سعيد أبو معلا** |
تجربة سياسية محسوبة لعادل إمام القاهرة ـ من كمال القاضي بين الأعمال الدرامية الرثة والكوميدية الفجة التي تملأ دور العرض السينمائية.. وبينما يتابع المثقفون علي الجانب الآخر تطور الحركة السياسية وغضب الجماهير، ويرصدون عن كثب المتغيرات التي طرأت علي العلاقة بيننا وبين العدو الصهيوني وبروز بعض العناصر للترويج لحركة السلام والدعوة للتطبيع الثقافي.. جاءت صيحة عادل إمام الدرامية لتنقل لنا حركة الشارع السياسي وتضع دوائر حمراء حول الخلافات الناشئة بين السلطة والمثقفين عبر تداعيات الأحداث التي صاغها السيناريست يوسف معاطي في فيلمه الجديد السفارة في العمارة بسخرية ابتعدت واقتربت من المعاني المستهدفة وفتحت أفاقاً جديدة لمفهوم التطبيع عند العامة والبسطاء من الناس، حيث لعب يوسف معاطي علي فلسفة الشعور لهؤلاء الذين يرفضون قبول أي تعامل مع إسرائيل حتي وإن لم يكونوا ملمين بطبيعة الرفض وأصوله الجذرية.. وفي هذا الإطار قسم يوسف معاطي المجتمع إلي شرائح وطرح قضيته علي الملأ لتكون محل استفتاء من كافة الطبقات بادئا لعبته من شريف خيري، ذلك المواطن المصري الذي يعيش في إحــدي الدول الخليجية ولا تربطه بمصر سوي خــيوط دقيقة تمثلها ذكرياته مع الأصدقاء وملامح من جلسات الأنس والفرفشة.. يذوب شريف المهندس المختص في آبار البترول في ثقافة المجتمعات الثرية ويصبح إنسان منفصل عن الهموم السياسية والاجتماعية لا يشغله سوي ملذاته وشهوته الخاصة وطفل فلسطيني صغير يطل بعينيه علي الواقع العربي المتردي، ويذكره بما يدور في الأراضي المحتلة وسط صمت الحملان الذي يخيم علي الزعماء العرب ولكنه لا يبالي لجهله بالقضية وبعده الذي قارب علي ربع قرن عن الوطن الأم مصر . يلقي المخرج عمرو عرفة الضوء علي عبثية شريف خيري وشغفه الزائد بالنساء ليكون مقدمة للتحول الذي يعتري حياته فيما بعد إثر اكتشاف علاقته بزوجة مدير شركة النفط الأمريكية التي يعمل بها في دولة الإمارات والتي ترتب عليها ترحيله دون عودة لمصر ليفاجأ بوجود قوات أمن مكثفة وحراسات مشددة بمدخل العمارة التي يقطنها خصصت لحماية السفارة الإسرائيلية، ليتلقي شريف أول صدمة له بالقاهرة وهو يري العلم الإسرائيلي يرفرف في البلكونة المجاورة لشقته مباشرة.. وهنا يدخل شريف في طور إنساني جديد ويساوره القلق وتعلو وجهه الدهشة والحيرة من إمكانية التعايش القسري مع الأعداء تحت سقف واحد، ولأنه إنسان مسالم وغير مُسيس يترجم رفضه بالتفكير في بيع الشقة مستعينا بصديقه المحامي أحمد راتب الذي يحول مأساة شريف الشخصية إلي قضية قومية يقف فيها الرأي العام حكماً ما بين شريف والسلطة الأمنية والسياسية بعد فشل محاولة بيع الشقة، وبذلك يدخل بنا يوسف معاطي وعمرو عرفة إلي دائرة أوسع لنصبح طرفا في القضية الكلية ونرقب باهتمام تملق السلطة لشريف وتواطؤها معه من أجل تمرير القضية الحرجة وعدم الصدام بالجماهير، وكذلك نرصد ابتزاز شريف الساذج لها والقائم علي تلبية الاحتياجات الأولية من مأكل ومشرب وفك الطوق الأمني وتسهيل الزيارات النسائية الخاصة لشقته دون الإمعان في التفتيش والإجراءات الاحتياطية.. يرسم معاطي مجموعة مشاهد للتواطؤ المتبادل بين الطرفين ، ولكنه يجنح دون ضرورة حتمية للسخرية من الرموز الوطنية والتيارات السياسية ودور الصحافة المعارضة، فيضع قصيدة أمل دنقل لا تصالح التي جسدت أسمي معاني الرفض والاحتجاج في سياق كاريكاتيري ساخر ويشير إلي اسم الشهيد المناضل شهدي عطية بما لا يشرفه ولا يتسق مع دوره السابق في التضحية والفداء، فقد قدمه بوصفه مسخة و أضحوكة .. شخص مهزوز مجرد من ثيابه يثير الشفقة أكثر ما يثير الإعجاب، علي عكس الحقيقة بالطبع.. كذلك نوه عن أسماء حقيقية مازالت تمارس دورها بجدارة علي الساحة السياسية، فضلا أنه وصم جناح اليسار الثوري بالهستريا و الادعاء، بالتثاقف و أيضا ألمح السيناريست إلي جهل وحمق التيار الديني الذي حاول استقطاب شريف ودفعه للقيام بعملية إرهابية وتفجير نفسه في السفارة الإسرائيلية.. كل هذه الإشارات والدلالات جاءت في غير موضعها الطبيعي وبدت كأنها تصفية حسابات وتسفيها لكافة القوي الوطنية باختلاف ألوانها، الأمر الذي جعل جمهور المثقفين ينقسم علي نفسه ويقف بين مؤيد ومعارض للفيلم وفكرته التي احتوت علي بعض المفاهيم الملتبسة وأعطت الفرصة لرفضه برغم ما به من إيجابيات كثيرة، لعل أهمها تحالف البطل مع العناصر الرافضة للتطبيع متمثلة في الفتاة اليسارية التي كانت تقود المظاهرات داليا البحيري و تنامي العلاقة العاطفية بينهما بما يوحي بعزوف البطل شريف عن حياة الفوضي والاستهتار وانتمائه إلي جبهة الرفض ضد سلطة الدولة وأشكال التعايش السلمي الموقع عليها في اتفاقية كامب ديفيد ، كما أن هناك ما يبرئ عادل إمام أو شريف خيري من ممالئة الحكومة ومسك العصا من المنتصف، حيث كان مشهد طرد الإسرائيليين من شقته دالا وبليغا، فضلا عن انضمامه لصفوف المتظاهرين فور سماعه نبأ استشهاد الطفل الفلسطيني إياد الذي كانت تربطه به علاقة حميمة لها بالطبع دلالتها القومية والوطنية، غير ان وقوف عادل إمام بين قوات الأمن المركزي متحدياً ومصرا علي مرور المظاهرة كان له بالغ الأثر في تحديد هوية الفيلم ولابد أن يوضع ذلك في الاعتبار قبل أن نطلق الأحكام الجزافية لإدانة السيناريست والمخرج ونتهم عادل إمام بهدم الجدار الفاصل بيننا وبين إسرائيل أو أنه يروج لفكرة التعايش السلمي. و لكن لا يعني هذا قبول كل ما جاء بالفيلم فهناك العديد من التحفظات المتعلقة بكيفية المعالجة الدرامية وإنكار الأدوار البطولية والوطنية التي لعبتها التيارات السياسية ولا سيما التيار اليساري لكافة فصائله سواء كانت الاشتراكية الناصرية او الماركسية أو الأنظمة السرية. و بعيدا عن الخلافات الأيديولوجية فإن فيـــلم الســـفارة في العــمارة يمثل تجربة سينـــمائية فاـــرقة تضــاف لرصيد عــادل إمام المحسوب له وليس المحسوب عليه. القدس العربي في 13 أغسطس 2005 |
كلمة السر.. كوهين عادل إمام يلعب..علي كل سكان العمارة! سمير الجمل نجح عادل إمام في قلب موازين الموسم السينمائي الصيفي لعام 2005 بفيلمه "السفارة في العمارة".. بتركيبة سياسية لعبت علي كل سكان العمارة بأطيافهم واتجاهاتهم من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار.. وقال كلمة الناس ضد التطبيع مع الصهاينة فارتفع الفيلم وارتفع معه عادل في هوجة أفلام الاستظراف.. وبذلك وضع يده علي نجاح احدي "العمارتين".. حيث يعرض له خلال الموسم الشتوي فيلمه المثير للجدل "عمارة يعقوبيان". وهو يمثل عودة لسينما الأدب وكبار النجوم في محاولة سينمائية جادة لاعادة الاتزان الفني لأفلام فقدت عقلها. في الفيلم يلعب المهندس عادل إمام "شريف خيري".. علي الوتر المضمون وهو الضحك من خلال مشاهد مثيرة وظريفة مع النساء فهو رجل خلبوص أبعد ما يكون عن السياسة وهمومها.. ويعود إلي مصر مطروداً لسبب نسائي.. ويجد نفسه وجها لوجه امام السفير الإسرائيلي "كوهين" في نفس العمارة.. سيناريو الفيلم.. قسمه إلي جزئين.. الأول لمن يريد عادل إمام بوجهه الكوميدي المعتاد.. والثاني لمن يريد الجدية والمعني. الجزء الأول "شوربه".. ساخنة ومشطشطة ولكنه لا يغني عن الجزء الثاني الدسم.. ينجح يوسف معاطي في الامساك بالخيوط السياسية.. ويستثمر صداقة المهندس شريف.. برجل فلسطيني وابنه "إياد".. ان هذا الصغير واختياره في تلك السن "حوالي 10 سنوات".. كان ذكيا لانه رهان علي الانتفاضة ومستقبلها.. والعدو حتي عند أجيال الكمبيوتر والبليارودو ونانسي وعمرو دياب.. هو العدو الذي يعرفه الكبار جيلا بعد جيل.. ومن هنا جاء مشهد استشهاد "إياد" مؤلما وبليغا وانتهي الفيلم عنده.. وكانت المظاهرات التالية التي هتف فيها عادل مع الناس ضد إسرائيل وكما يقولون بلغة السينما "انتي كليمكس".. أي أنها زائدة.. لانها الحدث الأكبر هو استشهاد الصغير.. والمظاهرات رد فعل لما حدث لكن الضحك أقوي.. وكم في الفيلم من مشاهد جيدة الصنع والاتقان وها هي مدرسة عمنا الكبير الراحل سعد عرفة.. بعد أن قدمت لنا "شريف عرفة" بريمو الاخراج السينمائي تقدم لنا "عمرو" تلميذا نابغا في نفس المدرسة. نجاح الفيلم يعني الكثير.. فالجدية تفوز علي التهريج.. لأن الجدية فيها متعة وابتكار وموقف.. ونجاحه يعني ان عادل تفوق علي ابنه "رامي" بالفن وهو الذي قدم "بوحة" مخرجا مع محمد سعد وان كان الابن قد فاز بأعلي الايرادات. السياسة.. والقرموطي وكما يقول شباك التذاكر.. والغريب ان السياسة التي حققت هذا النجاح مع "عادل".. ضربت "القوموطي" في مقتل أقصد فيلم أحمد آدم "احنا بنتبهدل".. لانه بني الموضوع علي مغامرات وأسلوب القرموطي وهي شخصية لا تحتمل هذا البناء العالي فانهار الفيلم وكانت البهدلة.. والأغرب ان مؤلفه هو نفسه يوسف معاطي.. لكن شتان بين فكرة تركب رأس البطل.. ويزرعها زرعا بالعافية في رأس المؤلف وعلي سن قلمه.. وبين فكرة ينطلق الجميع نحوها المؤلف والبطل والمخرج وسائر العناصر الفنية.. وبأمثال هذه النوعية من الأفلام تتم عملية الاحلال والتجديد وتعود تدريجياً إلي السينما الحقيقية.. بعيدا عن حمادة الذي خرج يلعب ولم يعد وهنيدي الذي راح ومضي بسبب خالته رغم الملايين التسعة التي جمعها.. وحكيم الذي قدم فيديو كليب مدته 120 دقيقة منفردا وكلهم حوله "كمالة" و"أحمد الفيشاوي" الذي اختار سكة "فان دام".. وكل من عليها "فان". الجمهورية المصرية في 10 أغسطس 2005
|
السفارة فى العمارة.. فكرة جيدة قتلتها السذاجة فاتن محمد علي تعامل الكاتب يوسف معاطى مع قضيته الهامة التى طرحها فى فيلمه السفارة فى العمارة بشكل سطحى، حشد كل التوابل التى تجعل منه فيلما جماهيريا ينافس أفلام الإيرادات الكوميدية التى يجتهد عادل إمام لسحقها، وقد فلح بالرغم من ضعف الفيلم، ولكن تدنى مستوى أفلامهم كان له الفضل الأكبر فى تفوق السفارة عليهم، المهم أن معاطى وضع التوليفة السحرية التى يجيدها ويحبذها عادل إمام الجنس والافيهات الكوميدية وشوية كلام فى السياسة حيث يجسد شخصية شريف مهندس البترول الذى يعمل بدبى منذ أكثر من 20 عاما، دون جوان عصره رغم آثار السنين التى لم تفلح لمسات الماكيير فى اخفائها، ومع هذا فلم تفلت منه حسناء واحدة حتى زوجة رئيسه الأجنبية التى تتسبب فى طرده من دبى حين يكتشف زوجها علاقاتهما، وفى مصر التى يعود اليها مرغما يصطدم بمواقف غريبة لا يستطيع تفسيرها حتى يصل لعمارته التى تصل فيها الإجراءات الأمنية لذروتها وتتكشف أمامه الحقيقة حين يعرف أن السفارة الإسرائيلية فى الشقة الملاصقة له غير انه لا يعنيه شيء من هذا كله سوى أنها ستؤثر على رفيقات الليالى الحمراء اللاتى لا يستغنى عنهن، ولكن حين تحل الجهات المصرية الامنية هذه المشكلة وتلبى له كل احتياجاته بدءا من الطعام والكيف له ولأصدقائه، وصولا إلى تمرير رفيقاته، كل هذا من اجل أن يبتسم فى وجه السفير الاسرائيلى حين يراه، وهنا يحسب للكاتب إظهار موقف الدولة الرسمى من التطبيع والمتمثل فى شخصية لواء المخابرات خالد زكى، الذى يذكره باتفاقية كامب ديفيد.
يشعر شريف بعدم الأمان ويفكر فى بيع الشقة التى يرفضها السمسار، رغم أننا
لم نعرف سبب رفضه هل موقف وطنى أم لا؟ بعكس بائع الفطير الذى رفض إرسال
فطيرة لشريف ولعنه لأنه جار السفارة، ولكنه عاد وتراجع بلا أى مبرر درامى!
ونرى المخرج وقد اجتهد كثيرا ليظهر بحرفية وذكاء فيصور فى لقطة كبيرة وقريبة وبطريقة التصوير البطئ كيف تسلل هؤلاء المتطفلين الى شقة شريف وغطوا كل بوصة فى الشقة ونرى شريف وهو يجتهد ليخرج بصعوبة من وسط زحامهم الخانق تاركا لهم الشقة، ولكن تأتى اللحظة الفارقة حين يشاهد فى التليفزيون مع أفراد الأمن فى مدخل العمارة مظاهرة فلسطينية وقد حمل المتظاهرون الطفل أياد - ابن صديقه فى دبى والذى تربطه به علاقة انسانية حميمة - يراه شهيدا فيثور ويصرخ ده أياد صاحبى وحبيبى وتأتى لحظة التطهر ويصعد السلم مهرولا إلى شقته ليطرد ضيوف السفارة الذين احتلوا شقته، فقد شعرنا أننا ربما نستطيع طرد العدو الصهيونى من بلادنا، وينسحب هذا الرأى على مشهد تعاطف ضابط الأمن مع شريف أثناء المظاهرة ما أشعرنا بأنه فى وقت تصاعد المشاعر تتلاحم هذه القوى مع الجماهير وهذا استشراف آخر يحسب للمؤلف. يصر صناع الفيلم على انه فيلم سياسى ضد التطبيع غير انه اضر بالقضية أكثر ما افادها، ولكن فى النهاية نحن لا ننكر أننا ضحكنا وان كنا لا نعرف على ماذا ضحكنا!! العربي المصرية في 10 أغسطس 2005 |
هل فعلا ما يطرحه فيلم "السفارة في العمارة" هو فكرة: لماذا يرفض المصريون التطبيع مع إسرائيل؟ وأن الفيلم يشكل حالة فنية رافضة للتطبيع وسط الزخم الرسمي الاقتصادي والسياسي العربي السائر في اتجاه إسرائيل؟. قبل الإجابة على هذا السؤال الذي يؤكد الكثيرون أنه فعلا يطرح الإجابة عليه، لا بد من الخوض في تفاصيل الفيلم الذي يقوم ببطولته عادل إمام، وأخرجه عمرو عرفة، وتأليف يوسف معاطي، على اعتبار أن تفاصيل أي عمل فني هي التي تشكل جوهره ومضامينه وتأثيراته على المتلقين. معمارية القصة تبدأ دقائق الفيلم الأولى بسحر الإمارات؛ حيث الأبراج والمباني الشاهقة والمناطق السياحية الفخمة والخيالية، وذلك برفقة موسيقى عمر خيرت التي جذبت الجميع منذ بداية العرض وحتى نهايته، أما "شريف خيري" (عادل إمام) فهو مهندس مصري يعمل في شركة بترول أجنبية، له صديق فلسطيني لديه طفل اسمه "إياد" يرغب في العودة إلى وطنه الذي لم يره ليشارك في الانتفاضة، ويخوض شريف مغامرات جنسية مع نساء عدة، وعلى خلفية مغامراته مع زوجة مديره الأجنبي يُطْرد من عمله ليعود إلى مصر. يعود شريف إلى القاهرة ليجد أن السفارة الإسرائيلية في جوار منزله، فيسعى للهروب من شقته وتركها ولذا يقرر بيعها، فيلجأ إلى أحد أصدقائه القدامى الذي يرتب له أمور البيع لكن التاجر يرفض شراءها، عندها يشعر شريف أن حريته مقيدة؛ فهو لا يستطيع أن يبيع الشقة، كما أن حريته أصبحت أكثر تقييدا بسكنه في هذه الشقة بعدما أُطلق صاروخ على السفارة الإسرائيلية أصاب شقته هو، ومن ثم لم يجد ملجأ إلا القضاء، فيرفع دعوى للمطالبة بطرد السفارة من العمارة التي يقطنها. البطل شريف البعيد كل البعد عن السياسة، والذي لا يهمه غير الركض وراء النساء يتحول إلى بطل شعبي في نظر الجميع؛ حيث يضطر للمشاركة في المظاهرات، ويظهر على الفضائيات ويرفع المواطنون صوره، ويحتك بالفعاليات الوطنية والأهلية الرافضة للتطبيع مع إسرائيل دون أن يكون على قناعة بما يفعل. السفارة الإسرائيلية تتدخل وتقوم بعملية ابتزازه لإسقاط القضية، وتستطيع من خلال استغلال نقطة ضعفه المتمثلة في شغفه بالنساء؛ حيث تقضي معه سيدة إسرائيلية ليلة حمراء بعدها يتعرض للابتزاز والتهديد بفضحه بعد أن قام الإسرائيليون بتصويره، ويطالبونه بالتنازل عن القضية، فينصاع لهم، ومن ثم يتحول إلى خائن وعميل وشخص منبوذ من الجماهير. وفي إحدى المرات يطلب منه السفير الإسرائيلي (لطفي لبيب) فتح شقته لضيوفه في أحد الاحتفالات مستخدما التهديد ذاته، فيخرج من شقته مقررا السفر مرة ثانية، وعندها يجد حراس العمارة منهمكين في متابعة الأوضاع داخل الأراضي الفلسطينية؛ حيث تظهر صور متظاهرين يحملون الصبي إياد -ابن صديقه في الإمارات- شهيدا، هنا يبدأ التحول الدرامي الكبير، فيصعد بسرعة ويطرد السفير وضيوفه غير مبال بأي شيء، ويتحول إلى مشارك فعال في التظاهرات الرافضة لسياسة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية. كوميديا بطعم السياسة ورغم أن الفيلم يحمل نكهة سياسية، لكننا لا يمكن أن نطلق عليه توصيف "الفيلم السياسي"، فوجود بعض الأفكار السياسية التي يطرحها فرضتها طبيعة القصة، ولا تؤهله ليُمنح هذا اللقب، فهدف الفيلم لم يكن هدفا فكريا، كما أنه لم يقصد التعامل مع قضية جدلية أو طرحها؛ بل كان الهدف الواضح في الفيلم كوميديا بحتا عبر فكرة جديدة تكون مصدرا للمواقف والمفارقات التي تدفع إلى الإضحاك. وعلى أية حال لم يكن الفيلم يهدف إلى توضيح أسباب رفض المصريين للتطبيع، كما يروج له مسوقوه، كما أنه لم يكن يدعو إلى التطبيع مع إسرائيل، أو للدقة أكثر لم يفهم المشاهدون منه أي دعوة للتطبيع، وهذا ما يفسر تصفيقهم الحار بعد انتهاء العرض. الفيلم في حقيقته هو عبارة عن خليط كوميدي مطعم بالسياسة، وليس العكس، وهناك فرق بين الاثنين؛ حيث حشر بالثانية (السياسة) من أجل الأولى (الكوميديا)، وهذا ظهر بوضوح عبر تناول القصة بسطحية دون معالجة حقيقية أو تحديد للأسباب الرافضة للتطبيع، إضافة إلى المباشرة في تقديم فكرته التي اقتربت كثيرا من السذاجة والتقليدية. الجنس وشباك التذاكر البطل المطلق أو "الزعيم" كما يطلق المصريون تلك التسمية على عادل إمام أراد أن يظهر بشخصية عادية وبسيطة، أو هكذا قدم عبر وسائل الإعلام، وهذا هو الهدف المعلن من فنه؛ أي أن يعكس حياة المواطن المصري البسيط، لكننا نكتشف أنه لم يظهر من هذا شيء في الفيلم، فقد قدم شخصا يتجنب الخوض في السياسة، ورغم صحة هذه العبارة لدى عامة الناس غير أن هناك حدا أدنى من الوعي السياسي تجعل المواطن البسيط يفرق على الأقل بين التطبيع وغيره. فالبطل كان "غير عادي" هذه المرة؛ كان مواطنا منافقا، شهوانيا لا يبحث إلا عن الجنس الذي يجده في إحدى المرات التي شارك فيها في التظاهرات المضادة للتطبيع، وكل المواقف نصف الجنسية -إن جاز لنا التعبير- التي ظهرت في الفيلم كانت مفتعلة لدرجة كبيرة، فظهر هدفها بوضوح الرغبة في كسب شباك التذاكر ليس إلا، وهذا يظهر من خلال اعتماده الكامل عليها في "اختراع" الضحكة، فهو يتعرض مثلا للصعوبة التي تواجه شريف أثناء اقتياده لفتاة ليل إلى شقته كموقف كوميدي، في حين لا يتعرض الفيلم للصعوبة التي من المفترض أن يجدها أصدقاؤه عند الدخول للعمارة. والخطورة هنا هي أن الجنس المفتعل يُطرح كوجبة "دسمة" للحصول على الضحك، وفي هذه المرة البطل الذي "أعلن" أنه مواطن عادي بسيط، وفي حقيقته شخص توجهه شهواته الجنسية، يتحول إلى بطل وطني وشعبي ترفع الجماهير صورته، ولا أدل على ذلك إلا عبارة الضابط قائد الحراسة على العمارة: "لم أر شخصا وطنيا أكثر منك في حياتي!!!". تبدل الشعار أبرز ما يلحظ المشاهد في الفيلم هو هذا التحول والتبدل في الشعارات من "لا للتطبيع" إلى "لا لأعداء السلام"، "لا للاحتلال"، فمجمل الشعارات التي رفعها المتظاهرون والبطل في نهاية الفيلم كانت تدور حول هذه الثنائية، ولم تقترب من قضية التطبيع أبدا. المشكلة بحد ذاتها ليست هنا بل فيما هو أعظم من ذلك؛ فالبطل في بداية الفيلم كان يشارك في المسيرات والاحتفالات المناهضة للتطبيع بصورته السلبية وبعدم إيمانه بما يفعل، فلا اهتمام بالسياسة، ولا وعي بقضايا الوطن، وبعد أن يتبدل الحال يتحول من مناهض للتطبيع إلى مناهض لسياسة إسرائيل في فلسطين ليس إلا، بعد رؤيته لاستشهاد الطفل إياد. تحيز في الخطابات الفيلم حمل مضامين كثيرة، كما تنوعت خطاباته، وهنا ظهر للجميع أنه تحيز لطرف على حساب طرف آخر، وهذا يمكن أن نلحظه من خلال: إظهار رافضي التطبيع (يساريين، إسلاميين، قوميين) بالمهرجين والعاطفيين، والسذج، والهمجيين، والانتهازيين في أحيان أخرى، وظهر ذلك جليا في الشخصيات التي ركز عليها وقدمها بصورة كوميدية مبالغ بها؛ فهم مصدر للمواقف الكوميدية عبر خطاباتهم، وتزمتهم بمواقفهم، وعدائيتهم، وعدم تعاملهم بمنطق مع الأحداث، وعدم وضوح رؤيتهم. الأمر تعدى ذلك لتظهر صورة المثقف المصري من خلال شخصية الصحفي "الحشاش" الذي يعمل في صحيفة "لا"، ويحمل شعار "خلقنا لنعترض"، بالمتمسك بقراراته "المثالية"، والتي لم تظهر بأنها تستند على أي منطق إلا منطق الشعارات العاطفية المكرورة، والانفعالات الزائدة التي أدمنها الجمهور، وأصبح لا يتقبلها لكثرة سماعها. على العكس من ذلك ظهر الخطاب الرسمي الهادئ والمتزن في ثوب منطقي، "فالبلد ستصبح في أفضل حال لو أن كل شخص عرف نفسه ودوره". وفي تعامله مع البطل شريف أثناء رفضه للتعاطي مع واقع السفارة، رغم أن هناك متسعا في تناقضات الموقف الرسمي لخلق كوميديا سوداء، لكن الكوميديا وبمقدار ما ابتعدت عن الموقف الرسمي اقتربت من الرافضين للتطبيع، وقامت بتقديم بعضهم بصورة وصلت لحد الهمجية والغوغائية. رافق ذلك صورة المطبع وكلامه "الأنيق": "حنفضل أعداء لغاية إمتى، يجب أن نبني طالما الحرب قد انتهت"، وكأن سلوك باب التطبيع يقود للبناء والعمران والنهضة الاقتصادية، ما دام كلام الرافضين "لا يقدم ولا يؤخر في معادلة البلد" على لسان الخطاب الرسمي. رموز ودلالات رغم أن الفيلم جاء مشبعا بالكوميديا التي تعتبر ميزة أفلام هذا الصيف، غير أن الفيلم جاء مشبعا بالرموز، والدلالات المشهدية وحتى الموسيقية الموحية. بداية هذه الرموز ظهرت في شخصية البطل السلبية، إلى أن يقرر أن عيد ميلاده الحقيقي هو اليوم الذي يشارك فيه بالمسيرات الشعبية عن قناعة تامة، المفارقة في الشخصية السيئة حيث يصبح بطلا شعبيا من الجماهير داخل الفيلم، وهو في حقيقته مواطن مفرغ يسير وراء شهواته، فهذه الصورة قد تسبب لدى المواطن البسيط الصامت إسقاطا ما على الأبطال الحقيقيين الرافضين للتطبيع على أرض الواقع. الرمز الثاني نراه في مشهد الصاروخ الذي أصاب منزل شريف بدلا من أن يصيب السفارة المقصودة، وهذا عبر حوار ومشاهد حمل صورة سلبية لمواقف الرافضين للتطبيع من خلال التلميح بأن هذه الجهود تضر بالمواطن المصري أولا وأخيرا؛ فسياسة المقاومة للتطبيع تقود إلى أضرار مختلفة تصيب البلد، وهذه وجهة نظر رسمية بحتة لا يؤمن بها حتى منظروها. الدلالة الثالثة معبرة وقوية حملها الفيلم، تتمثل بمشهد استيلاء السفير الإسرائيلي على منزل شريف عبر ابتزازه ليستضيف ضيوفه فيه مؤقتا، فهذا المشهد قدم بصورة رمزية بارعة لسياسة الابتزاز، ورغبة السيطرة على المكان (وهنا منزل شريف كرمز)، فيدخل ضيوف السفير على كثرتهم المبالغ فيها، بينما صاحب المنزل يضيق به المكان لدرجة الاختناق، حتى إن الضيوف يحتلون غرفة نومه، وأمام ضحكاتهم وصخبهم عبر موسيقى موحية يخرج كالمخنوق ليغلق الحارسان الباب، في دلالة للسيطرة على المنزل. مواقف كثيرة لم تكن مقبولة للمشاهد حتى البسيط؛ منها صورة رجال الأمن وضباطهم وتعاطفهم التام مع المتظاهرين، أيضا صورة الإسلاميين المتشددين الذين يحاولون استغلال البطل لتفخيخه بغرض تفجير العمارة، أضف إلى ذلك لجوء الفيلم في سبيل حل عقدة الذروة عندما تقرر المحكمة البت في دعوى البطل على السفارة حيث اللجوء إلى سياسة الابتزاز من خلال الجنس، وهذه صورة نمطية قديمة كان الأجدر بالمؤلف البحث عن فكرة خلاقة تنهي تأزم الموقف وتنقذه دراميا. "فالشيطان" أو الطعم كان هذه المرة في تفاصيل العمل الفني والتي قد تغيب عن عيون المشاهدين المتسرعين، الذين لم يعتادوا على أعمال فنية ذكية، بل وجبات ضحك خالصة، وهكذا اعتقدوا في هذا الفيلم الذي قدم لهم -لا شعوريا- ما لا يرضونه أبدا. ** ناقد سينمائي. موقع "إسلام أنلاين" في 3 أغسطس 2005 |