يستعدّ لإحياء رامبو وروكي ونجوميته الهوليوودية بعد غياب طويل
نديم جرجورة |
لعلّ سيلفستر ستالون يختلف، قليلاً، عن أمثاله من نجوم العضلات الذين صنعتهم هوليوود في تاريخها السينمائي العريق، وإن لم ينتموا جميعهم إلى جيل واحد. فهو نشأ في مرحلة سياسية أميركية اتّسمت بطغيان الصراع الدائر بين الشرق والغرب، في مواجهة الاتحاد السوفياتي، وعرف نجوميته العالمية في لحظة اجتماعية واقتصادية تعاظمت قوتها وأفردت حيّزاً كبيراً لتنامي الرأسمالية على حساب الفقراء، فإذا به يتحوّل إلى صورة حيّة لثقافة شعبية احتاجت إليها الإدارة الأميركية في معاركها المختلفة. وعلى الرغم من أن معظم زملائه (أمثال أرنولد شوارزينيغر وجان كلود فاندام وستيفن سيغال وغيرهم) عرفوا نجوميتهم في مراحل متنوّعة يُمكن ربطها بتحوّلات أو مفارقات أو لحظات تاريخية عدّة، في السياسيّ والثقافي والاجتماعي، وإن بدرجات متفاوتة لم يبلغ أحدٌ منهم أياً من مستوياتها العالية، فإن ستالون التقط مفصلاً حيوياً في مجرى الأحداث الأميركية، وقدّم صورة حيّة عن معنى البطل الأميركي <<الخارق>>، الذي يصنع المجد والحرية والانتصار لبلده أولاً، ولشعبه ومجتمعه وناسه ثانياً، وللعالم الذي لا يُمكنه التحرّر من الطغيان من دون معونة الولايات المتحدّة الأميركية. لكن الآخرين لم يتغاضوا، هم أيضاً، عن المفردات الموحية بأنهم على تماس ما مع السياسي والأخلاقي والإنساني الأميركي والعالمي. فإذا بهم يقدّمون نماذج متنوّعة عن البطل ونصرة الحقّ والعدالة، ويصنعون للعالم حريته وديمقراطيته، ويواجهون فاسدين ومجرمين في مجتمعهم المثقل بالخيبات والأوجاع والمرارات المُختلفة. وإذا بدا ستالون أبرز هؤلاء في صوغه علاقة ما بالتحوّل المجتمعي، فإن الآخرين (شوارزينيغر وصراعه الدائم ضد الشرّ المقبل إلى الأرض من الفضاء الخارجي أو من الإرهاب العالمثالثي مثلاً، سيغال المتورّط في مكافحة جرائم القتل والسرقات وتلويث البيئة إلخ.) حاولوا أن يجمعوا، في أفلامهم، لغة التشويق والمغامرة والعنف بمواقف حياتية ظلّت مبتورة لصالح الشكل. بهذا المعنى، لم يكن سيلفستر ستالون غريباً أو متميّزاً إلاّ بقدرته على تجربة أدوار أكثر جدّية وحساسية فنية ودرامية، تماماً كآرنولد شوارزينيغر، الحاكم الحالي لولاية كاليفورنيا، الذي أقدم على تجربة كوميدية لم تكن سيئة بقدر ما أظهرته ممثلاً قادراً على التحرّر، ولو قليلاً، من عضلاته. بدا سيلفستر ستالون، المشحون بعضلاته وقدراته الجسدية المستمدّة من تدريباته الرياضية الكثيرة، وكأنه المنقذ الوحيد (!) للأمة الأميركية وللحلم الأميركي وللشعب الأميركي من أي غزو خارجي، والنموذج الأصلح لمعنى التفوّق الفردي والقدرة على مقاومة الفقر والبؤس والعزلة والألم، وتعبيد الطريق أمام الذات للوصول إلى الشهرة والمكانة المرموقة في المجتمع. من دون تناسي أنه أدان (!)، أقلّه في الجزئين الأولين من <<رامبو>>، الإدارة الأميركية في حربها في فيتنام، قبل أن يتحوّل، في الجزء الثالث من هذه السلسلة، إلى أحد أبطالها الأشاوس في التمرّد الأفغاني ضد السوفيات. شخصيتان سينمائيتان لكن، هل يُمكن اختصار السيرة المهنية لسيلفستر ستالون، الذي وُلد في نيويورك في السادس من تموز 1946، بهذه الرؤية السياسية والاجتماعية؟ هل يُمكن إيجاد مبرّر ما لهذا الإسقاط النقدي المتلائم والشخصيتين الأساسيتين اللتين صنعتا حضوره العالمي، أي الملاكم روكي بالبوا والجنديّ جون رامبو؟ ألم تكن الولايات المتحدّة الأميركية، في الفترة نفسها التي شهدت الولادة السينمائية لهما (في منتصف سبعينيات القرن الفائت بالنسبة إلى الأولى، ثم في منتصف ثمانينيات القرن نفسه بالنسبة إلى الثانية)، محتاجة إلى مزيد من الدعم الفني الذي تُقدّمه هوليوود لها في <<نضالها>> التاريخي ضد <<امبراطورية الشرّ>> (رامبو 3، تحديداً)، أو في إعادة تشكيل صورة إنسانية ما على خلفية مساعي الفرد إلى تحقيق وجوده في قلب الجماعة، باعتماد شبه مطلق على ذاته، وعلى عضلاته في أحيان كثيرة (روكي)؟ أم إن المسألة كلّها مرتبطة بالحظّ، وبقدرة المسؤولين عن سياسة التسويق الهوليوودي والترويج الإعلامي لمنتوجها البصري على اغتنام الفرص أو صنعها في الوقت المناسب؟ أياً يكن، فإن سيلفستر ستالون، الذي يستعدّ حالياً لإعادة إحياء رامبو وروكي معاً في السينما الهوليوودية بعد غياب طويل، ارتبط بقوّة بهما على مستوى النجومية العالمية. ولعلّ الأفلام الكثيرة التي أنجزها منذ تلك الفترة، والمتنوّعة الأشكال والمضامين، لم تنجح في نزع الصورتين هاتين عنه، على الرغم من أنه قدّم تنويعاً جمالياً متواضعاً للغاية، كمثل دوره في <<أرض الشرطة>>، الذي أنجزه جيمس مانغولد في العام 1997، ومثّل فيه إلى جانب هارفي كايتل وروبرت دي نيرو وراي ليوتا. ذلك أن هذا الفيلم، الذي أشاد به عددٌ من النقّاد، جاء بعد فشل تجاري ذريع عرفه الممثل في فيلم <<ضوء النهار>> (1996) لروب كوهن، الذي بلغت تكاليف إنتاجه ثمانين مليون دولار أميركي، بينما لم تصل إيراداته الأميركية إلى نصف هذا المبلغ، مما حتّم على ستالون أن يُخفض من أجره البالغ عشرين مليوناً عن كل دور، إلى ستين ألف دولار أميركي فقط عن دوره كرجل شرطة شريف ومستقيم يُدعى فريدي هفلن، يتولّى رئاسة مركز للشرطة في مدينة صغيرة تقبع على الضفّة الأخرى من النهر، اختارها شرطيون وتحرّيون <<فاسدون>> لإقاماتهم وعائلاتهم فيها. يُذكر أن <<أرض الشرطة>> حقّق نحو خمسة وأربعين مليون دولار أميركي في عروضه الأميركية في 2233 صالة. فيلما العودة إذاً، يستعدّ ستالون للعودة إلى دوري روكي ورامبو. ذلك أن الممثل، المدين لهاتين الشخصيتين، أمضى أعواماً طويلة وهو ينتظر الفرصة المناسبة لاستعادة أجواء تلك الفترة الغنيّة بنجاحاته السينمائية، بفضل الأجزاء المتتالية، كما بفضل ظروف متنوّعة ساهمت، مع هوليوود نفسها، في تأمين نجاحات تجارية، أي جماهيرية، كبيرة، أوصلته إلى النجومية المعروفة، وإلى <<أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية>> في لوس أنجلوس، التي منحت إطلالته الأولى في شخصية الملاكم روكي بالبوا ثلاث جوائز <<أوسكار>> في العام 1976 (أفضل فيلم، أفضل إخراج لجون أفيلدسن وأفضل مونتاج لريتشارد هالسي وسكوت كونراد). ففي كانون الأول المقبل، وبعد خمسة عشر عاماً على إنجازه الجزء الخامس، يبدأ ستالون تصوير الجزء السادس من <<روكي>> بعنوان <<روكي بالبوا>>: يروي الفيلم حكاية الملاكم الذي بات عجوزاً ووحيداً بعد رحيل زوجته آدريان، والذي يحظى، على الرغم من كل شيء، بفرصة جديدة لخوض مباراة أخيرة في الملاكمة، من خلال لعبة فيديو <<لا شكّ>> في أنه ينتصر في نهايتها على خصمه. وُلد روكي بالبوا في جزء أول في العام 1976 (حقّق نحو 117 مليون دولار أميركي في عروضه الأميركية)، وأطلّ في جزء ثان بعنوان <<الثأر>> (1979) محقّقاً إيرادات أميركية بلغت نحو 85 مليون دولار أميركي، ثم في جزء ثالث بعنوان <<عين النمر>> (1982)، بلغت إيراداته من الصالات الأميركية أكثر من 125 مليون دولار أميركي بقليل. أما الرابع (1985)، الذي تناول الحرب الباردة على حلبة ملاكمة بينه وبين الملاكم الروسي إيفان دراغو (دولف لاندغرين)، فحقّق نحو 128 مليون دولار أميركي، وبلغت الإيرادات الأميركية للجزء الخامس (1990)، الذي أنجزه جون آفيلدسن في مشاركته الثانية في هذه السلسلة، مقدّماً فيه روكي ملاكماً مدمَّراً ومستهلكاً، 41 مليون دولار أميركي فقط. يُذكر أن الممثل نفسه كتب سيناريوهات الأجزاء الخمسة كلّها، وأنه أعاد كتابة سيناريو الجزء السادس مراراً، قبل أن يحصل على قرار إيجابي بتنفيذ المشروع، من قبل شركتي <<كولومبيا>> و<<مترو غولدوين ماير>> واستديو <<ريفوليوشن>>، علماً أن المنتجَين التاريخيين لسلسلة <<روكي>>، إيرفين وينكلر وروبرت شارتوف، سيكونان المنتجَين المُنفّذين للفيلم الذي ستُصوّر مشاهده في لوس أنجلوس وفيلادلفيا، بحسب ما أعلنته المجلة الأميركية المتخصّصة بالشأن السينمائي <<فارايتي>>. ونقل الموقع الإلكتروني للشبكة التلفزيونية الأميركية <<سي أن أن>> عن جو روث (مؤسّس استديو <<ريفوليوشن>>) قوله إن السيناريو الجديد أعاده <<حقيقة إلى روكي الأصلي>>، مضيفاً أن روكي <<كبطل قديم، بات رجلاً منظّماً وعادياً يبحث عن نفسه، ويسعى إلى الاتفاق مع الحياة الحقيقية>>، منتهياً إلى القول إن <<هذا الفيلم يُقدّم قصّة روكي بدائرتها الكاملة>>. أما ستالون، فقال (بحسب الموقع نفسه) إن الجزء السادس يتعلّق بكل واحد <<يرغب في المشاركة في جذر الحياة، مفضّلاً ذلك على مجرّد التفرّج عليها>>. أضاف ستالون: <<لستَ أبداً عجوزاً كفاية لتتسلّق جبلاً، إذا كنتَ ترغب في ذلك (حقّاً)>>. من ناحية أخرى، فإن ستالون بدأ كتابة قصّة جديدة للشخصية الثانية التي قدّمها في سلسلة من ثلاثة أفلام فقط، هي شخصية الجندي الأميركي جون رامبو، التي ظهرت على الشاشة الكبيرة للمرّة الأولى في العام 1982 بعنوان <<دم أول>> لتد كوتشيف (حقّق نحو 47 مليون دولار أميركي). لم يُكشف عن مضمون الجزء الرابع لغاية الآن، لكن هذه الشخصية العسكرية، المحتاجة بدورها إلى تدريبات رياضية وقتالية وبطولية (أي إلى <<عضلات>>)، قدّمت صورة حيّة عن المواجهة والانتصار في حقول القتل والمعارك والحروب. فمن فيتنام، أطلّ جون رامبو ملطّخاً بالعار والخيبة، قبل أن يعود إليها في مهمة لم تكن مستحيلة بالنسبة إلى من أبدى استعداداً مطلقاً لبذل الذات من أجل الآخر، وهو ليس إلاّ مجموعة من رفاقه الجنود الأميركيين الذين تخلّت عنهم قيادتهم في أرض المعركة، وذلك في جزء ثان بعنوان <<دم أول: 2>> (1985) لستالون نفسه (حقّق نحو 150 مليوناً ونصف مليون دولار أميركي من عروضه الأميركية فقط). وإذا بدا هذان الجزآن إدانة (!) مبطّنة للتورّط الأميركي (السياسي والعسكري) في <<حقول القتل>> الفيتنامية، فإن الجزء الثالث <<رامبو 3>>، الذي أنجزه بيتر ماك دونالد في العام 1988 (حقّق في الصالات الأميركية 53 مليوناً و715 ألف دولار أميركي)، يلتقط نبضاً بطولياً من وجهة نظر سياسية أميركية التقت، حينها، <<الثوّار الأفغان>> في حربهم الدموية ضد الشيطان الأحمر، أي الاتحاد السوفياتي، الذي ازداد حضوراً عسكرياً في أفغانستان منذ نهاية السبعينيات المنصرمة. ينتظر محبّو <<روكي>> إطلاق العروض العالمية للجزء السادس، الذي يُتوقّع أن يحدث في صيف العام المقبل، بالتزامن مع العيد الستين لميلاد ستالون. ومحبّو <<رامبو>> ينتظرون، بدورهم، الجزء الرابع من هذه السلسلة التي أخذتهم إلى رحاب عالم متكامل من العنف والبطولات والمواقف الإنسانية والأخلاقية المُغلّفة بشريط دموي وبتقنيات التشويق، من دون أن يتوصّل المضمون <<الفكري>> إلى فرض حضوره بسبب إمعان منفّذي هذه السلسلة في الاهتمام بالشكل المعتمد في صنع هذا النوع من الأفلام الحربية، على حساب النصّ الدراميّ. السفير اللبنانية في 27 أكتوبر 2005 |
نحو مكتبة سينمائية عربية نديم جرجوره إلى أي مدى تحتاج السينما في العالم العربي إلى كتب ومجلات تقدّم للقارئ العربي نقداً أو دراسة أو تحليلاً أو حواراً أو معلومة؟ بمعنى آخر، هل تجد هذه الكتب والمجلات المتخصّصة بالشأن السينمائي العام رواجاً ما، أو قبولاً معيناً من قبل المشاهدين/القرّاء؟ ما الذي تُقدّمه المطبوعات المذكورة للمُشاهد/القارئ؟ لا شكّ في أن السينما العربية محتاجة إلى مزيد من الدراسات والقراءات النقدية والحوارات المعمّقة التي تسعى إلى تفعيل ثقافة سينمائية خاصّة بالنتاج السينمائي العربي، ومواكبة <<صناعة>> الفيلم، وإقامة تواصل حيّ بينها وبين الصناعات الأجنبية، والبحث في الجوانب التي يُمكن لهذه الصناعة العربية أن تستفيد منه في النتاج الغربي. ولا شكّ أيضاً في أن السينما العربية تفتقد مواكبة نقدية جادّة ودورية، بحيث تتكامل صناعة الفيلم والمقالة النقدية والدراسة التحليلية والحوار الجادّ في خلق مناخ ثقافي لا يكتفي بالمُشاهدة فقط، بل يذهب إلى عمقها من خلال النقاش المفتوح على الاحتمالات الثقافية والفنية والدرامية والتقنية والجمالية كلّها، وعلى التفاصيل السياسة والاجتماعية والإنسانية والعلمية المختلفة. إذا بدت الحاجة ملحّة إلى وجود مجلّة متخصّصة وكتب نقدية وعلمية تبحث في الصناعة السينمائية العربية إلى جانب الترجمات الغنيّة بالعلم والمعرفة، فإن سؤالاً آخر لا بُدّ من الإشارة إليه: هل هناك سياسة سليمة خاصّة بتوزيع الكتاب والمجلة العربيين في السوق العربية؟ ألا يشبه هذا الواقع المزري غياب سياسة سوية لتوزيع الفيلم العربي في السوق العربية أيضاً؟ ليست المرّة الأولى التي يُثار فيها موضوع كهذا، إذ إن المكتبة السينمائية العربية لا تزال محتاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث التي تُعنى بشؤونها المختلفة، ولا تكتفي بالترجمة فقط. وإذا بدت المكتبة المصرية أغنى وأشمل، بصرف النظر عن المستوى النقدي لهذه الدراسة أو ذاك التحليل أو تلك المجلّة، فإن هناك تجارب مشابهة يقوم بها مهتمّون بالسينما في دول عربية وغربية لا تجد طريقاً إلى التواصل الجدّي مع الدول والعواصم <<البعيدة>> عنها جغرافياً وسياسياً وثقافياً. بمعنى آخر، فإن مطبوعات دورية أو شبه دورية تصدر في دول المغرب العربي لا توزّع في مدن المشرق والخليج العربيين، على الرغم من جدّيتها، علماً أن غالبيتها تهتمّ بالنتاج السينمائي المغربي، أي بالمشهد الثقافي والفني المحلي، وهذا مهمٌ بحدّ ذاته، إذ إنه، في حال تمّ توزيع المطبوعات في دول عربية أخرى، يُقدّم ملخّصاً (ولو نظرياً) عن الحركة السينمائية المغاربية. ولعلّ المغاربة يعانون أيضاً نقصاً في التواصل مع النتاج النقدي والصحافي المشرقيّ عموماً، والمصريّ تحديداً. ألا يحقّ للمهتمّ العربي بسينماه <<القومية>> (من خليجها إلى مغربها) الاطّلاع على المطبوعات السينمائية المتنوّعة، كما على الأفلام العربية المختلفة؟ أليست هذه وظيفة الموزّع، سواء عمل في مجال الكتب أم اهتمّ باستيراد الأفلام إلى بلده؟ السفير اللبنانية في 27 أكتوبر 2005 |