المخرج السوري محمد ملص لـ " الأحداث المغربية ": تخلف المنتجين هو السبب في تردي السينما العربية أحمد الدافري |
لم يكن من المفاجئ أن يتقاسم فيلمه " باب المقام " جائزة لجنة التحكيم مع الفيلم الكندي " أ.ح.م.ق " خلال الدورة الأخيرة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش ، فقد كان رأي المخرج الفرنسي جون جاك أنو رئيس لجنة التحكيم صريحا وواضحا في أحكامه : لقد أنصتنا إلى لغة قلوبنا . و " باب المقام " للمخرج السوري محمد ملص هو أحد الأفلام التي تخاطب القلب والعواطف و الوجدان ، و التي تجعل باب الإبداع السينمائي مشرعا أمام الهم العربي الذي يشكل التطرف و التخلف أحد أسئلته الطاغية. حول مشاركة محمد ملص في مهرجان مراكش ، التقينا به و كان لنا معه الحوار التالي : › فيلم " باب المقام " ، فيلم قوي، استطاع أن يضع يده على جرح غائر في وجدان الوطن العربي ، هو جرح التزمت و التطرف و محاربة كل شيء جميل يقوم على قيم الفن العشق و الإبداع ، و ما قصة الفيلم إلا مبرر للوصول إلى تلك الصرخة الدالة الموحية التي أطلقها ذاك الفتى المسجون تحت سلم العمارة حين صاح :" إنهم يقتلون الأغنية." و بذلك يكون اغتيال " إيمان " هو اغتيال للغناء و الجمال و الفن. كيف أتتك فكرة هذا الفيلم؟ ›› أولا أنا أوافقك على هذا التقديم الذي قدمت به الفيلم ، لأنه من سوء الحظ ، يبدو أن الرسالة لم تصل بهذا الوضوح إلى بعض الذين كتبوا عن الفيلم في بعض الصحف المغربية حين اعتبروا بأن الفيلم يقوم على جريمة شرف. الفكرة جاءتني بالصدفة حين قرأت خبرا في صحيفة يقول بأن امرأة تحب أغاني أم كلثوم تعرضت لجريمة قتل من طرف أهلها ظنا منهم أن حبها للغناء يدل على أنها عاشقة . هذا الخبر الذي يبدو للوهلة الأولى أنه أشبه بجريمة شرف قائمة على الظن، لفت نظري بقوة كبيرة، فشعرت و كأني أصرخ: " يا إلهي ، ما هذا العنف الأعمى العشوائي الذي ينمو بقوة في المجتمع السوري ؟ " . و حين بدأت أفكر في هذه الجريمة كمصدر للعنف داخل المجتمع السوري ، تحول الخبر إلى مشروع فيلم ، و بدأت أفكر في كيفية صوغ تصور يستند إلى هذه الجريمة ، لكنه يعبر بشكل أوسع عن المجتمع في سوريا اليوم و ما آل إليه بعد سنوات طويلة. و قد تطورت الفكرة بالفعل ، و كتبت السيناريو على النحو الذي شاهدتم به الفيلم. › لكن أحمد عطية شاركك في كتابة السيناريو. كيف تم التعاون بينكما؟ ›› السيد أحمد بهاء الدين عطية هو منتج الفيلم ، و تربطني به علاقة صداقة و علاقة عمل منذ سنوات طويلة ، و هو لم يكن في البداية طرفا في إنتاج هذا المشروع ، لكن في اللحظة التي شعرت فيها أن إمكانيات الإنتاج المتوفرة لدي لا يمكنها أن تغطي كل متطلبات الفيلم ، قررت أن أتصل به و عرضت عليه االمشروع ، فقرأ السيناريو وأحبه . لكن الإنتاج في فرنسا كانت لديه بعض الملاحظات حول السيناريو ، فطلبت من أحمد بهاء الدين عطية أن يُكيّف هذه الملاحظات ضمن اتفاق مُضمر، على أن أصور الفيلم وفق السيناريو الذي كتبته في الأساس ، و كانت هناك ضرورة لمساهمة جزئية من أحمد بهاء الدين عطية في السيناريو نظرا لاحتياجنا إلى أن تكون المشاركة الفرنكوفونية في الفيلم حاضرة ، وكانت النقاشات التي جرت بيننا مفيدة سواء في مرحلة كتابة السيناريو أو في مرحلة التصوير. › هناك طرف أجنبي في الإنتاج يتمثل في فابيان سرفان شرايبر . ›› فابيان سرفان شرايبر هي أول من طرحتُ عليها فكرة الفيلم و قُُدمت لها السيناريو ، لكن نظرا لاحتياجي إلى التصوير في فترة أقل ، كانت الإمكانيات الإنتاجية ضيقة ، فالتجأت إلى المنتج التونسي أحمد بهاء الدين عطية. › أليس من شأن علاقة الإنتاج هذه التي تربط المبدع العربي بالآخر، و التي تترتب عنها عمليات تكييف أفكار وفق منظور غربي ، أن تؤدي بالمبدع العربي إلى تقديم تنازلات، و العمل وفق ما يريده الآخر. ›› بصراحة ، لا يمكن لما قلته أن يحصل معي أنا شخصيا. فأنا مخرج معروف و اخترت لنفسي أن أكون مخرجا مؤلفا أهتم بالموضوعات التي تعنيني و تعني بلدي ، و هي الموضوعات التي إما أن أجد لها منتجا أو أن لا أجد، دون أن أخضع للشروط أو أقبل باالتغيير و التعدي. و تجربتي في فيلم " باب الليل " ثم في فيلم " باب المقام " تثبت على أني دائما حققت الفيلم الذي أريد أنا و ليس الفيلم الذي يريده الآخرون . لا شك أن الإنتاج السينمائي الحِرفي ـ و فابيان سرفان شرايبر هي منتجة كبيرة و مهمة في فرنسا ـ يمكن أن تكون لديه ملاحظات لها علاقة بالحرفة و بالسينما في حد ذاتها ، و ليس بالمحتوى أو بالمعنى . قد تكون هناك ملاحظات ، لكن " باب المقام " حققته كما أردت و ليس كما أراده أحد آخر. › أربعة أفلام في المسار الإبداعي للمخرج محمد ملص ، هي " أحلام المدينة " و"باب الليل " و " البحث عن عايدة " و أخيرا " باب المقام " أنجزتها خلال عشرين سنة ، من 1984 إلى الآن ، أي بمعدل فيلم واحد كل خمس سنوات. ماذا كان ينقصك لإخراج عدد أكثر من الأفلام ؟ ›› أولا أنا بدأت العمل في السينما منذ سنة 1974. صحيح أنني لم أنجز فيلمي الأول " أحلام المدينة " إلا بعد 11 سنة من تخرجي واحترافي للعمل السينمائي ، لكن يمكنني أن اقول بأنني أمارس العمل السينمائي منذ 30 سنة . وبالفعل، يمكن أني لم أستطع إنجاز سوى عدد قليل من الأفلام الروائية الطويلة طوال هذه المدة ، لكن كانت دائما هناك محاولات دؤوبة من قِبلي لإنجاز أفلام تلفزية و أخرى وثائقية ، قصيرة أو متوسطة الطول ، أوأفلام روائية قصيرة . أنا أوافقك الرأي بأن إنتاجي قليل بالمقارنة مع عدد السنوات التي مضت ، و هذا يعود أساسا إلى مشكل الإنتاج و ليس إلى أي مشكل آخر . فقد خضعت في الفترة الأولى من حياتي المهنية إلى العمل في إنتاجات تابعة للمؤسسة العامة للسينما ، و هي المؤسسة الحكومية التي تشرف على القطاع السينمائي العام ، والتي لم تتمكن منذ 30 سنة من تطوير إنتاجاتها إلى أكثر من فيلم واحد في العام . فالإنتاج في سوريا قليل ، والإمكانيات الإنتاجية ضعيفة ، و دائما أواجه مشكلة في العثور على المساهمات الإنتاجية ، و لدي مشاريع كثيرة في محفظتي الشخصية قد لا أحتاج إلى خمس سنوات لإنجاز مشروع واحد منها ، منها مشروعان جاهزان لا يحتاجان إلا إلى فرصة سانحة للخروج إلى حيز الوجود. › إذا استثنينا السينما المصرية خلال الفترة الذهبية ، قليلة هي الأفلام العربية التي تثير اهتمام الجمهور العربي . هل في نظرك ، يتعلق الأمر بأزمة جمهور أم بأزمة إبداع ؟ ›› أنا أعتبر أن الجمهور مظلوم على أكثر من صعيد . ففي السياسة مثلا ، تجد أن الكثير من القضايا يُقال بأن الجمهور موافق عليها في حين أنه مختلف معها على الإطلاق ، و كذلك الشأن في السينما . ليس الجمهور هو المسؤول عن حالة التردي التي تعيشها السينما العربية أو عن تعطل و توقف الكثير من السينمائيين العرب في مصر و غيرها عن العمل. فالمشكل في الإنتاج و في المنتجين وفي تلك الروح الجشعة التي لا تطمح سوى إلى تحقيق الربح السريع و اللعب على الحاجات الدنيئة . فالمنتجون السينمائيون في الوطن العربي ليسوا أصحاب مشاريع ثقافية و لا أصحاب قضايا فكرية و لا أصحاب لغة و مفهوم جاد للسينما ، بل هو مجرد أناس متخلفين فاقدي الوعي والهم الوطني و الثقافي لمجتمعاتهم. › هل لك نية في توزيع فيلم " باب المقام " في بعض البلدان العربية أو الغربية؟ ›› سبق لفابيان أن قدمت الفيلم في صالات العرض الفرنسية قبل فترة قصيرة ، و هناك رغبة و محاولات لتوزيع الفيلم في أكثر من بلد. و المشكل الأساس بالنسبة لنا هو التوزيع في العالم العربي حيث لا نعرف إلى حد الآن كيف يمكننا تكسير نمط التوزيع السائد في المنطقة العربية . الأحداث المغربية في 27 نوفمبر 2005 |
محمد ملص: السينمائيون العرب في عطالة! اعتبر المخرج السوري محمد ملص علي هامش عرض فيلمه باب المقام في مهرجان مراكش الدولي للفيلم أن أغلب المخرجين السينمائيين العرب في وضعية عطالة بسبب غياب وسائل الاشتغال اللازمة وضيق مساحة الحريات التي يراها عناصر ضرورية للإبداع في مجال الفن السابع. وقال ملص في ندوة صحافية ان فيلمه باب المقام الذي يعرض لأول مرة ممنوع في بلده سورية، وأوضح أن باب المقام منع أيضا تصويره في سورية مما دفعه للانتقال الي فرنسا حيث لقي ترحيبا من لدن المنتجين الفرنسيين، مؤكدا أن ظروف العمل هناك كانت جيدة وتستجيب لطموحات كل مخرج عربي يسعي لإخراج إبداعه الي النور ويجنبه صدمة الرفوف. واستعرض ملص تجربته مع السينمائيين الفرنسيين واصفا إياها بالمثمرة والمفيدة بفضل ما فتحت له من إمكانيات مهمة من خلال إنجاز فليمين مطولين. ويحكي فيلم باب المقام قصة فتاة تدعي إيمان تحب عائلتها وتحب أيضا الموسيقي التي تشكل كل حياتها مما جعلها لا تتوقف عن ترديد أغانٍ لأم كلثوم، قمة الفن الغنائي العربي، التي تطرب كل أفراد العائلة، إلا أنها تصطدم بواقع مزر كونها امرأة في مجتمع ذكوري حيث لا يمكنها أن تحظي بالاحترام ولا يمكنها أن تحب أو تختار ما تحبه نفسها وتستجيب له أحاسيسها.. فتقرر عائلتها قتلها بعد أن حكم عليها المجتمع بأنها لا تصلح للعيش بدون شرف . وقد اعتبر جانب من الجمهور، خاصة السينمائيين، أن موضوع الفيلم جيد إلا أنه يعكس لمسة قاتمة وحزينة ويجسد واقعا لا يخرج عن اللونين الأبيض والأسود ولا يترك مجالا لتواجد اللونين معا في مكان واحد وإنسان واحد . وبالنسبة لوكالة الانباء المغربية فإن محمد ملص (1945 بالقنيطرة) يعد علامة من العلامات المهمة في السينما العربية، ويمكن أن يقارب من حيث التجربة والرؤية السينمائية مع المخرجين المصريين داود عبد السيد وخيري بشارة والسيد سعيد. وتخرج ملص من دار المعلمين وعمل بالتدريس بين 1965 و1968، وسافر عام 1974 الي موسكو ودرس السينما والاتصالات ثم عاد الي سورية ليعمل في إخراج أفلام وثائقية للتلفزيون. ومن أهم الأعمال الوثائقية التي أخرجها فيلم المنام المصور في المخيمات الفلسطينية عام 1980 وفيلم كل شيء علي ما يرام سيدي الضابط الذي يتناول قضية المعتقلين السياسيين. وأخرج ملص سنة 1984 أول أفلامه الروائية أحلام مدينة الذي فاز بجائزة التانيت الذهبي في مهرجان قرطاج السينمائي والسعفة الذهبية في مهرجان فالنسيا. وقدم ملص خلال مسيرته السينمائية التي بدأت منذ ربع القرن الكثير من الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية والتليفزيونية، منها علي الخصوص حلم مدينة صغيرة ، و اليوم السابع ، و كل شيء علي ما يرام سيدي الضابط ، الذي تناول فيه تجربة السجن السياسي. ومن أفلامه التي تجمع ما بين الروائية والوثائقية فيلم المنام ، ويدور حول منامات فلسطينيي المخيمات في بيروت، هؤلاء الذين وثقوا لمناماتهم في هذا الفيلم قبل شهور فقط من مذابح صبرا وشاتيلا ، والتي ذُبح وقُتل فيها أغلب الوجوه التي ظهرت بالفيلم. وحقق محمد ملص الذي فاز بإحدي عشرة جائزة من مهرجانات دولية مختلفة، فيلمه الروائي الطويل الثاني الليل ، ونال عنه أيضا الكثير من الجوائز، أهمها كانت جائزة التانيت الذهبي لمهرجان قرطاج 1992. وصنف النقاد محمد ملص ضمن فئة سينما المؤلف ، حيث يبدو فيلمه وكأنه جزء من نفسه وامتداد لوجدانه، يمتح من أعماق ذاكرة تعج بالرؤي تؤرقها عذابات العصر. كما أن ملص الذي يسعي دائما الي التجديد اللغوي، يعتبر السينما بيته وضالته التي يكسر فيها غربته عن الواقع المحيط به ووسيلته في التعبير عن العالم الذي يفتقده عالم العدالة والحرية . القدس العربي في 15 نوفمبر 2005 |