كتاب ومخرجون.. في سنة أولي سينما: قليل من الصعوبات.. كثير مـن الأحلام تحقيق ــ زينب هاشم |
التجربة الأولي هي الحلم الأول الذي تنكشف ملامحه, وهي التي تحدد شكل الخطوات التي تليها.في كل موسم سينمائي تظهر لنا العديد من الوجوه الجديدة في مجال الكتابة والإخراج السينمائي, تستحق علي الأقل تقديمها والاحتفاء بها, علي الرغم من تحفظ الكثير من النقاد والصحفيين علي نجوم هذه التجارب, لكن الخطوات الأولي ترتبط دائما بالصعوبات, حتي تتحقق وعن الصعوبات التي واجهت المخرجين والكتاب في أفلامهم الأولي تحدثوا إلينا في هذا التحقيق. حمادة يلعب هو الفيلم الذي تم به افتتاح أفلام هذا الموسم, وهو بطولة أحمد رزق وغادة عادل وعدد كبير من ممثلي الأدوار الثانوية, وقام بإخراجه سعيد حامد, ويعتبر العمل التجربة السينمائية الأولي للسيناريست مجدي الكوتش, وإن كانت له تجارب من قبل ولم تر النور, لكن حمادة يلعب كان أولها في الظهور, وقبل البدء في التصوير أو حتي أثنائه, بني السيناريست أحلاما عريضة لما يحمل الفيلم من مضمون جديد, وربما هذا الإحساس اتفق فيه معه مخرج الفيلم وبطله أحمد رزق, والذي كان الفيلم هو تجربته الأولي في البطولة المطلقة. يواصل الكوتش كلامة: قبل فيلم حمادة يلعب كانت لي تجارب في سيناريوهات عديدة, لكنها لم تر النور, وجاء التفكير في فيلم حمادة يلعب تحديدا عندما اتصل بي المنتج والمخرج مجدي الهواري منذ سنتين, عندما كان يقوم بإنتاج فيلم الباشا تلميذ, وكان يفكر في تقديم فيلم لأحمد حلمي كان وقتها مجدي في باريس, وعندما اتصل بي كان يطلب مني كتابة سيناريو لأحمد حلمي, لكنني قلت له إنني لا أعرف الكتابة من أجل نجم, لكن قد تعجبني فكرة أو موضوع ثم أكتب لها سيناريو, وبعدها انتهيت من كتابة المعالجة الدرامية لنفس فكرة حمادة يلعب. وجلست أنا وأحمد حلمي والمنتج مجدي الهواري, وأيضا المنتج طارق صيام الذي كان يشارك في الإنتاج, لكن المشروع لم يكتمل. ثم توقف المشروع نهائيا وذهب أحمد حلمي لتصوير فيلم صايع بحر, واحتفظت بالسيناريو إلي أن قابلت أحمد رزق وعرضته عليه, ووافق علي تصويره, ثم تقدمنا به إلي المنتج سامي العدل, وعندما سألته عن أسباب فشل الفيلم في تحقيقه لإيرادات؟ وهل هي نقص في الخبرة نظرا لتجربته الأولي؟ قال: احترامي لكل الموجودين حاليا والأسماء العظيمة فهم كلهم من مخرجين وكتاب سيناريو ونجوم من نفس جيلي, وربما ظهروا بعدي بكثير, لأن بدايتي كانت عام1999, وأنا خريج قسم سيناريو معهد سينما, لكن المسألة ليست في الخبرة, لكن الفيلم ظلم توزيعيا وإنتاجيا برغم إيماني الشديد بأن كل تجربة ولها سلبياتها وإيجابياتها, لكن للأسف السلبيات هنا كانت كثيرة جدا, لأن الفيلم كان ينقصه الإبهار, فهو عمل يتحدث عن المسابقات ووسائل الإعلام, وهذا النوع تحديدا كانت تلزمه عناصر إبهار كثيرة للمتفرج, وهذه الجزئية خاصة بالمخرج سعيد حامد, وأيضا الجهة الإنتاجية لأنه كان لابد من أن يتم الصرف بشكل جيد علي الفيلم, وهذا يتضح أكثر في مشاهد الفيلم التي تم تصويرها في بيروت, فبعد مشاهدة الفيلم لم يتضح للجمهور أن هذه المشاهد تم تصويرها في بيروت, ولم يشعر أحد بأن هذا المكان هو بيروت من الأساس, أي أن الفيلم لم يأخذ حقه إنتاجيا, لذلك جاءت المشاهد ضعيفة. إلي جانب أيضا أن الفيلم تم عرضه في توقيت مقتول, وهو نفس التوقيت الذي تم فيه عرض فيلم ملاكي إسكندرية, لكن ملاكي كان70 نسخة, وحمادة يلعب39 نسخة, لكن حمادة منذ البداية كانت الجهة الإنتاجية تضع في بالها بأنه لن يحقق إيرادات, وهو ما جعل المنتجين يقتلون الفيلم بمحض إرادتهم, لأن نفس الجهة المنتجة التي قدمت حمادة يلعب قدمت أيضا ملاكي إسكندرية. لدرجة أن أفيشات حمادة كان يتم نزعها من الشوارع بعد عرضه بوقت بسيط, حتي الإعلان الذي كان يصدر في الأهرام صدر مرتين فقط. يأتي بعد ذلك فيلم الحاسة السابعة الذي تقاربت إيراداته مع إيرادات حمادة يلعب, لكنه تفوق عليه بنسبة بسيطة, ويحمل هذا الفيلم تجربتي سيناريست ومخرج لأول مرة, وقام ببطولته أحمد الفيشاوي, ورانيا الكردي, اللذان يتحملا عبء البطولة لأول مرة, وعن التجربة يقول أحمد مكي مخرج الفيلم وخريج معهد سينما عام2003: فيلم الحاسة السابعة هو أول تجربة روائية طويلة لي, وهو بالأساس كان فيلما قصيرا كتبته وأخرجته ليكون مشروع التخرج لي في معهد السينما, وكانت مدته8 دقائق, وحصلت من خلاله علي العديد من الجوائز من مهرجانات محلية ودولية من إيطاليا والأرجنتين وكوريا والصين وفرنسا, وأيضا مهرجان كليرمون فيران الذي يعد أكبر مهرجان للأفلام القصيرة في العالم, وقبل هذا الفيلم الذي قدمت فيه الحاسة السابعة, قدمت فيلما آخر وكان مشروع تخرجي في معهد السينما في السنة الثالثة, وهو فيلم ياباني أصلي الذي نال رضا وإعجاب النقاد, وكانت بداية التفكير في تقديم فيلم طويل بعد مشاهدة النقاد لفيلمي الأول, عرض علي أكثر من منتج أن أشاركه فيلما سينمائيا, لكنني أجلت التفكير في ذلك حتي الانتهاء من سنوات المعهد, وفي السنة الرابعة حاولت تقديم عمل يعتمد علي التكنيك والكوميديا, وجاءت كل العروض تطلب تحويل الفيلم القصير إلي فيلم طويل, وهو ما حدث مع الحاسة السابعة, وجاءت نتيجة الفيلم الطويل مطابقة لـ%55 منه ما كنت أحلم به لفيلمي الأول, وذلك بسبب ظروف إنتاجية خاصة بشركة الإنتاج للفيلم, للأسف كانت هذه الظروف موجودة منذ بداية التصوير لدرجة أنها كانت تتحكم في كوني سأبدأ في التصوير أم لا يتم التصوير علي الإطلاق, وهو ما أدي إلي أن الفيلم تم تصويره في وقت قياسي جدا, فتم تصوير مشاهد الأكشن بالكامل في8 ساعات فقط, ليس ذلك, بل كنا نقوم بتصوير من85 إلي90 شوطا يوميا, وبعد عرض الفيلم نال إعجاب الكثيرين الذين أشعروني بأنه فيلم مرض لكل الأذواق, إلي جانب أن التعليقات التي كنت أستمع إليها هي أنه أول فيلم مناسب للأجيال الحديثة وطلبة الجامعة تحديدا أعجبهم الفيلم وموضوعه. لكن إيراداته جاءت عكس المتوقع بسبب أن شركة إنتاج الفيلم قدمت30 نسخة فقط, كان أغلبها للأقاليم, ولا يتعدي منهم الـ15 نسخة في مصر, أي أن التوزيع قتل الفيلم, وهناك دور عرض مهمة جدا لم يعرض فيها الفيلم من الأساس. حمادة يلعب وعن سرقة الفيلم من فيلم أجنبي وهوwhatwomenwant أكد أن الفيلم ليس مسروقا من أي فيلم آخر, بل فقط قمنا بأخذ الفكرة والأفكار ليست حكرا علي أحد, والمهم هو كيفية معالجتها, أما كاتب سيناريو الفيلم محمد جمعة الذي قام بإخراج عدد كبير من أغاني الفيديو كليب, ومنها أغنية كلمتك كتير التي قدمتها بطلة الفيلم رانيا الكردي تم تصويرها خصيصا ليتم تقديمها ضمن أحداث الفيلم, لكنه لم يحدث ذلك يقول: شاركت مكي كتابة هذا العمل, لأنني سبق وكتبت مشاريع تخرج كثيرة لأصدقائي, وأنا وأحمد مكي مخرج الفيلم تعودنا كتابة مشاريع مشتركة من قبل. كتجربة أولي الفيلم معقول, وحقق إيرادات جيدة, لأنه مختلف, وبالتأكيد أثرت ظروف العرض وتوزيع الفيلم علي إجمالي الإيرادات, أما عن الخوف من التجربة فلست أنكر أنني كنت مرعوبا منذ البداية, لكن أنا مؤمن بأننا لابد وأن نقدم ما علينا, ونجتهد, والتوفيق في النهاية من عند الله, وكل ما هدفنا إليه هو أننا لدينا فكر جديد نرغب في إظهاره للجميع, والحمد لله تحقق هذا الهدف, حتي لو كانت هناك سلبيات من وجهة نظري كانت أهمها أنني شعرت بأن الفيلم طويل قليلا, لكن كتقييمي للتجربة فهي جاءت بنسبة%70 مرضية عما كنت أتوقع. وأنا سعيد لأنني أري الفيلم هايل وأحمد مكي كمخرج هايل, وسعيد أيضا لأني بدأت الدخول إلي السينما في سن صغيرة. ويبقي من الأفلام التي تحمل التجربة الأولي سواء في التأليف أم الإخراج فيلم حرب أطاليا, الذي عرض منذ يومين, ويقوم ببطولته أحمد السقا ونيللي كريم, وخالد صالح وخالد أبوالنجا, والمذيعة رزان مغربي, وهو عمل فرض عليه صانعوه السرية والكتمان منذ بدء التصوير, وعن العمل يقول الكاتب والصحفي والسيناريست حازم الحديدي الذي يقدم أولي تجاربه السينمائية في التأليف, وكانت له من قبل تجربة في فيلم عربي تعريفة مع الراحل علاء ولي الدين, يقول حازم الحديدي: حرب أطاليا فيلم جديد ومختلف علي السينما المصرية, وهو فيلم درامي تشويقي, شخصية البطل فيه شخصية محامي, وهو شخص يرغب في الحصول علي حقه, ومن خلال محاولات متعددة ستكشف الأحداث عن ما إذا كان هذا الشخص نجح في الوصول إلي هدفه أم لا, وذلك بعد المرور بمحاولات تتسبب في دخوله في أزمات, كل أزمة منها تدخله في أزمة أخري بشكل أشبه بدوامات الملاهي. وعن تجربته مع فريق العمل قال: تجمعنا صداقة قوية أنا وأحمد السقا والمخرج أحمد صالح, وكثيرا ما كنا نحلم بالعمل في تجربة واحدة, إلي أن جاءت الفكرة من خلال هذا الفيلم. والفيلم أيضا هو التجربة الإخراجية الأولي لأحمد صالح. الفيلم مأخوذ من اسم لعبة شهيرة قديمة يعرفها الكثيرون, وهي تقوم علي الذكاء الشديد, وهي أشبه بحرب ذكاء ووجدنا أحداث الفيلم مبنية علي هذه الجزئية, سواء كان في الدراما أم الشخصيات, ومن هنا جاء اسم الفيلم, والأساس الدرامي هنا هو الغموض الشديد والأحداث التي تأتي علي عكس المتوقع دائما مما يؤدي إلي وجود تشويق وإثارة. أما الخوف من التجربة علي اعتبارها التجربة الأولي بالنسبة لي, فكان الرعب الحقيقي قبل التصوير في فترات التجهيز للعمل, لكن مع بدء التصوير اتضحت الأمور, وبدأ الفيلم يتضح علي الورق, ويبقي فقط المجهود في توجيه الممثلين خاصة أن الفيلم مختلف, وعندما عرضته في البداية علي مدير التصوير طارق التلمساني بعد قراءته للسيناريو, قال أنت سارق الفيلم ده منين, وبعد ذلك عبر عن سعادته الشديدة بالسيناريو وبالفكرة خاصة بعد تأكده من أن الفيلم هو نتاج أفكار حازم الحديدي وليس مأخوذا عن فيلم أجنبي. وعن بداية علاقته بالسينما يؤكد أحمد صالح أنه بدأ العمل كمونتير في شركةfimalcut, ولم ينف خوفه الشديد من تجربته السينمائية الأولي, لكن الذي يشجعه أن مخرج بحجم كمال الشيخ بدأ علاقته السينما من خلال المونتاج, وأيضا جاء فيلمه الأول الذي ينتمي لنوعية أفلام الإثارة والتشويق* الأهرام العربي في 6 أغسطس 2005 |
ضوء ... أين عبقرية السينما الأمريكية ؟ عدنان مدانات شاركت مؤخرا في ندوة جمعت بعض المهتمين بالنقد، دار موضوعها حول التذوق السينمائي. وقد أعلنت في تلك الندوة موقفا شخصيا سلبيا من السينما الأمريكية عامة، استنكره بقية المحاورين إذ بدا لهم موقفا شديد التطرف. قلت في حينه إنني لا أحب السينما الأمريكية ولم أعد أطيق مشاهدة أي فيلم أمريكي مهما كان نوعه، سواء أكان فيلم مغامرات أم فيلما عاطفيا، وإنه قد تكونت لدي قناعة بأن الأفلام الأمريكية باتت متشابهة، وتعتمد أساليب إخراج نمطية تتكرر من فيلم لفيلم، يجملها النقاد بتعبير واحد هو “السينما الهوليودية”. ولا يتعلق هذا التشابه بالقصص والمواضيع والتوجهات الأيدلوجية والدعائية لصناعة السينما الأمريكية، بل يتعلق تحديدا بطرق الإخراج القائمة على زوايا التصوير الحادة والانتقال السريع من اللقطة العامة جدا، إلى اللقطة القريبة جدا والإيقاع المونتاجي السريع المصحوب بضجيج المؤثرات السمعية والاعتماد المتزايد على المؤثرات البصرية، وغير ذلك من أساليب تتكرر بوصفها أنماطاً في الأفلام الأمريكية، وأن هذه الأنماط الإخراجية المتكررة موجودة في مختلف الأنواع الفيلمية المعتمدة في الاستوديوهات الأمريكية الكبرى، ومن يشذ عنها من المخرجين الأمريكيين يتهم بتأثره بالسينما الأوروبية أو ببعض السينمائيين الأوروبيين. وقد عثرت بعد فترة من انعقاد هذه الندوة على كتاب مهم بعنوان “خفايا نظام النجم الأمريكي” (ترجم للعربية ونشر ضمن منشورات الهيئة العامة للكتاب في القاهرة)، من تأليف الباحث السينمائي بول وارن الذي سبق له أن عمل مدرسا للسينما في المعهد العالي للسينما في مصر في أوائل سبعينات القرن العشرين، ثم انتقل بعد ذلك إلى كندا ليعمل أستاذا للسينما في إحدى جامعاتها. والكتاب مخصص لدراسة نمط واحد من الأنماط المتكررة التي تعتمد عليها صناعة السينما الأمريكية يصفه بأنه “تكنيك لقطة رد الفعل”. يقول بول وارن في مقدمة كتابه الذي تعرّض فيه دراسة وتحليلا للعديد من نماذج الأفلام الأمريكية المتنوعة، القديمة والحديثة: “لا جدال في ان الفيلم الشعبي الأمريكي له وقعه الساحر على المشاهدين في كافة أنحاء العالم. وسأحاول ان أبين في الصفحات التالية أن هيمنة السينما الأمريكية تعود أساسا وإن لم يكن الأمر قاصرا على ذلك بالطبع إلى تكنيك بسيط وفعال تماما، تم صقله بكل براعة على مدى العقود الماضية. وأعني بذلك لقطة ردة الفعل”. ويؤكد بول وارن في الفصل العاشر من الكتاب الذي يدرس فيه تأثير المخرج الكلاسيكي الأمريكي فرانك كابرا على السينما الأمريكية أن “لا جديد تحت كشافات الإضاءة في استوديوهات لوس أنجلوس الكبرى”. ويقتبس بول وارن في فصل سابق رأيا شديد الطرافة ورد في كتاب بعنوان “أمريكا المصنوعة سينمائيا” للمؤلف روبرت مسكلار يؤكد فيه المؤلف أن “إنتاج فيلم في استوديوهات هوليود لا يختلف البتة عن إنتاج سيارة في أحد مصانع ديترويت”. ظلت السينما الأمريكية التقليدية لسنوات طويلة مهيمنة على أسواق العرض التجارية في العالم، ونظرا لتمرس صناعة السينما الأمريكية في أساليب التشويق السينمائي، فقد تمكنت من تشكيل الأذواق السينمائية لعامة السينما وفق شروطها. بالتوازي مع الفترات الطويلة التي ظلت فيها السينما الأمريكية تهيمن على الأسواق وتبتدع في سبيل ذلك تقنيات جديدة كي تحافظ على استمرارية قدراتها على التأثير في جماهير المشاهدين وتشكيل أذواقهم وآليات استقبالهم النفسية و”البصرية” للأفلام المعروضة عليهم، كان فن السينما (وليس التقنيات المستخدمة في صناعة الأفلام)، يتطور في دول العالم الأخرى، على أيدي مخرجين عباقرة أو مخرجين مجددين كبار، وتتبلور وتتطور مدارس وتيارات أسلوبية طليعية، تؤكد بمجموعها وبتنوعها روعة الفن السينمائي وآفاق تطوره غير المحدودة، فيشيد بها المثقفون وهواة السينما الفنية، ولكن دون أن تلقى صدى لدى الجمهور العام. وفي الحقيقة، فإنه على الرغم من وجود مئات المخرجين السينمائيين الأمريكيين ممن أثبتوا براعتهم الحرفية وصنعوا أفلاما مهمة لم تفقد أهميتها رغم تقدم الزمن، فإن أفلامهم لم تخرج ولم تبتعد عن الأنماط السائدة، هذا في حين أن عدد المخرجين السينمائيين الأمريكيين الذين قدموا إنجازات غير مسبوقة واكتشافات مهمة ومميزة وتاريخية تتعلق بالإمكانيات الفنية الكامنة في وسائل التعبير السينمائية (أو “لغة السينما”، حسب التعبير الشائع) لا يزيد على أصابع اليد الواحدة، وفي العادة، وعند استعراض أسماء المخرجين الأمريكيين الذين يمكن اعتبارهم عباقرة، يميز الباحثون في الإنجازات التي تحققت عبر تاريخ السينما اسمي اثنين من المخرجين، أولهما دافيد يورك غريفت الذي يطلق عليه عن حق لقب “أبي السينما” (وأفضل أفلامه الطويلة “مولد أمة” عام 1915 و”التعصب” عام 1916)، ومع ذلك فقد تخلت عنه صناعة السينما الأمريكية ونبذته لأنه حاول أن يبقى، كما كان في الأصل، مخرجا مستقلا في قراره الفني، مجددا مكتشفا وليس مخرجا منفذا لتقاليد بدأت تفرضها الاستوديوهات الكبرى التي صار يتحكم في أفلامها المنتجون وليس المخرجين، والثاني المخرج أورسن ويلز الذي عُدّ مخرجا عبقريا منذ أخرج في العام 1940 أول أفلامه الطويلة وهو لا يزال شابا في الخامسة والعشرين من العمر، بدون خبرة عملية سابقة، وهو فيلم “المواطن كين” الذي يوصف بأنه الفيلم الأعظم في تاريخ السينما العالمي، ولكن إنجازه التاريخي هذا ظل، للأسف الشديد، إنجازا يتيما لم يتكرر على الرغم من استمرار أورسن ويلز في إخراج الأفلام المهمة. من المعروف الآن أن تقنيات صناعة السينما في أمريكا وصلت في الزمن الحالي وبفضل التقنيات الإلكترونية الرقمية إلى مرحلة تطور صار فيها استخدام المؤثرات السمعية والبصرية المبهرة العنصر الأهم في تكوين الأفلام، مما قلل من دور المخرجين لمصلحة خبراء الكمبيوتر العاملين في الأفلام وكذلك المصممين الفنيين. مقابل هذه السينما المتطورة تقنيا، بدأ العالم يتعرف الآن إلى أنواع أخرى من السينما تنتج أفلاما بسيطة التكاليف، بالكاد تجد فيها أي دور للتقنيات الرقمية ومؤثراتها الخاصة، ولكنها ملأى بالفن الجميل والشعر والعاطفة الصادقة والعمق الفكري، سينما تحمل بصمات أسلوبية خاصة بمخرجيها، سينما تجيء من بلدان مثل إيران والصين وكوريا والبرازيل وبعض دول أوروبا وغيرها، يكتشف المتفرجون من خلالها الوجه الإنساني للسينما. الخليج الإماراتية في 8 أغسطس 2005 |