قيس الزبيدي:
دمشق ـ فاطمة شعبان |
من الصعب تصنيف المخرج قيس الزبيدي، فهو بالولادة عراقي الانتماء، وبالإنتاج السينمائي فلسطيني الانتماء، لأنه وجد نفسه دخيلاً في أوطان الآخرين، تشابه مع الفلسطينيين وكانت القضية الفلسطينية موضوعه الأساسي، الذي سرق سنوات طويلة من عمره وما زال· حاول التجريب في السينما التسجيلية في أفلامه، يحاول اليوم جمع الأفلام الفلسطينية التي صورت بصرف النظر من أنتجها، إنه عمل شاق، لكن قيس لا يكل ولا يمل في ملاحقة هذا الموضوع· حول هموم السينما كان لنا معه الحوار التالي: · كيف تشكلت بداياتك وعلاقتك مع السينما؟ كنت أحب السينما وأتابع الأفلام، ولكن علاقتي بالسينما لم تكن علاقة تسلية وتضييع وقت، بل كانت علاقة ثقافية فكرية· كانت السينما تهمني كوسيط بالدرجة الأولى، كفن قائم بذاته مثل بقية الفنون، لها مفاتيحها وخصوصياتها، لها لغتها الخاصة وعناصرها التعبيرية· أدركت هذه الأمور في مرحلة مبكرة من خلال قراءاتي للكتب والمقالات والدراسات النقدية حول السينما، وفي حينها ساعدتني لغتي الإنكليزية الجيدة على قراءتها وترجمة بعضها إلى اللغة العربية، واقتربت منها اكثر عندما توجهت إلى ألمانيا للدراسة· · ما الذي سحرك في السينما وجذبك للبحث والدراسة فيها؟ المونتاج هو ما سحرني في السينما، سحرتني الكتابات حوله، والتي تعتبره ''القوة الخالقة للفيلم''· فقد اطلعت في بداياتي على آراء ودراسات تتناول المونتاج، مثل آراء بودفكين وايزنشتاين، وشدني الموضوع أكثر للاطلاع على آراء كوليشوف الذي يعتبر المعلم الأول لهما وللجيل الذي ينتميان إليه· هذه الآراء والدراسات التي تتحدث عن جماليات فن المونتاج ولكن بأسلوب نظري ومعقد، والتي اعتبرت أن السينما فن تركيبي، فن مركب من فنون متعددة، من الرواية والرسم والموسيقى، واللغات التصويرية ''الهيروغليفية واليابانية''، جذبتني لدراسة المونتاج دراسة متخصصة، وتحقق لي ذلك عندما حصلت على منحة دراسية لدراسة السينما في المعهد العالي في بوتسدام في ألمانيا· خلال دراستي تبين أن الأساتذة كانوا يدرسون المونتاج كحرفة مع بعض المواد النظرية، أما بالنسبة لي كان المدخل لصناعة الأفلام· حواجز متكررة · خلال مسيرتك السينمائية الطويلة قمت بإخراج فيلم روائي طويل واحد ''اليازرلي'' عام ،1974 لماذا لم تكرر التجربة؟ كان عندي عدة مشاريع، حاولت تنفيذها، ولكن التكلفة الإنتاجية للأفلام كانت عالية في تلك الفترة، وفيلم اليازرلي كان من إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، حيث كان المخرجون السوريون، وما زالوا حتى اليوم، ينتظرون بالدور فرصة من هذه المؤسسة، وهم أولى مني إذا أتيحت فرصة فيلم· كما مرت فترات كنت فيها غير مرغوب في هذه المؤسسة كمخرج· كذلك الأمر عندما عدت إلى العراق في السبعينات، لأنني كنت وقتها من الأسماء البارزة طلبوني لتنفيذ مشاريع سينمائية ثقافية، تبين أنها عن إنجازات الثورة والحزب، وأنا قدمت لهم مشاريع سينمائية من نوع مختلف، لم أستطع تنفيذ أي منها بسبب هيمنة الفكر السياسي على مؤسسة السينما في العراق· · ألا تفكر في العودة الآن؟ لماذا أعود، ومن أجل ماذا؟ السينما الفلسطينية · هل اقتصر مشروعك السينمائي على السينما الفلسطينية؟ في الحقيقة أنا لم أخطط لذلك، ولكن هكذا صار· لأنني لم أعد ولم أعش وأشتغل في العراق، صرت أينما ذهبت أعتبر ''دخيلا''، وعلى اعتبار أن الفلسطيني أيضاً هو دخيل على الأوطان التي يعيش فيها، وجدت نفسي ومشروعي السينمائي في الموضوع الفلسطيني، وكان أول فيلم ''بعيداً عن الوطن'' عام ·1969 اشتغلت بعدها على خطين، خط الأفلام التسجيلية الوثائقية، وخط تجريبي كوسيلة تعبير في السينما، اشتغلت فلمين عن فلسطين اعتبرهما من الأعمال المهمة في مسيرتي السينمائية، وهما من الأفلام التجريبية البحتة، فيلم ''الزيارة'' عام 1970 وهو فيلم روائي قصير، وفيلم ''شهادة للأطفال الفلسطينيين في زمن الحرب'' عام ،1972 والتجريب في هذا الفيلم كان هذا اللقاء بين الفن التشكيلي والسينما· عندما عملت مع منظمة التحرير الفلسطينية، كنت مسؤولاً عن قسم السينما في دائرة الثقافة والإعلام، قمت بإخراج عدد كبير من الأفلام التسجيلية والوثائقية كان أهمها ''وطن الأسلاك الشائكة'' عن الاستيطان، وفيلم ''فلسطين سجل شعب''، وفيلم ''صوت الزمن الصامت'' تناول موضوعه المحامية الإسرائيلية فاليسيا لانغر التي كانت تدافع عن الفلسطينيين· وأصبح كل عملي كمخرج منصبا على سينما القضية الفلسطينية، حتى عندما عملت في المونتاج مع مخرجين آخرين، كانت أغلب الأفلام التي اشتغلت عليها تتناول الموضوع الفلسطيني· توثيق السينما · ما مدى أهمية مشروع ''توثيق السينما الفلسطينية'' الذي تعمل عليه منذ سنوات؟ حقيقة أثناء عملي على عدد من الأفلام التسجيلية والوثائقية الفلسطينية، والتي تعتمد بالدرجة الأولى على الوثيقة التاريخية وليس التصوير، اكتشفت أهمية الوثيقة وتوظيفها في دعم وتوضيح القضية الفلسطينية· الشعب الفلسطيني غير معترف به كشعب له وطن اسمه فلسطين، ولكنه يملك تاريخاً والصور الفوتوغرافية والسينما تفند نظرية أرض بدون شعب، وتثبت أن هذه الأرض لها شعب، وهذا الوطن هو وطن الفلسطينيين، وبالتالي تاريخ وهوية الشعب الفلسطيني موثقة ليس بالكتب التاريخية فقط بل بالمشاهدة أيضاً· لذلك كان من المهم جمع كل الوثائق السينمائية التي تثبت الحق الفلسطيني والحفاظ عليها· أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 سرقت إسرائيل الوثائق التي جمعت في مؤسسة السينما الفلسطينية، والوثائق في مؤسسة صامد، والوثائق التي صورتها وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ''الاونروا'' في المخيمات الفلسطينية ما بين عامي (1949 و1980) هذه الوثائق كانت في حقيقة الأمر حياة الشعب الفلسطيني· لذلك أصبح مشروعي بعد 1982 البحث عن نسخ أو أصول هذه الأفلام الفلسطينية المفقودة، وعندما أتيحت لي فرصة الحصول على دعم لمشروعي من ألمانيا، بدأت بحفظ الأفلام التي وجدتها في الأرشيف الاتحادي الألماني، واستطعت خلال بحثي الوصول إلى أفلام عن فلسطين اشتغلها مخرجون أوروبيون ناصروا القضية الفلسطينية، واستطعت جمع وحفظ حوالي 70 فيلما كانت معرضة للتلف· كما اشتغلت في نفس الوقت على مشروع تأسيس أرشيف وطني فلسطيني يضم الأفلام التي صنعت عن القضية الفلسطينية، ونتيجة البحث الذي امتد لسنوات استطعت حتى الآن أن أرصد 790 فيلما عن فلسطين والقضية الفلسطينية من جميع أنحاء العالم، أفلام فلسطينية وعربية وعالمية· معظم هذه الأفلام ليس تحت تصرفنا في الوقت الحاضر، ولكن في حال تم بناء أرشيف فلسطيني ستكون هذه الأفلام ملك للأرشيف، تحفظ فيه وتخضع للدراسات، ويمكن عرضها على الناس مستقبلاً· أزمة السينما العربية · في السينما العربية ظاهرتان، سينما النخبة الممولة من الدولة أو من جهات أجنبية وتفتقد الجمهور، وسينما تجارية تعاني من ضغط المنتج من أجل الشباك على حساب المضمون، برأيك هل تعيش السينما العربية أزمة بصرف النظر عن انتمائها لهذا الاتجاه أو ذاك؟ هذا التقويم ليس دقيق تماماً، لأنه متى خرجنا من دائرة المألوف والتقليدي الذي يجد جمهوره بسهولة حسب مقولة ''الجمهور عايز كده'' وأن شباك التذاكر هو المعيار، عندما نخرج من هذه الحلقة للبحث عن جمهور آخر تبدأ المشاكل، بما أن أي فيلم سيكون مكلفاً فهو سيشكل خسارة للمنتج وبالتالي لا يسمح بهكذا مغامرة· أما سينما القطاع العام التي تمولها الدولة، والتي تعتبر أن السينما ليست مجرد وسيلة تسلية فقط بل وسيلة فنية وثقافية، يسمح فيها المجال للربح والخسارة، ولكن يدخل هنا مجال آخر لا علاقة له بالرقابة المالية، إنما الرقابة الفكرية والسياسية، وتصبح هناك أمور يمكن تناولها وأخرى لا يمكن تناولها، سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد الأخلاقي والاجتماعي· وبالتالي هناك صعوبات تواجه المخرجين سواء عملوا في القطاع الخاص أو في القطاع العام· · برأيك، هل دفع هذا المنطق بعض المخرجين للبحث عن تمويل خارجي، أو للعمل ضمن ما يسمى سينما المخرج ـ المؤلف؟ نشأت ظاهرة سينما المخرج ـ المؤلف في فرنسا لأسباب موضوعية وضرورية، حيث يكون المخرج نفسه هو الكاتب الذي يتحدث عن موضوع وعالم يعرفه هو، ولا يأخذ موضوعا من أحد غيره، يخرج تصوراته عن هذا العالم وينفذها سمعياً وبصرياً· هذه الظاهرة التي انتهت في أوروبا، نشأت في بلداننا العربية أيضاً تحت ظرف موضوعي، نتيجة تراكم كم كبير من الكوادر والخبرات السينمائية، الذين درس أغلبهم في الخارج، في الوقت الذي لا تزال فيه نسبة الإنتاج السينمائي في هذه البلدان سواء في القطاع الخاص أو العام ضئيلة جداً ولا تقارن بالإنتاج العالمي· على سبيل المثال في بلد مثل سوريا تعثر قطاع الإنتاج السينمائي الخاص وانتهى عملياً، أما القطاع العام ممثلاً بالمؤسسة العامة للسينما لم ينتج خلال أربعين عاماً من عمر المؤسسة أكثر من أربعين فيلماً· هذا التراكم دفع عددا من السينمائيين العرب إلى الهجرة إلى أوروبا وكندا، وحاولوا بشتى الطرق أن يخرجوا أفلاما عربية بتمويل فرنسي أو ألماني أو كندي، وحتى هذه الأفلام رغم أنها عربية الموضوع ومن إخراج وتمثيل عرب، لا يمكن اعتبارها أفلاماً عربية، لأنه كما هو معروف من يملك أو ينتج البضاعة فهي تنتمي إليه· الإتحاد الإماراتية في 9 أغسطس 2005 |