تفكيك تجربة كوليشوف الفلم المونتاجي بين الواقع وإعادة بنائه صباح مهدي الموسوي |
نظراََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََََ لابتعاد السينما الوثائقية عن الإيهام واقتصار تعاملها مع الواقع الحقيقي غير المتخيل قد جعل منها فنََََََََََََََََََََََََََََََََا صعبََََََََََََََََََََا. وتاريخ السينما ملئ بأسماء وأفلام تمثل كل أنواع السينما الوثائقية ومن بين أهم هذه الأنواع الفلم المونتاجي . الذي يعتمد على المادة الأرشيفية التي تعد وثائق تاريخية يلعب المونتاج الدور الأساسي في صياغة وبناء هذه الوثائق وفق رؤية فنية وفكرية جديدة. ويتمتع هذا النوع من الأفلام بدور بالغ الخطورة في تناوله للوثيقة التاريخية وفي التعبئة الجماهيرية والحرب النفسية والدعائية وإمكانية تسخير قدراته نحو تزييف وتشويه الحقائق في حالة سوء استخدامه كما يمكن أن يكون رافدا من روافد المعرفة الإنسانية في استلهام التاريخ والبحث عن الحقيقة التاريخية . ولكي نعطي صورة تكون وافية عن طبيعة وخصائص هذا النوع من الإنتاج لابد من التطرق بإيجاز عن البدايات الأولى. يرجع الفضل في اكتشاف إمكانيات الفلم المونتاجي إلى التجارب التي عملت خلال العشرين سنة الأولى بحثا عن وسائل تعبيرية خاصة بالفلم وبشكل خاص من البحث عن إمكانيات يتيحها المونتاج . وللرواد الروس أمثال كوليشوف و فيرتوف وايزنشتاين وبودوفكين الريادة في اكتشاف هذه الإمكانيات لفن المونتاج وبلورة و صياغة نظرياته . فقد كانوا من أكثر السينمائيين حماسة لفن المونتاج معتبرا بودوفكين إياه القوة التي تخلق الواقع السينمائي . وفي مكان آخر والحديث لبودوفكين أيضا. المونتاج هو اكتشاف للعلاقات بين ظواهر الحياة الواقعية. أن اهتمام الرواد الروس في تجاربهم المونتاجية قد أنصب حول المعنى والمضمون العاطفي المتغير للقطة من خلال علاقتها ضمن السياق الذي توضع فيه . ومن التجارب الشهيرة التي عرفت فيما بعد بمصطلح (تأثير كوليشوف) مع الممثل موسكوجين حيث قام كوليشوف بربط لقطة قريبة لوجه موسكوجين على التوالي مع لقطة لامرأة شابة ونعش ثم مع لقطة لإناء فيه حساء يتصاعد منه البخار وأخيرا مع لقطة لطفلة تلهو. وفي كل مرة يتغير المعنى حسب السياق ففي المرة الأولى يوحي لنا تعبير وجه موسكوجين بالألم وفي الثانية بالرغبة العميقة وأخيرا بالحنان والشعور الأبوي.. كوليشوف برهن من خلال تجاربه بأن تجاور لقطتين لا يساوي في مجموعهما المعنى والمضمون العاطفي التي تحملها هاتان اللقطتان. وإنما ينشأ معنى ومضمون عاطفي ثالث عند استقبال المشاهد لهما. بهذه الطريقة اكتشفت الحقيقة التي تؤكد بأن كل لقطة تمتلك معنى مستقل بذاتها بغض النظر عن السياق الذي هي فيه والأجواء التي صورت فيها. فأن كل لقطة يمكن فصلها عن سياقها وتوظيفها في سياق آخر جديد يسمح بإمكانية خلق واقع سينمائي جديد مبني من لقطات لا تمتلك مع بعضها علاقة سابقة بل تكتسب معنى جديدا بفضل حسن الاختيار والتوظيف الجيد الذي توضع فيه. وهذه الخصوصية للسينما في قدرتها على تجزئة المكان وسيطرتها على الزمان وإعادة صياغتها بشكل يختلف عن الزمان والمكان الحقيقيين(وهذا بأقل خصائصها الشيطانية) قد منحها إياه المونتاج. فالزمن الموضوعي للحدث يوجد داخل اللقطة الواحدة فقط بءاأ من تشغيل الكاميرا حتى إيقافها. فكل عملية ربط بين لقطة و أخرى تحول الزمن الموضوعي الى زمن ذاتي. المشاهد الذي يجلس في صالة العرض لم يفقد تماما إحساسه بالزمن وبالأخص إحساسه بزمن بعض الأحداث التي صادفها أو عايشها فهذه التجربة تكون بدرجة ما مقياس معرفته.ففي كل مشهد نكثف الزمن وبطرق مختلفة . ولكن لا يمكن أن نعمل ذلك دون مقدمات أو ايحاءات معينه . فليس من المعقول أن تظهر البطلة في لقطة تسحب فيها مكنسة للتنظيف وبحركة واحدة تعود وتطفئ المكنسة. فالمشاهد يشعر بان ما يعرض إمامه شئ غير معقول وغير صادق . فكل شئ له زمن في الواقع يجب أن يقابله زمن معين على الشاشة . وكل شئ يعمل على مراحل يجب أن تظهر بعض هذه المراحل ليس كلها ولكن المهمة منها. والشيء نفسه للمكان في السينما .فانه يتأثر إلى حد كبير بعملية المونتاج فمن تجميع لقطات مختلفة يمكن بناء مكان سينمائي جديد لا وجود له في الواقع. وهذا ما فعله كوليشوف في تجربته المتعلقة بالمكان السينمائي فقد قام بتوليف لقطات لا رابط مكاني بينهما على النحو التالي . 1.منظر رجل يسير من الشمال إلى اليمين 2.منظر امرأة تسير من اليمين إلى الشمال 3.يتلاقى الرجل بالمرأة و يتصافحان ثم يشير الرجل إلى.......... 4.بناء ابيض ضخم له سلم خارجي عريض 5.يصعد الإثنان السلم فالمنظر الأول اخذ في موسكو. و المنظر الثاني صور في مكان ما في المدينة و المنظر الثالث مكان أخر و المنظر الرابع مقتطع من احد الأفلام الأمريكية للبيت الأبيض. والمنظر الخامس يمثل سلالم كاتدرائية سانت سافيور استطاع كوليشوف أن يحسن اختيار وتوظيف هذه اللقطات ضمن سياق متسلسل ليخلق لنا مكانا لا وجود له على الخريطة الأرضية. ومع ذالك استقبل المشهد من قــــبل المشاهدين وكأنه حدث واحد مستمر. موقع "ألف ياء" في 28 نوفمبر 2005 |
الخطاب الفني والظاهرة الاخراجية عباس خلف علي هم قليلون الذين يحظون بشهرة عالمية كالتي حظي بها المخرج العالمي الراحل -مصطفى العقاد- في فلميه (الرسالة وعمر المختار) اللذين حققا حضوراً فاعلاً على الصعيد الشعبي والفني على حد سواء وشكلا طفرة نوعية في ترتيب تجربته السينمائية، اذ عدتهماالكثير من الأوساط السينمائية نموذجاً لرسالة الفنان الخالد الذي يعبر عن روح وأصالة الأمة في وجودها وكيانها وقيمها وأفكارها. إذ شكل هذان الفلمان نقطة انطلاق في رؤية التحول العصرية أزاء موضوعات الحس التأريخي والوعي التأريخي وتحليل قيمهما ومادتهما وافساح المجال لهما بالتقولب مع الشكل والمضمون بغية التحرر من هيمنة الواقع التأريخي المنتج لها. وكما أكد في مناسبات عدة: ان رؤيتي السنمائية تتعلق بسؤال الحاضر القاتم الذي يتطلب منا الافلات من ربقته الخانقة واللجوء الى التحليل واعادة قراءة التأريخ والمجتمع بحثا عن خطاب جديد. ولذا كانت تشكل هذه الرؤية قوة لفلسفته الفنية التي تحاول ان تعيد ترتيب المحدد والرئيس لدلالة الحكاية التأريخية وتحويلها او تحريكها داخل منظومة التطور الفكري السينمائي الذي يرى في النص القديم مولدا يفرض على الفن ان يجد له شكله المناسب. وبهذا المنطق او الأسلوب سعى مصطفى العقاد الى ترسيخ تجربته وتكريس مفهومه في تشكيل خطابه الفني المتميز في معالجات الواقع التأريخي. ومن دون أن تبهره حضارة الغرب وعلى وجه الخصوص مؤسسات هوليوود العملاقة بامكانياتها التقنية والتكنلوجية التي اسهمت في صنع خبرته الفنية وذائقته السينمائية ليجد ان اصالته لن تتحقق ولا يمكن لها ان تنفرد الا من خلال مفهوم خاص يستقل عن تأثيرالسينما النمطية والواقع الاستهلاكي لها. فنرى في فيلم -الرسالة- لم ينظر الى الاسلام كدين وعقيدة في سياق الحركة والظهور التأريخي واينما كان ينظر الى المسألة من زاوية نشوء حضارة تقوم على تحول جذري في حياة وأوضاع البداوة والوثنية التي كان يغرق بها المجتمع العربي. وهنا حري بنا أن نسأل: إذا كانت النسخة العربية في الفيلم تحمل بعضا من معطيات هذا الفهم في تجليات الخطاب المعرفي للموضوع، فماذا أراد أن يحقق في النسخة الانكليزية؟ مما لا شك فيه، ان النظرة السلبية عند الغرب تتحدد كما يذهب (روتر) الى أن الاسلام والمسلمين جميعاً يتسمون أصلاً بالعنف والعدوانية وبذلك فهم يمثلون تهديداً للحضارة الغربية، وهذا بالطبع غير خاف عن انظار القارئ العربي الذي وجد من قبل مثل هذا الانحراف والتطرف مأخوذا من فرضية العدو الوهمي التي شكلت على مراحل تأريخية متفرقة الكثير من الاحابيل والاباطيل المزعومة والموهومة ومن ثم تمتد في سياق المخاوف الغربية لتضاعفها نظرية هنتنكتون في صدام الحضارات كي يتبلور داخل المتخيل الغربي بأسقاط اوهامه على علاقته بالأسلام.. وخصوصا مفهوم الجهاد، فالغرب لا يفهم معنى الجهاد وقصور هذا الفهم خلق منطقا استعماريا جديدا كما يعتقد السويدي -انكمار كارلسون- في التعامل السلبي تجاه المفاهيم الاسلامية الراقية التي لا تسوغ أي منطق لشكوك الغرب، ولكن ظلت هذه الصورة تشكل عنصر التهديد الوهمي لاغراض ايديولوجية في المقام الاول كما أشار الى ذلك المفكر الفنرسي غارودي. موقع "ألف ياء" في 28 نوفمبر 2005 |