محمد الأحمد:
دمشق ـ من أنور بدر |
يُمكن أن نلاحظ بسهولة غياب الطقس السينمائي عن حياتنا اليومية، لكننا نستطيع ببساطة أن نلاحظ عندما يعرض فيلم نوعي في صالاتنا الراقية ـ علي قلتها ـ كما حدث مع فيلم مملكة السماء لردلي سكوت في سينما الشام، أو التظاهرات السينمائية الأخيرة في دار الأوبرا، وهو ما يدفع بالبعض إلي إحالة الإشكالية علي غياب الفيلم الجيد، أو غياب الصالة الجيدة. وإذا كان المرسوم 2543 لعام 1969 قد حصر استيراد أو توزيع الأفلام في سورية بالمؤسسة العامة للسينما، فإنّ القانون رقم 549 لعام 2001 قد ألغي مرسوم الحصر دون أن يستطيع إلغاء كامل ذيوله التي تراكمت عبر ثلاثة عقود ونيف، وأهمها رثاثة صالات العرض وتدني إمكانياتها التقنية ومستواها العام. ولا بُد لنا من الاعتراف أنّ للقضية وجها عالميا، ففي فرنسا اجتمعت وزارة الثقافة مؤخراً بأصحاب دور العرض، للوقوف علي مشاكلهم والمساهمة في حلها، كما شكلت وزارة الثقافة والمحافظة علي التراث التونسية لجنة لإنقاذ صالات السينما التي تناقص عددها بشكل كبير في السنوات الأخيرة من (125) إلي (25) صالة حالياً، والوضع في سورية يبدو مُشابهاً، إذ بلغ عدد صالات السينما في سورية عام 1963 قرابة (120) صالة، لم يبق منها، الآن إلا (31) صالة كانت مهددة بالاندثار، لولا بلاغ صادر عن رئاسة مجلس الوزراء سنة 1984 يُهدد بمصادرة أي صالة ترغب بتغيير المهنة. وقد صدرت جملة من القرارات والإعفاءات الجمركية لتشجيع إقامة صالات سينما جديدة أو تحديث الصالات القديمة، إلا أنّ شيئاً لم يحدث من هذا أو ذاك، لأنه مازال يوجد الكثير من القوانين ينبغي إزالتها، ومازال متسع لإعفاءات كثيرة يجب مباشرتها، خاصة وأنّ بعض القوانين والضرائب تعود إلي عهد الانتداب الفرنسي مثلاً، والتي تصدت لنشاط المسرح السوري الانتقادي بوضع ضريبة ملاهي عليه وضريبة غير مقيم أيضاً شملت كل الأفلام المستوردة، مع أنّ الموزع الأجنبي تبدل مع الزمن، وأصبح سوريا، إلا أنّ الضريبة ما زالت تشمله كما لو كان أجنبياً. ورغمّ أنّ دور السينما مصنفة كمطرح ثقافي، وتتبع لإشراف وزارة الثقافة من خلال المؤسسة العامة للسينما، إلا أنها تعامل ضريبيا كأي مقهي أو ملهي ليلي، وتحتسب الضرائب عليه باحتساب عدد الكراسي وليس عدد الإشغالات، مما دفع بالكثير من أصحاب الصالات إلي نزع عدد كبير من الكراسي لتقليل الضرائب المفروضة عليهم، حتي أنّ عدد الكراسي بات اقل من 15 ألف كرسي فقط، لبلد قارب عدد سكانه العشرون مليوناً. والمسألة في احد جوانبها تتعلق بوزارة الثقافة التي فرضت ضرائب علي المستوردين ـ بعد إلغاء مرسوم الحصر ـ تراوحت بين (225) ألف ليرة سورية و(125) ألف ليرة للفيلم الواحد، جري تخفيضها لاحقاً إلي (50) ألف ليرة سورية فقط لأي فيلم مستورد، فلو تخيلنا أنّ صاحب دار عرض استورد عشرة أفـــلام فـــقط في العـــام الواحد، فهذا يعني أنّ عليه دفع مبلغ نصف مليون ليرة سورية للمـــؤسسة العامة للسينما، بغض النظر عن ربحية هذه الأفلام أو خسارتها معه. لكن الأدهي من ذلك يتعلق بجوانب أخري لا علاقة للمؤسسة العامة للسينما بها أو لوزارة الثقافة، فهنالك رسوم لصالح المؤسسة العربية للإعلان، دون أن تكون ملزمة بتقديم أي خدمة إعلانية لصالح الصالة أو الفيلم المستورد، إضافة لرسوم العمل الشعبي ورسم النظافة التي تعود لصالح وزارة الإدارة المحلية، ثم ضرائب الدخل علي الأرباح التي تخص وزارة المالية، مع العلم أنّ هنالك قانوناً يمنع الازدواج الضريبي، لكن الحنكة الضريبية تقوم علي تشتيت عائدية الضرائب بين وزارة الثقافة والإدارة المحلية والمالية والسياحة والجمارك والمحافظة، وليس الجمع بينها، علماً أنّ قسماً مهماً من هذه الضرائب يقع علي عاتق الزبون وليس صاحب الصالة، كرسم 10% من قيمة البطاقة لدعم السينما السورية، و50 قرشاً للعمل الشعبي، ونصفها للإدارة المحلية. وبالمقارنة نجد أنّ صالات السينما في فنادق الشام المقامة وفق المرسوم 10 لتشجيع الاستثمار مُعفاة من كل الضرائب السابقة، وهذا يخلق خللاً قانونياً، يجب تلافيه بإعطاء صالات العرض السينمائية الأخري إعفاءات موازية تسمح لها بهامش ربح يشجع علي إنشاء صالات جديدة، أو استصلاح القديم منها. ہہہہ السيد محمد الأحمد المدير العام للمؤسسة العامة للسينما يقول: مشكلة الصالات حقيقة ً هي مشكلة خارج صلاحياتنا، فأنا لا سلطة لي علي صالات القطاع الخاص، نحن سعينا لإلغاء مرسوم حصر الاستيراد، وأصدرنا قوانين وإعفاءات لتشجيع كل من يريد أن يحدث صالته، أو أن يبني صالة جديدة. المؤسسة العامة للسينما قامت بتحديث صالاتها في كل من حمص واللاذقية، وهي تتابع الآن تحديث صالة كندي دمشق، وستحدث صالة جديدة ضمن مشروع دمر السكني. ويتابع الأحمد قائلاً: يُخطئ من يظن أنّ مسألة الصالات مرتبطة بوزارة الثقافة حصراً، مسألة الصالات مرتبطة بمجموعة من الوزارات الأخري كالسياحة والمالية والإدارة المحلية وحتي محافظة دمشق أو المؤسسة العربية للإعلان. ما أريد قوله في هذا السياق ان وزارة الثقافة قدمت كل ما هو مطلوب منها لتنشيط آلية العمل السينمائي، لكن ما هو مرتبط بجهات أخري فإننا لا نملك القدرة الوصائية عليه. هناك تجربة مهمة نطالب بتحقيقها للخروج من إلزام صالات العرض القائمة باستمرار بقائها صالات خاسرة، وذلك بالسماح لأصحابها بتحويلها إلي مشاريع استثمارية، شريطة أن يحافظوا علي وجود صالة سينما ضمن البناء بشروط محدثة وجيدة، حتي لو كانت صغيرة. ففي سينما الزهراء مثلا ً ألفا مقعد، ونحن لا نحتاج هذا العدد الضخم من المقاعد، فكل صالات أوروبا لا تتجاوز الـ300 مقعد حالياً، فما المانع أن يُشاد برج تجاري علي ذلك العقار يُمكن أن يشمل مكاتب ومحال تجارية وبنوكاً واستثمارات كثيرة إضافة لدار عرض في القبو أو في احد الطوابق، فنحن لا نطالب بأكثر من ذلك. يجب منح تراخيص بناء أبراج لأصحاب الصالات كما حدث في مصر مثلاً، ويجب تقديم قروض بفوائد مُيسرة لدعم عمليات التحديث سواء لصاحب الصالة أو للمستثمر، يجب السماح لأصحاب تلك العقارات باستثمارها بالصورة المثلي، حتي في فرنسا أتذكر سينما غومو في الشانزلزيه كانت تتسع لحوالي 4500 مقعد، وهي عبارة عن مسرح ضخم جداً ودار عرض، أما الآن فقد تحولت إلي 12 دار عرض، وإلي محال تجارية وأمكنة ألعاب ـ استراحة ـ كافتيريا ـ وفي الطوابق الأخري هناك بنوك وشركات استثمارية، وهذا يجب أن يتحقق عندنا، فهو ضروري ومُلِح ويحتاج الي تضافر كل الجهود والوزارات مجتمعة، ومن الظلم الشديد تحميل وزارة الثقافة أو المؤسسة العامة للسينما فقط مسألة الصالات. إذ أنّ مجموعة المسائل المرتبطة بوزارة المالية أو محافظة دمشق أو سواها لا سلطة لنا لحلها، ولكن يجب أن تتضافر كل الجهود لإنهاء تلك الإشكاليات القانونية والإدارية المعلقة. السينما عندنا لم تمت، ولكنها فقط تحتاج إلي لون آخر يمدها بالحياة، هذا اللون هام جداً في حياتنا وضمائرنا، فالسينما والمسرح والتلفزيون والصحافة كلها ضرورية في معركتنا الحضارية... ضرورية في معركتنا الثقافية، وأعتقد أنّ الصورة ليست سوداء ـ علي الأقل من وجهة نظري ـ ولكنها تحتاج إلي عمل من طبيعة مختلفة، وإلي جهود مشتركة بين الوزارات ذات الصلة، لتحقيق قفزة باتجاه الحرية والثقافة والجمال. القدس العربي في 10 أغسطس 2005 |
الحاسة السابعة: بداية دخول السينما المصرية حزام الزلازل! القاهرة ـ من كمال القاضي في توقيت يقف فيه الممثل الشاب احمد الفيشاوي مترنحاً بعد الضربات الإعلامية المتتالية التي جاءت بعد حكايته مع هند الحناوي واعترافه بوجود علاقة جسدية بينهما، اقتربت السينما من الفتي المدلل لتضعه علي أول طريق النجومية في محاولة لاستثمار الضجة التي اثيرت حوله والاستفادة منها كنوع من الدعاية المجانية، ولم تلتفت للفارق بين الدعاية الإيجابية والدعاية المضادة، إذ أن السواد الأعظم من الجمهور قد تأثر سلباً بما كتب عن احمد الفيشاوي واعتبره طعنا في مصداقيته الإنسانية، وبالتالي انسحب ذات الحكم علي المصداقية الفنية من وجهة نظر البعض. كانت أولي الضربات التي وجهت لتجربة احمد الفيشاوي الأولي في فيلم الحاسة السابعة أنه مقتبس حرفياً من الفيلم الأمريكي الحاسة السادسة حيث تتطابق الأحداث والشخصيات والأجواء وتصب الفكرة في مفهوم واحد ينفي وجود الخوارق وينتصر للمنطق والعقل مجردين من أعمال السحر والشعوذة، فالبطل احمد الفيشاوي شاب قوي البنية يحقق بطولات دولية في لعبة الكونغفو ويصل إلي بطولة العالم، ولكنه يواجه بالإهمال من قبل المسؤولين فيشعر بالإحباط ويقرر الانتحار، إلا انه يفشل في المحاولة فيكون ذلك باعثاً له لتجديد الثقة في نفسه وقبول التحدي الصعب معتمداً علي قدراته الخاصة بعيداً عن دعم الأجهزة المعنية.. وهنا يعتزم البطل المحبط مواجهة بطل أبطال العالم في اللعبة الخطيرة فو ويدعي فومانشي بعدما يكون قد حقق نجاحاُ ساحقاً في تجارب ومباريات أقل أهمية معتمداً علي التعويذة التي قرأها عليه الدجال المشعوذ أحمد راتب واهما إياه بأنه بهذه الحيلة أصبح يمتلك القدرة علي إعمال الحاسة السابعة التي ترصد تصرفات الخصم وتتنبأ بالأحداث قبل وقوعها ويجري له عدة تجارب ملفقة كي يقنعه بصدق ما يدعي.. وبالفعل يقع الشاب الرياضي تحت تأثير هذا الوهم ويبدأ في التعامل مع حياته الجديدة من منطلق خرافي يهيأ له انه قادر علي قراءة خواطر البشر وإرهاصاتهم النفسية متجاهلا وصايا الجد عبد الرحمن أبو زهرة الذي يقف ضد هذه الدعاوي محاولاً إرجاع البطل إلي صوابه وإقناعه بأن ما يتخيله ناتج عن الإحساس بالعجز والانفصام عن الواقع، وأن ما تحقق من انتصارات ليس إلا بعض المصادفات لا تبرر الإيمان بالخزعبلات وسلب العقل قدرته علي التفكير والتدريب.. ويقدم الفيلم من خلال الصراع بين البطل أحمد الفيشاوي والبطلة رانيا الكردي نموذجاً للصراع بين العقل والخرافة أو بين العجز والقدرة وهو التجربة الأولي أيضاً بالنسبة للسيناريست محمد جمعة والمخرج أحمد مكي الذي سبق وأن قدم نفس الفكرة في فيلم مشروع التخرج كتجربة روائية قصيرة اختزلت في عشرة دقائق.. كما ان شركة الإنتاج نيو سينشيري التي تحمست للسيناريو وقدمته كفيلم روائي طويل افتتحت به نشاطها السينمائي لتكتمل منظومة العمل الأول علي مستوي السيناريو والإخراج والإنتاج والبطولة المطلقة سواء بالنسبة لأحمد الفيشاوي أو رانيا الكردي.. وفي الحقيقة أن بدائية التوظيف الدرامي للفكرة المستوردة قد أعطي مؤشراً صادقا لحجم المشاركين في العمل من الناحية الجماهيرية ووضع التجربة في ميزان حساس أسفر قياسها عن فشل ذريع لكل الأطراف، حيث جاءت الإيرادات في ذيل القائمة، الأمر الذي أدي إلي صعود الأفلام المنافسة وسقوط الرهان الدعائي للشركة المنتجة التي تصورت أن استغلال الشائعات يمكن أن يخدع الجمهور ويقوده بالقوة إلي شباك التذاكر! وعلي الرغم من المعالجة النفسية التي قدمها السيناريست والمخرج لقضية اللجوء للأوهام والخرافة في مواجهة الفشل والانتصار في نهاية الفيلم للقدرات الطبيعية، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لإنجاح العمل لعدة أسباب من أهمها افتقاد الفيلم لمعظم العناصر الجمالية من إضاءة وديكور وموسيقي تصويرية، فضلا عن ترهل السيناريو وتفككه الواضح.. بالإضافة إلي سذاجة مشاهد الأكشن التي كان يؤديها احمد الفيشاوي أمام منافسه الصيني أو تلك التي كان يدربه عليها يوسف داود الذي فقد إحساسه بالدور وبات يتعامل معه بمنطق هزلي.. وهو نفس الأسلوب الذي يتعامل معه أبطال فيلم يا أنا .. يا خالتي بطولة محمد هنيدي والذي أشرنا إليه تفصيلاً في مقال سابق! ولو أننا استخلصنا معني مفيد لهذه التجارب السينمائية سنري أنها إفراز لمناخ ثقافي رديء وأدي إلي الهبوط بالذائقة الفنية لدي الجمهور ووضعه أمام اختيارات شديدة السطحية والابتذال، غير أنه حول السينما كمضمون إلي فكاهة في غير موضعها وخصم من رصيدها الإنساني والاجتماعي الكثير وأفقدها جزءاً أصيلاً من دورها ووظيفتها، وحولها في نظر المنتجين إلي مجرد سلعة يحدد قيمتها الهواة والمراهقون وحفنة من التجار والسماسرة! وعلي ضوء هذه القاعدة يمكن القول دون خجل ان مثل هذه النوعية من الأفلام لا تعدو أكثر من حقول تجارب لمن أغوتهم الأضواء ولعبت برؤوسهم فتصوروا أن بإمكانهم تثبيت أسمائهم علي أفيشات الدعاية كنجوم شباك وهم يفتقدون الحد الأدني من الموهبة سواء كانوا ممثلين أو كتاب سيناريو أو مخرجين. الفيلم بصريح العبارة جرس إنذار يلفت النظر إلي أن السينما المصرية دخلت بالفعل حزام الزلازل!! القدس العربي في 10 أغسطس 2005 |