أحمد متولي مونتير من الزمن الجميل القاهرة- جميل حسن |
عندما فتح معهد السينما ابوابه امام هواة الفن في بداية الستينيات من القرن الماضي كان قسم التمثيل الرغبة الاولى للطلاب يليه قسم الاخراج لكن أحمد متولي اختار ـ على غير عادة الطلاب في ذلك الوقت ـ الدراسة في قسم المونتاج ليكون أول مونتير أكاديمي في مصر· وقد أحب السينما منذ صغره وفهم المونتاج على طريقته فهو من وجهة نظره مرحلة البناء لا مرحلة التشطيب فالمونتير هو القارئ الجيد للسيناريو، ومهندس البناء الذي يعيد ترتيب المشاهد التي صورها المخرج ويحذف منها ما يراه خارجا عن سياق الفيلم ثم يبني المشاهد وفقا لتصاعد دراما الفيلم· أحمد متولي الذي أصبح فيما بعد أشهر مونتير في مصر لم يكتف بالجلوس امام ''الفيولا'' ليقطع المشاهد ويرتبها لكنه كان عضوا بارزا في جماعة السينما الجديدة التي نادت بسينما مختلفة وطالبت بتأسيس العديد من المهرجانات والجمعيات التي تخدم صناعة السينما في مصر· وجاء تكريم المهرجان القومي للسينما المصرية للمونتير أحمد متولي تتويجا لنشاطه الممتد منذ عام 1960 وهو نشاط تشعب في كافة فروع السينما ليصب داخل قناة رئيسية توصل الى سينما مزدهرة تنقل الواقع وتعكس نبض الجماهير· وهو واحد من جيل الستينيات الحالم دائما والمحبط في كثير من الاحيان والذي تذوق مرارة ثلاث حروب فعاش انكسارات الهزيمة وتذوق حلاوة النصر وحقق بعض أحلامه وفشل في تحقيق الكثير منها، وظهرت انجازاته في فترة الثمانينيات والتسعينيات وتميز -كما يقول - بأنه يسبح ضد التيار ولديه اصرار على الحرب والمقاومة بشراسة ويرفض ان يبيع رخيصا وضحى بصحته وحياته من أجل الفن· جيل الزمن الجميل ويرى متولي ان جيله هو جيل الزمن الجميل لكن الجيل السابق له هو جيل الزمن الاجمل وانه ورفاقه كانوا امتدادا للزمن الاجمل الذي أفرز العشرات من العمالقة، والمرارة التي يشعر بها أحمد متولي سببها عدم تماسك الجيل الحالي وعدم قدرته على المقاومة مثل جيله الذي تكاتف وتماسك وقاوم وظهرت بصماته على كل الاصعدة وكانت أهم تجمعاته جماعة السينما الجديدة· أما أمنية أحمد متولي فهي اعادة صياغة المجتمع المدني حتى يظهر جيل لا يعرف الشتات ويفهم في السياسة والاقتصاد ويقرأ في كل المجالات حتى تكون رسالته السينمائية هادفة· وعندما يتحدث احمد متولي عن بداياته يؤكد ان مقالا كتبه كامل التلمساني عن فيلم ''جميلة بوحريد'' جعله يتعلق بالسينما ويحبها، فالمقال كان تشريحا للسيناريو والفكرة والتصوير والاخراج والديكور والاضاءة· ويرفض متولي ان يختلف مونتاج اليوم عن مونتاج الامس فقط اختلفت الآلة التي يستخدمها المونتير، فبعد ان كان يستخدم ''الفيولا'' اصبح يستخدم الكمبيوتر وهو الاسرع لكن محتوى المونتاج لم يتغير· ورفض احمد متولي ان تكون ''الفيولا'' هي آلته التي تفصله عن عصر التكنولوجيا الحديثة، لهذا جلس امام الكمبيوتر يتعلم ودخل بحسه المرهف القديم وثقافته المخزونة منذ عشرات السنين عصرا جديدا اثبت فيه انه قادر على الوصول الى عمق المشاهد ليغازل قلبه ووجدانه بلمساته في المونتاج وليكون القاسم المشترك في أفلام مخرجي السبعينيات والثمانينات والتسعينيات· المسؤول الأول ويعتقد الكثيرون ان المونتاج أقرب لعملية التشطيب اذا تحدثنا بلغة المعمار أو ان مهمة المونتير هي تصحيح الاخطاء التي ترتكب اثناء التصوير او ان المونتاج مجرد ربط ميكانيكي للمشاهد، ويؤكد متولي عدم صحة كل هذه التعريفات ويرى ان المونتاج هو مرحلة البناء الاهم في الفيلم من خلال مادة سابقة التجهيز، او انه كتابة على كتابة أو تأليف ثان مؤسس على تأليف اول، فالمونتير يقوم بتحويل الخطاب الحكائي الى نص سينمائي لذلك يكون المونتير هو المسؤول الاول عن مستوى التأثير الذي يحدثه النص السينمائي في المتلقي وحتى يكون التأثير جيدا لابد ان يشاهد المادة المصورة أكثر من مرة حتى يختار الاسلوب المناسب للتعامل معها· ويستطرد احمد متولي: المونتير لا يستطيع ان يلتزم بالسيناريو حرفيا لأنه لا يتعامل مع مادة مكتوبة ولكن مع مادة مصورة وفي إطار هذه المادة تتحرك اجتهاداته وتخيلاته، والمخرج يقرأ السيناريو بطريقة معينة ويصور الفيلم وفق هذه القراءة حتى لو اختلفت مع الطريقة التي انطلق منها كاتب السيناريو لكن المشكلة هي معاناة المونتير من هذا الاختلاف بين المؤلف والمخرج، وعادة لا يعرف المؤلف بأي طريقة سيتم اخراج عمله، لذلك هناك فجوة بينه وبين المخرج وعلى المونتير ان يسد هذه الفجوة· ويرى احمد متولي ان المونتير يشارك في خلق العمل الفني لأن المونتاج لا يهتم فقط بما هو موجود امامه من مادة مصورة لكن يهتم ايضا بما هو موجود داخل هذه المادة؛ فهناك اشياء غائبة داخل الصورة وعلى المونتير ان يبرزها ويخلق المجازات والاستعارات والرموز فكل لقطة لها دلالة داخل المشهد وكل مشهد له دلالة داخل الفيلم· وحول تصنيف العاملين في مجال المونتاج الى محترفي مونتاج افلام الكوميديا ومونتاج الافلام الاستعراضية او الدرامية قال احمد متولي: انا مونتير محترف ومهمتي التعامل مع كل ما هو سينما كما أحترم وأحب افلام الكوميديا بنفس الدرجة التي أحب بها أفلام الدراما او الاستعراض، والمهم ان تتوفر لها شروط الجدية والمتعة· ومهمتي ان أتعامل مع كل الوان الفن السينمائي وهناك مونتير اكثر تذوقا للموسيقى لذلك يحب افلام الاستعراض وآخر يحب الكوميديا؛ فعندما عملت مونتاج فيلم ''الاصل والصورة'' للمخرج مدكور ثابت رأيت ان الفيلم يستند الى كسر الايهام كما طرحته النظرية البريختية لذلك تعاملت مع الفيلم بالاسلوب المونتاجي المناسب، ووفرت المونتاج الملائم لفيلمي ''سارق الفرح'' و''عفاريت الاسفلت'' للمخرجين داود عبدالسيد واسامة فوزي وهما يعتمدان على منطق الحكاية· الروائي والتسجيلي وتحدث احمد متولي عن الفرق بين مونتاج الفيلم الروائي والتسجيلي فقال: أحترم الفيلم التسجيلي وأحب العمل فيه، إنه تحد للموهبة فهو بالنسبة للمونتير مثل الكلمات المتقاطعة لشخص لديه ثقافة واسعة ففيه أستخدم كل قدراتي الذهنية· والفيلم التسجيلي يتم تأليفه في المونتاج لأنك تكتب السيناريو بالفيولا ولو أعطيت مادة تسجيلية لثلاثة فناني مونتاج فستحصل على ثلاثة افلام مختلفة، وقد تحققت كمونتير من خلال الافلام التسجيلية· وعما اذا كان المونتير يلتزم بترتيب المشاهد في الفيلم وفقا للسيناريو قال متولي: قد يحدث في بعض الاحيان ان أغير تركيبة السيناريو وهذا حدث في فيلم ''موعد مع الرئيس'' للمخرج محمد راضي حيث رأيت اثناء المونتاج ان الشخص الاقوى هو المنتمي للمعارضة والشخص المسلوبة إرادته ونفوذه يمثل السلطة فغيرنا تركيبة الفيلم وحذفنا بعض المشاهد· وفي فيلم ''الانس والجن'' لنفس المخرج حذفت مشهدا للفنان عادل امام لأنه كوميدي والمفروض انه في الفيلم يخيف الناس واقتنع المخرج· أصعب مشاهد وعن أصعب مشهد تعامل معه أحمد متولي قال: هذا المشهد لم يكن في فيلم لي، فقط اضطرتني الظروف أن أستكمل مونتاج فيلم ''أبناء الصمت'' للمخرج محمد راضي بعد مرض المونتير عادل منير، وكان مشهد عبور قناة السويس في السادس من أكتوبر 1973 وهو من المشاهد المعقدة في المونتاج حيث وجدت أمامي عشر ساعات مصورة عن المعارك وعليَّ أن أختار منها تسع دقائق· وعن قدرة المونتير في التعبير عن نفسه في فيلم لم يكتبه ولم يخرجه قال: بإمكاني ان أعبر عن نفسي من خلال مادة الفيلم ذاتها، فالفيلم لا يفلت من احساس المونتير، لأنه يجلس أمام مادة مصورة وعليه أن يؤلف بينها ويعيد بناءها، انه إحساس العازف الذي يعزف مقطوعة موسيقية لم يؤلفها، فلا يوجد عازفان يعزفان نفس النوتة الموسيقية بنفس الطريقة، وحتى في الأوركسترا، تتغير الحساسية من قائد أوركسترا الى آخر وتلك هي البصمة الشخصية، وفي المونتاج·· لديَّ الطريقة التي أستخدم بها المؤثرات الصوتية ووسائل الانتقال من لقطة الى أخرى ومن مشهد الى آخر ولدي الاحساس الشخصي بالزمن والايقاع وانسياب الحركة الخارجية الناتجة عن التعاقب وطرق التركيب والتوليف، كل هذه الاشياء أستطيع ان أترك بصمتي على العمل من خلالها· وعما اذا كانت رؤيته قد اختلفت مع رؤية المخرج قال: ألتزم في النهاية برأي المخرج لأنه المسؤول الأول عن الفيلم لكن من واجبي مناقشته، فالاختلاف بالنسبة لي يمثل نوعا من الاحتكاك واختبار الافكار وانا أتقبل النقد وقليل من النقاد يعطون أهمية للمونتاج· وعن الأشياء التي تشعره بالضيق في الأفلام قال: التفاهة والسطحية والفظاظة والنمطية والتكرار، وتضايقني الافلام التي تحكي موضوعها بطريقة غير سينمائية حتى لو كان موضوعها عبقريا، ويضايقني افتعال الغموض دون مبرر جمالي أو فكري أو التقليد الميكانيكي لبعض الانجازات الاوروبية في مجال السينما دون استيعاب الثقافة التي ولدت من داخلها هذه الانجازات· الإتحاد الإماراتية في 9 أغسطس 2005 |
وسام فرنسي للمخرج يوسف شاهين عمان - ناجح حسن تسلم المخرج المصري يوسف شاهين خطابا من الرئيس الفرنسي جاك شيراك يتضمن منحه وساما فرنسيا رفيعا بدرجة «فارس» لجهوده الابداعية في مجال السينما، وريادته ليس في مصر وانما في العالم، والمعلوم ان مثل هذا التكريم دأبت الرئاسة الفرنسية على تقليده للعديد من الاسماء المشهورة في السينما الفرنسية والعالمية، وللقامات الرفيعة في التمثيل والاخراج، ويعد شاهين احد القلائل ان لم يكن الوحيد من صناع السينما العربية الذي يحظى بمثل هذا الاحتفاء الفرنسي، والذي طالما ان كرمته السينما الفرنسية والمهرجانات الفرنسية وفي مقدمتها مهرجان «كان» السينمائي الدولي، حيث قطف قبل خمسة اعوام جائزة رفيعة عن مجمل اعماله عشية عرض فيلمه «المصير» وهو المخرج الذي طالما حقق افلامه الاخيرة بالتعاون مع الانتاج الفرنسي المشترك او من خلال جهات انتاجية فرنسية مستقلة مثلما تلك الاعمال التي قدمها مع المنتج الفرنسي الراحل اومبير بلزات. ظلت افلام يوسف شاهين من بين الافلام القليلة القادمة من بلدان العالم الثالث التي تلقى حضورا ورواجا على صعيد شباك التذاكر داخل فرنسا نظرا لما تشتمل عليه من موضوعات وقضايا وهموم انسانية بعيدة المرامي والاهداف، ينظر اليها المشاهد الفرنسي بالكثير من الاهتمام والدراسة عن علاقة الشرق مع الغرب عدا عن كونها من المواد الدراسية الرئيسة التي تلجأ اليها المعاهد والجامعات الفرنسية المتخصصة في عرضها امام طلابها لما تكتنزه من اسلوبية فنية وفكرية جريئة مغايرة لافلام السينما العربية السائدة. آثر يوسف شاهين الذي يبلغ من العمر «77» عاما والمنحدر من عائلة ثرية ونال تعليمه في كلية فكتوريا بالاسكندرية قبل ان ينتقل وهو شاب لم يتعد العقد الثاني من عمره الى الولايات المتحدة لدراسة السينما، ان يقدم منهجية سينمائية تختلف عن الفيلم المصري التقليدي الذي كان يقدمه اقرانه من المخرجين، فهو في بداياته الاولى منح اعماله تلك الميزة التي تكتشف موضوعاته عن العائلة وباسلوبية تبدو دقيقة في مجال عمق الصورة والاداء والامكنة، وعندما اخذت افكاره بالنضوج اقتحم بجرأة شديدة غير مسبوقة محرمات السينما المصرية السائدة وعلى وجه الخصوص الثالوث المقدس الدين والجنس والسياسة، فكان عمله التاريخي الضخم «الناصر صلاح الدين»، «جميلة الجزائرية ابو حيرد»، «باب الحديد»، «الارض»، «العصفور»، وفيلم «عودة الابن الضال»، لكنه في منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي بلغ تحديه للثوابت الفنية الفكرية في مجتمعه مما استدعى قيام كثير من البلدان العربية بمنع عرض فيلمه المعنون «اسكندرية ليه» نظرا الى تضمينه تلك الشخصية الايجابية التي يؤدي فيها الممثل الشهير يوسف وهبي ليهودي مصري. كم ان فيلميه «المهاجر» و«المصير» اثارا الكثير من الصخب والجدل بسبب تلك الاشارات والدلالات المحملة لاحداثهما لكن ذلك لم يمنع من تعاطف كثير من الشرائح والنخب العربية من التعاطف معه والدفاع عن افلامه امام تلك الهجمات والسجالات النقدية التي نادت بمحاكمته «اخضع فعلا لاكثر من محاكمة» ومنع افلامه وفي هذه الاجواء لم يكن شاهين بعيدا عن التحولات السياسية التي تشهدها مصر والعالم العربي، فقد ظل ملتصقا مع حركة نبض الشارع السياسي وخاض غمار السياسة من داخل احزاب المعارضة وشارك في فعاليات سياسية تضامنت مع مشكلات فلسطين والعراق وادان الممارسات الاميركية في انحيازها الى اسرائيل وصور اخر افلامه عن شيء من السيرة الذاتية في الولايات المتحدة، مشيرا الى نواحي الغضب التي جعلته بمنأى عن نهج الادارة الاميركية امام اعجابه بالفن والابداع السينمائي فيها. الرأي الأردنية في 9 أغسطس 2005 |