اختتام أعمال منتدى "أشغال داخلية 3" الفيديو كوسيط مشترك بين الفنون والعمل الفني كرحلة خلف الحدود والتعريفات الجاهزة ريما المسمار |
يُختتم اليوم منتدى "أشغال داخلية 3" الذي نظمته الجمعية اللبنانية للفنون التشكيلية "أشكال ألوان" على مدى ثمانية أيام في مسرح المدينة بين 17 و25 تشرين الثاني الجاري. ومعه ينفض عقد المهرجانات والتظاهرات المحلية خلا مهرجان السينما الاوروبية الذي يطلق اليوم عروضه في سينما امبير صوفيل ويمتد حتى الرابع من كانون الاول/ديسمبر المقبل. *** سنتان مرتا على المنتدى الثاني للجمعية منذ تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2003. كان مقرراً ان يلتئم المنتدى الثالث في الشهر عينه من العام التالي ولكنه تأجل الى نيسان 2005. ثم حالت الأسباب التي أعقبت الرابع العشر من شباط دون انعقاده. هل هو غياب السنتين الذي أعاده بزخم أكبر مختزناً جهداً مضاعفاً ومكثفاً؟ أم هو المناخ المديني العام الذي يلون بيروت منذ بعض الوقت؟ في قرارة النفوس ثمة رغبة عارمة في الاعتقاد بأن المدينة "المنبعثة" هي السبب وثمة رغبة أيضاً في تثبيت الآمال في بيروت منفتحة حاضنة. الواقع ان كلا المدينة والمنتدى ينفذان واحدهما الى الآخر، يتداخلان، يتشابكان من دون ان يتماهيا. لقد سبق المنتدى غير نشاط ومهرجان وتظاهرة. وإذا أردنا ان نكون منصفين نقول انها تشكل مجتمعة وجوه المدينة الكثيرة والمتبدلة. مازال المنتدى يشكل حالة خاصة عصية على التصنيف، تقوم على الارتقاء من مستوى الإحتواء المحايد للعمل الفني الى مستوى الاختيار والتأسيس لتوجه ما من خلالها. أعمال ليست جديدة بالمعنى الحرفي للكلمة ولكنها لم تدخل بعد سياقاً ملموساً وربما ذلك أجمل ما فيها. انها أعمال يؤسس المنتدى لتثبيتها في المشهد الثقافي اللبناني منذ انطلاقته، أعمال فنية تذهب الى تخوم الحدود والتعريفات الجاهزة لتطل الى ما خلفها، فتصيب أحياناً وتخيب أحياناً أخرى. يختبر المسرح غيابه ("من يخاف التمثيل؟" لربيع مروة) ويقف على حافة "فن الأداء" وتتجاوز المحاضرة ("أشعر بحاجة ماسة الى لقاء الجموع مرة أخرى" لوليد رعد) الالقاء الى أداء بصري يشوبه التركيب الحكائي وتذهب الافلام الى تجريبية مفتوحة... لعل الملاحظ في هذه التركيبة تعاقب الأسماء نفسها على المنتدى مع إضافات جديدة قليلة في كل عام بما يطرح السؤال: هل ثمة مجموعة محددة هي فقط القادرة على نشر تلك الفنون وتقنياتها غير السائدة عندنا؟ سؤال يحتاج من منظمي المنتدى جرأة إضافية فوق الجرأة الكبرى التي يختارون بها الاعمال للمغامرة مع أسماء جديدة غير مطروحة سلفاً. تدعونا أنشطة المنتدى الى اكتشاف ما هو خلفها وبعدها. فها هنا، لا تجدي قراءة المكتوب من عنوانه . فلا العناوين تختصر اعمالها ولا مشاهدتها او سماعها هو السبيل الى حقيقة ما متكاملة. النقاش مغاير عما تثيره مناسبات اخرى، تحاول استدراج احكاماً نهائية. البحث سمة اساسية للمنتدى و"عبء" ضروري على المتابع، متخذاً اشكالاً عدة في السؤال تارةً والنقاش تارةً اخرى وفي الاستخلاص احياناً، استخلاص التجارب واستشفاف نقاط تقاطعها بين اصحاب الاعمال المقدمة. ذلك هو التوجه الذي يسعى المنتدى اليه اي خلق سياق عام له، يقوم على تقديم اعمال مختلفة، ترتقي بالنقاش من المضمون الى الشكل وتلازمهما، ومن الجيد الى الجديد ومن الاستلهام الى التجريب. ففي صميم هذا التجمع وخلف حشد اعماله محاولة لقراءة مختلفة للأمكنة وما تسمية "أشغال داخلية" الا إشارة الى المكان الذي تطلع منه تلك الاعمال، من الداخل الذي هو إشارة الى المكان، أعمال لا تشبه الا أصحابها. الفيديو احتل الفيديو مساحة كبرى في برنامج المنتدى هدا العام. وهي مساحة تشي بتنامي قدرات هذا الوسيط لصانعيه وبتواؤمه مع هذا العصر. يكاد لا يخلو نشاط في المنتدى، سواء أعرض أم محاضرة ام ندوة، من شاشة مثبتة في إحدى زوايا المسرح، تبث صوراً ثابتة ومتحركة أو تنقل خيالات وظلالاً في ما هو تأكيد على أهمية الصورة كوسيلة ايضاح او شرح او تعميق، ترافق وسائط التعبير الأخرى. اللافت هو التزام المنتدى تسمية "فيديو". الاشارة هنا لا تقتصر على نوع الوسيط (كاميرا الفيديو) ولكنها تتسع لتشمل طريقة التعبير نفسها، انطلاقاً من ان "فن الفيديو" او فيديوآرت آخذ في الترسخ أكثر على الرغم من انطلاقته التي جاوزت ربع قرن في العالم. بعض الافلام المعروض في المنتدى خارج على الفيديوآرت ولكن التزام التسمية يشير الى اعتمادها للتعبير عن أعمال لا تخضع لشروط الفيلم التقليدي سواءٌ أبتعبيرها او مقاربتها او شكلها او حتى بمناقضتها المجرى العام الملتصق بموضوعاتها (مثل "دوار شاتيلا" لماهر ابي سمرا). ولكن الفيديو هو ايضاً صورة متحركة في جوهره وليس حضوره القوي في المنتدى سوى "انصياع" لتيار الصورة الجارف الذي ولج القرن الحادي والعشرين متقدماً كل وسائط التعبير بدون استثناء. ولكن بدلاً من الإنصياع لأشكال التعبير السائدة، يختار المنتدى ان يكون مساحة لمحاولات التجديد والاكتشاف من خلال وسيط متاح. بيروتالقاهرةاسطنبول يطالعنا فؤاد الخوري في عمله الفيلمي الثاني بعد "رسائل الى فرانسين" (عُرض في الدورة الفائتة للمنتدى) برؤية معاصرة جداً لبيروت في "بيروت ترحب بكم". ولكنه لا يدعي رؤية كاملة او نهائية للمدينة. انها زاوية نظر، تتناسل منها صور وحكايات، يختلط فيها الخاص بالعام على نحو مثير للاهتمام. هي نظرة معاصرة ولكن لا علاقة لها باليوم تحديداً ولا تخضع لتواريخ من نوع بيروت قبل كذا او بعد كذا.. لكأن ما يستعرضه الخوري هي واحدة من طبقات المدينة الكامنة على مستوى اليومي المعيش بما يجعلها غير مرئية لكثرة ما هي حاضرة وعادية. يختار المخرج المصور الفوتوغرافي في الأصل السيارة وسيلة للانتقال في بيروت في إشارة ربما الى استحالة المشي فيها. ما يقدمه الفيلم هو مشهد ثابت لإحدى المستديرات المزدحمة خلال نهار كامل ومشهد آخر متحرك داخل سيارة، يرصد الطريق وحديث ثلاث بنات لا نرى وجوههن. كأن المستديرة هي نقطة البداية والنهاية التي تنطلق منها السيارة وتعود اليها. وهي، اي المستديرة، تختزل بصرياً سلوك الناس وأحاسيسهم. سيارات تسير على حافة الاصطدام وأخرى تخرج عن مسارها بدون سابق انذار وتخترق صفاً آخر. مشهد يحمل الكثير من الجنون والسخرية والمغامرة والاندفاع. في السيارة التي تحمل ثلاث شابات او ربما أربعاً، تتعدد الموضوعات بين العائلة والحب والمدينة والوطن والتلفزيون والاعلانات وعمليات التجميل... أحاديث تدور بوتيرة سريعة وتقفز من موضوع الى آخر بسرعة البرق لكأنها تجاري سرعة الصور الفائضة والكلام الفائض الآتي من كل صوب. أفليس الموقع الوسطي هو الأكثر تلقياً؟ وثمة خط ثالث للفيلم يتابع صاحب دكان صغير في تعليقه على الاوضاع السياسية بما هي ربما الاشارة الوحيدة الى زمن الفيلم. لعله لهذا السبب تكشف الكاميرا عن وجهه بينما تخفي وجوه المتحدثات في السيارة. في شريط فؤاد الخوري المختلف تماماً عن فيلمه الاول حيث كان شريط الفيديو حاوياً للصورة الفوتوغرافية وللرسائل الالكترونية والمكتوبة، التقاط دقيق لنبض المدينة ولذلك التسطيح الغالب على وجوهها الاجتماعية والسياسية والثقافية. تسطيح يشتد وقعه في اللوحات الاعلانية المنتشرة وشاشات التلفزة لكأن المكان أضحى شاشة كبرى تستقبل الوافد من الصور وتخفي وراءها الخصوصية والفردية. لا يبتعد شريط هالة القوصي "حكايات على الهامش" من "بيروت ترحب بكم". هو ايضاً رحلة في سيارة (ميكروباص) انما داخل القاهرة. تلك المدينة الهائلة التي يخنق حجمها وازدحامها الهوامش ويقصيانهم أبعد. الفيلم برمته كناية عن دوامة الحياة التي تحيا المخرجة فيها. صور ومشاهد من الطفولة والحياة اليومية محكومة بالتقاليد والتابوات لا تنفك تشوش افكارها، فتستعيدها صوراً ومشاهد ممسرحة مبالغة التعبير او شريطاً صوتياً، ينتحل صوت الراوية فيه شخصيات المجتمع الابوي النافذة (الاب، الزوج) وضحاياه (الام، الزوجة) الباحثات بدورهن عن ضحاياهن. عرض صاخب، يولف بين الأضداد في جمع مستحال متنافر الا على حساب الفرد والتميز والفردية. من إنتاج "أشكال ألوان"، عرض رائد ياسين تجربته الثانية "بطولة هند رستم". لا شك في ان العنوان سيظل نقطة تساؤل خلال مشاهدة الفيلم، لكأن المشاهد سيستغرق في بحث عن معناه او عن الاسم المذكور فيه، اي هند رستم، بين ثنايا الفيلم. غير انه سيكتشف بعد بعض الوقت ان العنوان وهند رستم كما هي تفاصيل كثيرة، كلها في الواقع اسيرة مخيلة المخرج التي أفضت الى الفيلم. ليست مخيلة بقدر ما هي ذاكرة مشوشة، مجزأة في مكان ما وباهتة في آخر وممحوة في زاوية ما. من تلك الصور متفاوتة الدقة والوضوح، يدوّن المخرج عملاً يتخذ من الصوت مادته الاولية بينما يواظب على صورة شبه ثابتة: سيدة مسنة تراها الكاميرا من بين شقي باب الشرفة جالسة على كنبة مواجهة للتلفزيون. لا نرى الأخير ولكن اقتراح المشهد يوحي به هناك في زاوية ما. الأصوات هي صورة الذاكرة التي يستدعيها ياسين في فيلمه. أغنيات رائجة من الثمانينات، مقدمات مسلسلات تلفزيونية، أغنية المقدمة الشهيرة لسلسلة الرسوم المتحركة "غرندايزر"، مقاطع من نشرات إخبارية من تلك المرحلة، موسيقى الفواصل الاعلانية ونشرات الاخبار الاذاعية، مقتطفات من تصريحات سياسية... عمارة صوتية متكاملة لأحد فصول الحرب اللبنانية، يختاره المخرج بحسب ما علق منه في ذاكرته. تبدو تلك الاصوات كأنها صادرة من الشقة التي ترقبها كاميرا المخرج ولا تنفك تقترب منها شيئاً فشيئاً حتى تصبح جزءاً من المكان. وهي بذلك توحي انها عين متلصصة. ربما هي عين المخرج عندما كان طفلاً في ذلك الوقت وربما ذلك البيت هو المطل الذي كانت نافذته تشرف عليه. وهو بمزجه بين أصوات ذات دلالات واضحة الى زمان ولى وصورة غير مؤرخة انما يخلق ذلك التضاد او العبث بين ما هو مرئي وما هو مسموع فيتحول الأخير مسلسلاً من الصور الصاخبة، تطغى على الصورة الثابتة. تتسع الاخيرة أحياناً لتضم رجلاً آخر او لتجمع بتقنية الصورة المنقسمة امرأتين كل على شرفتها. ولكن الصور بتعاقبها البطيء وعلى قلتها تبقى متمحورة حول تفاصيل كالشرفة والسيدة المسنة لكأنهما صورتان من ذلك الزمن... تنقلنا سينتيا مادانسكي في شريطها "في التفاني" الى اسطنبول لترسم رحلتها فيها بين غرف الفنادق. رحلة في المكان تقتصر على صور الامكنة بما يقترب بعض الشيء من تجربة الخوري. والمكان هنا هو اكتناز لحيوات اناس تعاقبوا عليه وتركوا فيه شيئاً منهم، من ذاكراتهم من فوح أجسادهم من خيباتهم. ومن ثراء المكان الصغير الذي يتثمل بغرفة فندق، تخرج الكاميرا الى المكان الأكبر، المدينة التركية العاجزة عن صهر ذلك المزيج من الشرق والغرب في بوتقة كينونتها وهويتها. شاتيلا والبيت اكتسب شريطا أكرم الزعتري وماهر ابي سمرا، "في هذا البيت" و"دوار شاتيلا" تباعاً، بعداً آخر بعرضهما في إطار المنتدى على الرغم من انهما قُدما قبل نحو ثلاثة أشهر في مهرجان "نما في بيروت" (نُشرت مقالة نقدية عن الفيلمين في إطار المهرجان بتاريخ 26 آب 2005). على الرغم من خصوصية كل من التجربتين وانتماء الثانية الى تجربة مخرجها الزعتري، يتشارك الفيلمان بحثهما في "المكان" بما هو وعاءلتجارب انسانية متراكمة ولأزمان متراصة كامنة فيه. يتابع الزعتري في شريطه هذا بحثه الميداني الذي كرسه في فيلمه السابق "اليوم". فكل عمل لديه يبدأ من رحلة بحث عن شيء او عن شخصية. وفي كل رحلة، يتداخل البحث الشخصي بالتاريخي والجغرافي والفني بما هي جميعها عناصر مكوّنة لبيئة المخرج. مرة ثانية، يختار المخرج ان يزور مكاناً ذا ماضٍ اذا صح التعبير. انه المكان الذي كشف له صديقه "علي"، أحد عناصر المقاومة اللبنانية، انه دفن فيه رسالة لأصحاب البيت الذي اتخذه ورفاقه مركزاً لتنفيذ عمليات ضد الجيش الاسرائيلي في الجهة المقابلة منتصف الثمانينات. في قرية عين المير الجنوبية، استقر "علي" ورفاقه لست سنوات محولين منزل "ابو شربل" مركزاً لهم. وعندما أُعلنت نهاية الحرب ونُفذ قرار سحب السلاح، غادرت المجموعة المنزل بعد ان كتب "علي" رسالة لاهله يشرح فيها اسباب اقامتهم فيه ووضعها في غلاف قنبلة ودفنها في الحديقة الخلفية. بعد مرور احد عشر عاماً، يقرر صاحب الفيلم الذهاب الى المكان وحفر الحديقة للعثور على الرسالة. يستكمل المخرج اسلوبه في المزج بين الفيديو والصورة الفوتوغرافية ووسائل التكنولوجيا الأخرى في وعاء هو الفيلم للتأكيد مرة اخرى على ان الفيلم هو الوسيط القادر على احتواء كل تلك القنوات. ويستعيد من "اليوم" فكرة التدوين في اوقات الحروب وتبدل المفردات مع مرور الوقت وما يخلفه ذلك من أثر في السلوك الانساني. اما ابي سمرا، فيصوغ عملاً يقوم على الظاهر والباطن، بدءآً بالعنوان، "دوار شاتيلا"، بمعنيه الحسي والمجازي حيث ان الدوار يتوسط الاطراف والنزاعات والاطماع. انه كأي دوّار مفتوح من جوانبه كافة على المكان وهو مرجع للإستدلال والانطلاق. ولكنه مشهد مضلِّل ايضاً لأنه يشكل مقدمة سياسية ساخرة صلبة لفيلم يرسم لاحقاً مساره وايقاعه الخاصين وذلك أجمل ما في الموضوع. "يخدعنا" اذاً ماهر ابي سمرا ويدفعنا من خلال افتتاحية فيلمه الى توقع عمل تقليدي عن اللاجئين الفلسطينيين في مخيم شهد تاريخاً دموياً عنيفاً. ولكنه في المقابل يطالعنا بعمل لا يقوم على افكار جاهزة وزوايا نظر مستقيمة مباشرة، بل بفيلم يبني رؤيته شيئاً فشيئاً وينقّب في الأزقة والوجوه عن تفاصيل لم تُحكَ ولم تستهلكها الكاميرات. ليس "دوار شاتيلا" فيلماً صادماً. انها الوجوه عينها والأزقة نفسها والحيطان المرشوشة بنوبات فنية معبرة عن سخط او فرح او مجون التي نعرفها من افلام وريبورتاجات. ولكن كاميرا ابي سمرا "تصفي" ذلك المزيج التقليدي السائد من البشر والحجر والقضية. هناك في ذلك المكان المحدد بكيلومتر طولاً وستمئة متر عرضاً تفاصيل حياتية يومية عادية. لعل التحدي في التعاطي مع الموضوع الفلسطيني يكمن اليوم في مقاربته من دون اية أحكام او اوصاف مسبقة. انها القدرة على التخلص من رواسب الصور العالقة وانتظار ما يمكن ان يولده فيك مكان وبشر استُهلِكوا. يغيب الكلام "الكبير" عن القضية الفلسطينية وعن العودة ولكنه يحضر في المكان. ذلك المكان الذي يكتنز ذاكرة، تعبّر عن نفسها مع كل التفاتة للكاميرا. سورا والذاكرة المفتوحة لأي سبب اختير فيلم وثائقي في برنامج العروض يعود انتاجه الى العام 1996؟ بهذا السؤال ربما قد يدخل المشاهد صالة العرض التي ضمت مخرج الفيلم عمر اميرالاي والكاتب والصحافي عباس بيضون على المنصة بعيد انتهاء العرض لشريط حمل اسم "في يوم من ايام العنف العادي، مات صديقي ميشال سورا". الفيلم الذي أنجزه اميرالاي عن صديقه الباحث الاجتماعي الفرنسي الجذور المشرقي الهوى بعد عشر سنوات على اختطافه من قبل "الجهاد الاسلامي" في بيروت وإعلان موته بمرض اليرقان، عُرض في منتدى "أشغال داخلية" قبل أيام من الذكرى العشرين لوفاة سورا التي تصادف في العام 2006 وشكل مناسبة لمطالبة المخرج العلنية برفاة سورا. وجد ذلك صداه بين بعض الجمهور الذي اقترح احد افراده القيام بمسيرة الى بعبدا في الحال او توقيع عريضة واعتبار سورا "المفقود المشترك" بحسب بيضون ورمزاً للمخطوف اللبناني بحسب احد الحاضرين. في مطالعته التي تناولت الفيلم، لفت بيضون الى انه ليس فيلماً وثائقياً تقليدياً بل هو أقرب الى مرثية شعرية. ويحمله الى ذلك الاعتقاد غياب التوثيق والمعلومات على الرغم من قيام الفيلم على شهادات أصدقاء مقربين لسورا وزوجته وأحد رفاقه في الأسر. علل بيضون ذلك بالقول انه اسلوب المخرج في إبقاء الجرح مفتوحاً والتجربة حاضرة ضد النسيان وضد ان يطويها الزمن. قدم بيضون قراءة مطولة للفيلم دفعت بأميرالاي في نهايتها الى اعتبارها، اي القراءة، تفوق أهمية الفيلم مشيراً الى ان تحليل بيضون سمح له باكتشاف الفيلم من جديد. والواقع ان فيلم اميرالاي يحمل نبرة فنية عالية تقوم على التضحية بالمعروف والسائد والمغري (كاختيار الاسلوب التحقيقي مثلاً) لحساب مفردات تخلق عالم سورا وتجسده على الشاشة. ولكنه ليس ذلك فقط لأن التقشف هو اسلوب اميرالاي الذي يبقي على الضروري في افلامه، فقط ما يكفي لقول ما يريد قوله. مقاربة قيّمة من بيضون أثرت الامسية في غياب النقاش المثير من طرف الجمهور حيث تركزت الاسئلة حول تقنيات الفيلم والسؤال عن الفاعلين وسواها من التفاصيل الحسية. المستقبل اللبنانية في 25 نوفمبر 2005 |
مهرجان السينما الأوروبية الثاني عشر افتُتح أمس مجدداً لقاءه السنوي بجمهوره المهاجرون في الأفلام الأوروبية ولبنان الحرب من السبعينات والثمانينات ريما المسمار بعد اثنتي عشرة سنة على انطلاقته، استطاع مهرجان السينما الاوروبية الذي افتتح أمس دورته الثانية عشرة في قصر الاونيسكو وتنطلق عروضه اليوم في سينما امبيرصوفيل، استطاع ان يفرز جمهوره الخاص حتى أصبح لقاءً سنوياً لعشاق السينما وهواتها وبات يُحمَّل أعباءً تفوق ربما قدراته. لقد اتسع المهرجان خلف تصورات منظميه وقدراتهم. فالمهرجان هو نشاط يقوم به الاتحاد الاوروبي في البلدان كافة التي تتواجد بعثاته فيها وهدفه منه الترويج للسينما الاوروبية. وفوق ذلك، لا يملك الاتحاد او اللجنة المنظمة للمهرجان داخله ان تفرض اختياراتها، مكتفية باقتراح عناوين افلام على سفارات البلدان الاعضاء في الاتحاد، ليكون القرار الاخير للسفارة بحسب قدراتها على استحصال نسخة من هذا الفيلم او ذاك تكون متوفرة للعرض في ظل اعطاء الاولوية للمهرجانات السينمائية الكبيرة او لدور العرض في السوق العالمية. ولعل هذا ما يفسر جزئياً وجود أفلام في هذه الدورة يعود انتاج بعضها الى العام 2000، إذ ثمة التزام بترويج نتاج السينما الاوروبية بما يفرض عرض افلام من كل الدول الاوروبية بصرف النظر عن تاريخ انتاجها. تسعى ادارة المهرجان الى عرض الانتاجات الحديثة بالدرجة الاولى وأفلام الشباب بالدرجة الثانية. بالطبع، بات وضع المهرجان في بيروت يختلف عنه في بلدان اخرى وبات يتطلب جهداً اكبر وسعياً اجد الى اختيار الافلام لان هناك جمهوراً كبيراً، ينتظر المهرجان سنوياً وجديده. ولكن مرة اخرى، كما تؤكد بشرى شاهين المسؤولة الاعلامية في المهرجان، كل ذلك يتم في إطار صلاحيات محددة وموازنة صغرى. لذلك مثلاً، تُعرض الافلام بترجمة انكليزية او فرنسية في غياب الموازنة الضرورية لترجمتها الى العربية كما هو متوقع ربما من مهرجان يتوجه الى جمهور عربي. لا يقلل ذلك البتة من اهمية التظاهرة او من الجهود خلفها ولكنه يؤكد ان مساعي المهرجان الى تحقيق سمعة طيبة لم تكن استثنائية او غير مسبوقة وبرغم ذلك حققت نتائج غير مسبوقة. كيف اذاً يمكن تحديد معالم اختلافه وتفوقه على غيره من المهرجانات المقامة في بيروت ؟ الثقة خلال سنواته الفائتة، اقام مهرجان السينما الاوروبية علاقة ثقة بالجمهور بدون ادعاء تقديمه الافضل. فأصبح خارج المقارنة والمنافسة، بل ربما استأثر بالمنافسة، لأنه حدد منذ البداية امكاناته. كان كافياً بالنسبة الى كثيرين ان يقدم المهرجان في كل من دوراته فيلماً مضمون الجودة أكان "راقصة في الظلام" ام "عازفة البيانو" ام "تكسير الامواج" ام "احتفال" ام "غرفة الابن"... والباقي يكتشفه بنفسه. لقد جعل المهرجان من دون سابق تصميم المتفرج جزءاً من نسيجه، مقدماً له ما بوسعه ليشاهد ويحكم ويقرر بنفسه بدون فرض او ايعاز. ولكنه اهم من ذلك، لامس حاجات الجمهور المعاصر المنفتح على النتاج السينمائي العالمي وعلى اخباره. ولعل ذلك اصبح اكثر وضوحاً في السنوات الاخيرة، مع الثورات التقنية الحديثة، التي سمحت بتعميم السينما كهواية مشتركة. ومن نتائجها الظاهرة ان ازداد الاهتمام العام بتظاهرات سينمائية غير جماهيرية. لقد حاكى المهرجان بقصد او بدون قصد اهتمامات الجمهور المتغيرة خلال سنواته المنصرمة. وذلك الاحساس بأن المهرجان يقدم فرصة نادرة لمشاهدة فيلم ما بات محركاً اساسياً للجمهور. ليس مستغرباً بهذا المعنى ان يعتمد بعضهم جنسية الفيلم مقياساً لاختيار ما يشاهده. كم مرة سيُتاح لجمهور السينما ان يشاهد مثلاً فيلماً يونانياً او دانماركياً خارج المهرجان؟ النسبة تكاد تكون صفراً. وهذا ما يجعل المشاهد لا يفقد ثقته بالمهرجان وان لم يعجبه الفيلم. بالطبع يختلف ذلك تماماً في مهرجان يعتمد المنافسة والاختيار، حيث ان الوقوع على افلام دون المستوى في مهرجان قام بعملية اختيار مسبقة على اساس الجودة سيؤدي حتماً الى انعدام الثقة شيئاً فشيئاً ليس في المهرجان ككل ولكن في قدرته على تحريض المشاهد على الاكتشاف. بهذا المعنى، لا يعرض الجمهور تماماً عن المهرجان ولكنه يعتمد الاسس المضمونة لمشاهدة الافلام كسمعتها العالمية وعدد الجوائز التي فازت بها. لعل ذلك يفسر بعضاً من حيرة موظف شباك التذاكر ازاء الاقبال الكثيف لجمهور على فيلم غير معروف، يعتبره هو لا يساوي شيئاً امام "الافلام الضخمة" التي تعرضها السينما في العادة، اي الافلام الهوليوودية. اضاف المهرجان في دورته العاشرة قبل ثلاثة اعوام الى العناصر الجاذبة عنواناً جديداً هو الافلام اللبنانية. وتلك خطوة يمكن ان تندرج في اطار ما وصفناه سابقاً بتحسس الجمهور ومقاربة اهتماماته وهو ما تفعله مهرجانات كبرى على نطاق اوسع. وتزامنت خطوة المهرجان بعرض افلام لبنانية قديمة مرممة وجديدة بالتعاون مع مؤسسة سينما لبنان مع الاحساس العام بعودة السينما اللبنانية، إذ شهدت السنوات الاخيرة عروض افلام لبنانية في مهرجانات عالمية ("طيارة من ورق" لرنده الشهال في مهرجان البندقية حيث فاز بالاسد الفضة عام 2003 و"أرض مجهولة" لغسان سلهب في مهرجان كان 2002) وفي الصالات المحلية مثل "زنار النار" لبهيج حجيج و"لما حكيت مريم" لأسد فولادكار وسواهما. خلال ايامه المقبلة، يقدم المهرجان عروضاً لافلام لبنانية انتجت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي أبرزها "بيروت اللقاء" لبرهان علوية و"لبنان رغم كل شيء" للراحل اندريه جدعون. كلا الفيلمين يقدم نظرة الى بيروت الحرب. وعلى الرغم من العروض التي حازها شريط علوية مؤخراً. الا انه في إطار المهرجان سيحظى بعرض سينمائي وستكون فرصة للجمهور لمشاهدته بنسخة مرممة. في إطار مختلف، تُعرض افلام خفيفة مثل "غيتار الحب" لمحمد سلمان مع جورجينا رزق بما يقدم عينة عن الانتاج السينمائي اللبناني التجاري الغنائي في السبعينات. الايام الاولى تفاوتت دورات المهرجان منذ نشأته ويمكن اعتبار دوراته الثلاث الاخيرة ميالة الى الاكتشاف اكثر منها الى ابهار العناوين الكبيرة. على ان البرنامج هذا العام لا يخلو من الاخيرة تماماً إذ ان عدداً كبيراً من الافلام عُرض في مهرجانات كبرى مثل برلين والبندقية ولوكارنو وكان من دون ان يفوز بالضرورة بجوائز. كما ان موضوع المهاجرين يخيم على عدد من أفلامه وقد افتتح أحدها المهرجان أمس في عنوان "ياسمين". الشريط البريطاني يتناول حكاية شابة مسلمة في المملكة المتحدة، تناضل لاخراج زوجها المهاجر الباكستاني من السجن بعد 11 ايلول. في الاطار عينه، يقدم الشريط السويدي Wings of Glass حكاية فتاة سويدية متمردة من اصل ايراني وعلاقتها بشاب سويدي عكس ارادة والدها. تتكثف العروض خلال الايام الثلاثة الاولى التي تتزامن مع عطلة نهاية الاسبوع وتجري في صالتين في الوقت عينه. عروض اليوم الثلاثة في الخامسة والنصف والثامنة والعاشرة والنصف يُضاف اليها عرض في الثالثة بعد ظهر يومي السبت والاحد وفي الحادية والنصف قبل الظهر يوم الاحد. من افلام الايام الثلاثة المقبلة: البلجيكي L'enfant Endormi للمغربية ياسمين قصاري عن إمرأة حامل في انتظار زوجها الذي تركها غداة زفافهما بحثاً عن عمل؛ التشيكي Horem Padem عن مهربين لاجئين يعثران على طفل في الشهرين من عمره في سيارة؛ القبرصي Bar عن قصة تدور في الوقت نفسها في قبرص والاوروغواي حيث تبحث "ليا" عن شقيقها المفقود؛ الالماني Solino عن قصة أخوين ايطاليين عاشا في ايطاليا الى ان يفرقهما حب امرأة؛ الالماني Crazy عن ولد معوق وتجربته الحياتية؛ الدانماركي Unge Andersen عن لقاء بين شاب حساس ومدير مدرسته القاسي سيغير حياة الاول؛ الاسباني Roma عن رجل يستعيد حياته الماضية من خلال طباعته مذكرات كاتب مشهور؛ اليوناني Matia Apo Nichta عن ثلاثة أشخاص تجمعهم الوحدة والتهميش والضعف؛ الفرنسي Quand la Mer Monte حول ايرين التي تقع في حب شاب غريب خلال عرضها المسرحي؛ الفرنسي la Moustache عن رجل يقرر حلق شاربه بعد عشر سنوات ليُفاجأ بأن أحداً لن يلاحظ؛ الهنغاري Bolondok Eneke عن طبيب فرنسي من اصل مجري في منظمة أطباء بلا حدود ينهار ويدخل عالم المرضى؛ الايطالي Il Posto Dell'anima عن قضية اقفال مصنع في قرية يهدد بتشريد عنالها؛ الهولندي In Oranje عن لاعب كرة شاب وعلاقته بوالده المدرب؛ الهولندي Simon عن صداقة غير عادية بين تاجر حشيش ومثلي الجنس "كاميل" الخجول؛ البولندي Zmruz Oczy عن فتاة تهرب من والديها وتلجأ الى معلمها القديم لاسترجاع القيم المفقودة؛ النمسوي Welcome Home عن لاجئين اوقفوا عند الحدود النمسوية؛ البريطاني Dead Men's Shoes عن جندي يعود الى بلدته لينتقم من تجار المخدرات الذين عاملوا اخاه المختل عقلياً بعنف قبل سنوات. المستقبل اللبنانية في 25 نوفمبر 2005 |