الموت قصة الأحياء أحمد البشري من عمّان |
لم يكن الموت يوماً قصة أولئك الذين يموتون، بل قصة الأحياء الذين يتعاملون مع الأمر، وحين يكون الموت النقطة الحرجة في حياة الأفلام، والمسلسلات، وفي كافة الفنون البصرية المتحركة، يكون الأكثر إيلاماً على الأطلاق في اي مشهد ممكن، دائماً ما يجيئ كضيف ثقيل، يكسر عنق العاطفة، ويفرض لعبة العزاء على الممثلين، ومهما طال مكوثه، يبقى يعيش حياة الضيوف، يحضر بهيبته كاملته ويرحل بذات الهيبة. ما أن يتحول الموت إلى عمود فقري في حياة فيلم، فذلك يعني بعداً درامياً آخر، لا يحتمل أي أبتسامة، ولا يترك للمشاهد فرصة إلتقاط الأنفاس، وما أن يبدأ فيلم حتى ندرك كمية السخط الذي يوجهه لنا، وللحياة المخرج الشاب (أليخاندروا غونزاليس)، فينتقل بنا على أكثر من خيط سردي، ويتلاعب بالساعات والتواريخ الداخلية التي بداخلنا، يبدأها الرائع بول ( شان بين)، بمشهد الحياة وهو بجانب فتاة شقراء عارية جميلة، فتنة الحياة هذه تتحول بفجآئية جميلة إلى رجل آخر يحتضر، وبعد التدقيق ندرك بأنه ليس سوى الذي كان يمتلئ بالحياة في البداية، لا يكتفي المشهد بهذه المفارقات، بل يقودنا الى الهذيان بذات الأشياء التي لا يمكن لغير المرضى ( بول تحديدا) والأطباء النطق بها، فيتحدث عن أشياء كثيرة تتعلق بشعوره حيال ماهو عليه، وحيال الأجهزة الطبية التي تحيطه من كل الجهات، والإضاءات البيضاء الباهته، وهو يقول ( إذاً هذه هي غرفة إنتظار الموت، تلك الأنابيب السخيفة، الإبر التي تنفخ ذراعي، ماذا أفعل في نادي ما قبل الجثث؟). من هذه اللحظة يبدأ الموت حضوره المبجل، ومع ان (شان بين) لن يموت، إلا أن الموت لن يمرر الأمر بهذه السهولة، فلابد من ضحية آخرى، لابد من بديل آخر يموت، يحل مكان بول، الذي يجد أن القدر قد ساق له ثلاثة جثث سويةً يختار منها قلب يناسب جسده وقلبه الواهن، لهذا كان الموت الكائن المؤجل في حياة بول على طول الفيلم. يشارك ( شان بين) البطولة الثنائي المبدع ( ناعومي واتس-بينيكيو ديل تورو)، ومن هنا يبدأ المخرج الشاب في الربط بين هذه الشخصيات بأكثر من فلاش باك، وخيوط سردية منفصلة، لكنها تجتمع في النهاية بنقطة إلتقاء ضرورية لإتمام الحبكة، وهذا ما اجاده (أليخاندروا غونزاليس) على طول فترات الفيلم، إذ تخرج لنا الأم الشابة التي دهست عائلتها كاملة، في حادث للمجرم (بينيكيو ديل تورو ) الذي يجد نفس تائباً، و اكثر الناس تردداً على الكنيسة. منذ هذه اللحظة، يستطيع المشاهد جمع الخيوط، وإلتقاط فلسفة المخرج وإستكشاف روعة أداء شان بين، حتى إنه يستطيع البقاء شارد الذهن ومنتبهاً في الوقت ذاته، خالقاً لنفسه مجالاً آخر يتلقى من خلاله الألم كما يريد، تحديداً بعد الحادثة التي تُنهي حياة ثلاثة أشخاص، تحت السيارة ذاتها، تعود حياة (بول) في النمو من جديد، بعد أن وصلت إلى ادنى مستوى، وبعدها بأشهر تبدأ حياة قلب ( ناعومي) في التبتل مرة أخرى عن طريق قلب زوجها المتوفى والذي زُرع لـ(بول)، لتعود الدائرة ذاتها في الدوران لكن بسرعة أكبر هذه المرة. لقد ظل اليأس يطل من نافذة الجميع طوال الفيلم، ويتسلل إلى المشاهد، إلا أن نسبته تعود لتنخفض ويحل مكانها الكثير من التفائل، والإرتباط بالرب، كما يحدث دائماً مع التائب( بينيكيو)، فيقول: (لقد فعلت كل ما طلبه مني.. لقد تغيرت.. كرّست حياتي له.. ثم ماذا قدم لي؟ لقد أهداني هذه الشاحنة كي أقتل هاتين الصغيرتين.. هل أراد لي الألم؟ لماذا أراد لي الألم؟! ..). يحل مكان اليأس عند البعض رغبة الأنتقام، رغبة الانتقام من القدر، ومن المجرم التائب الذي سلم نفسه بعد الحادثة، ويتغلل في قلب الأم، وشيئاً فشيئاً يدخل إلى قلب الزوج القديم، والعاشق الجديد. في النهاية يعود (بول) إلى مراقبة الأجهزة الطبية والمرضى من حوله ويفتح النار على الكثير من الأسئلة التي في مجملها تحمل رائحة الموت. (كم مرة نعيش؟ كم مرة نموت؟ يقال إننا نخسر 21 غراماً في لحظة موتنا،كل واحد منا.. فما هو هذا الشيء الذي يزن 21 غراماً برأيكم؟ ما الذي نفقده؟ متى نفقد ال 21 غراماً؟ ما الذي يزول معها؟ وماذا نكسب؟ كم تساوي 21 غراماً؟) موقع "إيلاف" في 29 نوفمبر 2005
مرافعة مايكل مور ضد التسلح الأميركي مساء اليوم على القناة الثانية الفرنسية...
ابراهيم العريس ربما كان واحداً من قلة من مخرجين في العالم لا تحتاج الى ان تصرخ في كل لحظة حين تصور مشاهد افلامها: «سكوت... اننا نصوّر»، ذلك ان مايكل مور لا يحب السكوت. يحب الضجيج، حين يصور وحين يعرض ما يصور، وحين ينال الجوائز. وبخاصة حين يتصدى له مناوئوه. وهؤلاء يقولون عادة، ان الصراخ جزء اساسي من فن مايكل مور. تصوروه مثلاً صامتاً بعد ان يعطى جائزة الاوسكار او السعفة الذهبية في «كان». لو صمت، من سينوب عنه في الكلام ضد بوش أو ضد شارلتون هستون، مثلاً؟ من سيصرخ: «عار عليك يا سيد بوش!». وبالتالي يقول مناوئوه، من سيضع ماء في طاحونة الرئيس الاميركي الحالي ويساهم في فوزه بولاية ثانية مواربة؟ على حد تعبير بعض اليسار الاميركي الذي لم يحب «فهرنهايت11/9»، وما فيه من مبالغات و«ضروب عنصرية» جعلت قطاعات عريضة من يمين اميركي شعبوي معين تقف مع بوش.. ودائماً بحسب اتهامات يوجهها ديموقراطيون يساريون اميركيون الى مايكل مور؟ «فهرنهايت 11/9» نال حظه من العرض والمديح والهجوم.. وتم التوافق في نهاية الامر على انه «منشور» سياسي اكثر منه عملاً فنياً. وقيل ان فعاليته كانت محدودة. ولكن في المقابل لم يتمكن كثر من قول الكلام نفسه على الفيلم السابق لمايكل مور... الفيلم الذي حقق له الاوسكار... فكان اول «اوسكار» كبير يناله نوع سينمائي ظل دائماً طي الاهمال: الفيلم الوثائقي. ولكن هل كان هذا الفيلم حقاً فيلماً سينمائياً؟ نتحدث هنا، بالطبع، عن «باولنغ من أجل كولومباين» الذي يعرض في الحادية عشرة مساء اليوم (بتوقيت باريس) على القناة الثانية الفرنسية الرسمية... ليشكل حدثاً تلفزيونياً. ولكن، في الوقت نفسه ليسجل عودة الفيلم الى مكان عرضه الطبيعي. فهو، في الحقيقة، شريط تلفزيوني، فيه اسلوب الريبورتاج التلفزيوني، وجماليات الصورة الاخبارية والحوارية التلفزيونية. ثم ان موضوعه – وهو بالنسبة الى الاميركيين اكثر خطورة بكثير من موضوع «فهرنهايت 11/9» تلفزيوني، لانه يدخل الى كل بيت. وكل بيت اميركي احس نفسه قبل سنوات معنياً بمسألة انتشار الاسلحة الفردية دون وازع في طول اميركا وعرضها، وبخاصة بين ايدي المراهقين. ونعرف ان هذا هو موضوع الفيلم، وان مايكل مور دنا منه لمناسبة مجزرة كلية كولومباين، حيث حدث في العام 1999، ان قتل مراهقان مدججان بالسلاح استاذاً في الكلية و13 مراهقاً تلميذاً بدم بارد. مور، الذي كان عرف بشرائطه الاحتجاجية وكتبه الصاخبة، انطلق من تلك الحادثة ليقدم اقصى ادانة ممكنة ضد الذهنيات الاميركية، عبر حكايات وحوارات ومرافعات اتهام (منها واحدة ضد الممثل السابق شارلتون هستون، الزعيم الذي لا ينازع للوبي انتشار السلاح الناري في اميركا). وهذا كله نشاهده مساء اليوم في هذا الفيلم العنيف والحقيقي الذي كان هو، وليس أي عمل آخر لمايكل مور، من اطلق شهرة هذا الاخير في العالم اجمع، بل ربما يمكننا ان نقول ان هذا الفيلم سدد ضربة اذى الى اليمين الاميركي والى عهد جورج دبليو والى لوبي تجار الاسلحة، اكثر بكثير مما كان فعل فيلمه الاسبق عن البطالة والطبقة العاملة «روجر وأنا». او حتى فيلمه اللاحق عن حرب العراق «فهرنهايت 11/9». واذا كان مايكل مور قد صوّر في هذا الفيلم الاخير رئيس الولايات المتحدة وهو يقول له بعدما قدم نفسه، وكاميراه، اليه: «آه.. انت السيد مور؟ ترى لم لا تبحث لنفسك عن عمل نافع»، فان الغيظ البادي في كلام بوش، ناتج طبعاً عن الشعبية والفاعلية اللتين كانتا لـ«باولنغ من اجل كولومباين». ومع هذا، قد لا يصح ان نختم هذا الكلام، الا بالعودة الى مسألة كونه عملاً تلفزيونياً، في الاصل، أو سينمائياً. وفي هذا المجال قد يكون السبيل الوحيد لاقناع قارئنا، هو مطالبة بأن يقارب بين «باولنغ من اجل كولومباين» الوثائقي، وفيلم آخر عن الموضوع نفسه، لكنه روائي وسينمائي حقاً في هذه المرة، حققه غاس فان سانت بعنوان «الفيل»... وكان سابقاً لـ «فهرنهايت 11/9» بعام في الفوز بسعفة «كان» الذهبية. الحياة اللبنانية في 29 نوفمبر 2005 |
يعرض الآن على شاشات الكويت فيلم «جوول».. قصة إنسانية مؤثرة وساعتان من الإثارة في ملاعب كرة القدم كتب عماد النويري: لعبة «الملاكمة» حازت دائما الاهتمام الأكبر لأفلام هوليوود على مر تاريخها، ولنا ان نتذكر عشرات الأفلام التي لم يكن أولها «روكي» ولم يكن آخرها «سندريلا مان» لكن لا بأس من التغيير ولعبة كرة القدم ليست أقل أهمية أو أقل شعبية من لعبة الملاكمة، ولذلك اهتم صنّاع السينما في هوليوود بتقديم فيلم «جومل» طمعا في تسجيل بعض النقاط في السوق السينمائية، ربما جرى تسجيل هدف مهم في شباك التذاكر. وهذه الأيام يعرض على الشاشات الكويتية الجزء الأول من ثلاثية يجري الاعداد لها وتكلف هذا الجزء مائة مليون دولار. وهو مبلغ كبير اذا عرفنا ان أماكن التصوير داخل الأندية مع لاعبين حقيقيين، وقد صرح اندي انسا وهو لاعب كرة قدم محترف سابق عمل مستشارا لمعدي الفيلم ان «الموارد الموجودة لدينا في هذا الفيلم أفضل» أضاف ان «حرية الوصول للاعبين وللملاعب وغرف تغيير الملابس قبل أي مباراة تعتبر مهمة غير سهلة». صعود ونجوم يحكي «جوول» عن قصة صعود سانتياغو مونيز الذي نشأ فقيرا في لوس انجلوس حيث كان يلعب كرة القدم المحلية الى ان اكتشف من قبل احد السماسرة البريطانيين. ما يميز هذا الفيلم عن الأفلام الأخرى التي تناولت كرة القدم هو التمثيل داخل وحول استاد سانت جيمس بارك، وهو ملعب نادي نيوكاسل يونايتد الانكليزي الذي يتسع لنحو 52 ألف شخص وجرى تطعيم مشاهد الفيلم بمشاهد حقيقية داخل المدرجات، ويذكر ان الاتحاد الدولي لكرة القدم أيد هذا الفيلم بوصفه وسيلة للمساعدة في جذب أميركا الى لعبة كرة قدم أخرى غير كرة القدم الأميركية، وساعد هذا المخرج داني كانون على حرية الوصول، ليس فقط الى ملاعب نيوكاسل، بل الى نجوم فريق ريال مدريد الاسباني الى كرة القدم ديفيد بيكهام ورؤول وزين الدين زيدان والذين يظهرون جميعا كضيوف شرف الفيلم. الروائي والتسجيلي مخرج الفيلم استطاع ان يحقق معادلة صعبة بين التسجيلي والروائي، ومن خلال قصة سانتياغو مونيز الخيالية العاطفية الانسانية قدم بانوراما حقيقية عن أشهر لعبة رياضية في العالم، من خلال دراما مونيز ايضا أوجد كاتب السيناريو مساحة كبيرة من المشاهد المفعمة بالانسانية عن صعود لاعب فقير الى قمة المجد والشهرة وخلال هذه المشاهد لا بد ان نمر على حكايات الحب واللقاء والهجر والوداع، ولا بد ان نمر ايضا على ما يشبع شهية متفرج تعجبه عادة هذه التوليفة من المشاهد المثيرة العامرة بالحركة والايقاعات السريعة. جسد شخصية مونيز الممثل المكسيكي كينو بيكر الذي قام بتدريبات عنيفة ومتواصلة حتى يتقن قواعد اللعبة وحتى يجري الاقتناع به عندما تتراقص الكرة على أطراف اصابعه. وهناك اشارة الى الموسيقى التصويرية (خاصة المقطوعة الجيتارية التي افتتحت الفيلم). المخرج داني كانون مولود عام 1968 ولا تضم قائمة أفلامه الكثير وهو يعمل مخرجا ومنتجا وكاتبا وبدأ عمله في السينما عام 1990 بفيلم «غرباء» وضمن أفلامه «الأميركي الصغير» و«القاضي دريد» و«فونيكس» وكمنتج قدم بعض الأعمال التلفزيونية. فيلم «جوول» يقدم لعبة كرة القدم وقصة درامية مؤثرة وساعتين من الاثارة والتشويق ويستحق المتابعة. القبس الكويتية في 29 نوفمبر 2005 |