يعرض على الشاشة الكويتية
عرض وتحليل: عماد النويري |
عشرات، بل مئات المرات ربما شاهدت حكاية البطل الذي يأتي من القرية الى المدينة بداية من كشكش بيه عمدة كفر البلاص، مرورا بشكري سرحان في «شباب امرأة»، وعادل امام في «رجب فوق صفيح» وأحمد زكي في «البريء» ومحمد هنيدي في «صعيدي في الجامعة الأميركية»، وحتى محمد سعد في «بوحة»، وفي كل مرة من الممكن ان تتعرف على ملامح هذا البطل القروي مع اختلاف المعالجات، فهو طيب الى حد السذاجة، ونقي مثل ضوء الشمس، وقوي الى الدرجة التي يستطيع فيها ضرب عشرة أشرار اذا استدعى الأمر. وغير ذلك فهو دونجوان كبير تقع في هواه كل نساء الفيلم من دون أي اعتبار للفارق الطبقي. وفي كل الأفلام التي تتعامل مع هذا النوع من الأبطال ستجد حتما مشهدا افتتاحيا يصل فيه البطل الى محطة القطار الرئيسية في المدينة، ومن ثم سيتعرض الى سرقة ما يملك من قبل نصاب محترف. في المدينة سيتعرض البطل الى الكثير من المضايقات، وسيلعب كاتب القصة والسيناريو على التناقضات بين عالمي القرية والمدينة، تلك التناقضات التي تنتج ما بين عالمين مختلفين في الأخلاق والعادات والقيم، وسيكون من السهل خلق الكثير من المشاهد الكوميدية التي تعتمد على تورط البطل في مواقف كثيرة نتيجة الطيبة الزائدة التي يتعامل بها مع الآخرين، وهكذا كانت الحال مع «بوحة». يصل بوحة من قريته الى حي المدبج في القاهرة للبحث عن الثروة التي ورثها بعد وفاة الأب تاجر المواشي عند اتحاد الجزارين وبطريق الصدفة يتعرف بوحة على كبير الجزارين في المدبج حسن حسني الذي يورطه في تجارة اللحوم الفاسدة، ويتفق ضابط الحي مع بوحة ليعمل مرشدا له للقبض على المعلم الكبير، لكن الضابط يفقد ذاكرته فجأة ويُكتشف أمر بوحة الذي تورط بالفعل مع المعلم الكبير، لكن سرعان ما يسترد الضابط ذاكرته لتظهر براءة بوحة في اللحظات الأخيرة، وفي اللحظات الأخيرة أيضا وبعد طول انتظار يظهر الجزار الذي يبحث عنه بوحة، مع الثروة التي ورثها بطلنا والتي جاء للبحث عنها في القاهرة. الصدفة و«ألعب» يلعبان دورا كبيرا في فيلم محمد سعد الجديد، فالصدفة تقود بوحة في بداية الفيلم الى ملهى ليلي وهناك يتجرع بوحة كمية كبيرة من الخمر، وفي نهاية السهرة يجري افتعال مشاجرة تقود بوحة الى القسم، التقى هناك بضابط المباحث، ويلتقي بوحة محبوبته مي عز الدين بطريقة مفتعلة، وبالصدفة تكون هذه الحبيبة صاحبة «زريبة» للمواشي يطمع فيها حسن حسني ليضمها الى أملاكه. وبالصدفة يتعرض ضابط المباحث الى فقدان ذاكرته. واذا بحثنا عن المشاهد الدخيلة والمفتعلة في الفيلم ستجد الكثير منها بداية من المشهد الأول الذي يواجه فيه بوحة أولاد أبواسماعيل مرورا بمشهد تعرفه سهرة الملهى الليلي، وحتى المشاهد التي يغني فيها محمد سعد لمحبوبته وأثناء الغناء لا بد من بعض الوصلات الراقصة. على مستوى الكتابة لا يقدم فيلم «بوحة» أي قيمة اخلاقية، ومن الصعب التعاطف مع البطل الذي يمثل نموذجا سيئا للغاية يعيد صورة الفتى «اللمباوي» الذي قدمه محمد سعد من قبل من خلال شخصية ساذجة لا تتناسق ابدا أقوالها وأفعالها، ولأن الهدف هو تفصيل بعض الأحداث على مقاس النجم، فان الكتابة تفتقد الى وجود حبكة درامية متماسكة ومقنعة. غير ذلك فان الكتابة تتجاهل كثيرا ان البطل القروي القديم قد انقرض على مستوى الواقع. فالقرى الآن عامرة بالمباني الحديثة التي تصل احيانا الى عشرة طوابق والكثير من هذه البنايات يعلوها الدش الذي ينقل ما يحدث في العالم الى بيوت القرويين كما ان الكثير من أبناء القرى اصبحوا الآن يحملون الشهادات العلمية بكل مستوياتها وتخصصاتها، ولم يعد البطل القروي ابدا بمثل هذه السذاجة التي تصورها الأفلام. وعلى مستوى الصورة حاول رامي امام جاهدا ان يقدم معادلا مرئيا لمجموعة من المشاهد المرتجلة لكنه تعثر في ضبط الايقاع العام للفيلم وشعرنا ان هناك الكثير من التطويل في بعض المشاهد، كما شعرنا ان هناك الكثير من المشاهد لا لزوم لها. لكن يمكن الاشارة الى تميز لبلبة في دورها الصغير ولم تقنعنا مي عز الدين كثيرا في دور بنت البلد. وبالنسبة الى محمد سعد فكما يبدو فان رامي إمام رضخ تماما لتوجهات الانتاج في ضرورة تقديم كل الأشياء التي يحبها الجمهور في محمد سعد، ولم يحاول ان يضبط حركة محمد في حدود شخصية «بوحة»، وكان من الطبيعي ان نشعر ان هناك انفصالا بين الكتابة والاخراج. وفي «بوحة» من الصعب التحدث عن محطات تميز يمكن التوقف عندها فليست هناك حركة كاميرا مميزة، وليست هناك اضاءة مبهرة جديرة بالاشارة، وبالتالي ليست هناك تشكيلة لقطة تدل على رؤية اخراجية تسود العمل ككل. خلاصة القول، لا يقدم «بوحة» سوى خلطة تقليدية لموضوع مكرر جرت معالجته على مستوى الكتابة بطريقة مفتعلة وعلى مستوى الاخراج بطريقة عادية للغاية، وعلى رغم كل ذلك فان الفيلم يحقق الكثير من الايرادات على مستوى شباك التذاكر. في واقع الأمر ان محمد سعد يتمتع بقاعدة جماهيرية كبيرة، ومن يدفعون ثمن تذاكر السينما لمشاهدة محمد سعد لا يهمهم كثيرا الكتابة ولا الاخراج هم يرغبون فقط في قضاء وقت ممتع مع نجم يحبونه وسيقبلون حتما بكل ما يفعل وكل ما يقول وهنا تقع مسؤولية كبيرة على علي نجم ألا يكتفي بدور المضحك المهرج، انما مطلوب منه بجانب اثارة الضحك ان يقدم لنا افلاما تحترم العقل. في «بوحة» الكثير من السذاجة على مستوى الموضوع والقليل من العبط والقليل ايضا من الفن الراقي. القبس الكويتية في 9 أغسطس 2005 |
سينما سكوب بقلم أحمد يوسف بوحة زعيم سلخانة السينما المصرية فى كل الأفلام الروائية الطويلة فى العالم كله، هناك نوعان من كتابة السيناريو، ذلك الذى يقوم على بناء الشخصية المرسومة جيدا بحيث يمكن لك أن تتخيلها فى أى موقف درامى فتستطيع أن تتنبأ بردود أفعالها وتصدقها، أما النوع الثانى فهو السيناريو الذى يقوم على الحدث المتسارع إلى درجة التفجر حتى أن الكاتب لا يحتاج إلا إلى أن يرسم شخصياته بأقل قدر من التفاصيل. فى النوع الأول تصنع الشخصية الأحداث، وفى الثانى فإن الحدث هو الذى يقود الشخصية، لكن الأمر يختلف عندنا فى صناعة السينما المصرية عندما ظهر نوع جديد من الأفلام يقوم فيه النجم - الذى لا هو نجم ولا حاجة بالمعنى المتعارف عليه فى العالم كله - بقيادة الشخصية والحدث والمنتج والمخرج والمتفرج وكل من يتشدد لهم، قيادة هى أشبه بما تراه اليوم فى شوارعنا حيث يختلط الحابل بالنابل، وتنتهك كل القواعد، وحيث رفعت دولة اليو- تيرن - بمعناها الحرفى والمجازى معا - يدها عن كل شئ إلا فيما يخص مصالح رجالاتها، وتركت المواطنين: مشاة وسائقين وصناع أفلام ومتفرجين يصطفون مع بعض، وهو الأمر الذى جعل الطريق ممهدا أيضا أمام ظهور سينما اليو - تيرن التى عادت بنا إلى ماقبل اختراع فن السينما أيام الخواجة الفرنسى لوميير، بل اختراع فن الدراما قبل المرحومين إيسخيلوس وسوفوكليس ومن اتبعهما باتقان الفنون الدرامية، ففى الدراما عندنا يمكن أن تقع حادثة فى أى وقت، دون سابق إنذار، وتتوقف الأحداث بسبب الرغبة فى تقديم فاصل من الإفيهات، لكن لأننا شعب لا يقبل العوض -شوف الخيبة!- فإن الأمور سوف تمضى كما لو أن شيئا لم يحدث، ومعلهش ده حديد فى حديد، مع أننا نتحدث دائما عن أن الكارثة السينمائية لا تحدث فى حديد، وإنما فى وجدان الشعب المصرى الذى علاه الصدأ من كثرة ما تعرض للاصطدام بأفلام تخلو من الحد الأدنى من مواصفات الأمان. وقديما كانوا يقولون خبوا عيالكم تخويفا من شخص له آثار جانبية ضارة على صحة الأطفال، أما الآن فأطفال المولات يملأون قاعات العرض مكيفة الهواء ويقرقشون الفيشار ويتجرعون الحاجة الساقعة ويردون على الموبايلات، وهم فى نفس الوقت يحكمون على الأفلام بأنها كويسة أو مالهاش حل إذا استطاعت أن تضحكهم أثناء ممارستهم لهذه النشاطات، لذلك فإن نجوم الإضحاك يتبارون فى تحقيق ذلك، ومن الحق القول أن محمد سعد هو أكثرهم بذلا للجهد فى هذا السبيل كما هو الحال فى فيلمه الأخير بوحة، فهو لا يتوانى لحظة واحدة عن هز وسطه وأردافه وحواجبه، وإذا مشى وقع أو ارتطم بالآخرين، ويبرطم بكلمات مبهمة، وينخرط فى ضرب الممثلين من حوله فى صفعات وركلات ولكمات وروسيات لا تنتهى، وذلك كله ليس إلا حركات تهريجية تنتمى إلى عالم يسمونه -لا مؤاخذة- السلابستيك وهى تلك العصا المشقوقة التى يمسك بها المهرج، كلما انهال بها ضربا على أحد فرقعت العصا بصوت عال تنفجر بسببه ضحكات المتفرجين، وهو كما ترى نوع متدن من الضحك لأنه يعتمد على إيذاء الآخرين، ولعلك تفكر -ومعك الحق- أن التشفى فى الأشرار بهذا النوع من الكوميديا قد يحقق التفريغ النفسى للمتفرج، لكن ماذا يكون الحال إذا كان محمد سعد لم يفرق فى تهريجه المؤذى بين أخيار وأشرار؟ قد تتساءل ياعزيزى القارئ -ومعك الحق أيضا- لماذا نتحدث عن أن محمد سعد هو الذى يفعل ذلك وليس بوحة بطل الشريط الذى أخرجه رامى إمام، سوف أجيبك بأن المأساة تكمن فى أن صناع الأفلام عندنا هم الذين يخلطون بين الشخصية وأسلوب صناعة الأفلام، ومن المفارقات الطريفة أن رامى إمام قدم فيلمه السابق غبى منه فيه عن شخصية إنسان غبي-مع الاعتذار عن عدم دقة التعبير- ليسود الفيلم كله منطق درامى وفنى يتسم بالغباء، ولأن بوحة شخص سوقى غليظ الحس فقد جاء الفيلم كبطله الذى سوف تعجز عن أن تحدد له أى ملامح درامية واضحة إلا أنه وعاء فارغ يفرغ فيه محمد سعد إفيهاته وحركاته. يقول لك الشريط إن بوحة هذا قد فقد أباه وأقام له مأتما لكنه يستمر فى التهريج والقول بأن المعزين محسسيننى إن أبويا مات وعنده تسلخات، لكى يكمل موضة السخرية المقيتة من الموت التى بدأها مبكرا مخرج المرحلة محمد النجار منذ فيلمه الذل وما تزال مستمرة حتى أبوالعربى. لكن سرعان مايقفز الفيلم إلى حدوتة الذهاب إلى القاهرة بحثا عن رجل مدين للأب الراحل بنصف مليون جنيه، ليمضى بعدها الشريط إلى عدة حواديت مثيرة للملل تنسى فيها تماما موضوع هذا الدين حتى تنشق الأرض فى المشهد الأخير عن هذا الرجل الغامض ليعطى بوحة النصف مليون جنيه التى ينتقل بها بوحة إلى مصاف الأثرياء، ويا ليت هذا المبلغ -مادام بوحة يراه باهظا- يكفى محمد سعد أجرا عن فيلمه القادم. أما عن تأليف نادر صلاح الدين - ولا ندرى ماهى حكاية التأليف تلك التى انتشرت فى تيترات أفلامنا بدلا من كتابة السيناريو المعمول بها فى العالم كله- فسوف يجعل بوحة يذهب أولا إلى كباريه لكى يرقص محمد سعد ويغنى، ثم يأخذه إلى السلخانة ليواجه المعلم فرج حسن حسنى وابنه الفافى جابر هشام المليجى بينما يقع بوحة فى حب الفتاة كوته مى عزالدين ويتخانق مع أمها حلويات لبلبة اللتين كما ترى من اسميهما ليستا إلا قطعتين صغيرتين من الذبيحة لذلك فهما شخصيتان ثانويتان فى الفيلم، لكن أرجو أن يدلنى أحد عن السبب فى أن حلويات تؤكد أن بوحة هو الخالق الناطق والد كوته الله يرحمه!! وبالطبع فإن جابر يحب كوته، لكن كوته تحب بوحة، غير أن بوحة محمد سعد لا يحب إلا نفسه فيظل يصول ويجول فى سلخانة الفيلم أو الفيلم السلخانة وهو يقطع أوصال أى حدث أو شخصية، وهو الأمر الذى يجعل قاعة العرض يخيم عليها الملل كلما اضطرت بعض الشخصيات إلى تبادل الحوار، لكن سرعان مايصرخ بوحة -بالمعنى الحرفى للكلمة- ليوقظ الجميع ويواصل من جديد هز وسطه وأردافه ويضحك الجمهور حتى يستلقى على قفاه، ويخرج الجميع مبسوطين، المتفرج الذى سوف ينسى الفيلم تماما بعد أن يغادر قاعة العرض، والنجم الذى يشار إليه بالبنكنوت على رأى عمنا محمود السعدنى، ولا تسأل بعد ذلك عن الشخصية أو الحدث، فإذا كان مقدرا لهذه الشرائط أن يتم تشريحها يوما فلن تجد فيها إلا الفشة والممبار والشغت والسمين الذى لا هو سمين ولا حاجة! العربي المصرية في 7 أغسطس 2005 |