه لنظام علاجي صارم بين مصر وفرنسا. ويتناول الفيلم رحلة صعود المطرب عبد الحليم حافظ الذي لايزال الاكثر شعبية في مصر. واستعرض المؤلف رحلة حياة زكي الذي عاني اليتم والقسوة حتى بعد تخرجه في معهد الفنون المسرحية بالقاهرة حيث تقدم لخطبة فتاة من عائلة ثرية فرفض طلبه "لانه كان عاطلا وكان يتحدث عن أشياء لا يمكن أن يصدقها العقل. هكذا تقول الفتاة." وخلص الى أن صوت زكي كان صوت المشاعر لا صوت العقل فمشاعره هي التي قادته عبر هذه الرحلة "اذ لو أنه فكر بالمنطق الاجتماعي العام لكان الان يجلس أمام ورشة في (مسقط رأسه) الزقازيق يلعب الطاولة ويشرب النارجيلة ويفكر بالعودة لام الاولاد والاولاد. "كل ظروف حياته كانت تقوده الى هذه النهاية بقوة المجتمع والظروف والمنطق ولكن مشاعره رفضت أن تنصاع فكان النجم أحمد زكي." ويختتم المهرجان الذي أهديت دورته الجديدة الى روح زكي الجمعة القادم بحفل تعلن فيه الجوائز التي تتنافس فيها أفلام تمثل 15 دولة عربية وأجنبية. وشارك في أقسام المهرجان المختلفة 140 فيلما من 48 دولة. موقع "إيلاف" في 3 ديسمبر 2005 |