جديد الموقع

كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما

 

 

التالي
السابق

كتبوا في السينما

سينما المقاومة في فلسطين

«الحس» للإيطالي فيسكونتي

يسري نصر الله: أفلامي بسيطة وشديدة الخصوصية

غودار: نحن أقرب إلى نقطة النهاية لأننا عاجزون عن الكلام

"لابابييس"... المهاجرون وصراع البقاء

سعيد أبو معلا**

يبدو أن اقتراب السينما من قضايا المجتمع يمنح تلك القضايا أعماقا جديدة، فينقلها من حيز الواقع إلى حيز الوجدان وكيفية إدراك هذا الواقع والتفاعل معه، ومن ثم فالسينما ليست مرآة عاكسة بقدر ما هي أداة للاكتشاف والقراءة، وإذا كانت الآداب على مختلف أنواعها تضفي على القضايا أبعادا وأعماقا متعددة؛ فإن السينما ترسخها في النفس بما يحمله العمل الفني من تجسيد شبه كامل لهذا الواقع.

والسينما تستطيع أن تقرأ وتتلمس بعض المشكلات، بل وتتنبأ بها، ومن ذلك ما جرى في فرنسا من اضطرابات قام بها المهمشون من المهاجرين في الضواحي القريبة من باريس، والتي بدا فيها واضحا حجم المعاناة الكبيرة التي يعيشونها وحجم الغضب المختزن في نفوسهم من التهميش والحرمان والتمييز، وكلها عناصر لمشكلة كبرى هي الفجوة بين خطاب الليبرالية والحريات المنتشر في الغرب، وبين ما يعيشه هؤلاء المهاجرون.

وفي هذا الإطار يأتي الفيلم الوثائقي الإسباني "الجانب الآخر.. الاقتراب من لابابييس" الذي يطرح سؤالا جوهريا ومركبا هو "ماذا يحل بالمهاجرين بعد هجرتهم من أوطانهم إلى ذلك الفردوس المنشود في الغرب؟"، يطرح الفيلم -الذي قدم باقتدار ومتانة ضمن ثالوث الماضي والحاضر والمستقبل- سلسلة من تساؤلات لا حصر لها، ويصعب الحصول على إجابات شافية وكاملة عليها، حتى بعد انتهاء عرض الشريط بدقائقه (111).

مجتمعات قاسية..

يثير مخرج الفيلم "باسل رمسيس" -مصري الأصل يعيش في إسبانيا- مجموعة من الأسئلة القديمة التي أصبحت ساخنة جدا هذه الأيام، كما يثير العلاقة الجدلية داخل المجتمع الإسباني وغيره، وحجم التناقضات الموجودة به، وقسوة الواقع الذي يعيشه المهاجرون في ذلك البلد الأوربي؛ وذلك على ألسنة أبطاله من شخصيات مهمشة في مكان هامشي بعيدين عن التأثير والأضواء.

و"لابابييس" منطقة تقع في قلب العاصمة الإسبانية مدريد، وفي نطاق لا يتجاوز شوارع عدة متجاورة، يقع الجيتو الكبير، ضاما بين جنباته أغلبية كبيرة من المهاجرين الأجانب.

الكاميرا نقلت كما كبيرا من الصراحة. ومن شاهده لم يستغرب أحداث فرنسا التي ما زالت ترهق سامعيها، فقد منح المشاهد فرصة ثمينة لمشاهدة واقع العبث المحبط الذي يعيشه المهاجرون برفقة مساحة كبيرة للتفكير والتأمل.

الاقتراب.. من الجيتو

طوال مدة الفيلم، وعبر تسلسل جميل أقرب إلى الشاعرية أو القصصية كما أراد مخرجه، يسرد الشريط بلغة سلسلة ومؤثرة واقع هذا الحي، محاولا الاقتراب من جماعات المهاجرين القاطنين فيه: من صينيين، وعرب، وأمريكيين جنوبيين، وبنجاليين، وأفارقة الصحراء الكبرى. ومن هنا نستطيع أن نرى الجماعات من المهاجرين عن كثب ونتعرف على كيفية التعايش الثقافي بينها وأن نتنبأ بمستقبلها.

ومن خلال رصد بعض التجارب الشخصية وملاحظة هذه الجماعات وأنشطتها تثار تساؤلات حول طبيعة هذا التهجين العرقي، وكيفية تكوين هذا الجيتو، والعيش داخله.

كما تثار عدة موضوعات أخرى كالعنصرية، وكفاح المهاجرين وصراعاتهم، وقانون الأجانب، وسياسات الحكومة الإسبانية والاتحاد الأوربي لمعالجة موضوع الهجرة، والدور السلبي لوسائل الإعلام، وتربية الأطفال وسط خليط ثقافي واجتماعي، وأطماع الشركات الكبرى في السيطرة على الحي، ودور الحكومة والبلدية التي تعمل على تهميش هذه الجماعات، والأهم في ضوء كل ما سبق هو الخوف من المستقبل.

تدخل الكاميرا إلى قلب ذلك "الجيتو" الكبير وتقترب منه أكثر وأكثر عبر ثماني قصص تناولها الفيلم، وهي ليست قصصا بمعناها الكلاسيكي بل وسيلة قطعت الشريط التسجيلي، كاشفة الحقيقة بنفس سوادها وغموضها ورفضنا لها، فلا اندماج حقيقيا أو تعايش في بيئة ترفضهم وتبخسهم أقدارهم.

يحمل الحي المتراكم على بعضه -بيوتا وأجناسا- ثلاث روايات في سر تسميته، فالخلاف يبدأ من هنا ولا ينتهي، بل بالعكس يتأزم في أجزاء حيث تتبادل الاتهامات بين الجميع، وتفرج في أجزاء قليلة منعشا الجو بقليل من الأمل.

أول اختلاف يطالعك في نظرة كل طرف للحي، فالإسباني يرفض هذا الزخم البشري ويطالب بتنظيمه أو ترحيله، والصيني يطالب بحفظ الأمن في الحي وإعادة تنظيمه، وللعربي وبقية الأجناس موقف آخر يتمثل بالإعجاب بتفرده وتمتعه بروحانية عالية رغم علله ومتاعبه، فهو المكان الذي يفهمهم ويفهمونه.

وبالتالي تصاغ مواقف كل طرف من هذا الحي بما يقدمه الحي نفسه للطرف الآخر، فهو يعج بالعمال من مختلف الأجناس والأعراق، خليط بكل معنى الكلمة جعله مكانا للصراع، والتعايش بين الثقافات والعنصرية معا.

الصراع مركب

إن أزمة التجانس الكبير بين ساكني الحي في ضوء حالة الفقر والتشرد وانعدام المبادرات التي تثبت قضايا التعايش والحوار حولت الحي إلى ساحة للصراع على البقاء، فالكل يريد نصيبا من هذا المكان.

ويشمل هذا الصراع المركب عدة حلقات بين المهاجرين والإسبان الذي يحنون إلى حي قديم وهادئ بلا سرقات أو صخب المهاجرين، وبلدية مدريد حيث القرارات المعلنة وغير المعلنة لإخراج المهاجرين، وحلقة ثالثة بين المهاجرين أنفسهم؛ وهو صراع على البقاء والعيش وكسب الرزق أولا وأخيرا.

ولقد شهدت هذه المنطقة حروبا طاحنة في فترة " 1999-2001 " بين مجموعات من المغاربة، ومجموعات من الصينيين في صراع على مناطق النفوذ والبضائع المهربة، كما يشهد يوميا حالات سرقة، واعتداءات بالسكاكين.

ورغم ذلك يشهد الحي تزايدا ونموا باستمرار طالما وفر مناخا جاذبا للعمالة، ففيه يجد العمال الجدد ضالتهم، حيث الدعم المعنوي من قبل رفاقهم والمجتمع الذي يمكن أن يفهمهم، وهم القادمون هربا من بيئات اجتماعية سحقتهم، لتكون النتيجة مأساوية عندما يجد المهاجر نفسه وسط بيئة حلم بها طويلا، وعندما حقق حلمه وجد أن كل شيء هو وهم كامل، فلا عمل، ولا أمل ، ولا بيت، ولا حرية، هذه المعادلة المؤلمة التي يسقط فيها المهاجرون، ويغامرون في سبيلها تقود لمشاكل أعمق.

وأثناء ذلك العرض لهؤلاء المغامرون يعكس الفيلم واقع كل أقلية، وعلاقاتها مع بعضها، وموقفها من الدمج والخلط مع الأقليات الأخرى، ليظهر لنا تحول الجيتو الكبير إلى مجموعة جيتوهات، حيث كل أقلية تعيش متمركزة داخل نفسها، كل في عالمه وهمه.

عنصرية.. إلى أين؟

يبرز الفيلم الآثار التي تنتج عن سياسات الدول، معلنة وغير معلنة، ضد المهاجرين، وخير مثال "قانون الأجانب" الذي تبنته الحكومة الإسبانية، فهو يعمل على تكريس فكرة الجيتو التي يرفضها سكانه، فهو قانون يشجع على استغلال العمال الأجانب من خلال عملهم الرخيص، وعدم قانونيته، وهذا يقلل من فرص الاندماج التي لا يتلقفها ولا يعنى بها أي طرف، ويصف المهاجرون هذه السياسة "بالفاشية"، حيث تعمل على تهميشهم وعزلهم ومطاردتهم.

ورغم ما يظهر لنا من حالات خلط أو تعايش ظاهري فإنها سطحية ومحدودة، فحاجز الماضي وصعوبات الحاضر لم يكسرا الحواجز الأخرى في ظل وجود تباينات بين كل أقلية وبين مدى قدرتها على الاندماج والتعايش مع غيرها.

كما يظهر الشريط أن العنصرية تتركز أساسا ضد المسلمين، وهم أغلبية من أصول مغربية وجزائرية وتونسية، وهي نتاج رواسب ثقافية متجذرة، تضاعفت بعد أحداث 11 سبتمبر، وأحداث تفجير القطارات في مدريد، وهذا تم تغذيته منذ الصغر، حيث ينشأ الإسباني على أن الإسلام شيء سيئ، والمسلم شخص ليس بطيب.

ورغم أن للمغربي قدرة على الاندماج في المجتمع الجديد بعكس الصيني، أو الأمريكي الجنوبي فإن النظرة العنصرية تظهر بوضوح ضد المسلمين والعمال العرب رغم طبيعة العلاقة التي تربط المجتمع الإسباني بالمجتمع المغربي، على سبيل المثال هناك عشرات الآلاف من حالات التزاوج المتبادل.

إعلام "قذر"

يلخص أحد المهاجرين الأفارقة المعادلة التي يعيشها الحي بأن السبب في العنصرية يعود لغياب معرفة الآخر، ويضرب مثالا: "عندما يشاهد الإسباني خمسة عمال أفريقيين يشعر بالخوف، يرى الخمسة كمائة عامل...، هم لا يعرفون ما هي أفريقيا، هنا هي عبارة عن أسود تلتهم فرائسها، وأفيال تلد، لا يعرفون ثقافتنا وحياتنا، وهذا يضاعف المشكلة".

الصحافة الإسبانية ساهمت بدورها وبتغطيتها لأحداث الحي بطريقة استغلالية على تعزيز العنصرية، وتهميش المهاجرين، فتضاعف من أخبار الصراعات، وتصور الحي دائما في صورة معارك طاحنة مما يضخم الأحداث على حساب قضايا التعايش والخلط الثقافي.

لا ينكر المهاجرون وجود حوادث إجرامية، ولكنهم يرون أن دوافع هذا الإجرام هو نتاج الحياة الصعبة التي يعيشونها، كما أن الصور السلبية والنمطية تتعمق عبر وسائل الإعلام، فكل خبر سيئ يلصق بالحي، وينسب للمهاجرين، فالكولومبي تاجر مخدرات، والصيني تاجر ومافيا، والمسلم إرهابي...الخ وبالتالي يحشد الرأي العام على أن الحي الذي يضم هؤلاء يجب التخلص منه، ليكون نتاج ما يحصل هو الهدم لا البناء، وذلك من خلال انتهاج الصحافة سياسة إظهار الأخطاء دوما والبحث والتنقيب عنها، في حين تهمش بعض الجهود -على قلتها- التي تبذل للتعايش.

وقد نجح الفيلم في إبراز هذا الدور الرديء الذي يلعبه الإعلام، فنجد على ألسنة غالبية المتحدثين في الفيلم اتهام الإعلام بالأداة "القذرة" التي تكرس صورتهم السلبية.

القصة الأخيرة

ما يطلبه أهالي "لابابييس" ممن جار عليهم الزمان هو معاملة أكثر إنسانية ومنطقية، وأن يرد لهم اعتبارهم على أنهم بشر، فبطاقة الهوية تطلب منهم في الميدان الواحد ثلاث مرات، ويصرخ عليهم حسب جنسياتهم، ويطردون من بيوتهم القديمة، ويتملك المواطنين الإسبانيين شعور الخوف منهم كلما مروا من جانبهم، ويفقدون القدرة على التحدث مع الدولة أو من يمثلها...الخ وفي هذه الحالات وغيرها نكون فعلا أمام مشكلة حقيقية لا تحل بدعوات التعايش التي تفرغ من مضمونها دوما.

يبدو للجميع -أبطال الفيلم ومشاهديه- أن حكاية التفاعل الثقافي التي لا وجود لها صعبة وربما مستحيلة، طالما لا تقدم المساواة والحقوق، لتكون التوقعات بعد عشر سنوات أن الحي سيصبح جيتوهات شبه منفصلة داخل جيتو واحد كبير، بواجبات بلا حقوق؛ هذه الحقيقية التي يحاول الفيلم التنبيه لها ومعالجتها.

الفيلم لم يقدم حلا، بل نقل الواقع كما هو، بحالاته المتنوعة على أمل إدارة نقاش طويل حول قضية تستحق البحث عن حلول جذرية.  

** ناقد فني فلسطيني

موقع "إسلام أنلاين" في 13 نوفمبر 2005

ألف وجه لألف عام - «العربة» لجون فورد:

حين تنقلب الأدوار بين الأبطال والجبناء

ابراهيم العريس 

كان على السينما الأميركية ان تنتظر عقوداً عدة قبل ان تكتشف ان الهنود الحمر، ليسوا فقط عصابات من القتلة راكبي الخيول المهمهمين بعبارات غريبة ملؤها الكراهية والعدوانية. كان على تلك السينما ان تنتظر طويلاً قبل ان تفهم، وتُفهم جمهورها العريض معها، ان ذلك الشعب الذي سمي هندياً في شكل قسري، كان هو صاحب المكان قبل ان يصل إليه الرجل الأبيض. طبعاً كان في المكان متسع للجميع، ومع هذا نعرف ان الأبيض اصر على انتزاع كل شيء بالقوة والعنف، لكنه حين صور تاريخ المكان وتاريخه الخاص في ذلك المكان حرص على ان يقول ان «الهنود الحمر» كانوا هم دائماً، من اعتدى، مبرراً المجازر التي ارتكبت في حق ذلك الشعب الذي كانت جريمته انه تآخى مع الطبيعة في شكل لم يعهده اخوه الأبيض.

في هذا الإطار، عرفت السينما الأميركية تاريخاً طويلاً وعريضاً يتألق من أفلام «الغرب» وأفلام «رعاة البقر» التي عمدت دائماً الى تصوير الحلم الأميركي، على صورة البطل الفرد المنقذ... والمنقذ خاصة لأبناء جلدته من عدوانية «عصابات الهنود». ولقد كان جون فورد واحداً من كبار الذين حققوا ذينك النوعين من الأفلام. ولعله كان واحداً من قلة عرفت كيف تطور موقفها من الهنود، بين اول افلام «غرب» حققها («حصان النار» 1924) وبين آخر ما حقق في ذلك المجال («خريف الشايين» 1964). ففي الأفلام الأولى تم التعامل مع الهنود الحمر وكأنهم حيوانات ادغال معتدية، اما في الأفلام الأخيرة، فأعيد إليهم اعتبارهم وراحوا يعامَلون معاملة انسانية.

فيلم جون فورد «عربة السفر» («ستايجكوتش») يتوسط المرحلتين، ويُنظر إليه عادة على ان في داخله، إن لم يكن فكرة اعادة الاعتبار الى الهنود الحمر وإنسانيتهم، فعلى الأقل خطوة على تلك الطريق، من خلال نزع هالة «القديسين» عن البيض انفسهم، حتى في تجابههم مع هجوم الهنود الحمر عليهم. وإذا كان هذا الفيلم قد نُظر إليه على انه، تقنياً وفنياً، واحد من اجمل افلام الغرب الأميركي وأقواها، فقد نظر إليه ايضاً من الناحية الفكرية على انه يشكل منعطفاً في التعامل مع قضية الهنود، حتى من دون ان يكون منصفاً معهم انصاف افلام لاحقة مثل «الجندي الأزرق» و»جيريميا جونسون».

تدور احداث «عربة السفر» خلال سنوات ثمانينات القرن التاسع عشر التي كانت شديدة الاضطراب في تاريخ الولايات المتحدة. وكما يدل عنوان الفيلم فإن العربة التي تجرها الخيول والتي كانت تقوم في تلك الأحايين بالرحلات بين المدن وبين الولايات، هي التي تلعب الدور الأساس في الفيلم. ومنذ البداية نجد عربة الركاب هذه وهي تستعد لاجتياز مناطق هنود الأباتشي في ولايتي يوتاه ونيو مكسيكو. وتحسباً لأي طارئ، لا سيما لهجمات يمكن توقعها من جانب الفرسان الهنود الذين ما كانوا ليستسيغوا عبور البيض المتطفلين لأراضيهم، يخفر مسار العربة مجموعة من خيالة الجيش الأميركي كانت هي في الأصل تقول بمرحلة الى مدينة لوردسبرغ. لكن الذي يحدث هو ان العربة ما ان تصل الى منتصف طريق رحلتها حتى يختفي افراد الخيالة الذين كانوا يخفرونها. وهنا تتوقف العربة ليجري سجال بين الركاب هدفه معرفة ما اذا كان على العربة ان تتابع سفرها او تعود الى حيث انطلقت. ويكون ذلك التوقف والسجال، فرصة تمكن جون فورد من دراسة طبائع الركاب وشخصياتهم بوصفهم، بالنسبة الى منطق الفيلم كله، ممثلين نمطيين في معظمهم للأميركيين في ذلك الحين. فهناك مندوب لبيع المشروبات الروحية، وفتاة هوى تريد الهرب من تهجمات روابط الفضيلة عليها، وطبيب يمضي وقته في احتساء الكحول، وزوجة ضابط حامل، ومغامر محترف، اضافة الى مصرفي ها هو الآن هارب مع مبلغ من المال اختلسه من المصرف. انها، في مجموعها شخصيات نمطية، سنعود ونلتقيها دائماً، مجتمعة او مفردة في العديد من افلام «الغرب» الأميركي. اما هنا، بالنسبة الى جون فورد وفيلمه، فإنها معبرة ليس فقط عن نمط الشخصيات التي «بَنَت الغرب وبَنَت اميركا في شكل عام»، بل عن اخلاقيات شعب بأسره. وكما سيقول مارتن سكورسيسي لاحقاً في مجال حديثه عن فيلمه «عصابات نيويورك» من «ان اميركا إنما ولدت في الشارع»، يبدو جون فورد هنا وكأنه يقول ان الأميركيين ولدوا، وولّدوا معهم حلمهم، من حثالة الغرب الأميركي... وهنا، كما يحدث عادة في قصة لغي دو موباسان، ستنقلب الأدوار تدريجاً بالنسبة الى مجريات الأحداث، في مجال التعبير عن اخلاقيات كل شخصية. فمن بدا أول الأمر حثالة سيبدو الأكثر نبلاً، ومن كان في البداية يرتدي قناع النبل، سينكشف حثالة. ومع هذا فإن جون فورد لم يركز على هذا البعد تماماً... انه يبدو لديه من نافلة القول. اما المهم هنا، فكان بالنسبة إليه تقديم فيلم سينمائي يشد انتباه المتفرجين ويؤسس لنوع من انسنة افلام الغرب.

وفي يقيننا انه نجح في هذا تماماً لا سيما خلال ما تبقى من احداث، وحين ينضم الى الركب رنغو كيد، وهو لص معروف وخارج على القانون، تبدو تصرفاته، منذ وصوله، مشبوهة. إذاً، نصل هنا مع احداث الفيلم الى النقاش الذي يسود من حول متابعة الرحلة، فيجري التصويت في نهاية الأمر لمصلحة المتابعة، على رغم ان المسافرين واثقون من ان ثمة العديد من الأخطار ستحاول ان تسد عليهم درب المتابعة. وبالفعل، سرعان ما تتتالى تلك الأخطار، كما تتتابع الأحداث والحوادث الصغيرة، بما في ذلك وصول زوجة الضابط الحامل، الى منتهى حملها واضطرارها الى وضع وليدها في العربة على الطريق وهنا تبدو فتاة الهوى اكثر انسانية من الباقين في اسراعها الى المساعدة... واللافت هنا هو ان المسافرين، بعد انجلاء خطر الوضع عن السيدة، يبدون وكأنهم بدأوا يصدقون حقاً انهم باتوا خارج دائرة الخطر، ويتنفسون الصعداء ليعود كل واحد منهم الى طبيعته الأولى، بعدما كان تصرف فتاة الهوى الاندفاعي قد انسنهم بعض الشيء. ولكن هنا بالذات، يحل بينهم الخطر الأكبر: يبدأ هنود الأباتشي بشن هجوم كاسح عليهم... ويكون هذا الهجوم مفصلياً، ليس كمعركة غير متكافئة اول الأمر، وحسب، ولكن ككاشف لحقيقتهم، اذ من جديد نجد جبن البعض وشجاعة البعض الآخر على المحك... تظهر بطولات من حيث لا يتوقع احد، ويبدو الجبن في غير المكان المنتظر فيه. والأغرب هنا هو ان النساء هن اللواتي، ازاء ما يحصل، يبدين القدر الأكبر من الشجاعة. المهم ان الأمور ستنتهي في ختام الأمر على خير، حيث في الوقت الذي تكون فيه الذخيرة نفذت تماماً من المسافرين الحاملين اسلحتهم، ويبدو فيه هنود الأباتشي وقد صاروا في وضع يؤهلهم تماماً للقضاء على العربة ومسافريها، يصدح صوت النفير المعلن ان فرقة من الخيالة وصلت لتنقذ العربة التي كان ركابها باتوا على آخر رمق.

يعتبر هذا الفيلم، كما اسلفنا، واحداً من اكبر كلاسيكيات سينما «الغرب» الأميركي. وعلى رغم ان دادلي نيكولز كاتب السيناريو، اقتبسه من رواية اميركية معروفة، فإن كثراً من النقاد والباحثين عثروا بسهولة على تأثيرات دو موباسان في عوالمه. اما المشهد الأشهر في الفيلم، فهو – بالطبع – مشهد الهجوم الذي يشنه الهنود. ومع هذا فإن اهم ما في هذا الفيلم هو انه يعبر عما شغل دائماً بال جون فورد: عن مجموعة من الناس تجد نفسها ذات لحظة موضع تهديد. وجون فورد (1895 – 1973) الذي يعتبر من كبار مخرجي السينما الأميركية بأفلام بدأ تحقيقها في العام 1917 ليتواصل عمله حتى سنوات حياته الأخيرة، ايرلندي الأصل، ومع ذلك يعتبر سيد افلام «الغرب» و «رعاة البقر» دون منازع. وإذا كان «العربة» اشهر افلامه، فإن ذاكرة المتفرجين تحفظ ايضاً عشرات الأسماء لأفلام ابدعها، جمعت بين الشعبية والتقنية العالية والنبل الأخلاقي.

الحياة اللبنانية في 13 نوفمبر 2005

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التالي
السابق
أعلى