بسبب 40 مليون دولار وبعض العوائق الأخرى الصغيرة ... السينما لا تستطيع ان تقدم فيلماً محترماً عن «حرب أكتوبر» القاهرة - حسين سرحان |
على رغم مرور 32 عاماً على حرب تشرين الاول (اكتوبر) 1973 ما زلنا نسعى لنلملم افكارنا ونعود على طريقة الفلاش باك باحثين في اغوار الزمن المتلاحق وسط ايقاعات الصخب الهستيري المرسوم لنا بإحكام عن حقيقة ما حدث في السنوات التالية لحرب تشرين الاول· واذا كانت الصدمة هي نتاج هذا الحدث على مستوى الواقع، فإن النتيجة نفسها تقريباً ستواجهنا على مستوى الإبداع في مصر. فمن حق السينما المصرية بخاصة والعربية عموماً ان تكون دائماً على استعداد لتجسيد الافراح والانتصار بالتفكير والاعداد الدقيق. ولكن كيف؟ الامكانات في يد واحدة او تخرج من جيب واحد، والاهم ليست خاضعة لفكر انتاجي واحد وقد اضافت سوق المنافسة في السينما أي صناعة الربح، الحجة المطروحة دائماً ان الفيلم الذي لا يربح لا يراه الجمهور، وبالتالي تختفي رسالته. نحن في الحقيقة لا ننشد المستحيل في منتج عالي الهمة يقدم لنا ملحمة مصرية لحرب تشرين الاول كما في افلام «الحرب والسلام» لتولستوي، أو «سترة من معدن» لكوبريك أو حتى فيلم «أسد الصحراء» لمصطفى العقاد فالمنتج الفرد سيتردد في اقتحام موضوع كبير عن «الارادة المصرية» او «اكتوبر العظيم» انه هنا في حاجة الى المساندة وليس فقط التشجيع. فالإعداد الضخم والجاد لمثل هذا العمل يحتاج الى مسؤولية الدولة ووزارة الثقافة ومساهمة المؤسسات الكبيرة، كما الى تضافر جهود تسجيل الواقع من شهوده وجنوده البواسل وقواده معاً والصياغة المحكمة لأهل الخبرة في خطة سينمائية محكمة ذات هدف تاريخي ووطني يملك التميز السينمائي والتفرد بالصدق والتأثير واستلهام جوهر البطولة المصرية في عمل جماعي علماً ان السواعد البطولية التي صنعت النصر لن يعجزها ان تسجله للتاريخ. ان كثراً من النقاد يرون أن السينما المصرية والعربية لم تقدم حتى الآن افلاماً في مستوى هذا الحدث الذي يمثل اول انتصار عسكري للعرب ضد اسرائيل التي اصيبت بزلزال شامل بعد حرب تشرين الاول اصاب مؤسساتها العسكرية، أولاً ثم امتد الى بنيانها السياسي والاقتصادي واصاب فيما اصابه الكيان النفسي لشعبها وهو الكيان الذي اعتمدت عليه الصهيونية في صراعها الطويل مع العرب. وجهات نظر «الحياة» التقت مجموعة من السينمائيين ليتحدثوا عن كيفية احياء حرب اكتوبر عبر السينما: في البداية يقول المخرج يوسف شاهين: «الحل في احياء سينما اكتوبر، التي لم تقدم بعد بالشكل اللائق لمثل هذا الحدث العظيم، ان تساهم الدولة مساهمة جادة مع الدول العربية خصوصاً سورية في انتاج وتمويل فيلم عن حرب تشرين الاول 1973 يرقى الى مستوى المناسبة نفسها فيصبح من الافلام ذات الانتاج الضخم ويرقى الى مستوى الافلام العالمية. وأنا واثق ان السينما المصرية والعربية قادرة على تسجيله من الآن». وأضاف: «لو أخرجنا كل يوم فيلماً عن الحروب التي عاصرناها وعشناها ما اعطينا هذه الحروب حقها وخصوصاً حرب 73، وذلك لأن هذه الحروب يجب ان تقدم في اعمال اهم من التي قدمت فيها حتى الآن، لأن الحرب تاريخ والتاريخ يجب ان يدوّن بأكثر من قلم وفي اكثر من سجل حتى يكون نبراساً للأجيال المقبلة ترى فيه مدى المعاناة التي عاشتها الاجيال السابقة لإسعادها وتحقيق العزة والكرامة لهم». أما المخرجة انعام محمد علي والتي شاركت بفيلمين عن حرب تشرين الاول 1973 هما «حكايات الغريب» عن قصة جمال الغيطاني و«الطريق الى ايلات»، فتقول: «على رغم ما يحتاج اليه الفيلم الحربي من مجهود في الاخراج وجهود في الاداء التمثيلي للممثلين، الا ان اي مخرج يتمنى اخراج مثل هذه النوعية من الافلام لانها تساعده على الابداع واظهار صورة الجندي المصري بشكل يحترمه الناس جميعاً، إذ يتعرفون على ما فعله هذا البطل الباسل من أجل تحقيق النصر والفوز لمصر بالكرامة مضحياً بدمائه وروحه». ويقول المنتج السينمائي عادل حسني: «إننا في حاجة الى عمل فني سينمائي كبير يعيد الى حرب تشرين الاول (اكتوبر) وجهها الناصع والمشرق ويكشف عن بطولة رجالها ومقاتليها ويطهرها من التلوث الذي اصابها على ايدي رجال السينما التجارية والهابطة التي كادت لفرط حماقتها ان تلعب دوراً مضاداً ينفّر المواطنين من المشاركة في تأدية واجبهم الوطني هي التي اختارت دائماً ان تكون نهاية افلامها قاتمة حزينة. أبطالها من الضباط والجنود مصيرهم بائس تعس فهم اما جرحى او مصابون او معاقون ودائماً موتى. ونجد أنه بدلاً من ان يشعر المشاهد بالفخر والكبرياء والاعتزاز بما انجزه ابناء الوطن بدمائهم وارواحهم، تبدو الحرب وهي تمثل شرف الدفاع عن الارض والوطن والشعب والحياة وكأنها مأساة». وفي النهاية يؤكد انه على استعداد للاشتراك في تمويل فيلم سينمائي عن حرب اكتوبر. المخرج محمد راضي الأب الروحي للسينما الجديدة والذي اخرج فيلم «ابناء الصمت» عن قصة لمجيد طوبيا، يقول: «على رغم ما واجهني من صعوبات اثناء تنفيذ اخراج الفيلم، فانني اعتبر هذا الفيلم الذي وافقت هيئة السينما في ذلك الوقت على المساهمة في انتاجه من خلال سلفة توزيع - افضل افلامي لانه تناول حرب الاستنزاف او ما يطلق عليه الحرب الرابعة». وأكد أن نصر اكتوبر لم يأت من فراغ. أما الفنان حسين فهمي فيقول: «الدولة تنفق كل عام اموالاً ضخمة لإقامة احتفالات مسرحية وغيرها. ولا يوجد حتى الآن عمل تسجيلي وثائقي يسجل الانتصار العظيم، والاجيال الجديدة تحتاج الى مثل هذا العمل وتحتاج ايضاً الى توضيح الدور العظيم الذي قام به شهداء مصر ورجالها البواسل وابطال الجيش المصري في قتالهم ضد العدو الصهيوني». وتؤكد الفنانة سميرة أحمد أن السينما «قدمت كل ما تستطيع في حدود الامكانات المتاحة، صحيح انها كانت افلاماً تجارية ولكن ماذا يفعل المنتج بأمواله المحدودة امام حدث كبير وضخم مثل حرب اكتوبر يحتاج الى ملايين الجنيهات حتى يتم تجسيده فوق الشاشة بصورة مناسبة ومشرفة. فلكي نقدم فيلماً عن حرب اكتوبر لا بد من ان نعرض له موازنة لا تقل عن 40 مليون دولار». الحياة اللبنانية في 28 أكتوبر 2005 |