صلاح حسن |
يفتتح اليوم في مدينة طنجة في الشمال المغربي المهرجان الوطني الثامن للفيلم، الذي يستمر حتى العاشر من الشهر الحالي. وهذا المهرجان يعتبر، منذ سنوات، مناسبة لاستعراض جديد السينما المغربية عبر آخر انتاجاتها، وهي السينما التي تبدو اليوم أكثر ازدهاراً من أي وقت مضى. وتضم عروض المهرجان الذي يقام عبر المركز السينمائي المغربي ويرأسه نور الدين صايل، 12 فيلماً روائياً طويلاً أنتجت بين أواخر العام 2003 والعام 2005، وتحمل تواقيع أبرز العاملين في السينما المغربية، اضافة الى أكثر من خمسين فيلماً قصيراً. ويختتم المهرجان بتوزيع جوائز نقدية تشجيعية. ولقد عرفت السينما المغربية في السنوات الاخيرة تطوراً مهماً على مستوى الانتاج، فقد اصبح عدد الافلام التي ينتجها المغرب سنوياً يتراوح بين 8 و 12 فيلماً طويلاً، وبين 10 و 15 فيلماً قصيراً. كما ان معظم شركات التوزيع تتسابق لتوزيع الافلام المغربية ذات الرواج الجماهيري ما أدى الى نوع من التصالح بين الجمهور المغربي والانتاج المحلي. وتحققت هذه الدينامية بفضل دعم الدولة للانتاج السينمائي من دون قيد او شرط مع فتح القطاع أمام الاستثمار لبناء قاعات جديدة. واذا كان تاريخ السينما المغربية بدأ بفيلم «وشمة» لحميد بناني، (1970)، فان هذا الفيلم صنع حوله مناخاً ثقافياً وفنياً أسس لما يمكن ان نسميه بـ «الحداثة السينمائية» بالمغرب. وقد ساهم هذا المناخ في ترسيخ مبادئ مثل اعتبار السينما أداة لتفسير الواقع وتغييره، السينما ثقافة وفناً وفكراً لا مجرد أداة للفرجة والتسلية. والسينما لغة وكتابة جديدة تعتمد الرموز وتوظف الفضاء والزمان بناء على جماليات حديثة والاهتمام بالفرد داخل المجتمع ومحاولة تحرير عقليته من ركام الخرافات والتابوهات العقائدية والسلطة القهرية، وبالتالي اعتبار السينمائي فناناً ومثقفاً مسؤولاً عن المرحلة السياسية والتاريخية التي يعيش فيها. شكل احترام هذه المبادئ والاشتغال على ضوئها في شكل واع أو غير واع القيمة الفنية والفكرية لمجموعة من الافلام التي استطاعت بذلك ان تظل حية مثل «الف ويد» لسهيل بن بركة، «الشركي» لمومن السميحي، «اليام اليام» لأحمد الماعنوني، «السراب» لأحمد البوعناني، «عرائس من قصب» لجيلالي فرحاتي، «حادة» لمحمد ابو الوقار، «حلاق درب الفقراء» لمحمد الركاب، «باديس» لمحمد عبدالرحمن التازي... غير ان هذا التيار سيختفي في نهاية الثمانينات والتسعينات لتحل محله حمى البحث عن القصة التي تثير اعجاب الجمهور، ما خلق موجة «الفيلم الشعبي» الذي تزخر مواضيعه من اليومي ومن بعض القضايا الراهنة مثل المرأة والطفل والهجرة، وقد كسر هذا النمط من الانتاج «جماعة المخرجين الشباب» الذين وقعوا «بيان طنجة» سنة 1995 حيث شاهد الجمهور مجموعة من افلامهم القصيرة التي تشي بحساسية جديدة وبذكاء لماح يثير الدهشة والاعجاب، نذكر من بينهم فوزي بنسعيدي، اسماعيل فروخي، حسن لغزولي، ياسمين قصاري، مريم بكير، نورالدين لخماري، حكيم بالعباس، نور الدين عيوش. ان معظم هؤلاء المخرجين الشباب يعيشون بأوروبا وأميركا مما جعل افلامهم تطرح قضية الهوية من زوايا مختلفة، وقد استفادوا من ثقافتهم المزدوجة مما اعطى لافلامهم عمقاً فكرياً وجمالياً. ونذكر على سبيل المثال فيلم « طنجا» لحسين لغزولي، وفيلم «السفر الطويل» لاسماعيل فروخي، فيلم «الراكد» لياسمين قصاري وفيلم «رؤية» لنور الدين لخماري. ولقد شجع التحول السياسي الذي بدأ يعرفه المغرب على مستوى البناء الديموقراطي واحترام الحريات، حيث تم الافراج في السنوات الاخيرة عن موضوع (الاعتقال السياسي) او ما يسمى (بسنوات الرصاص)، عدداً من المخرجين السينمائيين على اعتماد هذه القيمة كمادة حكائية بنوا عليها افلامهم من أجل التاريخ التخيلي والوثائقي لمرحلة كانت فيها الحريات عموماً في وضعية صعبة، في هذا الاطار جاءت أفلام «منى صابر» لعبد الحي العراقي، و «ألف شهر» لفوزي بنسعيدي، و «جوهرة» لسعد الشرايبي، و «الغرفة السوداء» لحسن بنجلون، و «الذاكرة المعتقلة» لجيلالي فرحاتي، (فاز بالجائزة الاولى في مهرجان السينما العربية في روتردام العام الماضي) لتفتح أبواب هذه المرحلة من جديد. وحاولت هذه الافلام بعث الذاكرة الجماعية الجريحة من أجل البحث عن الزمن الضائع، الذي يحمل في ثناياه السؤال السياسي التراجيدي.لماذا وقع هذا؟! نستنتج من خلال التاريخ القصير والمكثف ان السينما المغربية ترتكز على مشروع استراتيجي طموح، تدعمه بنيات تقنية صناعية ومالية ويغنيه التنوع والاختلاف والانفتاح على الذات وعلى الآخر، بهذه الديناميكية وصل الفيلم المغربي الى مهرجان كان والى كل مهرجانات العالم. الحياة اللبنانية في 2 ديسمبر 2005
زوزو اللبناني في القاهرة محمد عبد الرحمن من القاهرة لا تمثل الأفلام اللبنانية المعروضة في مصر مجرد فرصة للجمهور للاطلاع على سينما عربية أخرى ، وإنما هى وسيلة مهمة –كما يتأكد – كل عام لكي يعرف المصريون المزيد من المعلومات والحكايات عن الحرب الأهلية في لبنان التي انتهت قبل 15 عاما ، فالفن كما نعرف جميعا هو الوسيلة الأمثل للتعبير عن تاريخ الشعوب وحاضرها وأيضا استشراف مستقبلها ، ولطالما عانى العرب من سيادة أنواع معينة من الفنون تحمل مضامين محددة يسمح بها مقص الرقيب . مناسبة الحديث هذه المرة عرض الفيلم "السويدي اللبنانى "الجديد "زوزو" للمخرج جوزيف فارس الذي يعد حاليا من أشهر المخرجين العرب في أوروبا رغم أنه لم يبلغ عامه الثلاقين بعد . فيلم "زوزو" يقدم لنا صبي عمره 11 عاما يحاول عام 1989 الخروج من نار الحرب الأهلية هو وأسرته إلى السويد حيث يعيش الجد والجدة ، فتصبح السويد هى حلمه الوحيد الذي يحكى عنه لكل أصدقائه و وزملائه وسط أصوات القنابل والمدافع وفي المخبأ ، ويوم السفر تضرب قنبلة منزل أسرته بينما هو بالخارج فتذهب الأم والأب والأبنة ضحية ما حدث ، ليجد "زوزو" نفسه في الشارع مع شقيقه الذي يفقده أيضا في احدى المطاردات ، ليكمل طريقه بمفرده ويلتقي فاة صغيرة تخبئه في غرفتها وينوى السفر معه للسويد انقيادا وراء حلم شبه مستحيل لكلاهما ، وفي الطريق للمطار تستوقفهما المليشيات المسلحة ، ليستعيد والد الفتاة ابنته ويجد "زوزو" أخيراً من يضعه في الطائرة ليصل إلى السويد أخيرا لكنه هناك يكتشف أن عليه ان يلجأ للعنف الذي هرب منه ليدافع عن نفسه ضد أعداء المغتربين وفي كل وقت ومع كل أزمة كانت أصوات القنابل والانفجارات تداهمه بينما ينظر للسماء يطلب عودة أهله مرة أخرى أو على الأقل والدته القتيلة . بعد الفيلم التقى النقاد والجمهور بمركز الابداع الفني بالأوبرا المخرج جوزيف فارس في ندوة أدارتها المذيعة المميزة مريم زكي ، باللغتين العربية والانجليزية ، واكد فارس أنه لم يجد مشكلة في تمويل الفيلم الذي تكلف قرابة 7 ملايين دولار وتم تصويره بين بيروت والسويد حيث تدعم الحكومة هناك السينما ، مؤكدا أن هناك تشابها بين سيرته الذاتية والفيلم لكنه حرص على الا يصل لحد التطابق ، وردا على سؤال لإيلاف حول اختيار الآداء الجيد للممثلين بلا استثناء رغم ابتعاده عن السينما اللبنانية فقال أن الأمر لم يكن صعبا فنطاق الفن اللبناني ليس واسعا وبمجرد الاعلان عن رغبة مخرج سويدي انتاج واخراج فيلم عن لبنان هناك من يتحمسون لذلك ، وإن أكد على أنه قابل الممثلة اللبنانية كارمن لبس وأعجب بها كثيرا بعد فيلم "بيروت الغربية " كما اكتشف الممثل الياس جرجي في دور الجد من السويد وهو الممثل الذي نال اشادة خاصة من جمهور الفيلم ، مع عماد كريدي الذي قام بدور "زوزو " . وعن اهتمام السينما اللبنانية بتقديم أفلام عن الحرب بنسبة كبيرة دون قضايا أخرى قبل وبعد الحرب قال أنه أمر طبيعي حتى نتذكر دائما ما حدث وعندما يزيد الانتاج ستتنوع الموضوعات ، ومع ذلك أضاف أنه لا يعتبر "زوزو" فيلما عن الحرب بل رصد لمشاعر انسان في تجربة مريرة . وعن انتاجه الغزير رغم سنوات عمره القليلة قال فارس انه اكتشف وهو يدرس السينما ان عشق هذا الفن يتطلب بالأساس ممارسته فترك الدراسة واتجه للاخراج والكتابة فزادت معدلات انتاجه ولازالت لديه مشروعات كثيرة يطمح في تنفيذها خلال السنوات القليلة المقبلة . موقع "إيلاف" في 3 ديسمبر 2005 |
بين «اكتشاف السينما الليبية» والسوري الذي «خرج ولم يصل»... ثلاث جوائز أساسية للفيلم اللبناني «يوم آخر» نانت (فرنسا) - ندى الأزهري «في اكتشاف السينما الليبية»، عنوان لفت الأنظار فوراً في البرنامج الأولي لمهرجان نانت الدولي للقارات الثلاث لهذا العام. لكن، «يا فرحة ما تمت»!. فعند إصدار البرنامج النهائي الذي وزع على الصحافيين، غطت العبارة السابقة كلمة بالخط العريض: «ألغي». وهكذا، خاب الأمل بالإطلاع على سينما تعتبر مجهولة تماماً، ليس فقط للمشاهد الغربي وإنما للعربي كذلك، سينما منيت النفس بمشاهدة عينات منها. لكن يبدو أن الأمل قد تأجل للمهرجان المقبل! وعند سؤال مدير المهرجان فيليب جالادو، تبين أن سبب الإلغاء يعود إلى الخشية من عدم وصول النسخ في الموعد المحدد بعد أن تأخر الحصول على ردود من الجهة الليبية. وعلى رغم وجود «النيات الطيبة» لدى الليبين للتعاون وإرسال نسخ الأفلام وإنهاء الإجراءات كافة معهم في تموز (يوليو) الماضي كما قال. فإن «الجواب النهائي لم يأت بعد»!. عدم المشاركة العربية لم يتوقف هنا. إذ يبدو أن الاتفاق كان قد تم أيضاً مع الجهات السورية المسؤولة لإرسال فيلم «تحت السقف» لنضال الدبس، وأن الشريط قد أرسل «فعلاً» بالبريد السريع قبل أكثر من شهر على بداية المهرجان. لكن، كل أشرطة العالم وصلت إلى نانت إلا الشريط السوري! فعند من تعثرت مسيرته يا ترى؟!. شكاوى ليست هي المرة الأولى التي تحصل فيها أمور كتلك في مهرجانات عالمية. فكم تناهت إلينا شكاوى من منظمين عن عدم اهتمام بعض الهيئات الرسمية في الدول العربية بإرسال نسخ من الأفلام التي تنتجها أو التي تحتفظ بها في مكتباتها، وعن المماطلة على رغم الوعود المبذولة، والرقابة التي تتدخل... وهكذا، يفوت البعض فرصاً للتعريف بثقافته وإنتاجه، فاسحاً المجال بكل كرم وطيبة خاطر، لدول أخرى صاعدة في مجال الفن السابع. هيئات وأفراد يسعون جاهدين للتواجد. فيقترحون مشاركتهم ويرسلون أفلامهم في «مواعيد معقولة» لتشاهد وقبل وقت من برمجة المهرجان، ولا يحتاج المنظمون إلى عشرات الاتصالات ليحصلوا على عشرات الوعود لتكون الحصيلة في النهاية صفراً. وعلى رغم الطلب على السينما العربية، فإن حضورها يتراجع في العروض الدولية، والأسباب لا تعود فقط لقلة الإنتاج، لأن «استعادة» الأفلام القديمة مطلوبة أيضاً. ولحسن الحظ هناك المبادرات الفردية التي تسعى الى المحافظة على حد أدنى من التواجد، لكنها لا تكفي لأن المهرجانات تطلب أحياناً وضع الترجمة على الفيلم، وهو عبء لا تستطيع إلا الدول تحمله. نعود إلى دورة المهرجان الحالية 22-29 تشرين الثاني (نوفمبر) والتي شارك عملان عربيان في مسابقتها الرسمية. «بابا عزيز» للمخرج التونسي ناصر خمير والثاني «يوم آخر» للثنائي اللبناني جوانا حاجي توما وخليل جريج. كما جرت فيها استعادة للسينما التونسية. فعرضت منها عشرة أفلام قصيرة، 11 فيلماً طويلاً تمتد تواريخ إنتاجها من فترة الستينات حتى العام الحالي. تميزت الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية بمواصفاتها الفنية العالية وبمواضيعها المتنوعة، وإن بقيت المرأة الموضوع المفضل لعدد منها لا سيما للسينما الإيرانية. ولكن، ثمة صورة جديدة ظهرت فيها المرأة في تلك الأفلام. فلم تعد خاضعة للتقاليد ولقوة الرجل، بل بدت مثابرة في سعيها للتخلص من عبء الأعراف وقيود المجتمع التي تكبح طموحاتها. ومواضيع كتلك تلقى استحسان الجمهور وإقباله. ففي فيلم «قهوة ترانزيت» لكامبوزياح بارتوفي، يبرز الهامش الضئيل من الحرية في حياة أرملة من خلال محاولاتها للاستقلال ورغبتها بإعالة أطفالها بنفسها من دون الاعتماد على عائلة زوجها وتحديداً على شقيقه الذي يريد الزواج منها «كما جرت العادة». وكانت قناعتها بأهدافها وراء إصرارها على متابعة المسيرة على رغم العوائق التي وضعت في طريقها. موضوع مستهلك في السينما الايرانية، بيد أنه يعالج هنا بأسلوب مشوق وسيناريو متين. ولم تبتعد المرأة في «سقوط الملاك» للتركي سميح قبلانوغلو، فكان موضوع الاعتداء على المحارم خلفية للحياة البائسة لبطلته الشابة وسبباً في تحول مصيرها. وعلى رغم بعض المشاهد القوية بلغتها التعبيرية، فقد ناء الفيلم تحت إيقاعه الشديد البطء، ونال العمل الجائزة الأولى «المنطاد الذهبي» وسط دهشة البعض. وتعود الأحلام المستحيلة للمرأة في الفيلم الماليزي» شيمان شالاي» للمخرج ديباك كوماراند عبر قصة فتاة ذات طموحات لا تتناسب مع ما قرره لها أبواها. فيما العلاقات الأسرية القائمة على غياب الرجل في أسرة مكونة من أربع نساء وفتى، موضوع فيلم «المراهق» للمخرج الأوزبكستاني يولكين تويشييف. وهو فيلم مفاجئ، فعلى رغم تقنياته وإمكاناته الضعيفة، تابعناه باهتمام لحبكته وسرده الممتع. أفلام مختلفة وممتعة جاءت من اليابان «سايو نارا ميدوري» لتومويوكي فوروياما «نال المنطاد الفضي مناصفة، وجائزة التمثيل لبطلته»، ومن تشيلي «بلاي» و «عدوي المفضل» لأليسيا تشيرسون وبوين كارانزا. وقد سبقت شهرة الفيلم التايواني «مذاق البطيخ» لتساي مينغ ليانغ حضوره لما حواه من مشاهد جنسية أراد المخرج من خلالها تبيان انهيار القيم، وتحول الجسد إلى سلعة وفقدان الإنسان لمقدرته اللغوية وقيمته الإنسانية. وقد أدهش هذا الفيلم الجمهور وأضحكه لابتكاره وجرأته، كما نال جائزة الإخراج. وكان الفيلمان العربيان المشار اليهما سابقاً، من الأفلام المميزة التي لا يكفي مجرد عرض سريع للحديث عنها. ففيلم «بابا عزيز» لناصر خمير قصيدة شعرية غاية في الجمال، ومتعة بصرية لا تضاهى ولم ينل سوى «تنويهاً خاصاً»! (لنا إليه عودة في مجال آخر). أما «يوم آخر» فهو أحد أفضل الأفلام اللبنانية. إنه فيلم يبحث فيه بطله عن «إيقاع مشترك» للتوافق مع من حوله. وهو فيلم كما ذكر المخرج لا يقوم على تقييد الصورة في إطار محدد، بل على توسيعها لتتقبل الاحتمالات كافة. وقد نال العمل جائزة المنطاد الفضي وجائزة التمثيل (زياد سعد) والموسيقى (فرقة سكرامبلد ايغز) وهو ما شكل برأي مخرجه خليل جريج» تكريماً للفيلم بأكمله وتقديراً له كعمل فني متكامل وليس فقط لكونه آتياً من «لبنان» كما صرح لنا. الحياة اللبنانية في 2 ديسمبر 2005 |