جديد الموقع

كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما.. كتبوا في السينما

 

 

التالي
السابق

كتبوا في السينما

سينما المقاومة في فلسطين

«الحس» للإيطالي فيسكونتي

يسري نصر الله: أفلامي بسيطة وشديدة الخصوصية

غودار: نحن أقرب إلى نقطة النهاية لأننا عاجزون عن الكلام

قاعة سمات تعرض فيلما جديدا للمخرج الليبي محمد مخلوف:

13دقيقة بالأبيض والأسود تختزل رحلة اغتراب عمرها 30 سنة!

محمود قرني

القاهرة ـ القدس العربي: في ليلة رمضانية متميزة ودافئة، قدمت قاعة سمات للسينما المستقلة بالدقي، عرضا لفيلمين للمخرج الليبي/البريطاني محمد مخلوف العائد قبل عدة أشهر من لندن للإقامة الدائمة بالقاهرة.

كان فيلم مخلوف الأول والأحدث مفاجئا بكل المقاييس، فمنذ المشهد الأول في الفيلم يعمد مخرجه إلي تعميق المعني الدرامي رأسيا، بداية من العنوان القفص الذي انفتح علي عالم أكثر ضبابية وشحوبا والتباسا اكدته ألوان الفيلم المحاصرة بين الأبيض والأسود.

منذ مشهده الأول يأخذك اللون في الزمن، هذا الزمن الذي يبدو بعيدا وسحيقا، وكأن المخرج أراد أن يذهب بحنينه للماضي إلي أقصي التشوقات.. وثمة غيمة إنسانية لا تتكشف مع توالي احداث الفيلم الذي عمد إلي تكثيف ثلاثين عاما في ثلاث عشرة دقيقة هي الزمن الذي استغرقه فقد كان فيلم القفص يزداد غموضا مع كل مشهد إضافي، ولا تنفك شفراته كما كان يبغي جمهور المشاهدين، بل كان وجه البطل الغائب دائما والذي يفاجئنا بحقيبته الصغيرة سائرة من محطة القطار إلي الشارع يبدو مؤكدا علي معني الغموض والالتباس. اعتمد الفيلم علي ثيمة أساسية ومفاجئة وفريدة، وهي المكالمات التي سجلها جهاز الأنسر ماشين بينما صاحبه خارج المنزل أو هو موجود ورفض التواصل، وفي كلا الحالين فإن معني الاغتراب والاعتزال يتعمق عبر دراما الفيلم.

هذه المكالمات القصيرة عكست الكثير من مفردات حياة البطل وصراعاته وأزماته، وكأنها خطابات مبتسرة ومشفرة مأخوذة من سجل واسع لأزمة كبيرة وعميقة. يتعزز ذلك بمفردات المشهد الدرامي الشفاف الذي اعتمد علي درجة عالية من الشاعرية المكثفة وتبئير الحدث، أو وضع مبضع الجراح في عمق الجرح مباشرة، وقد أذهل المشاهد عمق تقاطعات الكاميرا والقدرة الرهيبة للمخرج علي صنع إطارات تشخيصية عالية الكثافة للمعني الفني في المشهد. لقد كانت الثلاث عشرة دقيقة التي استغرقها الفيلم أكثر إيلاما ـ في بعض الأحيان ـ من ثلاثين عاما من الغربة والمنفي قضاها البطل بين الأقاليم المترامية. وكانت التسجيلات الفردية لرسائل محبين وساخطين وعاشقات وأقارب وأصدقاء لحظات الإفاقة النادرة التي كان يقوم علي وقعها وعي المشاهد منطلقا لربط هذه الصورة غير المكتملة دائما للبطل. كانت المكالمات بمثابة السجل المفقود الذي عجز البطل عن تقديم القرينة علي وجوده عبر مأزق ثلاثين عاما من الاغتراب لكنه استطاع أن يختصره في أصوات عاشقة تسأله الزواج، وعاشقة أخري تقول إن هذه هي رسالتها رقم 15 مليون وصوت غليظ يهدده بالطرد من غرفته واقتحام البيت إذا لم يسدد الأجرة، وصوت آخر بث موعدا مسائيا مجانيا، وآخر يطمئن فقط علي ان البطل لا يزال حيا.

يترك البطل الغائب أو المغيب كل هذا الزخم الإنساني خلفه ويكتفي بحقيبة يتأبطها وتتأبطه طيلة الفيلم بينما تظل محطة القطار في ضباب لندن رمزا مباشرا علي هذه الغربة المقيمة أو هذه الغربة الدائمة التي تحل في كل مفاصل فيلم القفص .

أما الفيلم الثاني لمحمد مخلوف الذي قدمته قاعة سمات فكان فيلما تسجيليا وثائقيا بحق ويتناول رحلة مصور بريطاني شهير في البحث عن الله ، هذه الرحلة التي تنتهي بإعلانه إسلامه بعد جولة من الترحال في أجواء هندية وصينية ومغربية.

غير أن اللافت في وعي محمد مخلوف وفي وعي الفيلم هذا التوشيح الإخراجي للفنان، الذي لم يتعامل مع بطل الفيلم كحالة رومانسية تخطئ ـ سيرا علي العادة العربية ـ بسبب العقائد الأخري والثقافات الأخري لتقع في خطيئة عامة وممجوجة تنتهي بالوقوع في براثن الذات وكيل المديح والإطراء لها.

لقد حمل الفيلم ـ علي رسالته المباشرة ـ نوعا من الوعي بالسليقة الإنسانية الباحثة عن رمز أيا كان نوعه، لذلك فإن المركز الذي حمله الفيلم كان يمكنه ان يتغير ولن يختل شيء في الوعي الفني والجمالي له.

و قد أقيمت عقب عرض فيلمي محمد مخلوف ندوة مصغرة حضرها عدد من الفنانين والمخرجين وأصدقاء الفنان وتحدث فيها الكاتب حسين عبد الرحيم متناولا فيلم القفص عبر رؤيته الزمانية والمكانية، مشيرا إلي أن عبور الزمن والوعي بتكثيفه كان ابرز سمات الفيلم كما أشار إلي أن اختيار المخرج للأبيض والأسود كان له دلالة تعمق مفهوم الزمنية في الفيلم وتؤشر علي جانب من رؤية مخلوف لحياته، كما رأي أن الأصوات التي قدمها الفيلم ساهمت في تكريس مفهوم الاغتراب الذي جاء معززا بالخلفية الموسيقية الأمازيغية.

أما الصحافي جمال إسماعيل فوجه عدة أسئلة لمحمد مخلوف حول مدي الترتيب في اختيار الأصوات المسجلة التي اعتمد عليها الفيلم وقال مخلوف أن الاختيار كان يراعي أن تكون هذه الرسائل من جنسيات مختلفة وأن كل صوت تحدث داخل الفيلم في رسالة قصيرة ومكثفة له قصة طويلة في حياتي. أما آخر رسالة في الفيلم فكانت من فتاة ليبية كان من المفترض أن يجمعها بمخلوف مشروع زواج لم يتم بسبب استحالة عودته إلي ليبيا لأسباب سياسية.

وأشار مخلوف إلي أنه رفض ان يضع أصوات ليبية في الفيلم لا سيما صوت أمه حتي لا يتحول العمل إلي نوع من النوستالجيا والوقوع في بؤرة الحنين عكس ما يهدف إليه الفيلم كما أشار إلي أنه حتي الآن لا يستطيع الاتصال بأهله عبر اسمه الحقيقي لأن المخابرات الليبية تراقب الهواتف لذلك فعادة ما يتصل باسم حركي، كما تحدث أيضا الناقد السينمائي عصام زكريا مشيرا إلي أن البوتقة الحقيقية لفيلم القفص تنصهر فيها هذه الرؤية الشاعرية الدقيقة والموهوبة لمحمد مخلوف، مؤكدا علي ان المزاج الاغترابي العام الذي يؤكده الفيلم في كل مشاهده يعمد إلي نوع من التكثيف السينمائي المبهر لأنه لا يعتمد علي لغة الحوار بل يعتمد فقط علي تقنية الفن ذاته سواء كان ذلك في اختيار المشاهد أو حركة الكاميرا أو توزيع الإضاءة والخلفيات الصوتية والموسيقية.

أما الكاتبة عفاف السيد فقد أشارت إلي أن وثائقية الفيلم الثاني لمحمد مخلوف انحازت بشكل واسع للإسلام، وأضفت عليه مزيدا من مسوح القداسة، ولم يناقش الفيلم ـ علي جانب آخر ـ مشكلات راهن الأمة الإسلامية سواء كان ذلك علي مستوي أوضاعها الحضارية أو علي مستوي ما وصلت إليه الأمة من انحدار، واكدت علي ان الفيلم كان يجب عليه أن يخوض غمار هذه القضية ليبحث في قضايا رئيسية داخل الإسلام نفسه سواء كان ذلك علي مستوي توقف حركة التطور في الفقه الإسلامي او علي مستوي المأزق الحضاري الذي يعيشه الإسلام في اللحظة الراهنة لا سيما في ما يتعلق باتهامه بالإرهاب.

وكان تعليق محمد مخلوف أن الفيلم لم يكن معنيا علي الإطلاق بهذه القضية، بل هو ينقل حالة روحية محضة لشخص في رحلة طويلة للبحث عن مجهول وكان بالإمكان حدوث مثل هذه الرحلة مع رجل انتهي إلي الإسلام، أو إلي غيره من العقائد، فالفيلم كان يقصد إلي الكشف عن حالة إنسانية فريدة وثرية بغض النظر عما انتهت إليه عقائديا، وبالتالي فلم يكن التنظير للأزمة ممكنا علي أي نحو داخل أجواء الفيلم المشحونة والمغلقة بمناخات رومانسية.

وحول أسباب عودته من لندن بعد إقامة طويلة والاستقرار علي الإقامة بالقاهرة، حمل مخلوف علي الأجواء الأوروبية الراهنة لا سيما في موقفها من المسلمين والعرب. وقال إن هذا النظر السلبي تفاقم إلي حد كبير بعد أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، و أشار إلي أن هذه الأجواء لم تعد محتملة وهذا من الأسباب المباشرة لعودته، لكنه لم ينس الإشارة إلي المدي الواسع الذي حققته هذه الشعوب علي مستوي التقدم والنظام والوعي والحرية، وهنا يؤكد أنه لو لم يكن قد حصل علي الجنسية البريطانية لما استطاع أن يعود ابدا للعيش في بلد عربي، لأنه يري أن الأنظمة العربية أنظمة غير شرعية ويمكنها في اي وقت أن تتجاوز كافة الأعراف والقوانين والدساتير.

وأكد مخلوف أيضا انه لا يعمل بالسياسة ولا علاقة له بها، ولم يخف أن السبب في ذلك خشيته من هذه الأنظمة.

القدس العربي في 2 نوفمبر 2005

"اولــيــفــر تــــويـــســـت" بـــكـــامـــيــرا رومان بولانسكي

الـفـــتــى المــتــســول الأشـــقـــر يــولــد فـي الألــفـــيــة الــثــــالــثـــة

جيرار سليمان 

لا اعرف اين موقع "اوليفر تويست" رومان بولانسكي، في خضم التصنيفات؟ الراجح ان صاحب الافلام الكبيرة لم يأتنا بتحفة بصرية خالصة، انما بعمل جدير بالاحترام، ويضع صاحبه في طليعة السينمائيين الذين يجيدون فن السرد، وينافس بحرفيته كبار الحكواتيين.

في جديده يعود بولانسكي الى الينبوع الذي لطالما ارتوت منه سينماه. فالخيار بديهي لخلاّق نقل بعض كلاسيكيات الادب الانكليزي الى الشاشة. في البدء، تذرّع بأن لاهتمامه برواية نقلها الى الشاشة كبار مثل ديفيد لين عام 1948 وكارول ريد عام 1968، اسباباً عائلية: فكأن المخرج - الاب يرغب في لفت ولديه (يظهران في الفيلم) الى عمله السينمائي. ومن دون الوقوع في فخ الصبيانية، ينجز بولانسكي هذا الفيلم كي يعوّض عن غياب الطفل في سينماه. وكم كان ذلك الغياب حاضراً او ملموساً بقوة في وجدان الاعمال التي قدمها سابقاً، بأشكال ووجوه مختلفة ومتنوعة. ولم يكتف المعلم بتهميش الاطفال، انما ترك دخولهم الى الشاشة مشوباً بالمشقات والعذابات (تذكروا "طفل روزماري").

هل هذا الهوس صنعته الطفولة المعذبة، وتخلص بولانسكي منه بعدما صوّر فيلمه "عازف البيانو"، وهو تحية الى ضحايا المحارق النازية التي كادت ان تقضي عليه عندما كان في السادسة من العمر؟ ليس سهلاً حسم مسألة من هذا النوع، وخصوصاً في ظل عدم اكتمال العناصر الحسية.

مدينة الخطايا

من قرأ الكتاب ثم شاهد الفيلم، سيعتقد ان المخرج "حلم" بالكتاب في وضح النهار وفي صالة مظلمة. ذلك لأن اعادة احياء الحقبة الخاصة بالحوادث (1837 - 1838)، اقتضت من بولانسكي ان يترجم النص المكتوب صوراً تكاد تبلغ الكمال، في طريقة نقلها للزمن المستعاد واختزالها المراحل. جميلةٌ طريقة ولادة لندن الثمانينات مجدداً، في استوديوات براغ، من بين ركام التاريخ. مدهش منظر العربات والاحصنة التي تدل على الاحياء القذرة والناس المتعطشين للعنف والذين يتحركون في مدينة تسودها العصابات. الزمن زمن الثورة الاقتصادية والملكة فيكتوريا، واوليفر تويست ليس الا ولداً لقيطاً في العاشرة من العمر يتسكع في مدينة قاسية ملئية بالخطايا. هذه الدقة في اعادة احياء حقبة ماضية، تجعل مقارنة شريط بولانسكي بفيلم لين وريد صعبة جداً، ويصبح للفيلم وجود مستقل بمعزل عن العملين السابقين، وخصوصاً ان لكل من اليك غينيس (عند لين) وبن كينغسلي (عند بولانسكي) مقاربة في ما يتعلق بالشخصية التي يلعبها، تختلف عن مقاربة الآخر لها.

لا شيء في هذه المدينة التي يصورها بولانسكي ببراعة قصوى، يدعو الى الارتياح. لا بل اكثر من ذلك: كل المعطيات تشير الى ان اوليفر سيلتحق باحدى العصابات التي تتعاطى النشل والاحتيال، ويصبح بدوره محتالاً. ولا توصف بكلمات الصفعة التي يتلقاها المُشاهد على وجهه، عندما يتأكد تدريجياً عدم استسلام الفتى للألاعيب غير النزيهة، وميوله الى الصفاء والهناء، علماً ان ما عاناه في سنوات عمره القصيرة كان يعدّه لغير ذلك.

لعل الاهم من ذلك كله هو التواضع الذي يظهره بولانسكي في هذا العمل. أيعقل ان يختفي المخرج الى هذا الحد خلف كتاب او نص او سيناريو عندما يكون اسمه محفوراً في ذاكرة الصورة المخربة والشرسة وفي المخزون الثقافي الاوروبي؟ ليقبل بولانسكي ان يطل أقل من حجمه في فيلم لا يعكس آراءه في العالم والانسان بشكل مباشر، يجب ان يكون متمسكاً بمبررات صلبة. وان يبني مدينة كاملة من دون ان تجول فيها كاميراته بحركات بانورامية ضخمة، هذا امر نادر في السينما التجارية.

ازالة الغبار

من شدة الانبهار الذي يكنه لديكنز، ألغى بولانسكي نفسه ودوره مخرجاً في نقله رواية الكاتب الانكليزي الشهير. احترامه لسير الحوادث الخطي، الذي لم يحد عنه لحظة (لا وجود للـ"فلاش باك" في الفيلم)، يؤكد امراً واحداً لا غير: اعجاب مطلق الى حد التقديس، وبراءة غير ساذجة طبعاً في مقاربته لشخصية اوليفر والتعاطي معها على قدم المساواة. لكن هذا الاخلاص الاعمى لا يصب الا في مصلحة واحدة: النظر في معالم الطبيعة البشرية، والقول ان اصعب امتحان قد يمرّ الانسان به هو مقاومة الشر والاغراء المادي. وفي هذه النقطة تحديداً، يزيل بولانسكي الغبار عن سطح الرواية ويحيي مجدداً جوانبها غير المستثمرة بعد، مجرياً ربطاً بين الماضي والحاضر عبر تناوله موضوع الاطفال المعذبين والمستغلين نتيجة الاهمال واللامبالاة، وهو موضوع ابعد من مكان الرواية وزمانها. بإثارته قضايا نجدها في مجتمعاتنا، "يعصر" بولانسكي الرواية ويجعلها جديرة بأن تُقرأ مجدداً في ضوء معطيات الالفية الثالثة.   

اما الشكل فله حديث آخر، اذ ان جمالية الفيلم تتضمن الكثير من الاناقة والرقي وتعكس ثقافة هذا المخرج المعروف بذوقه الرفيع في المجال التشكيلي، هو الذي استوحى من لوحات مشهورة من اجل التأسيس لمشهدية فيلمه "تيس"، وأولى اهتماماً كبيراً للصورة في "عازف البيانو"، نلمس عنده اليوم عودة متطرفة الى كلاسيكية رافقت تطور السينما، كلغة تعبير، في اهم مراحلها. هنا، حتى الفقر والعوز يتناولهما بولانسكي بشيء من الترف. واذا كان بعضهم يرى في نمطه هذا اذعاناً للاكاديمية، فيجب تذكير هؤلاء بأن "اللباس (في الافلام) لا يصنع الاكاديمية". واذا لجأ بولانسكي الى النمط الخجول القائم على التوفير في الموارد السينمائية، (موسيقى صاخبة وانفعالات مدوية) والغاء المؤثرات البصرية كلياً، كأنما به يرد على التيارات السينمائية الجديدة التي لا تروي قصة بقدر ما تعطلها، وتصعّب وصولها الى المُشاهد عبر اللجوء الى بنية سيناريستية وخط درامي ليس سهلاً ان نجد طريقنا فيه من دون دليل. هنا، الشيء الوحيد الذي يعدّ اهم من القصة هو القصة بذاتها.

خوف وانغلاق

اخراجياً، يجهد الفيلم لاشاعة شعور بالانغلاق يتحول تدريجاً الى ما يشبه السجن حيث يسود منطق التبعية (اوليفر لفاغن ونانسي لسايكس). ليس جديداً ان يجيد المخرج، البالغ اليوم من العمر 72 عاماً، كما لا احد، تأطير الوجوه عن كثب في رغبة لاقتحام سر ما، غير ان لغة الكاميرا هنا تعزّز عبر حسن استخدام الزوايا، والعثور على الموقع الافضل لها لالتقاط حميمية المشهد. ثمة ايضاً ميل الى الاثر الزائف: ليس كل ما تراه العين حقيقياً في هذا العالم حيث الخوف يهدد الضعفاء، فيتبين في الآخر انهم ليسوا الاقل ضعفاً. وهنا لا يجرؤ العنف على استيلاد المزيد من العنف، كما نرى عادةً.   

في وسط هذه اللوحة التي تغلب عليها الالوان القاتمة، ثمة فتى اشقر هو بمنزلة الماء الذي ترغب الافكار السوداء في ابتذاله. وبدلاً من ان يخضع لسطوة الشر ويقدّم الى المشاهدين على انه ضحية، يصبح رمزاً لحسن السلوك، الى ان يلقى الفسق حتفه يائساً امام رفض الولد واصراره على دخول دائرة الاشرار. ولا عيب اذا ختم بولانسكي، رسام الاهواء والقلق الآدميين، شريطه بنهاية سعيدة كما في الرواية، فانها امتداد منطقي (آخر) لفكره المقاوم الذي تجلى في فيلموغرافيته هنا وهناك، واساسه: الايمان بالانسان مهما تكن نياته سيئة. فهكذا، ينتصر الامل على اليأس، والسواد يؤدي الى المزيد من الالوان الزاهية، لكن ينبغي التسلح بالصبر والحكمة والنبل على غرار اوليفر، وهذا ربما درس جديد يأتينا به سينمائي كبير آخر، من اولئك الذين يُقال عنهم انهم يسردون دوماً القصص نفسها، مع اختلاف طفيف في التفاصيل، وحيث اوليفر ليس الا ورقة بيضاء يكتب عليها المخرج بريشة استعملها سابقاً.

النهار اللبنانية في 2 نوفمبر 2005

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التالي
السابق
أعلى