د. رفيق الصبان يكتب:
جرائم قتل وهمية.. ومغامرات بلا هدف.. ومطاردات بلا معني إلا إظهار جمال روما |
«حرب أطاليا».. ذكاء الاختيار ينتج حضوراً وتميزاً محمد ممدوح علي الرغم من أن أحمد السقا قد غاب عن عدد من مشاهد فيلمه الأخير حرب أطاليا، ربما أكثر من غيابه في أي فيلم كان هو بطله من قبل، إلا أن المشاهد يستطيع أن يراه في هذا الفيلم أكثر حضوراً وأكثر تميزاً. فأحمد السقا الذي قد فطن لقدراته منذ فترة فابتعد عن أفلام الكوميديا التي بدت كأنها كائنات مشوهة لها مئات الأذرع وآلاف الأصابع، والتي تضع هدفاً واحداً أمامها وهو دغدغة أجساد الجماهير لينطلقوا ضاحكين، مسارعين بعدوي الضحك لوضع أيديهم داخل جيوبهم ومزيدين من إيرادات الأفلام، تلك التي راهنت الشركات علي أبطالها، ومن ثم فنحن بما ندفع نساهم في جعل مثل هذه النوعية من الأفلام -الكوميدية- ضاغطة علي صدورنا. بدا أن أحمد السقا الذي وجد في نفسه مهارات لا تتوفر في كثيرين غيره، انه فطن لهذا التميز، فذهب إلي أرض مهجورة منذ فترة في السينما المصرية، فسينما الحركة (الأكشن) والسينما البوليسية، غير موجودة من زمن، فقرر أحمد السقا أن يستعين بمواهبه ومهاراته المختلفة عن السائد في إعادة اكتشاف هذه المنطقة التي تميز خلالها كثير من نجوم السينما فيما مضي. منذ هذه اللحظات التي اختار فيه السقا طريقاً مختلفاً عن غيره ونمطاً فيلمياً مختلفاً أدرك أن عليه أن يعمل ويتقن عمله، فسعي يعمل بجد ويعطي الكثير لأفلامه، فقدم فيلم "مافيا- 2003" مع المخرج المتميز شريف عرفه، ومن بعده الفيلم المتميز "تيتو- 2004" مع المخرج طارق العريان، والآن يقدم فيلمه الجديد "حرب أطاليا" مع المخرج أحمد صالح. أحمد السقا نموذج للفنان الذي يفكر في عمله ويخطط لنجاحه، فهو لم يفكر في مهاراته فحسب، بل أدرك أيضاً أنه لن ينجح وحيداً، ولن يكن استحواذه علي عدسة الكاميرا مثار إعجاب الجماهير، بل فطن كذلك إلي أن نجاح أي فيلم لا يعتمد علي البطل وحده وإنما كل مكونات العمل، ومن ثم فقد أحاط نفسه بمجموعة من الفنيين المتميزين والفنانين ذوي الموهبة أمثال مصطفي شعبان وأحمد رزق في فيلم "مافيا"، وخالد صالح وعمرو واكد في فيلم "تيتو"، وأخيراً مجموعة كبيرة من الممثلين الشباب مجدي كامل وخالد أبو النجا وخالد صالح في فيلمه "حرب أطاليا". هذه المرة يمكن أن يختفي أحمد من أمام الكاميرا لعدد من المشاهد ربما لو حصرها المشاهد بعد خروجه من العرض سيجد أن عددها ليس بقليل بالنسبة أننا تعودنا ألا يغادر البطل أي كادر، لكن الواضح في فيلم حرب أطاليا أن الشخصية التي يقدمها أحمد السقا شخصية المحامي "يس" لا تبرح عقل وخيال المتفرج طيلة العرض، فكاتب السيناريو أعطي هذه الشخصية الاهتمام اللازم، هذا علي الرغم أن كل الشخصيات في الفيلم جاءت بلا عمق ودون أبعاد حقيقية او تفاصيل مميزة واضحة، متغاضياً عن سمات في كل شخصية كانت تستحق الوقوف عندها وتعميقها. جاء رسم الشخصيات متوازناً بشكل كبير أكثر من أفلام السقا السابقة والتي كان كاتب السيناريو خلالها يعني برسم الشخصيات المساعدة أكثر من عنايته بالبطل، فكانت تخرج الأكثر عمقاً وأثراً لدي المشاهد، ربما أكثر تأثيراً من البطل، وهو ما لاحظناه في "مافيا" و "تيتو". حرب أطاليا.. عدد من الأفلام في فيلم واحد "حرب أطاليا" فيلم لا يمكن للمشاهد تحديد نوعه أو فئته الموضوعية بسهولة، فهذا الفيلم الذي يبدأ بقصة قد توحي بالتقليدية عن محامي شاب يس (أحمد السقا) يعمل في مكتب محاماة كبير للمحامي الشهير كمال (عادل هاشم)، فيكتشف تورط أستاذه وصاحب المكتب في قضايا فساد، فيحاول الكشف عنها مما يدفع المحامي الكبير إلي تلفيق تهمة له تدفعه بعيداً عن عالم المحاماة، نعرف هذه التفاصيل من خلال لقطات الفلاش باك والاسترجاع الذاكري الذي عودنا عليه كتاب السيناريو كشكل من أشكال صناعة تاريخ الشخصية، ويبدأ الفيلم بمشهد استيلاء يس (أحمد السقا) علي مبالغ نقدية من أحد كبار رجال الأعمال وهو بكر الرويعي (خالد صالح)، ثم معرفته بموعد صفقة لتهريب عقد أثري يستولي عليه أيضاً، فتشير بدايات الفيلم إلي أنه يدور عن عالم الجريمة المنظمة، التي يتغير شكل المجرم فيها والتي يكون المجرم خلالها علي قدر من الذكاء والتنظيم، لكن بكر الرويعي الذي يخسر كثيراً بتعرضه لجريمة السرقة هذه، يظل يبحث عن سارقه حتي يعرفه فيخطف خطيبته هنا (نيللي كريم) للمقايضة عليها حتي يستعيد ما سرقه منه ياسين من قبل، ومن ثم ينتقل الفيلم لمنطقة جديدة هي منطقة الأكشن عندما نجد مطاردات من رجال بكر الرويعي لـ«ياسين» ومساعديه، سواء داخل مصر او خارجها، وتستمر الأحداث منتقلاً إلي إيطاليا حيث سيتم تسليم العقد لمن اشتراه وحيث توجد هنا خطيبة البطل، وفي إيطاليا ندخل في سياق جديد من الفيلم إذ يتحول إلي فيلم مغامرات، فيقوم البطل بعدد من المغامرات، تساعده الفتاة اللبنانية التي جاء بها المشتري الإيطالي للترجمة وهي مونيكا (رزان)، وفي إطار تلك المغامرات يتحول الفيلم لنوع جديد وهو الفيلم النوار أو الأسود، عندما يتورط البطل في القتل، وينتهي الفيلم بمفاجأة. وتتشابه نهاية الفيلم مع تلك النوعية من الأفلام الأجنبية المعتمدة علي الخدعة مثل (Ocean 11) و(Ocean 12) و(Italian job) وغيرها، تاركاً لدي المشاهد استمتاعاً حقيقياً. وعلي الرغم من هذا التشابه في النهاية إلا ان السيناريو لا يشعر المشاهد بالإغتراب كما يحدث في كثير من الأفلام التي تنقل عن الغرب، بل علي العكس جاء به العديد من اللحظات المتميزة، وقد نجح كاتب السيناريو حازم الحديدي في صنع جو عام للفيلم في عالم الجريمة والتشويق، وقد تميزت أحداث وتفاصيل الفيلم في مناطق عديدة بالتشابك مما يشي في كثير من الأحيان بالتناقض، صانعة إحساس دائم بعدم الأمان وحالة من التشويق لدي المشاهد، تلك الحالة من التشويق والإثارة التي تفتقدها الأفلام الحديثة، مما جعل الفيلم متميزاً علي جميع مستوياته. تحكم المخرج أحمد صالح في إدارة عمله الأول بمساعدة المونتير (معتز الكاتب) للتحكم في إيقاع الفيلم بشكل كبير، وللحفاظ علي حالة التشويق وأجواء الإثارة التي يحفل بها الفيلم، هذه الرغبة الملحة في الحفاظ علي هذه الأجواء، أدت بصناع الفيلم إلي التغاضي أو تناسي بعض التفاصيل التي توضح بواعث ودوافع الشخصيات، بل إن السيناريو قد أهمل مصائر إحدي الشخصيات التي عرض لها في أول الفيلم وهي شخصية نادية المساعد الأول للبطل، فلم نعرف عنها شيئا بعد أن تعرضت لاعتداء من رجال بكر الرويعي في محاولاتهم للوصول للبطل، كما أن شخصية إبراهيم المساعد الآخر للبطل لا نعرف عنها شئ، ولا تظهر سوي في مشهد واحد، علي الرغم أن الفيلم في بدايته يؤسس لفكرة المجرم الذكي الذي يستعين بمساعدين ويغير في شكله وتعاملاته تبعاً لنوع العملية التي سيقوم بها. ليس ذلك فحسب، فلم يكتف السيناريست بكل الأنواع المتداخلة في فيلمه، أراد في النهاية أن يعطي للفيلم سمة النهايات السعيدة في الأفلام العربية وأن كل شئ تمام التمام، فنجد في آخر مشهد والد ياسين يتصل به ليخبره أن التكذيب بشأن القضية الملفقة له قد تم نشره في الجرائد، وهو أمر كان قد إتفق عليه يس مع بكر الرويعي استكمالاً للصفقة باستعادة العقد مقابل نشر التكذيب وإستعادة الخطيبة، ونسي السيناريست في غمرة الحبكة أن بكر الرويعي قد وشي بيس ولم ينفذ الإتفاق في أي جزء منه فكيف يتم نشر التكذيب؟ أين إيطاليا؟ شاهدنا الحرب ولم نشاهدها! غادرت عدسة الكاميرات شوارع مصر في رحلة إلي إيطاليا، إلا أننا لم نجد حضوراً مميز للمكان (مواقع التصوير في إيطاليا) في أحداث الفيلم، بشكل مميز أو حتي استعراضاً غرضه إمتاع العين، هذا الأمر الذي يجعلنا نطرح سؤالاً حول جدوي السفر والتصوير بالخارج؟! علي الرغم من ذلك جاءت اللغة البصرية للفيلم والتي وضعها طارق التلمساني لغة مكثفة، دون مبالغة باستثناء عدد من اللقطات الدائرية السريعة في جمل الحوار والتي بلا مبرر درامي، و التي ترهق المشاهد أكثر مما تفيد الفيلم. سينما صيف 2005 تنوع وتميز أخيراً عادت السينما المصرية للانتعاش من جديد، هذا الانتعاش الذي نلحظه في زيادة عدد الأفلام المنتجة خلال العام الواحد، فهذا العام 2005 قد تميز عن الأعوام السابقة بزيادة عدد الأفلام المنتجة خلاله، صحيح أن أغلبها جاء كوميدياً لكن ذلك لا يعيبه، فهناك أيضاً أفلام جاءت مغايرة ومتميزة علي مستويات عديدة سواء السيناريو أو الإخراج او التقنيات المستخدمة، فإذا كان مكسبنا من هذا العام هو أفلام مثل ملاكي إسكندرية والحاسة السابعة والسفارة في العمارة فإنه ينضم لقائمة التميز هذا العام ايضاً فيلم حرب أطاليا الذي جاء متميزاً في جميع عناصره، فأداء الممثلين جميعاً جاء متميزاً بشكل يؤكد علي قدرات النجوم الشبان مقدمين مستويين من التمثيل، ذلك اننا نكتشف في نهاية الفيلم أن عددا من الشخصيات كانت تمثل كجزء من خدعة الفيلم وأن لها شخصية أخري تؤديها في النهاية، إلا أن كل شخصية تقنعنا بأدائها بشكل يؤدي بالمشاهد لعنصر المفاجأة عندما يكتشف أن كل ما صدقه كان تمثيلاً داخل التمثيل. أحمد السقا في هذا الفيلم يؤكد علي قدراته التمثيلية إلي جانب مهارات الحركة التي كانت تشغله من قبل، وخالد صالح ذلك المدهش الذي يمتعنا في كل عمل بشخصية جديدة تجعلنا نعيد اكتشافه من جديد، أما مجدي كامل، وخالد أبو النجا فقد أديا دورهما بتميز شديد، وكذلك سناء يونس، ونيلي كريم، وجمال إسماعيل وعادل هاشم، الذي يؤكد دوما علي نجوميته وإمكانياته بأداء أدوار لم نعتده فيها. وتأتي رزان لتقول لنا إن لبنان مازال لديه الكثير ليرسله لنا، فلها حضور وخفة ظل أشاعتها في اجواء الفيلم منذ ظهورها. هذا الصيف قدم لنا الكثير من التميز والكثير من البسمة، ومازال لديه ما يقدمه مادامت قائمة الأفلام التي ستعرض لم تنته بعد. جريدة القاهرة في 9 أغسطس 2005 |
حــرب أطاليا.. لعبة بوليسية علي مقاس نجومـية أحمد السـقا! كتب: نـــادر عـــدلي الأفلام البوليسية ـ تحديدا ـ تحتاج إلي لاعبين( فنانين وفنيين) مهرة!.. فهي تعتمد علي صراع مباشر ملئ بالتشويق والإثارة المتصاعدة, وحبكة درامية مقنعة, ودرجة عالية من التوظيف الحرفي لكل العناصر الفنية التي تتلاعب بفضول المتفرج وترضيه, وتجعله مستمتعا بذكاء صناع العمل, وحيوية البطل والفيلم نفسه.. وحرب أطاليا يقدم هذه اللعبة الفيلمية البوليسية بوضوح, بداية من العنوان واختيار البطل( أحمد السقا), مرورا بما يتيسر من مقتبسات( أو لنقل تأثرات!) بالأسلوب الفيلمي الأمريكي ليس في المعالجة فقط, ولكن أيضا في قطعات المونتاج, واستخدام الفلاش باك. قصة فيلم حرب أطاليا تدور حول محام شاب( أحمد السقا), يكتشف أن المحامي الكبير الذي يعمل في مكتبه( عادل هاشم) يقدم خدمات جليلة( قانونية وغير قانونية), لرجل أعمال فاسد ومهرب آثار( خالد صالح), فيحاول أن يتصدي لذلك, فيطرده المحامي الكبير, وينشر إعلانا بالصحف بأن هذا المحامي الصغير لم يعد يعمل في مكتبه(!!).. ويقرر المحامي الشاب الانتقام, ويقوم بخطف رجل الأعمال, ويستولي علي مبلغ كبير, وأوراق مهمة ثم يتركه عاريا في الصحراء!.. طبعا قام المحامي الشاب بعملية الاختطاف وهو متخفي, ولكن رجل الأعمال يعرفه بالصدفة, ويختطف حبيبته, ويطلب من المحامي الشاب أن يعيد له عقدا أثريا ثمنه خمسة ملايين دولار حتي يسترد حبيبته( نيللي كريم), ومن أجل مزيد من الإثارة والمطاردات تنتقل كل الأحداث إلي إيطاليا.. ويصبح العقد الأثري ليس مطمعا من عصابة رجل الأعمال الفاسد فقط, وإنما من المافيا الإيطالية نفسها!.. ولكن ذكاء المحامي الشاب يتغلب علي العصابة المصرية والمافيا الإيطالية بضربة واحدة, ويسترد حبيبته وسط إعجاب المشاهدين. حاول المؤلف الشاب حازم الحديدي( في أول أعماله) أن يقدم حبكة بوليسية متعددة المفاجآت, ونجح في تصعيد الأحداث علي طريقة الحرب أطاليا في تتابع الطلقات الوهمية, ولكنه أهمل المنطقية الدرامية التي يقوم عليها صراع الشخصيات, فخرجت بعض الشخصيات بلا ظلال( مثل صديقي المحامي: خالد أبوالنجا, ومجدي كامل, والأم: سناء يونس, والفتاة التي ساعدت البطل في عمليات النصب في بداية الفيلم).. وسقطت شخصيات أخري من الفيلم رغم أهميتها( المحامي الكبير ـ والدي البطل).. ولم ينتبه لتعميق مشاعر الحب بين البطل وحبيبته حتي يحدث التعاطف الذي يجعل البطل يواجه المافيا شخصيا من أجلها!.. وترك مساحات كبيرة للمتفرج ليستكملها كما يشاء!. اجتهد المخرج أحمد صالح في أول أعماله أيضا لتقديم عمل ملئ بالحيوية والحركة, ولكنه ظل أسير التأثر بالأفلام الأمريكية, واستخدم الفلاش باك في نهاية الفيلم لرفع الغموض عن بعض الأحداث, كما يحدث في الأفلام الأمريكية, وأيضا في زوايا التصوير والإضاءة( تصوير طارق التلمساني), وقد تحققت صور ومشاهد جميلة بالفيلم, دون أن يكون هناك جو عام أو أسلوب ينتهجه المخرج في معالجته البوليسية.. وكأننا أمام مشاهد متقطعة, أو شريط حرب أطاليا دائما هناك فاصل بين طلقة وأخري. صنع الفيلم علي مقاس نجومية أحمد السقا, فهو فتي شاشة يجيد تقمص أدوار الحركة, ولياقته البدنية تسمح له بذلك, وقد حقق النجاح بهذه المعادلة, بالإضافة إلي الانتقال بالأحداث إلي أماكن مختلفة وجذابة, كما حدث في أفلام أفريكانو, وفانلة وشورت وكاب, ومافيا.. ويعد حرب أطاليا استثمارا لهذا النجاح, ولكنه لا يضيف إلي نجوميته أو يسحب منه!. تعامل المخرج أحمد صالح مع الممثلين علي أساس أن التمثيل مسئولية كل ممثل, واختار خالد صالح أسلوبا جعله يبدو متميزا, ومنح الشخصية ملامح تفتقدها.. أيضا خالد أبوالنجا تقمص الشخصية كما يراها واعطاها تفاصيل صغيرة جيدة.. أما نيللي كريم فكانت ضيف شرف, ومنحت رازان شخصية الفتاة اللبنانية التي تقيم في إيطاليا من شخصيتها المعروفة, أما مجدي كامل فلعب دورا لا يعرف من أين يبدأ, ومتي ينتهي!. حرب أطاليا عمل بوليسي فيه جهد ومحاولة للاجتهاد, وهو فيلم قابل للتحليل والنقد, ويحاول أن يكون مختلفا عن السينما السائدة. الأهرام اليومي في 9 أغسطس 2005 |
كانت هناك في هوليوود موجة خاصة يمكننا أن نطلق عليها اسم موجة «بطل ومدينة» حيث كانت عاصمة السينما تقدم أحد أبطالها المميزين في إطار مدينة ما.. لها طابع خاص متفرد.. تعطيه ويعطيها.. وهكذا مثلا.. وضعت ممثلتها الكبيرة كاترين هيبورن في مدينة فنيسيا في فيلم «نزوة صيف» لتجعلها تعشق وتحب في إطار خاص من هذه المدينة التي خلقت كي تجعل الحب ممكنا.. وكذلك فعلت مع نيكولاس كيدج في جزيرته اليونانية في «ماندولين العاشق» حيث انقلب الضابط القاسي إلي عاشق متيم من خلال طبيعة جبلية مدهشة وفتاة غامضة تدور حولها الفراشات ويركع علي قدميها القمر. ثم انتقلت المدن لكي تكون مسرحا للمغامرات.. بعد أن كانت مصدرا للعشق.. وراح جيمس بوند يغير من أماكن مغامراته بين بلدان آسيوية ومناطق ثلجية وبحار ادرياتيكية وفي كل مرة.. تضع المنطقة أو المدينة بصمتها علي مغامراته.. وهكذا فعل أيضا «انديانا جونز» و«توم كروز».. وسواهم. والسينما المصرية التي تتبع بمنهجية مدروسة.. خطي هوليوود.. تحاول أن تحذو حذوها فتقدم أبطالها الجدد في إطار مدن لها بريقها وسحرها.. وإذا كان محمد هنيدي قد ذهب إلي الصين ومن قبلها إلي امستردام ومحمد سعد إلي تركيا.. وكاد الراحل علاء ولي الدين أن يذهب إلي أمريكا الجنوبية. فإن نجم المغامرات المصري الجديد أحمد السقا.. اختار هذه المرة أن يذهب إلي روما.. روما العريقة المدهشة.. الحديثة الوحيدة في أوروبا إلي جانب فيينا وبراغ.. التي مازالت تحتفظ بعبقها وأصالتها بعد أن استسلمت قبلها لندن وباريس. روما بطرقها الضيقة.. بعماراتها القديمة الوردية اللون.. بتماثيلها التي تملأ الميادين.. بمقاهيها الصغيرة بالحدائق الساحرة التي تحيط بها.. بأدراجها الملتوية.. والتي عرف طارق التلمساني كيف يقدمها لنا بإطار صورة موحية مليئة بالإثارة والحس الجمالي.. هي المكان الذي اختاره أحمد السقا.. ليعيش فيه مغامراته الأخيرة التي كتبها له حازم الحديدي بعد أن جعلنا نعيش معه مغامرات أخري في مصر.. لعب فيها من خلال تنكره شخصيات كثيرة.. لكي يقوم بعمليات سرقة واحتيال انتقاما من محام فاسد.. أفسد عليه مستقبله.. والتي تنتهي بأن يهاجم هذه المرة رأس العصابة نفسه.. ويسرق منه عقدا أثريا ثمينا كان يخص أحد ملوك مصر والذي كان ينوي تهريبه وبيعه إلي أحد زعماء العصابات الكبار في إيطاليا. كل هذه المغامرات المصرية.. التي يقوم بها أحمد السقا.. من خلال وجوه تنكرية.. بدت لي ساذجة وبعيدة عن الإقناع.. رغم محاولة الكاتب إعطاءها صيغة عاطفية وإنسانية. والد السقا.. الذي يعيش حلمه القومي والحضاري.. وزميلة السقا.. ومعاونته في «مغامراته» والتي تحبه حبا صادقا.. وتنتهي مقتولة علي يد العصابة التي تطارده. كل ذلك بدا لي.. مضطربا بعض الشيء.. ومفككاً.. يحتاج إلي يد ماهرة كي تضبطه وتنظم إيقاعه.. كما أن أحمد السقا نفسه بدا لي في غير مكانه المعتاد.. ورغم حضوره المحبب.. ومحاولته إنقاذ المشاهد الباردة التي يلعبها.. فإنه كان يبدو (خارج الصورة) تماما.. وحتي في علاقته بالراقصة الحلوة «نيللي كريم» التي لم يعطها الورق حقها لكي تظهر موهبة أثبتتها بجدارة في كثير من الأفلام السابقة. وبعد عدة مغامرات ومحاولات.. يصعب تعقبها أو فهمها أو إيجاد خط منطقي يقنعنا بها.. يسافر «السقا» إلي روما.. حاملا معه العقد المتنازع عليه بين العصابة المصرية.. والرأس الإيطالي المدبر.. لاحقا بخطيبته التي اختطفتها العصابة بحيلة مدبرة.. وهي تقديم برنامج سياحي ورياضي يصور في مدينة الجمال والتاريخ (!!) محاولا إنقاذها. وهنا يتعثر السيناريو.. ويكبو أكثر من مرة.. من خلال مغامرات لا هدف لها إلا إثارة فضول المشاهد.. ومن خلال جرائم قتل وهمية.. ومطاردات لا هدف لها إلا إظهار بعض معالم المدينة الرائعة الجمال. وفي روما.. يقدم لنا الورق أكثر من شخصية.. وحسن رسمها في البداية.. ثم تاهت بعد ذلك تماما من خلال أحداث ومواقف جردتها من كل إثارة.. وجعلت التعاطف معها نوعا من المستحيل. الشاب المصري الموديل الذي يعيش علي نفقة عشيقاته.. الشديد العشق لمظهره وذاته.. والذي يبدو لامباليا تماما بما يجري إلي أن تتكشف شخصيته رويدا رويدا. واللبنانية المغامرة.. النشالة التي تعشق المال.. ومستعدة أن تفعل أي شيء في سبيل الحصول عليه والتي تلعب علي الجميع أدوارا مختلفة. والأم القعيدة.. التي يوهمنا الفيلم أن «السقا» قد أخفي عندها العقد المطلوب وأنها صاحبه جاليري الانتيكات. وبالطبع كان رجل الأعمال المصري الملوث.. والذي تدور بينه وبين «السقا» معارك لا تنتهي يسبقه إلي روما.. بعد أن نجح في اختطاف خطيبته.. لكي يستمر الصراع والمطاردة بينهما.. ومن الطرف الإيطالي الثالث.. والكل يستخدم الكل.. والكل يخدع الكل.. والمتفرج لا يعرف إلي أي وجهة يتجه ومن يصدق أو لا يصدق. إلي أن تأتي النهاية غير المتوقعة وتكتشف أن من مات لم يمت.. وأن من سرق لم يسرق.. وأن من خبأ لم يخبئ.. وأن العقد ليس إلا واجهة زائفة لتهريب المخدرات. وينهار جبل الرمال مرة واحدة.. ويحس المتفرج أنه قد دخل في لعبة.. الأساس فيها الخداع والكذب.. وأنه هو أيضا كان الضحية الأولي لهذا الخداع وهذا الكذب. كما قلنا في البداية «حرب أطاليا» فيلم عن بطل ومدينة. ولكن البطل تاه.. في غمار مغامرات لم يحسن الفيلم تقديمها أو الإقناع بها والمدينة.. هربت من إطار الأحداث.. لتعيش وحدها في الخلفية من خلال كاميرا طارق التلمساني.. وانقلبت لكي تكون مجرد بطاقات سياحية مشوقة. ولكن أحمد صالح.. الذي يقوم بتجربته الأولي في الإخراج.. نجح أحيانا في عزف إيقاع مقنع في بعض المشاهد.. كما أجاد تحريك أبطاله في بعض المشاهد.. مستغلا كاميرا نشطة وذكية.. كما في مشهد اللقاء الثلاثي في فراغ المدينة حيث كانت الكاميرا ترقص رقصة موحية حول شجار ومواجهة الأبطال الثلاثة.. أو في مشهد اللقاء الرباعي الذي لعبت فيه الكاميرا نفس الدور.. والذي أضاف إليه المخرج توزيعا جماليا مثيرا للانتباه بين الأبطال الأربعة. ولكن ما يجب الوقوف عنده في فيلم أحمد صالح (وهو بالطبع ليس الناقد الشهير وكاتب السيناريو المعروف رغم تشابه الأسماء).. هو نجاحه في تقديم ممثلين بأحسن صورة ممكنة.. بحيث يمكننا أن نقول: إن «حرب أطاليا» هو فيلم ممثلين قبل أن يكون أي شيء آخر. أحمد السقا.. يحاول أن يكسر صورته كبطل خارق لا يقهر (كما فعل في «تيتو» مثلا) وأن يعطي شخصيته شيئا من الضعف يقوي من إنسانيتها.. (ولكن كل هذا الجهد يزول في آخر الفيلم عندما تتكشف الحقائق كلها.. وتكتشف أن «السقا» مازال بطل الأبطال.. بل إنه يزيد علي تفوقه الجسدي دهاؤه العقلي وقدرته الخارقة علي سبك مؤامرات محكمة لا يخر منها الماء.. وهكذا أصبح مزيجا من زورو ومن دارسين لوببن وجيمس بوند معا. ولا أدري ما الذي سيخبئه لنا أحمد السقا في فيلمه القادم.. وهل مازالت هناك شخصيات باهرة أخري سيضيفها إلي رصيده الذي امتلأ حتي الآن إلي آخره.. خالد صالح.. الذي القي علي الفيلم كله ظله المدهش اختار طبقة عالية عصبية لأدائه.. والمدهش في هذا أنه ظل محتفظا بها حتي النهاية.. وجعلها جزءا من رسم شخصيته.. وهو أمر يحتاج إلي مهارة كبيرة وإلي تقنية أكد الممثل الشاب أنه يملكها بتفوق. خالد أبو النجا.. في دور لم يفسح له المجال لإبراز إمكاناته الكثيرة وعلي ذلك نجح في أن يحتل مكانة محببة في الفيلم.. وأن يثبت أنه مازال الممثل الكفء والقدير الذي ينتظر الدور الحقيقي الذي سيجعله واحدا من أوسم وأكثر نجومنا الشبان موهبة وحضورا وكفاءة. نيللي كريم.. في كل مشاهد الفيلم كانت تبحث عن دورها.. ولا أعتقد أنها رغم الجهد الذي بذلته قد وجدته.. ولكن وجودها الرقيق كان أشبه بنسمة الربيع في صيف لاهب حار. رزان.. المقدمة اللبنانية الطموح.. كانت معقولة ومقبولة في دورها «المتحرك» وجعلتنا فعلا نقتنع بأنها تلعب بالخيوط الأربعة قبل أن تعرف دورها الحقيقي المرسوم مسبقا. مجدي كامل.. العنصر الرابع في العصابة.. أعطي ثقلا دراميا لدور ليس فيه أي ثقل. نعم.. فيلم أحمد صالح الأول.. فيلم ممثلين أكثر من فيلم مغامرات.. أو فيلم بوليسي.. إنه يترنح بين اتجاهات كثيرة.. ويقف في مفترق طرق لا يعرف أياً منها يسلك... إنه يقدم مدينة.. دون أن يجعل هذه المدينة تتسلل إلي شرايين أبطاله.. كما كنا نتوقع.. ويضعنا أمام تساؤل ينصب علي ممثل شاب نعقد حوله آمالا كباراً. كل ما يمكننا أن نقوله لنجمنا الشاب الذي يملك حضورا أخاذا علي الشاشة.. إنه يحمل في جعبته كيسا من الجواهر الثمينة.. وخسارة كبيرة حقا له ولنا.. أن يرميها بلا مبالاة بين الرمال. جريدة القاهرة في 9 أغسطس 2005 |
حرب أطاليا.. سينما مختلفة.. وهنات قليلة السقا نجم خارج التوقعات علا الشافعي شهد الموسم السينمائي العديد من الأفلام المتنوعة والمختلفة بعيدا عن موجة الكوميديا وإذا كان ملاكي إسكندرية هو الفيلم الذي تم به افتتاح الموسم ومن بعده جاء أحلام عمرنا وأخيرا حرب أطاليا للنجم أحمد السقا, ليؤكد علي فكرة التنوع التي كانت إحدي سمات هذا الموسم.
إذا كان محمد هنيدي,
هو أول من فتح الباب للأفلام الكوميدية فيجب أيضا ألا ننسي أن السقا, هو
أول من
قدم أفلاما ناجحة خارج الإطار الكوميدي, منذ فيلمه الأول شورت وفانلة
وكاب ثم
مافيا وتيتو وأخيرا حرب أطاليا ونجاحه في هذه النوعية التي
حققت إيرادات كبيرة هو
الذي شجع المنتجين علي التحمس لتجارب مماثلة. السقا نجم شديد الذكاء يجعل مشاهديه ومحبيه في حالة ترقب وليس توقع وذلك هو الفنان. خالد صالح, نجم يستحق أن تنحني أمام موهبته التي تتأكد يوما بعد يوم. خالد أبوالنجا, اجتهد كثيرا وقدم شخصية مركبة, أثارت الضحك في مواقف درامية كثيرة. مجدي كامل يؤدي أداء هادئا وأمسك بمفاتيح شخصيته بشكل كبير. نيللي كريم, كعادة الشخصيات النسائية, باهتة, ولكنها اجتهدت بقدر المستطاع. رزان في مساحتها الدرامية وبالنسبة لأول مرة جيدة, المخرج أحمد صالح انشغل بمشاهد في الفيلم, أفاده فيها حسه المونتاجي أكثر من انشغاله بالفيلم بأكمله وبصورته البصرية ورؤيته الإخراجية للعمل* الأهرام العربي في 13 أغسطس 2005 |