الفضائيات العربية تحرير العقل أم تسليع الجسد القاهرة - ابراهيم فرغلي |
لا توجد دراسة احصائية توضح عدد الساعات التي يقضيها المواطن العربي أمام شاشات التليفزيون بعد الزيادة الرهيبة في عدد القنوات الفضائية، لكن هناك الكثير من الدراسات التي حاولت استقصاء تأثير البث الفضائي على المواطن العربي، والتغيرات التي حدثت في سياسات هذه الفضائيات وتأثير ذلك كله على المواطن أو المشاهد· ومن هذه الدراسات مجموعة أبحاث ومقالات وحوارات نشرت في صحيفة الكترونية متخصصة في دراسة تأثيرات البث الفضائي وصدرت أخيرا في كتاب بعنوان ''حروب ثقافية''· تتنوع مادة هذا الكتاب بين المقال والبحث والحوار، وتتراوح اهتماماته بين أغاني الفيديو كليب كظاهرة جديدة، وتنافس الفضائيات الاخبارية العربية ودورها في نشر الافكار الليبرالية والديمقراطية خاصة بعد ظهور قناة ''الحرة'' بوصفها قناة موجهة اميركيا، وتهتم هذه الدراسات بظواهر الدعاة الجدد ودورهم في تغيير الصورة النمطية للدعاة· وشاركت في نشر الكتاب عدة جهات اكاديمية مع الجامعة الاميركية بالقاهرة، وساهم في تحرير المادة د· جلال امين ووالتر ارمبرست وعبدالله شلايفر من الجامعة الاميركية· من الافكار الاساسية التي يناقشها الكتاب فكرة صناعة النجم من خلال الفضائيات وهي فكرة تناقشها بروك كومر مع التركيز على حالة الفنانة روبي التي تجري معها مقابلة حول الموضوع· تعطي المحررة فكرة عامة عن ''روبي'' والجدل المثار حولها وتمردها على عائلتها التي كانت ترغب في ان تصبح طبيبة، بعملها كموديل ثم بمشاركتها في ادوار صغيرة في فيلم ''فيلم ثقافي'' ثم في فيلم ''سكوت هنصور'' مع يوسف شاهين قبل ان تبدأ مرحلة النجومية على يد المخرج شريف صبري· وعندما تسأل المحررة ''روبي'' عن السبب الذي لفت الانتباه إلى أول فيديو كليب لها قالت: انها ظهرت في الكليب وهي ترقص في الشارع مرتدية بدلة الرقص وهو ما اعتبره البعض حراما··· وشاهدوا الكليب لكي يتمكنوا من نقده، لكن الكثيرين شاهدوه لانهم يحبون الرقص· وعبرت عن عدم اكتراثها بأي نقد لأنها مقتنعة تماما بما تفعله· وسألتها بروك كومر: ما الذي يميز موسيقى أغنياتك عن الأغنيات الأخرى؟ فقالت روبي: انه ايقاع ''الباص'' الذي يعطيني هذا الميزة، وهو ما يتجاهله أغلب الموسيقيين العرب، لكنه مستخدم في موسيقى فًْقف الغربية ''تقصد استخدام الخط الموسيقي الذي يعتمد على ايقاع سريع ولكن بدون صخب، وهو ما يماثل مقام القرار في الموسيقى العربية، وموسيقى ''ًْق'' هي موسيقى ''إيقاع البلوز'' التي يتميز بها الأميركيون السود''· أما الآلة التي تفضل ان تعزفها فهي الهارمونيكا، ومطربتها المفضلة هي ''جنيفر لوبيز'' ونجمها المفضل ''آل باتشينو''· اتهام قديم ويطرح المحرر ''والتر ارمبراست'' سؤالا يجعل منه عنوانا لمقاله وهو ''ما الذي يمكن لسيد قطب ان يقوله''؟ وهو افتراض جدلي عن شخص عرف بآرائه الراديكالية المتشددة· ويرى ارمبراست من شواهد عديدة للكثير من الفيديو كليب المنتشر الآن ان أغلبها يركز على موضوع الجنس بشكل مباشر أو غير مباشر، ويعود إلى بداية القرن الماضي ويقارن ما ظهرت عليه بعض المنتجات الفنية الشبيهة التي اهتمت بالإثارة وقضية الجنس خاصة في القاهرة مثل مجلة كانت تصدر في العشرينيات باسم ''الفكاهة'' ومنها عدد صدر في عام 1926 حمل على غلافه رسما لفتى وفتاة يرقصان على يديهما، وتعليقا يقول: بعد تعب الأقدام من الرقص يرقصان على ايديهما!''، ثم يشير إلى عدد آخر من المجلات التي كانت تصدر آنذاك وعلى أغلفتها فتيات مثيرات، واحداها كانت تصور سيدة أجنبية صدرها عار تماما، والكثير من الصور والتعليقات المثيرة· ويرى المحرر ان الاتهام الذي يوجه الآن إلى مطربات الكليب بأنهن يقلدن الغرب كان نفس الاتهام الموجه لهذه المجلات بل ولنجمات السينما والمسلسلات الدرامية آنذاك لأنهن كلهن كن يظهرن بنفس مظهر النجمات في الغرب· ويرى ان نماذج الكليب في الألفية الجديدة لا تختلف كثيرا عن صور أغلفة مجلة ''الفكاهة'' في عشرينيات القرن الماضي· ويرصد تناقضا أساسيا لدى المتلقي العربي، فقد تعرف إلى عائلات عربية تتسم بالتحفظ في سلوكها الاجتماعي والميل للتدين، ومع ذلك فان السيدات في هذه العائلات لا يخفين اعجابهن التام بفنانة مثل ''نانسي عجرم'' رغم كونها نموذجا لفنانة متحررة· كما يرصد بعض اراء المثقفين الذين يرون في الفيديو كليب محاولة لتقمص الجماهير العربية لنموذج المستعمر الغربي، وهو ما يهدد الهوية العربية··· من وجهة نظر هؤلاء الكتاب وبينهم الشاعر الشاب تميم البرغوثي· كليبات برجوازية ويشير إلى ظاهرة المطرب البريطاني المسلم سامي يوسف الذي اشتهر بأغنية ''المعلم''، ويلاحظ ان هذه الأغنية التي تنتمي للانشاد الديني تقدم جنبا إلى جنب مع باقي ألوان الفيديو كليب لنجمات الأغنية العربية الآن مثل اليسا ونانسي عجرم وميسم نحاس، وان مجرد دخول الأغنية إلى ساحة الانتاج الفني يجعلها تخضع لنفس مقاييس الانتاج، ومنها اختيار أماكن التصوير ذات الطابع الحديث، وربما الأوروبي، ويدلل على ذلك بان مواقع تصوير الأغنيات في مصر على سبيل المثال تدور في محيط الأحياء الحديثة التي تأخذ اسماء أجنبية مثل ''بيفرلي هيلز'' أو ''الريف الأوروبي''، وأغنية سامي يوسف لم تكن استثناء من ذلك، فمواقع التصوير تنتمي للأماكن التي تنتمي لها الطبقة البرجوازية في مصر، ويقوم البطل ''المطرب في هذه الحالة'' بارتياد هذه الأماكن لتصويرها بوصفها طبيعة من خلق الله، وينتهي الكليب بلقطة لعلامة كوكاكولا التجارية! ويعلق المحرر على ذلك بقوله ان الفيديو كليب رغم حداثته وبساطته فإن تأثيره أعمق بكثير، وان روافده الاساسية لها جذور عميقة وتاريخية وليست حدثا مستمدا من سياق الواقع الاجتماعي الراهن فقط وانه ظاهرة تحتاج الى الكثير من الاهتمام والدراسة في المستقبل· ''الحرة'' وأميركا وتجري ''لينوساي وايز'' حوارا موسعا مع موفق حرب نائب مدير قناة ''الحرة'' حول دور القناة الدعائي للنظام الأميركي في ضوء انها تعمل وفقا لميزانية تبلغ 62 مليون دولار رصدتها الولايات المتحدة لهذا الغرض· ويرى موفق حرب ان ''الحرة'' لا تقوم بأي دور دعائي لأميركا لانها على العكس أصبحت منبرا تنتقد فيه الولايات المتحدة والنظام الأميركي بشكل حر، لكن الهدف الرئيسي هو اضفاء المزيد من قيم الليبرالية والديمقراطية وحرية التعبير والوصول بالأداء المهني لذروة الحرفية والموضوعية، ويرى ان ذلك يتحقق بدرجة كبيرة عبر ارتفاع معدل المشاهدة للقناة بشكل كبير وتراجع الانتقادات التي وجهت لها عند انشائها قبل نحو عام· وتعرض الكاتبة في مقال لاحق لبعض الآراء التي تنتقد أداء ''الحرة'' على مستوى انحسار شعبيتها مقارنة بقنوات اخبارية أخرى سواء في المنطقة العربية مثل ''الجزيرة'' أو حتى في الولايات المتحدة مثل قناة ''كََ''· وتفند مجموعة من الآراء المتحفظة حول دور القناة، لكنها تختتم دراستها بمقولة لموفق حرب يقول فيها: ان ''الحرة'' ليست الا جزءا من مكونات المشهد الاعلامي العربي، وليست دخيلة عليه لانها تقدم خدماتها وفقا لشروط المشاهد العربي، ويبدي دهشته من التوقف امام هذه القناة رغم ان الولايات المتحدة تبث ألوف القنوات في انحاء العالم· ويقول إذا كان حزب الله نفسه له قناة يبث منها مواد اعلامية فهل من الكثير على أكبر قوة في العالم ان تكون لها قناة اخبارية؟''! الجزيرة منافسة وتحظى قناة ''الجزيرة'' بعدد وافر من المقالات في هذا الكتاب سواء من حيث رصد دورها في تحريك الركود الاعلامي العربي وتحفيزه، أو من الجدل الواسع الذي تسببت فيه والانتقادات التي تعرضت لها من قبل بعض الشخصيات العامة والأنظمة العربية، ثم على مستوى دورها في المواجهة مع الولايات المتحدة نفسها وتأثير ذلك كله على الأمير القطري الذي تلقى الكثير من الملاحظات على أداء ''الجزيرة'' وهو ما أدى إلى شائعة بيع القناة قبل فترة أو بيع الجزء الأكبر من أسهمها بحيث تكون الإدارة تابعة لقطر، والتملك لصالح المساهمين، ولكن شلايفر يؤكد ان هذه الاقاويل لم تثبت صحتها، خاصة وان الدور الذي لعبته القناة في ابراز صورة قطر خلال السنوات الأخيرة أهم من أي انتقادات قد تتعرض لها· بل ان ''هاج ميلز'' في مقال مستقل له عن انطباعات العالم حول ''الجزيرة'' يرى انها الأقرب للمنافسة مع قنوات ومحطات اخبارية ذات سمعة دولية مثل ''بي·بي· سي'' وانها ببعض التطور في الاداء، قد تصبح بديلا أو منافسا قويا لـ بي بي سي، ليس في المنطقة العربية فقط، وإنما حتى في بعض دول منطقة الشرق الأوسط خاصة الدول الآسيوية الإسلامية وغيرها· العربية والموضوعية لكن عبدالله شلايفر يرصد في مقال آخر بذور وجود قناة اخبارية عربية فضائية من قناة ''ام· بي· سي'' التي أسست تقاليد جديدة للنشرة الاخبارية الشاملة والموسعة كجزء من مهام اعلامية عديدة اضطلعت بها، حتى ظهور ''الجزيرة'' التي سحبت البساط من تحت الجزء الاخباري الذي كانت تؤديه، ويرى ان هذا كان احد دوافع قيام المحطة بانشاء مشروع اخباري مستقل تجسد في قناة ''العربية'' ويلحق دراسته بحوار موسع مع عبد الرحمن الراشد مدير قناة ''العربية''· ويوضح الراشد بعض الأهداف الأساسية للقناة وأولوياتها في تقديم خدمة موضوعية تماما بمعنى مناقشة أي قضية من جميع أطرافها وبدون تشدد أو عصبية، ويؤكد ان هذا الأداء قد أثر في القنوات المنافسة· ويؤكد عبدالرحمن الراشد الدور الكبير الذي تلعبه الفضائيات الآن في تغيير المجتمع العربي وفي صناعة الرأي العام، ويضرب مثالا بتغطية الانتخابات العراقية قائلا انه بدون المنافسة فقد كان من الممكن أن تتم تغطية الخبر من وجهة نظر واحدة ''مع'' أو ''ضد''، لكن المنافسة تجعل الجميع يصبح موضوعيا ولذلك فان ''الجزيرة'' رغم معارضتها للانتخابات تحولت نبرتها المتشددة عن الموضوع مع استمرار المتابعة ورصد موضوعية العملية الانتخابية، وكذلك كان من الممكن ان يكون خبر اغتيال رفيق الحريري في حالة عدم المنافسة مجرد خبر عملية اغتيال مدبرة من قبل احدى الحركات الإسلامية، لكن التغطية الشاملة للموضوع تسبب في التحولات المدهشة التي يشهدها المجتمع اللبناني الذي ساهمت فضائياته في تغطية الحدث مع باقي المنافسين· الفضائيات والجماهير الغاضبة وفي مقال لمارك لينش صاحب كتاب ''التغيرات في الشرق الأوسط'' انطلاقا من دراسة لوضع العراق والدور الإعلامي للجزيرة، يقول ان هناك حالة من الحراك التي شهدها العالم العربي الآن بفضل دور الفضائيات، ويؤكد تأثير الفضائيات على جماهير العالم العربي وهو ما اثر في خروج المظاهرات في مصر بعد حشود اللبنانيين الذين خرجوا للشوارع على خلفية اغتيال الحريري، وان اللبنانيين استخدموا شعارات ''كفاية'' المصرية في مظاهراتهم وهكذا· لكنه يوضح ان الفضائيات لن يكون بإمكانها تحقيق الديمقراطية، كما قد يتصور البعض، ودورها الرئيسي هو خلق مناخ من الحوار بين الجمهور، وتوسيع إمكانات واحتمالات المشاركة السياسية وهذا ما ينبغي تعميقه· وهناك بعض المقالات الفردية التي تناولت بعض الظواهر التي لن يكون بالامكان استعراضها كلها في هذه المساحة ومنها مثلا متابعة الفضائيات وتطويرها خلال الأحداث الأخيرة في العراق، أو القاء الضوء على التحولات التي لحقت بالفضائيات المغربية خلال السنوات الأخيرة كانعكاس لبعض الأوضاع والتغيرات السياسية والاجتماعية، بالاضافة إلى الاشارة إلى تقلص الدور الرقابي الذي فرض طويلا على الكثير من الفضائيات العربية اما بمنع بث ارسالها أو بتعقب مراسليها واعاقتهم عن أداء مهامهم، أو غيرها من الوسائل التي يشير مجمل ما يرصده الكتاب من ظواهر إلى انحسارها تدريجيا في اطار مناخ عام يرغب في الحرية· الإتحاد الإماراتية في 25 نوفمبر 2005 |
الفنانون بين العبقرية والجنون القاهرة ـ أحمد الجندي: المجنون في اللغة من فقد عقله وطار صوابه··· وهذا بالتأكيد لا ينطبق على أهل الفن· فليس الجنون فنونا وليست الفنون جنونا كما يقال··· لكن الفنان يتسم عادة بسعة الخيال التي تمكنه من الإبداع، وهناك فنانون يحلو لهم أن يوصفوا بالجنون، ونجد لهم تقاليع وسلوكيات متعمدة لترسيخ هذا الوصف مثل الشعر الأشعث والملابس الرثة وإطلاق الكلمات بلا ضابط ولا رابط ولا كياسة، بالإضافة إلى ارتكاب بعض الخطايا على أساس أن هذه حياة الفنان المليئة بالمجون وعدم الانضباط· وهناك فنانون كثيرون في غاية الانضباط والالتزام والاعتدال السلوكي وهم مبدعون بحق وليسوا في حاجة إلى الانفلات السلوكي ليقال انهم فنانون· يقول الفنان أحمد راتب: هناك مبالغة كبيرة في كل ما يقال عن جنون الفنانين واطوارهم الغريبة لكن لا ننفي عنهم هذه الصفة فكل فن لابد له من الخيال غير المحدود· وهذا الخيال يسميه البعض جنونا· ويسميه الآخرون عبقرية وهناك نقاد وفنانون وجمهور يقولون عن المخرج العبقري انه ''مجنون'' وهذا مدح وليس ذما لأن هذا المخرج يتميز بالشظايا المتفجرة من العبقرية والابداع· ويضيف: واجهتني تهمة الجنون في طفولتي وصباي وشبابي وأطلقها عليّ أصدقائي لانهم كانوا يرون انني آتي بأفعال وتصرفات غريبة مثل ان أقلد اساتذتي بطريقة مبتكرة وأحيانا كنت اعتذر لهم واجلس فترات طويلة اتأمل أو ألوذ بالصمت أثناء جلسة مرحة وهذه التغيرات المتقلبة موجودة داخل كل فنان· وهناك من يرى انها جنون لكن الفنانين يرونها سلوكيات عفوية لا إرادية· المجانين مكانهم المستشفيات وتقول الفنانة ماجدة زكي: لم نسمع عن مجنون يقدم فنا وابداعا لان المجانين مكانهم مستشفيات الأمراض العقلية· لكن الفنان مختلف من خلال احاسيسه ومواهبه ورؤيته والبعض يرى هذا جنونا أو خروجا عن المألوف لكنها سلوكيات تميز الفنان وتكون لصيقة به فكل فنان له عالمه الذي يحبه وله طقوسه الخاصة وفي كثير من الاحيان أفكر بصوت عال عندما أكون بمفردي ومن يدخل عليّ الغرفة يظن انني اتحدث مع نفسي· كما اركز جيدا واتحدث مع نفسي عن الشخصية قبل لحظات من وقوفي أمام الكاميرا واحيانا تأتيني اضافات مفاجئة للشخصية التي اجسدها واشعر بانها ستقوي الدور وتزيد عمقه الدرامي وأكون في هذه اللحظات منفصلة عن الاخرين ومستغرقة في الشخصية واتصرف بطريقة تختلف عن شخصيتي الحقيقية ويفسر البعض ذلك بانه جنون رغم انه مزيد من التركيز في العمل والاستغراق فيه· ويقول الفنان محيي اسماعيل: جمهورنا لا يفرق كثيرا بين الفنان الممثل وشخصياته التي يجسدها وهذا الخلط يجعل الفنان عرضة للتصور الخاطئ ومنذ طفولتي وانا مغرم بالتمثيل ولم أر نفسي في مهنة أو عمل غير ان أكون ممثلا وكنت مجنونا بالادوار غير النمطية وتجذبني الأدوار المركبة ذات البعد النفسي والعقلي مثل التي كان يؤديها الفنان الراحل محمد توفيق وكنت اجسد في طفولتي وصباي ادوارا لأشخاص مصابين بالمرض العقلي والنفسي· وعندما احترفت التمثيل استمرت ميولي نحو هذه النوعية من الادوار ونجحت فيها لدرجة ان كل مخرج لديه شخصية مركبة مصابة بمرض نفسي أو عقلي يبحث عني· ومع توالي هذه الادوار في مشواري الفني بدأ الناس والكثير من الزملاء بالوسط الفني يقولون انني مجنون وغير طبيعي· ويضيف: كثيرا ما سمعت أشخاصا يصفونني بالجنون ولم اغضب ومن المؤكد ان كل فنان بداخله بعض الجنون الذي يؤكد اختلافه وهذا الجنون لدى الفنان يتمثل في عالمه الخاص الذي يحبه وذاته التي يعشقها فالفنانون أكثر الناس ذاتية وكل من يشاهد الفنان أثناء استغراقه في عالمه الخاص يظنه مجنونا· وقد يراني شخص أضحك فيظن انني اضحك بلا سبب ويقول انني مجنون لكن هناك سببا يجعلني اضحك وفي حالة البكاء اتأثر بحدث أو شخص معين لا يلفت نظر غيري فأبكي فيظن من معي انني مجنون· وهناك تقلبات الفنان المزاجية التي تجعل البعض يظنونه مجنونا· وقال: ذاتية الفنان جزء من شخصيته· وأي ممثل يشاهد عملا لزميل له يظن انه لو جسد هذه الشخصية لأداها بشكل أفضل رغم انه من الممكن ان يكون هذا التصور خاطئا وميلي إلى العزلة والتأمل وطقوسي الخاصة في التعامل مع فن التمثيل جعلت البعض يتصور ان هذا غرور كما ان حبي للفلسفة واستغراقي في هذا العالم وانعكاس هذه الفلسفة على سلوكي الشخصي يجعل البعض يراني مغرورا اضافة إلى صفة الجنون التي لا يزال الكثيرون يتهمونني بها· شحنة انفعالية وتقول الفنانة معالي زايد: هناك أشياء لدى الفنان تجعله يبدو للآخرين مجنونا أو غير طبيعي· والفنان بداخله شحنة من الاحاسيس والانفعالات المختلفة والمتداخلة الناجمة عن موهبته وسرعة تأثره· والممثل لكثرة واختلاف الشخصيات التي يؤديها يتعرض لتأثيرات على جهازه العصبي لدرجة تجعل البعض يشعر بانه غير متوازن فهو يبكي ويضحك ويتكلم مع نفسه وهو هادئ وعصبي وكل هذه التغيرات تحدث متقاربة وهذا ما يجعل الاخرين يشعرون بانه مجنون بل احيانا يشعر الفنان نفسه بأنه مجنون· وتضيف معالي: اثناء تصوير شخصية ''آمنة'' في مسلسل ''الدم والنار'' طلب مني المخرج سمير سيف قبل التصوير الا تبدو على ملامحي ابتسامة بل تظل ملامحي طوال التصوير قاسية وعنيفة وانسحب ذلك على حياتي اليومية ووجدت نفسي رغم ميلي الى المرح والضحك متجهمة دائما والذين اقتربوا مني خلال تلك الفترة كانوا يقولون انني مجنونة لانني احيانا كنت اتحدث بلهجة ''آمنة'' وتظهر على ملامحي نفس نظراتها الحادة القاسية والممثل الذي يتعايش مع ادواره يمر دائما بمثل هذه المواقف ومع تكرار الادوار نجد انفسنا اقرب الى الجنون اذا لم نكن مجانين بالفعل· ويقول الفنان عبدالعزيز مخيون: الفنان لديه قدر من الجنون لكنه جنون الموهبة والابداع وليس الجنون المرضي وبحكم موهبته ومهنته وما يتبعها من توترات عصبية ونفسية يكون بعيدا عن الحياة السوية الهادئة فهو دائما مضطرب وحساس ومشغول بأدواره وموهبته ومتأمل لكل ما يحدث حوله ويتعامل في كل الاتجاهات من خلال احاسيسه ووجدانه ويؤثر هذا في طبيعة تصرفاته فيبدو لمن يقتربون منه انه مجنون· وأضاف: اتهامي بالجنون من جانب البعض لم يغضبني لانهم قصدوا جنوني بالفن والموهبة وبمهنتي كممثل التي احترمها بصرف النظر عن العائد المادي منها والبعض اكد جنوني عندما كنت اعتذر عن ادوار سينمائية كانت تعرض عليّ لانني لم اكن اقتنع بها وفي نفس الوقت يجدونني اشارك بالتمثيل او الاخراج في عرض مسرحي صغير والمعادلة محسوبة وهي انني مجنون حقيقي بهذا الفن واقبل العمل الذي اجد نفسي فيه واحبه اكثر بصرف النظر عن العائد· وقال مخيون: أصعب مشكلة يواجهها الممثل في حياته هي حبه الشديد للشخصيات التي يجسدها وهذا الحب يجعله لا يستطيع التخلص منها وتصاحبه الى درجة الهوس وقد اوشكت ان اصاب بالجنون الفعلي اثناء تجسيدي لشخصية شاب متخلف عقليا في فيلم ''الحكم آخر الجلسة'' مع نور الشريف منذ عدة سنوات· الإتحاد الإماراتية في 25 نوفمبر 2005 |