"مهرجان القارات الثلاث" في نانت (فرنسا) عندما يتعثر الاسلام ماذا تستطيع السينما؟ أجرى الحوار:. صلاح هاشم |
من اجمل الافلام التي شاهدتها في نانت وأعجبت بها كثيرا، فيلم "بابا عزيز" او "الرجل الذي راح يتأمل في روحه" للمخرج التونسي المتميز ناصر خمير المشارك في مسابقة المهرجان. وكان ناصر خمير، من مواليد 1948، الذي عرض فيلمه الروائي الاول "الهائمون" عام 1984 في نانت، وفاز بالجائزة الكبري" آنذاك، كان قد شق بفيلمه هذا سكة جديدة في السينما التونسية، تعتمد علي الاستلهام من تراث الاسلام الصوفي، والبحث عن اندلس جديدة، والاخذ من تراث الف ليلة وليلة الحكائي، موظفا بذلك السينما كأداة تفكير في مسألة "الهوية"، والبحث عن الذات، وهي الثيمة او الموضوع الرئيسي في ثلاثيته الفيلمية، التي بدأت ب"الهائمون" مرورا بفيلم " طوق الحمامة المغقود " وانتهت هنا، باحكام فني باهر، وتوهج حكائي سافر، انتهت بفيلمه الجديد "بابا عزيز" الذي تألق في المهرجان مثل ماسة حقيقية، ونرشحه مع الفيلم الايراني "كافيه ترانزيت" للحصول علي جائزة المهرجان الكبري في دورته الحالية.. يحكي " ابا عزيز" عن درويش عجوز أعمي يتوجه عبر الصحراء في صحبة فتاة صغيرة تدعي عشتار الي احتفال صوفي يقصده الدراويش من كل مكان، وعندما تسأل عشتار بابا عزيز الذي يناديها احيانا باسم " روحي الصغيرة "، تسأله عن مكان الاحتفال، يقول لها انه لايدري اين سيعقد، ومتي، ومن سيحضره، لكنه واثق من ان السير والمشي المتواصل في الصحراء باتجاه الاحتفال سيوصلهما حتما الي مقصدهما. ومن خلال الرحلة في " صحراء الحياة الكبري " يلتقي بابا عزيز وعشتار بعدة شخصيات، فتحكي كل شخصية عن الاحداث الغريبة العجيبةالتي وقعت لها كما في حكايات الف ليلة وليلة، ويتوقف بابا عزيز وعشتار عند عدة محطات ويمران بعدة اختبارات في سكتهما الي " الاحتفال " الصوفي الكبير. يواجهان عاصفة رملية هوجاء في بداية الفيلم تدفنهما تحت التراب، فيخرجان في اول لقطة من الفيلم من تحت التراب ومن قلب الصخر، بعد زوال خطر الموت ليبدءان حياة ميلاد جديد.. وأمل جديد. وكأن ناصر مع اول لقطة في الفيلم، وربما بلا وعي، يقول انه يريد ان يخرج " الاسلام " من تحت التراب، وينظفه، ويمنحه حياة جديدة وميلادا جديدا.. وينير لنا دربه علي السكة بمصابيح الفراشات التي تذوب عشقا وتحترق في اللهب، ويحكي عنها ايضا ناصر خمير في فيلمه الجميل العذب مثل الشهد المصفي.. لايحكي ناصر خمير في فيلمه قصة واحدة بل يحكي عدة قصص بنفس واحد،نفس الرحمن،وأسماء الله الحسني، نفس الروح الشفافة الطاهرة، بعذوبتها ورقتها، ويؤسس لفيلمه كما يؤسس المرء لشجرة، من خلال نبتة صغيرة، يزرعها في التربة ثم يجعلها تنمو. وهاهو ناصر خمير، بعد ان كبرت الشجرة، وطرحت ثمارها، يقوم فينثر ورودها علينا، في فيلمه ذاك الاثير، علي سكة كل الواصلين من أهل الطريق، ويجعلنا نستنشق عطرها الفواح.. قصة " بابا عزيز " هي مثل حلم او لغز، يدعونا الي التفكير في معناه ومغزاه ومقصده، أي التفكير في ماهو اساسي، أي لماذا نعيش، وما هي الحكمة في ان نتعقل وجودنا، ونفلسف حياتنا، لكي ندرك معاني الحياة والموت، وسر العقيدة، ونتعرف علي ذواتنا ونتسامي من خلال السينما بارواحنا.. فنشارك ايضا في ذلك الاحتفال الموسيقي الكبير في نهاية الفيلم.. وهذه التساؤلات.. هي ذات التساؤلات التي تطرحها السينما ايضا، او يجب ان تطرحها في كل افلامها، علي سكة تطوير ذلك الفن، بعد ان تحول او كاد في بلادنا الي فيديو كليب راقص وساقط و مبتذل علي الشاشة العربية الصغيرة والكبيرة، في مسلسل الهراء والسخف العام، الذي صارت اليه حياتنا.. يحكي ناصر خمير في فيلمه عن ذلك الاسلام الذي عرفه وخبره، كدين للتسامح والمحبة والهداية، والتواصل مع اسرار الوجود الكبري، وكل حكاية في الفيلم تستحق ان تكون فيلما منفردا، مثل حكاية ذلك الامير الذي قادته غزالة في الصحراء الي نبع ماء، توقف عنده وهجر اهله وناسه ومملكته، لكي يتطلع في مرآة النبع الي روحه الحقيقية ويحدق طويلا في سرها واصلها وفصلها.. ومغزي الوجود. يحكي ناصر خمير علي لسان بابا عزيز عن الاسلام أي عن فلسفة حياة كاملة، وكان يقصد بفيلمه الذي امضي اكثر من 12 عاما في صنعه، أن يطهر وينظف الاسلام مما علق به من سوءات، واهانات، قذح وشتيمة، وبخاصة بعد احداث سبتمبر الارهابية في نيويورك، وما تمخض عنها من اتهام الاسلام بتخريج الارهابيين المتطرفين المتوحشين من أكلة لحوم البشر.. وكان ناصر خميرمن مواليد 1948 نبه في الكلمة التي القاها في نانت علي الجمهور قبل عرض فيلمه، نبه الي قصده من صنع الفيلم فسأل الجمهور: فكروا معي. تري ماذا يفعل طفل حين يسير مع والده في طريق موحل، ثم اذا بالوالد يتعثر في سيره، ويسقط في الوحل ؟ يقينا ان اول ما سوف يفعله الطفل ان يغسل وجه الاب من الطين و الوحل، وهذا بالضبط ما اردت ان افعله مع دين الاسلام. اردت في الفيلم ان اغسل وجه ابي، وانا اتأسف واتألم في ذات الوقت لما حدث. فيلم ناصر خمير " بابا عزيز " هو دعوة لاعادة النظر والتأمل في دين الاسلام، دعوة الي " التحديق " في فلسفة حياة كاملة، لنا ولغيرنا، لكي نقترب اكثرمن انسانيتنا، وهو في شموليته ونسيجه الفني ينساب عبر المنظر الطبيعي مثل حلم داخل حلم، داخل حلم،ويسحرنا بحكاياته واجوائه وموسيقاه، كما يمثل " خاتمة " فنية رائعة ل" ثلاثية " ناصر خمير الفيلمية، التي نعتبرها اضافة سينمائية حقيقية ذات قيمة كبري لفن السينما في بلادنا.. وتجعلنا نتأسي لحجم التضحيات التي خاضها هذا الفنان المخرج التونسي المتميز الواعي، من اجل صنع سينما مغايرة قريبة من روح التراث، كرس لها كل حياته. سينما ناصر خمير في " ثلاثيته " التي تخاطب بلغة الصورة كل البشر، وهي تعبر الحدود، وتتجاوز كل الجنسيات، لتخاطب فينا ماهو اصيل وعميق وانساني، وتحتفي بتراثنا الفكري والحكائي والروحاني، وتكون بجمالها وبساطتها وعذوبتها، بتألق مشاهد الصحراء والطبيعة البديعة في " بابا عزيز "، وسحر موسيقاه، والافكار التي تؤسس لها، تكون بمثابة غسيل للعيون. لاتدع مشاهدة هذا الفيلم " بابا عزيز " الذي نرشحه بقوة للحصول علي جائزة، ان لم تكن الجائزة الكبري في المهرجان، تفتك باي ثمن. والجدير بالذكر ان " بابا عزيز " سيعرض ضمن الافلام العربية التي سوف يعرضها مهرجان القاهرة السينمائي "28 " القادم في الفترة من 29 نوفمبر الي 9 ديسمبر. موقع "إيلاف" في 28 نوفمبر 2005 |
مهرجان القارات الثلاث السينمائي نانت.فرنسا. كتب صلاح هاشم: من أبرز المهرجانات السينمائية في فرنسا مهرجان القارات الثلاث (افريقيا.آسيا.أمريكا اللاتينية) الذي يعقد دورته السابعة والعشرين في مدينة نانت الفرنسية- عاصمة اقليم اللوار.بريتناني فرنسا، وذلك في الفترة من 22 الي 29 نوفمبر، ونضعه في المرتبة الثانية بعد مهرجان "كان" من حيث الاهمية، اذ يقدم في كل دورة استكشافا لاتجاهات وواقع السينمات الجديدة في العالم الثالث، وبخاصة في القارات الثلاث، افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ويعرض لعلاقة السينما كاداة للتفكير بمشاكل عصرنا، و تناقضات مجتمعاتنا العربية في مصر والجزائر وتونس ولبنان وغيرها تحت الشمس. وبفضل المهرجان امكن توزيع العديد من افلام السينما العربية في فرنسا مثل فيلم " الهائمون " للتونسيي ناصر خمير الذي كان حصل علي جائزة احسن فيلم " المنطاد الذهبي " في احدي دورات المهرجان، وعادة مايجد الفيلم الفائز في مسابقة المهرجان فرصا اكبر للتوزيع في البلاد.. ولا يعرض المهرجان فقط للافلام، بل يساعد ايضا السينمائيين في دول القارات الثلاث علي صنع افلامهم من خلال الدورات التي يعقدها لتدريب المنتجين الشبان الجدد، وتعريفهم بآليات الحصول علي دعم من المؤسسات الثقافية الاوروبية، وهو بذلك يساهم في تأهيل كوادر سينمائية استطاع بعضها كما في بعض الدول الافريقية التي لاتعرف علي الاطلاق السينما ان يؤسس لارضية سينمائية ابداعية جديدة فيها. ويعدود الفضل الي مهرجان نانت في اكتشاف العديد من ابرز المخرجين في العالم الآن، وكانوا.. كما في حال المخرج الايراني العالمي الكبير عباس كيروستامي، حضروا الي نانت وشاركوا في مهرجانها، وفازوا بجائزته الكبري، ومن هنا تفتحت لهم ابواب المهرجانات الفرنسية والعالمية، واقر العالم بموهبتهم وأهمية السينما التي يصنعون.. ثم امتدت تأثيرات افلامهم في ما بعد الي انحاء العالم، وصاروا من المشاهير.. والمعروف ان كيروستامي قبل ان يعرض فيلمه الاثير " أين بيت صديقي " في نانت، كان مخرجا مغمورا في ايران، ومتخصصا في صنع الافلام التسجيلية عن الاطفال، وتأهيل الاحداث، وانتهي به الامر بعد ان عرض افلامه في نانت، الي الفوز بجائزة السعفة الذهبية عن فيلمه " طعم الكرز " في اعظم مهرجان سينمائي في العالم، ونعني به مهرجان " كان " السينمائي العالمي.. ونفس الشييء حدث مع المخرج الصيني الكبيرشين كيج والمخرج الافريقي الكبير عثمان سمبان الذي عرض لهما مهرجان نانت اول افلامهما، وكان اول من يكتشف موهبتهما ويحتفي بافلامهما قبل مهرجان " كان ".. كما يعود الفضل في التعريف بالسينما العربية في فرنسا الي مهرجان نانت اكثر من أي مهرجان آخر، بما في ذلك مهرجان " كان "، اذ عرض ومنذ اكثر من 25 سنة ومايزال يعرض لاهم وابرز افلام السينما العربية الجديدة، كما ينظم المهرجان في كل دورة قسما للتعريف بروائع افلام السينما الكلاسيكية القديمة بالابيض والاسود في دول القارات الثلاث، وتكريم أبرز المخرجين والنجوم والمصورين والسينمائيين فيها، وفي هذا الاطار نظم المهرجان عدة احتفالات لتكريم نجوم السينما العربية مثل ممثلتنا العربية القديرة الفنانة فاتن حمامة والمخرج الكبير المرحوم صلاح ابوسيف والفنانة يسرا والمخرج العربي الكبير يوسف شاهين كما كرم في احدي دوراته الفنانة الكبيرة الراقصة والممثلة المرحومة سامية جمال التي قدمت في حفل ختام المهرجان عرضا رائعا للرقص الشرقي لن ننساه، ولن تنساه نانت ابدا.. الاحتفاء بالسينما التونسية في دورته السابعة والعشرين، يحتفي مهرجان القارات الثلاث في نانت بالسينما التونسية وبحضور عدد كبير من ابرز نجومها من الممثلين والمخرجين والمنتجين مثل الممثلة هند صبري والمخرج ناصر خمير والمتتجان حسن دلدول و بهاء الدين عطية والمخرجة مفيدة تلاتلي ويعرض المهرجان مجموعة من كلاسيكيات السينما التونسية في برنامج خاص بعنوان " تاريخ للسينما التونسية " يقدم فيه عشرة افلام من ضمنها " رجل الرماد " لنوري بوزيد و" صمت القصور " لمفيدة تلاتلي و" سجنان " لعبد اللطيف بن عمار، كما يعرض بعض الافلام التسجيلية الكلاسيكية، ويشارك المخرج التونسي ناصر خمير في مسابقة المهرجان بفيلمه الجديد " الامير الذي كان يتأمل في روحه " وكان سبق له الفوز بجائزتها كما نوهنا في دورة سابقة بفيله الاثير " الهائمون ". ويشارك في المسابقة 11 فيلما، من لبنان ( فيلم " يوم كامل " لحجيج جورجي) واليابان وايران والتشيلي وتايوان وتركيا وغيرها من دول القارات الثلاث.. وتتوزع دورة المهرجان الجديدة الحالية "27 " علي عدة محاور تشمل مسابقة للافلام التسجيلية، ومحور خاص بالسينما البرازيلية في فترة الخمسينيات، ومحور للتعريف بالسينما في ساحل العاج، ومحور لتكريم استوديو " كاتي " في الصين، الذي تخصص في صنع الافلام الموسيقية وافلام السيف، ويعرض المهرجان بعض روائعه السينمائية النادرة.وسوف نتوقف عند ابرز احداث وافلام المهرجان في عدد قادم. موقع "إيلاف" في 25 نوفمبر 2005 |