الدراسات الثقافية وبناء الديموقراطية: من الطرق الصوفية إلي ريا وسكينة! [2] كتبت : ســامـي خشبــة |
مثل كتابات الكثيرين من المفكرين والصحفيين والمبدعين/ الأدباء العرب التي يقدمونها غالبا خارج المؤسسات الأكاديمية من الجامعات ومراكز البحوث المتخصصة.. تمثل نماذج مهمة للدراسات الثقافية التي أصبحت أحدث العلوم الاجتماعية المعترف بها في الغرب; وهو العلم الذي يجمع علوما اجتماعية وانسانية عديدة من ناحية; والذي يقدم ـ من ناحية أخري ـ الأسس المعرفية اللازمة للبرامج والخطط الرامية إلي التنمية ـ الاقتصادية والبشرية والعمرانية والسياسيةـ التي تضعها الدول من خلال الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة... ولعل النموذج الأشهر لهذا التفاعل بين المنتجات الفكرية لعلم الدراسات الثقافية وبين البرامج التنموية التنفيذية بمعناها العريض والشامل ـ هو نموذج التفاعل بين منتجات معهد لندن للدراسات الاقتصادية بقيادة الأستاذ أنتوني جيدينز, وبين البرنامج التحديثي الشامل لبريطانيا ـ والذي تبناه حزب العمال منذ أكثر من اثني عشر عاما; ولعل اللافت للنظر في هذا الشأن هو أن هذا التفاعل بين الانتاج الفكري العلمي, وبين التخطيط التنفيذي, يؤدي إلي تطور العمل ـ أو البحث ـ الفكري نفسه ـ في ضوء التطبيق الأمر الذي ينعكس بشكل أو بآخر علي التخطيط التنفيذي مرة أخري; ولعل أحداث الأسابيع الأخيرة في بريطانيا تشير إلي حقيقة ثانية مهمة هي أن الحزب المنافس الرئيسي في مجلس العموم( أي حزب المحافظين العتيد والتقليدي) لم يتأخر عن السعي للتفاعل مع هذا الانتاج الفكري المتطور للمدرسة العلمية ذاتها ـ تفاعلا بدا أنه أكثر عمقا مما استطاعه حزب العمال الذي دفعته رؤيته للضرورات العملية( ضرورات مكافحة موجة الاهاب الجديدة ـ غير الارهاب الأيرلندي التقليدي) إلي محاولة إستصدار قانون لا يتماشي مع حقائق ـ وقوانين ـ الثقافة السياسية البريطانية الليبرالية والاجتماعية التي سادت العقلية البريطانية منذ نهايات الحرب العالمية الأولي والتي أعاد اليها جيدينز الروح من جديد. أما عندنا, فان كتابات المفكرين التي يقدمونها خارج المؤسسات الأكاديمية; ويكتبونها وفق أسس منهجية أكثر تطورا بكثير من مناهج البحث والقواعد القديمة للفصل بين التخصصات المختلفة والتي ما تزال مؤسساتنا الأكاديمية تلزم نفسها بها ـ مقيدة بالفصل الاداري بين أقسام تخصصات: التاريخ والاجتماع والنفس والسياسة والاقتصاد واللغات( أو اللغويات) والأدب والثقافة الشعبية والإعلام وتاريخ الثقافات ـ أو الحضارات.. إلخ... أقول إنه عندنا, فان كتابات المفكرين المتحررة من هذه القيود, هي ما تمثل المقدمات الحقيقية لتطوير علم للدراسات الثقافية/ الاجتماعية الشاملة: علم خاص بنا فيكون قادرا علي تقديم الأسس المعرفية اللازمة لوضع البرامج التنموية الناجحة لتحقيق تقدمنا المنشود وإقامته علي قواعد واقعية, أصيلة وراسخة... وهنا لابد من توضيح أن علم الدراسات الثقافية هو مايكفل للعلوم الاجتماعية والانسانية المتداخلة في تكوينه الالتزام بما نسميه الخصوصية الثقافية للمجتمع/ الثقافة والذي يدرس هذا العلم حياته. نستطيع أن نضرب مثلا ـ بكتابات الأستاذ الدكتور يونان لبيب رزق التي يقدمها أسبوعيا في الأهرام منذ سنوات( وصدر منها حتي الآن نحو12 كتابا) بعنوان: الأهرام ديوان الحياة المعاصرة. ففي هذه الكتابات يبدو التداخل واضحا بين مختلف مجالات ممارسة الحياة في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر ـ الحياة السياسية, والاقتصادية والتعليمية والادارية; والفنية; والاجتماعية; والفكريةـ الأدبية والدينية والاحتفالية ـ رسميا وشعبيا; وبذلك يتجلي المجال الرئيسي لعلم الدراسات الثقافية وهو مجال ممارسة المجتمع لثقافته العادية.. وهذه هي الصفة التي استخدمتها الأستاذة كاترين دريسكول ـ من جامعة آديلايد الأسترالية: في مقالها عن الدراسات الثقافية في موسوعة ما بعد الحداثة الصادرة عن دار روتليدج أيضا عام2001. وتقول كاترين دريسكول إن الثقافة العادية, تعادل ممارسة المجتمع المعين لحياته اليومية في كل مجالاتها; وهي الممارسة التي تتقاطع ـ وتتفاعل في غمارها كل من الثقافة الشعبية ـ أو الثقافات الشعبية الموروثة والمستجدة والثقافة ـ أو الثقافات العلمية أو المنظمة أو تلك التي يجري تعلمها بأشكال رسمية, مختلفة, وهذه بدورها ثقافات موروثة أو مستجدة, رئيسية وفرعية; أصيلة ـ من إنتاج المجتمع نفسه; أو وافدة إليه من خارجه, علي أجنحة المهاجرين الوافدين أو العائدين أو علي أجنحة وسائل الاتصال الجماهيرية المتوسعة... ويمكننا ـ مثلا ـ أن نقارن بين ما ينقله الدكتور يونان عن الأهرام حول مشاركة مواكب الطرق الصوفية ـ وهم أصحاب أشهر الموالد في مصر ـ في احتفالات تنصيب الملك فؤاد, أو في حضوره احتفالا رسميا لافتتاح مؤسسة اقتصادية في بورسعيد; وبين ما يورده باحث أكاديمي في علم الانثروبولوجيا( وهو الدكتور فاروق أحمد مصطفي) عن مشاهداته الميدانية المعاصرة( في أعوام1977,76,75) في كتابة موالد أولياء مصر وقد صدر مؤخرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ وضم إلي جانب مشاهدات الباحث ـ تحليلاته العلمية عن التداخل بين احتفالات تلك الموالد مع جوانب من الحياة( أي ممارسة الثقافات السياسية والدينية والاجتماعية) مما يوضح دلالة ـ وعمق ـ التفاعل بين الثقافات الشعبية, وبين الثقافات العلمية الرسمية, الموروثة; والمستجدة... يمكن أن نقارن ما نقله المؤرخ المعاصر عن الصحفي القديم( في الأهرام) عن الأهمية السياسية للطرق الصوفية; بما لاحظه عالم الأنثروبولوجيا الذي يستعين بعلوم الأدب والثقافة الشعبية والتاريخ الاجتماعي عن دور اجتماعي ـ سياسي وفكري وترفيهي للطرق الصوفية نفسها( هل أدرك السفير الأمريكي هذه الأهمية فراح يحضر مولد السيد البدوي؟). وعلي الغرار نفسه, نستطيع أن نقارن بين ما جمعه الأستاذ صلاح عيسي (وهو دارس لعلم الأجتماع/ والتاريخ) في كتابه الممتع رجال ريا وسكينة عن التغطيات الصحفية للجريمة المشهورة في عشرينات القرن العشرين, وملابساتها وعلاقات شخصيات القضية ـ ومن ارتبطوا بهم وتكويناتهم النفسية والأخلاقية وأصولهم الاجتماعية والظروف الاقتصادية/ السياسية والثقافية التي أحاطت بهم وبأفعالهم.. نستطيع أن نقارن بين هذا التجميع التحليلي ـ لتلك الحادثة وملابساتها وناسها... وبين مما نقرأ عنه اليوم أو نعايشه ـ اليوم من حوادث ـ أو احداث مشابهة دون أن يقدم لنا أحد دراسة علمية تحيط بالملابسات والشخصيات وتكويناتهم وخلفياتهم وما أحاطت بهم من ظروف ـ ذاتية/ شخصية أو عامة واجتماعية ـ باستثناء ما قد يقدمه صحفي مجتهد من تحقيق أو تحليل ـ لا يصلح ـ علميا ـ إلا باعتباره من المواد الخام التي يمكن أن يستخدمها باحث مشغول بالأبعاد الثقافية للحالة اليومية للحادثة ومكوناتها, مثلما فعل صلاح عيسي في رجال ريا وسكينة..( وأحب أن أنبه القارئ إلي الفارق الشاسع بين ما سيحصل عليه من الكتاب; وبين ما يحصل ـ أو حصل عليه من المسلسل التليفزيوني الذي أخذه عن الكتاب الأستاذ مصطفي محرم).. تشير الأمثلة السابقة إلي أهمية ـ بل خطورة ـ دور علم الدراسات الثقافية في مساعدة الناس( بل في دفعهم) للمشاركة في نشاطات التحليل والتفسير والنقد لما يجري حولهم ـ علي المستوي الاجتماعي العام, ولكننا إذا ضربنا أمثلة تشيرإلي المستوي السياسي لبناء الديموقراطية, فان أمثلتنا ستكون أقل إثارة, ولكن أكثر أهمية بكثير.. الأهرام اليومي في 25 نوفمبر 2005 |
شاهدت لـــــــك أوبــريت حبيــب الــــروح عن حياة ليـلي مـــراد كتبت : آمــــــال بكيـــــــر في دورته الرابعة عشرة كان الافتتاح لمهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية بأوبريت حبيب الروح وفي التقليد الذي بدأه المهرجان منذ فترة بتخليد كبار فناني الموسيقي والغناء العربي بعرض سيرتهم من خلال عمل مسرحي يوضح حياتهم وفنهم وأيضا ما تعرضوا له من مشاكل وغيرها مما يقدم صورة للأجيال الحالية والأجيال الشابة عن هؤلاء الرواد الكبار. كان مهرجان هذا العام قد افتتح لياليه بدار الأوبرا المصرية بأوبريت حبيب الروح عن حياة الفنانة الكبيرة ليلي مراد. بداية أقول إن هذا الأوبريت هو أكثر الأعمال نجاحا بين كل ما قدمته إدارة المهرجان وربما يرجع السبب إلي أن الفنانة ليلي مراد تحفل أغانيها وحياتها بالعديد من الأعمال التي تصلح للعرض علي المسرح وبالذات أعمالها السينمائية التي شاركها فيها عدد ليس بالقليل من المطربين. وربما كان هذا هو السبب في أن الأوبريت كانت عناصر الفرجة فيه أكثر من معظم الأوبرينات الأخري التي قدمها المهرجان لكبار رواد موسيقانا وغنائنا العربي.
تعرض الأوبريت الذي كتب له السيناريو بهاء جاهين.. تعرض بعد ذلك لأعمالها السينمائية ومن خلال هذه الأعمال قدمت أكثر من لوحة غنائية لعل من أهمها أغنية حبيب الروح التي غنتها في فيلم مع زوجها أنور وجدي وقدمت هذه الأغنية علي خلفية إستعراضية بديعة شارك فيها علي خشبة مسرح دار الأوبرا فرقة الباليه المصرية التي كان لمشاركتها في العديد من أجزاء العمل الفضل في تلك الحيوية التي تمتع بها العمل. كان لدينا أيضا الجانب الكوميدي الطريف من خلال ما قدمته ليلي مراد مع عزيز عثمان واسماعيل ياسين ومحمود شكوكو من أغان يغلب عليها الطابع الخفيف الذي يذكره الجمهور بعد سنوات وسنوات من عرض هذا الفيلم. وفي ذات السياق كانت الأغنية الجميلة التي شاركها فيها ذلك الصوت الأجش الخشن ولكن الذي يحمل لونا بديعا وهو صوت الفنان الكبير الراحل نجيب الريحاني والذي أعتقد أيضا أن معظم الجماهير تذكر هذه الأغنية التي تبدأ بعض مقاطعها بـ علشانك إنتي أنكوي بالنار لترد ليلي مراد كلام جميل وكلام معقول وهكذا. المهم أن العمل شارك في نجاحه معظم العناصر التي عملت به بداية من الممثلين وأذكر منهم سميرة عبدالعزيز وأسامة عباس وأحمد راتب وأحمد ماهر وسامي عبدالحليم ومحمد الجبالي ومحمد كامل وفاروق نجيب وحسام فاروق وأركان فؤاد وعمر جاهين ووليد كمال وحسين فوزي وحلمي المليجي ثم محمد الشامي. الكل بأمانة كان في دوره ربما فيما عدا من قام بدور أنور وجدي لعدم لباقته شكلا وعدم التشابه المناسب من حيث الشبه بينما كان من أعلي الأصوات التي شاركت البطلة هو من قام بدور نجيب الريحاني وهو الفنان أحمد راتب. نأتي بعد ذلك للبطلة وهي المطربة أجفان خريجة معهد الموسيقي العربية وإحدي عضوات فرقة عبدالحليم نويره.. لقد كانت أجفان صوتا مناسبا تماما لدور ليلي مراد كما أنها قامت أيضا بدورها التمثيلي بصورة مقنعة إلي حد ما. فرقة الباليه المصرية أيضا كانت واحدة من عناصر نجاح حبيب الروح خاصة وقد أعدت لها أرمينيا كامل تصميما جيدا. أما الجانب الهام في هذا العمل فكان لفرقة عبدالحليم نويرة الموسيقية التي يقودها الفنان صلاح غباشي والتي وقع عليها عبء تقديم الموسيقي الخاصة بالأغاني حية بمعني أنها غير مسجلة لقد برزت الفرقة بالفعل في الصورة ليست الجيدة ولكن المتميزة. جيهان مرسي المخرجة كانت هنا في واحد من أهم وأعلي أعمالها ربما حصلت علي الخبرة من أعمال سابقة لم يحالفها الحظ في بعضها. جهد كبير إلي جانب أوبريت الافتتاح في هذا المهرجان الذي تقيمه دار الأوبرا المصرية منذ14 عاما وهنا نقدم التحية لرئيس الأوبرا د. عبدالمنعم كامل ورئيس المهرجان الذي يرعي كل ما من شأنه رفعه الأوبرا المصرية ثم د. رتيبة الحفني أمين عام المهرجان ويمكن أن نطلق عليها أيضا دينامو المهرجان. وإذا كانت الموسيقي العربية والغناء العربي يعانيا حاليا من ذلك الهبوط الذي ينتقص من قيمته الحقيقية من خلال العديد من الأصوات اللا أصوات والألحان المتشابهة. فإن هذا المهرجان ربما يكون تلك النقطة المضيئة في حياتنا الموسيقية والغنائية ودليل حي رائع لما نقوله دائما من أنه لا يصح إلا الصحيح بدليل ذلك الإقبال الذي يلقاه المهرجان بل هذا التهافت علي حضورة من جانب الجماهير. وتحية أيضا للأصوات العربية التي تساهم في مهرجان هذا العام أمثال لطفي بوشناق ومحمد عبده ومحمد العزبي وفؤاد زيادي وكريمة الصقلي والرائعة آمال ماهر مع مدحت صالح وهاني شاكر. أما بمناسبة الأوبريت فأري أنه يمكن إفساح أسبوع لعرضه بدار الأوبرا وسوف ينال إعجاب من لم يحالفهم الحظ في مشاهدته في الافتتاح. الأهرام اليومي في 25 نوفمبر 2005 |