"يا من تذهب سوف تعود" الإسكندرية/ أسامة العيسة |
يعيد متحف دائم لأعمال السينمائي المصري شادي عبد السلام، في مكتبة الإسكندرية الحياة لأفلامه وتصميماته المختلفة. وأطلقت المكتبة على المتحف اسم (عالم شادي عبد السلام)، ويضم المتحف صورا من أفلام عبد السلام، واسكتشات وضعها لتصاميم مناظر وملابس لأفلام نفذت وأخرى لم يتمكن من تنفيذها، بالإضافة إلى قاعة للعروض السينمائية تبث بشكل دائم الأفلام السبعة التي أنجزها عبد السلام وهي (المومياء، والفلاح الفصيح، وأفاق، وجيوش الشمس، وكرسي توت عنخ امون، والأهرام وما قبله، وعن رمسيس الثاني)، إضافة إلى أفلام وبرامج تسجيلية عن عبد السلام الذي لم يعرف جماهيريا ولكنه حقق إنجازا فنيا خصوصا في فيلمه (المومياء) والمعروف أيضا باسم (ليلة إحصاء السنين)، والذي لفت إليه الأنظار بشدة من قبل نقاد عرب وغربيين، ورأوا فيه إرهاصا لظاهرة سينمائية جديدة. مع أبي سيف وآخرين ولد شادي عبد السلام عام 1930، وسافر إلى باريس ولندن وعمره 19 عاما لدراسة المسرح ولكنه لم يتمكن من ذلك، وتخرج في كلية الفنون الجميلة قسم عمارة عام 1954، وكان أستاذه المعماري الشهير حسن فتحي، وبين عامي 1957-1960 عمل مساعدا للإخراج مع صلاح أبو سيف، وهنري بركات، وحلمي حليم. وعن ذلك كتب شادي نفسه "جاءتني الشجاعة يوما وطرقت باب صلاح أبو سيف في بيته..قلت له أريد ان اعمل في السينما وذلك بعد ان عرفته بنفسي..ولم يفتني ان اذكر له أنني جاره فنحن نسكن في شارع واحد بالزمالك..رحب بي صلاح أبو سيف وكنت معه في الأستوديو كل يوم". وأضاف "في أول فيلم وكان فيلم (الفتوة) عام 57-1958 تقريبا كنت شبه متفرج..العمل الذي قمت به مجرد تدوين الوقت الذي تستغرقه كل لقطة، ثم عملت معه بعد ذلك مساعد مخرج في أفلام (الوسادة الخالية) و(الطريق المسدود) و(أنا حرة) وعملت بعدها مع الأستاذ بركات ثم الأستاذ حلمي حليم في (حكاية حب) وفي هذا الفيلم عملت الديكور لان مهندس الديكور كان غائبا..نجح الديكور ويبدو انه لفت الأنظار فجاءتني عقود عمل أفلام أخرى. وخلال عامي 1960-1967 صمم ديكورات وأزياء 12 فيلما مصريا، من بينها وإسلاماه، وعنترة بن شداد، وألمظ وعبده الحامولي، والخطايا، وشفيقة القبطية، ورابعة العدوية، وأميرة العرب، وأمير الدهاء، وبين القصرين، والسمان والخريف، وأضواء المدينة. في السينما العالمية وساهم عام 1964 في تصميم ديكورات فيلم (كليوباترة) الذي أخرجه الفنان العالمي جوزيف مانكوفيتش، ولم تكن تجربته الأولى مع أفلام من هذا النوع، ففي عام 1965 عمل مستشارا تاريخيا للديكور والأزياء في فيلم (فرعون) من إخراج كافليروفيتش، وبعد عامين صمم ديكورات وملابس الفيلم الدرامي التسجيلي (الصراع من اجل البقاء) إخراج روبرتو روسيلليني. وعن تجاربه هذه في السينما العالمية كتب شادي يقول "لم احتك بمانكوفيتش مخرج كليوباترة كثيرا، ولكنني عرفت كافليروفيتش مخرج فرعون جيدا، فقد علمني هذا الفنان الكثير والكثير ولن أنسى انه أول من شجعني على الوقوف وراء الكاميرا اذ جعلني اخرج إحدى لقطات فيلمه..ان العمل في فيلم كليوباترة كان أشبه بالعمل في مصنع أما العمل في فرعون كان أشبه بالعمل في مدرسة". وعن عمله في فيلم (الصراع من اجل البقاء) إخراج روبرتو روسيلليني كتب عبد السلام "عملت مع روسيلليني في فيلم عن الحضارة، وترك روسيلليني في نفسي تأثيرا لم يتركه احد غيره من الناحية الفكرية، واليه يرجع الفضل في تحقيق رغبتي في الانتقال إلى مهنة الإخراج". وهو ما كان فمن هذه التجارب العالمية جاء عبد السلام إلى فيلمه الروائي الأول (المومياء) أو (ليلة إحصاء السنين)، وهو فيلم مركب عن استكشاف الهوية المصرية الممتدة إلى الفراعنة من خلال موضوع بيع الآثار المصرية في السوق السوداء، وإدانة الروايات الأجنبية التي تبرر نهب الآثار بحجة حمايتها. المومياء والفلاح وعن هذا الفيلم كتب عبد السلام "كنت قد قرأت قصة اكتشاف الموميات في الدير البحري لأول مرة عام 1956 وهي التي أصبحت موضوع أفلامي عام 1963، وأنا في بولندا أثناء العمل في فيلم فرعون، قد جعلني الحنين إلى مصر أفكر في هذا الموضوع في ليلة شتاء باردة جدا قلت لنفسي أين هذا المناخ من مناخ مصر، ومن هنا بدأت رحلة المومياء في عقلي". ويضيف عن مراحل انشغاله بهذا الفيلم الذي أصبح مرادفا لاسمه "بدأت اكتب السيناريو في البداية كان فيلما واقعيا تقليديا أطلقت عليه (دفنوا مرة ثانية) ثم (ونيس) ولكني كنت ابحث عن الشكل المناسب تماما للتعبير عن نفسي، وفي مارس 1968 بدأت التصوير". وعن هذا الفيلم كتب شريف محي الدين مدير مركز الفنون في مكتبة الإسكندرية "من المعروف أن شادي عبد السلام ساهم مساهمة رئيسية في وضع السينما المصرية على خريطة العالمية من خلال فيلمه الروائي الطويل المومياء وأفلامه الستة القصيرة الأخرى، ورغم قلة عدد هذه الأفلام، ولو كان قد اتيح لفيلم المومياء فرصة العرض في أي من مهرجانات السينما الدولية الكبرى لفاز بأكبر جوائزها، ولكن استقبال كبار النقاد في مصر والعالم العربي يعادل اكبر الجوائز". وفي عام 1970 أنجز فيلمه الروائي الثاني (شكاوي الفلاح الفصيح) عن حكاية فرعونية قديمة ويصف عبد السلام الفيلم بأنه "صرخة من اجل العدالة، والبردية التي تضمنت هذه القصة عمرها أربعة ألاف سنة ومكتوبة بمنطق يمكن القول بأنه منطق حديث". وبعد ذلك نجز عبد السلام سلسلة أفلام تسجيلية عن موضوعه المفضل وهو الفراعنة، وبدا في عام 1979 تصوير فيلم الحصن وفي عام 1980 بدا تصوير فيلم بعنوان (الدنداراوية) ولكن الفيلمين لم يتما. حلم لم يتحقق ومن اشهر أفلام عبد السلام فيلم لم ينجزه ولم يبدأ بتصويره أصلا، هو فيلم (مأساة البيت الكبير) عن شخصية اخناتون، الفرعون الذي لم ينته الجدل حوله حتى الان، ويظهر المتحف الجهد الذي بذله عبد السلام في تصميم ديكورات الفيلم وملابسه وإنجاز اسكتشات لها وكتب السيناريو له عدة مرات ولكنه لم ينفذه لعدم وجود التمويل. وعمل عبد السلام في مشروع هذا الفيلم عشر سنوات، ومات بعد أن أنجز معظم الديكورات والمناظر والملابس. وعن هذا الفيلم كتب عبد السلام "أنا من مواليد المنيا وكان لهذه المنطقة تأثير كبير علي، وإذا قرأت عن تل العمارنة سوف تعرف أنها بلد الشمس، وقد شيدت على أجمل طراز معماري، وكانت المدينة مخططة وفيها أشجار وحدائق، وكنت اقرا ذلك كله، وعند زيارة المنطقة تجدها خرائب ولا توجد فيها جدران..مأساة حقيقية محزنة..وكنت أقرا كثيرا عن تل العمارنة ومن هنا جاء التفكير في فيلم اخناتون". وأضاف وكان ذلك عام 1983 "الفيلم جاهز للتصوير تماما وكان من الممكن تنفيذه منذ عدة سنوات ولكني أجاهد لإخراجه منذ عشر سنوات وأرجو ان أخرجه قريبا". ولكن رجاء عبد السلام بدده الموت، حيث فارق هذه الحياة عام 1986، وفي نفس هذا العام كتب وكأنه يلخص سيرته وهويته "لقد حافظت على نفسي طوال حياتي من التلوث التجاري..كنت ابني نفسي بالقراءة والبحث والتعلم، ولقد مررت بلحظات كثيرة من الضيق الشديد نتيجة انني لا اعمل..إن العمر نطاق محدود جدا..انني لا اعمل السينما على أنها شيء استهلاكي..ولكنني اعملها كوثيقة تاريخية للأجيال القادمة". عالم خاص وهناك من هذه "الأجيال القادمة" من امن بفكر وموهبة عبد السلام مثل شريف محي الدين مدير مركز الفنون في مكتبة الإسكندرية الذي كتب في الكتيب التعريفي بمتحف شادي عبد السلام "هناك إجماع بين السينمائيين والتشكيليين في مصر والعالم العربي على الأهمية الكبيرة لإبداع شادي عبد السلام مصمما للديكور والأزياء، كاتبا للسيناريو ومخرجا سينمائيا له عالمه الخاص والمتميز المرتبط بتراث الحضارة المصرية القديمة، والتراث القبطي والإسلامي لمصر في نفس الوقت". وأضاف "لذلك قررت إدارة مكتبة الإسكندرية شراء مكتبة الفنان وأصول تصميماته للديكورات والأزياء، وتصميماته للأفلام التي أخرجها، والتي لم ينفذها". وهو عمل مهم يستعيد أعمال فنان قال عن نفسه بأنه صاحب قضية، حيث كتب عبد السلام "منذ ان بدأت اعمل وأنا اعتقد ان لي قضية..قضيتي هي التاريخ الغائب أو المفقود..الناس الذين نراهم في الشوارع والبيوت..في الحقول والمصانع..لهم تاريخ..هؤلاء الناس اغنوا الإنسانية..كيف نعيدهم للدور نفسه، كيف نستعيد مساهمتهم الايجابية والقوية في الحياة، لا بد أولا ان يعرفوا من هم؟ وماذا كانوا؟ وماذا قدموا؟ لا بد ان نوصل بين إنسان اليوم وإنسان الأمس لنقدم إنسان الغد. هذه هي قضيتي". استهل شادي عبد السلام فيلمه المومياء بالقول: يا من تذهب سوف تعود يا من تنام سوف تصحو يا من تمضي سوف تنبعث وها هو يعود إلى الإسكندرية التي نشا فيها بهذا المتحف. موقع "إيلاف" في 6 يوليو 2005 |
ألف وجه لألف عام - «هنري الخامس» للورانس اوليفييه: المسرح والسينما معاً إبراهيم العريس المسرح وحده... السينما وحدها. المسرح يموت أمام السينما، أم المسرح والسينما معاً في حياة متجددة؟ كل هذه الفرضيات بُحثت وأُجريت سجالات حولها منذ اخترع فن السينما ورأى كثر انه الفن الأقرب إلى المسرح، فيما رأى آخرون أنه الفن البديل لفن المسرح. تنوعت الآراء، في هذا المجال بتنوع أصحابها، وكانت الحماسة على قدر حماسة كل فنان لفنه. وطبعاً نعرف أن الشيء نفسه سيقال في صدد السينما والتلفزة و»الصراع» الذي يفترض انه قام بينهما منذ اختراع التلفزة وحلولها في عالم الصورة المتحركة، ولو جزئياً، مكان السينما. غير انه كان هناك دائماً فنانون عرفوا كيف يمزجون بين الوسيلتين الفنيتين، منطلقين أول الأمر في تحرك كان يبدو هرطوقياً، غير مقبول من المتحمسين لكل واحد من الفنين، واصلين في النهاية الى توطيد رأيهم. وفي مجال العلاقة بين المسرح والسينما، سار كثر على هذا المنوال، بحيث يمكن القول إن ثمة أفلاماً هي عبارة عن مسرح مؤفلم، كما أن ثمة مسرحاً لا يتوقف فن السينما عن أن يستخدم، وبإبداع غالباً، فيه. لكن النتاج الأفضل والاهم في هذا الإطار، يبقى مساهمات سير لورانس اوليفييه في أفلمة الأعمال الشكسبيرية، وعلى الأقل حتى ظهور اورسون ويلز، واشتغاله هو الآخر على أعمال شكسبير سينمائياً... في أعمال خالدة مثل «عطيل». وإذا كان فنانون كثر اختاروا كيف يدنون سينمائياً من فن شكسبير، فان لورانس اوليفييه لم يبد أبداً مثل هذه الحيرة. فهو، منذ البداية قرر ألا يبتعد من المسرح كثيراً، وألا يضحي بلغة المسرح لمصلحة لغة السينما. بالنسبة إليه ستقوم السينما بتصوير المسرح كمسرح، أي أنها لن تستعير النص والأجواء لتحولهما عملاً له لغة سينمائية خاصة، بل ستطلب من الكاميرا أن تصور ما تراه على الخشبة أمامها، من دون أي ألعاب أو خدع فنية... اللهم إلا حين تلتقط الكاميرا، وسط مشهد يقدم كما هو، مشاهد مقربة لوجوه معينة أو لتفاصيل ذات دلالة في خدمة النص المسرحي نفسه. ولقد سمي هذا الأسلوب، تحديداً، «المسرح المؤفلم» وأريد فيه ان تكون الكاميرا مجرد عين المتفرج المسرحي. * والحال ان لورانس اوليفييه وصل الى ذروة أسلوبه هذا، حين حقق للسينما، في العام 1944 فيلماً عن مسرحية ويليام شكسبير «هنري الخامس»، وكان اوليفييه عين في ذلك الوقت بالذات مديراً لمسرح أولدفيك الشكسبيري اللندني العريق، في وقت كان اغرم فعلاً بفن السينما، ممثلاً متفوقاً، ولكن مخرجاً أيضاً في بعض الاحيان، وكان سبق له ان خاض تجربتين اميركيتين، مسرحية وسينمائية لا بأس بهما. ومن هنا كان من أول نشاطاته حين أصبح مديراً للأولدفيك، أن يستخدم مهاراته السينمائية المكتسبة لخدمة المسرح. وكانت النتيجة، حرفياً، سينما تخدم المسرح بالفعل. * كان الأساس بالنسبة إلى اوليفييه، إذاً، أن يصور مسرحية «هنري الخامس» وهي تقدم مسرحياً. ومن هنا بدلاً من أن يدفع كاميراه الى الغوص في أحداث المسرحية التاريخية، فضّل أن يوجهها، منذ بداية الفيلم، نحو مجموعة مفترضة من ممثلي مسرح «القلوب» (مسرح شكسبير الشهير)، كما كانت حالهم في العصر الاليزابيثي عند نهاية القرن السادس عشر، أيام كان شكسبير نفسه يكتب المسرحيات ويخرجها ويمثلها، مركزاً اهتمامه خلال تلك الحقبة المبكرة على مسرحيات تروي فصولاً من تاريخ انكلترا. إذاً، ما لدينا منذ بداية هذا الفيلم، هو الإطار التاريخي للنشاط المسرحي الشكسبيري، وليس الإطار التاريخي لأحداث المسرحية نفسها. والكاميرا هنا، عند هذه البداية تتوقف مع الممثلين والتقنيين وهم يستعدون لتقديم المسرحية، قبل أن تقدم هذه الأخيرة بالفعل، لتعود بنا الأحداث قروناً إلى الوراء، أي الى زمن هنري الخامس، وذلك إذ تصور لنا الكاميرا راوياً يتولى رواية هذه الأحداث في صور متقاطعة مع الجمهور في الصالة، ومع ما يدور في كواليس المسرح، لنجد أنفسنا انطلاقاً من تلك اللحظات داخل الفعل التاريخي الذي يدعونا الراوي الى دخوله مستعينين بما لدينا من مخيلة. * وهكذا، إذاً، نحن الآن في العام 1415، وفي بلاط انكلترا، حيث لدينا الملك هنري الخامس وهو يستعد لشن الحرب ضد المملكة الفرنسية... ونعرف هنا أن الأسطول الانكليزي يمخر عباب البحر في اتجاه مدينة هارفلور الساحلية الفرنسية. وهذه المدينة سرعان ما تستسلم... لتليها معركة آزنكور الشهيرة بين الانكليز والفرنسيين، وهي المعركة الضخمة التي تمكن فيها المشاة الانكليز من دحر الخيالة الفرنسيين على رغم أن هؤلاء كانوا يفوقون أعداءهم عدداً. وتكون النتيجة أن ينتصر هنري الخامس ليعلن نفسه ملكاً على فرنسا، ويتزوج الحسناء كاترين... وإذ يتم للملك هذا، نعود نحن المتفرجين، على الشاشة، الى زمن إليزابيث الأولى أي إلى زمن شكسبير، لنكتشف أننا إنما كنا نشاهد المسرحية.. أما الكاميرا فتجول هنا من جديد بين الممثلين والتقنيين، وفي أوساط الجمهور الجالس يتفرج في الصالة وقد استبدت به النشوة وعلا تصفيقه. * كان هذا الأسلوب الذي به اختار سير لورانس اوليفييه أن يمزج بين هواه الأول والأكبر في حياته: المسرح الشكسبيري، وبين فن السينما الذي كان من الذين وجدوا لديه إمكانات تعبيرية كبيرة. ولسوف يقول اوليفييه لاحقاً انه إنما شاء منذ بداية تفكيره في المشروع، أن يقدم عملاً هو عبارة عن «فيلم وثائقي» يصور كيفية تقديم مسرحية تاريخية لشكسبير: فيلم عن الممثلين، وعن الألعاب المسرحية، عن الجمهور وعن المشاعر. والحقيقة انه نجح في هذا الى حد مدهش، بحيث إن الفيلم لا يزال حياً الى يومنا هذا. بل يقال عادة، انه لولا تدخلات اورسون ويلز الشكسبيرية اللاحقة، لكان من شأن لورانس اوليفييه أن يعتبر من أعظم ناقلي شكسبير الى شاشة السينما، خصوصاً انه شاء أن يتعامل معه ككاتب مسرحي، لا ككاتب سيناريو سينمائي (كما ستكون حال كثر، لاحقاً، من الذين اقتبسوا شكسبير سينمائياً). ولقد اعتبر النقاد دائماً أن جرأة لورانس اوليفييه هي بالتحديد في اختياره أن يقدم العمل ككل بصفته مسرحية تمثل والكاميرا تصورها، ما مكنه من أن يحل التناقض الذي كان مفترضاً وجوده بين ضرورة الأداء المسرحي وإمكانية المرونة السينمائية. ومن هنا ما قاله الناقد الفرنسي اندريه بازان من أن جمال هذا العمل يكمن في أننا نحس بأن اوليفييه نقلنا الى الزمن الشكسبيري ليقدم عملاً وثائقياً عن ذلك الزمن، ما أدى إلى إلغاء كل الإيهام بالواقع ومخادعاته. * وسير لورانس اوليفييه، الشكسبيري الانكليزي الأصل، عرف بأعماله المسرحية، كما عرف كممثل سينمائي متميز نجده يلعب أدواراً أساسية في بعض الأفلام الكلاسيكية مثل «مرتفعات وذرنغ» و»ريبيكا» (من إخراج مواطنه ألفريد هتشكوك) و»المخبر» الذي كان من آخر أفلامه. أما كمخرج فانه نقل الى الشاشة أعمالاً شكسبيرية كبيرة، منها «هاملت» و»عطيل»، ولكن خاصة هذا الفيلم «هنري الخامس» الذي يعتبر دائماً من كلاسيكيات السينما الانكليزية... وواحداً من أفضل ما نقل من أعمال شكسبيرية على الشاشة. الحياة اللبنانية في 6 يوليو 2005 |