لائحة الأفلام العنصرية تطول يوماً بعد يوم عندما تصنع هوليوود أعداءها كتب- خالد الرويعي |
عندما عرضت دور السينما عام ٦٩٩١ فيلم )قبلة المساء الطويلة( أو كما جاء في عنوانه الأصلي (The Long Kiss Goodnight) من تمثيل صموئيل جاكسون وجينا ديفيز لم يكن أحد ليسلم بـ)الخزعبلات( التي ترويها هوليوود، كحال أفلام حرب النجوم مثلاً أو هجوم الكائنات الفضائية على الأرض، لم يكن أحد ليصدق خرافات )رامبو( في فيتنام او أفغانستان أيضا، بل كانت القراءات لحظتها تتجه لتفكيك مفهوم )السوبرمان( الأمريكي ودوره في مجتمعه، لقد كابرت هوليوود شأنها شأن السياسة الأمريكية تماماً وذلك بتعزيز مفهوم )الأمركة( للعالم وتجذير ثقافة )الماكدونالد(، وكل ذلك بالتأكيد كان له الأثر في تعزيز قدرات الحرب الهوليوودية الباردة أيضا ضد السوفيت، ولذلك فإن نظرية هوليوود والعرب والغزو الثقافي والكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع يسقط للوهلة الأولى عندما نرى تعاملها أيضا مع الأمم الأخرى والأقليات في امريكا خصوصا، ولعله لم يسلم أحد البتة من عنصرية هوليوود مع اي شعب كان، فالعربي والمسلم صنوان التخلف، والروسي خائن والهنود شعب غبي، واليابانيون والصينيون بشعون يحبون الدم والعنف، إلى غيرها من )الهرطقات الغبية( ضد شعوب العالم. وبالرجوع إلى أسئلة من نوع )لماذا يكرهوننا؟( التي روجت لها السياسة الأمريكية إبان أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ستكتشف يوماً بعد يوماً أنها أسئلة غبية من النوع الذي يصلح لفيلم رخيص. فأسئلة من هذا النوع كانت لتكتشف منذ أن وصفت هوليوود )وبكامل غباءها( تخلف العرب وأنهم مثلاً يأتون إلى مجمع السيف على ظهر جمل، أو أنهم يركبون )الدراجة النارية( وهم يعتمرون )الغترة والعقال(، وكلها حقيقة أسئلة غبية تحث على الكراهية أيضا لفرط السذاجة التي تقع فيها مؤسسة مثل هوليوود. ولكن مالذي يجمع هوليوود والسياسة الأمريكية في بئر واحدة؟ هذا السؤال أتركه لزعمي بأني أخاف السقوط في )غباء هوليوودي متكرر( أو ربما أسقط في خرافة مقولة )الغزو الثقافي(، ولكني سأحاول النظر إلى كل ذلك بعين المرتاب أيضا. أعود للحديث عن فيلم )قبلة المساء الطويلة( الذي يرسم السيناريو الأصلي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.. المشهد يجمع بين صموئيل جاكسون وجينا ديفيز وأحد كبار عملاء الاستخبارات: العميل):مخاطباً جاكسون وديفيز1993 ( المركز التجاري الدولي.. التفجير.. هل تذكرون؟ أثناء المحاكمة، احد المشاركين أدعى أن المخابرات المركزية تعلم مسبقاً بالأمر، الدبلوماسي الذي أصدر التأشيرات للأرهابيين كان من مكتب المخابرات.. ليس بالأمر الذي يصعب التفكير فيه، فهم مهدوا الطريق للتفجير لتبرير زيادة التفجيرات. جاكسون: تقصد انك ستقوم بعملية ارهابية كاذبة. لموافقة الكونغرس على زيادة الأموال؟ العميل: لسوء الحظ يا سيد.. ليس لدي فكرة اكذب بها عن مقتل أكثر من أربعة آلاف، لذا يستوجب أن نقوم بها حقيقة.. وبالطبع ننسبها للمسلمين.. وهكذا.. أحصل على مخصصات مالية. كما أحيل القارئ هنا أيضا لمشاهدة الأفلام التالي: قرار إداري : Executive Decision بطولة )ستيفين سيجال( وفيه يقوم الإرهابيون )المسلمون( بخطف طائرة ركاب و تهديد من عليها بالقتل، ويظهر هؤلاء الإرهابيون وهم ملتحون ويتكلمون العربية فيما بينهم. أكاذيب حقيقية :True Lies بطولة )أرنولد شوازنجر( و فيه يقوم الإرهابيون (المسلمون بإطلاق صاروخ نووي على فلوريدا. الحصار :The Siege وهو فيلم صور المسلمين والعرب بأنهم إرهابيون، من بطولة بروس ويليس وديزيل واشنطون. وبمشاهدة هذه الأفلام بالتأكيد ستحضون بمشاهدة طيبة. الأيام البحرينية في 2 أغسطس 2005 |
لماذا هوليوود ليست هي الشريرة! على أية حال، هذه الادعاءات ليست واقعية، وفقا لمجرى الأحداث. فهوليوود لم تستغن عن النمذجة أبداً. وما حصل هو قيامها بتحسين صورة بعض هنود أمريكا والسوفييت أو التخلي عن تصويرهم نهائياً. حيث يعتبر الجمهور ذلك ظلماً وشيئاً بالياً. أما المجموعات الأخرى، والتي لا تزال صحيحة وواقعية مثل إرهابيي الشرق الأوسط، والمافيا الإيطالية، وعصابات الجريمة المنظمة الروسية وآخرين كثر، فلا تزال هوليوود تصورهم، وجميعهم ظهروا في الأفلام الأخيرة، وذلك لسبب منطقي هو أن مثل هذه الصور تعكس حقائق معروفة بالنسبة لمشاهدي هذه الأفلام. أضف إلى ما سبق مجموعة أخرى من النماذج التي تم تصويرها في الأفلام على امتداد السنوات الماضية )مثل رجال الأعمال اللا أخلاقيين، السياسيين والضباط الإنكليز المثقفين عديمي الرحمة، المحامين اليهود الطماعين العدوانيين، جنرالات الجيش الأنذال، عصابات الشوارع من السود.( فمن الواضح أن تصوير نماذج معممة لشرائح واسعة من البشر يعتبر جزءاً من السياسة التجارية لهوليوود. ولأن الإرهاب ضد الأمريكيين قد نفذ بأيد عربية ومسلمة، فهناك أرضية واقعية لأفلام من مثل أكاذيب حقيقية (1994)، قرار تنفيذي (1996) والحصار (1998)، وهي التي تكسب هذه الأفلام الحد الأدنى من الوثوقية المطلوبة من المشاهدين كي يصدقوها. يروي فيلم »أكاذيب حقيقية« قصة إسلاميين يخططون لتفجير أجهزة نووية في الولايات المتحدة. أما فيلم »قرار تنفيذي« فيعرض خاطفي طائرة إسلاميين يخططون لنشر السموم القاتلة في الولايات المتحدة. ويحكي فيلم »الحصار« عن مجموعة إسلامية تشن هجمات مروعة على نيويورك. ولا تعدم هذه السيناريوهات جميعها احتمالات وقوعها، بل إن بعضها قد حدث فيما بعد. و لا عجب أن كتاب السيناريو قد ركزوا على حقائق معروفة من قبل جمهورهم، وببساطة لا مفر من الحقيقة القائلة أن الشرق الأوسط يعج بالمجموعات الإرهابية. وهذا يفسر لماذا وقعت أحداث GI Jane عام ٧٩٩١ في ليبيا مثلا، وليس في كوستاريكا. وأيضا لماذا كان الإرهابيون في فيلم »أكاذيب حقيقية« شرق أوسطيين، وليس اسكندنافيين. حتى فيلم »القوة دلتا«، الذي وصفه واكيم عن حق بأنه هجوم بلا مبرر على العرب، يستقي أحداث حصلت بالفعل )القتل العلني لرهينة أمريكي، عزل اليهود والإسرائيليين عن باقي ركاب الطائرة.( وباختصار، إن الشخصيات والحالات النموذجية يجب أن تكون متوقعة في الأعمال الشعبية، ولا يكون استخدام النماذج عرضة للاستنكار ما لم يكن بدون أسس واقعية. وإلا سيكون من المستحيل تصوير النازيين أو الإمبرياليين اليابانيين من دون التعرض للاتهام بالعنصرية أو التحقير. ورداً على الاتهام بأننا لا نرى يهوداً أو سوداً يتم تصويرهم بهذه الطريقة، نقول بأنه عندما يأتي اليوم الذي نرى فيه أسامة بن لادن يهودي أو محمد عطا أسود، فإننا على الأرجح سنرى نماذجهم تعرض على الشاشة. ستشكك هوليوود قليلا في تفسير وحشية حراس السجن الأمريكيين في العراق. إذ لا توجد أبدا حرب خالية تماما من الفظائع، فما بالك بقسوة من النوع الذي أبداه الحراس. وبدون مساعدة هوليوود، مارست الجيوش والمليشيات أعمال أكثر بشاعة في بعض القارات، ليس أقلها في الشرق الأوسط نفسه حيث حظيت جرائم نظام الإبادة الجماعية لصدام بتغطية أقل من جرائم الحراس الأمريكيين، على سبيل المثال. فإذا كانت هوليوود هي المشتبه به، فإن جورج بوش هو كذلك أيضا. وسواء اعترف بأن اجتياحه للعراق كان للإطاحة بصدام أم لم يعترف، فإن جورج بوش إن كان فعل شيئاً فهو أنه خرج عن الطريق لتجنب الهجوم على الإسلام. بالفعل، فإن بوش، بوصفه الإسلام كدين سلام غالبا، وبقوله أن إرهابيي القاعدة هم مرتدين عن الإسلام، قد خاض في حقل هو من اختصاص الأئمة أو الباحثين أكثر منه للسياسيين. إن قوله هذا يخدم هدفا سياسياً بدون شك، لكنه لا يخدم من يحاول نفي تهمة العنصرية. إن نقد السياسة والثقافة الشعبية الغربيتين، الذي أضحى مجالا لتفسير أمراض الشرق الأوسط، قد صيغ بلغة منصفة وتعددية. ومن جهة ثانية، أصبح شكلاً من أشكال التستر على علل الدين، إما بالإنكار أو باللوم. وكلا الأمرين لا يساعد على إرساء فهم عام له. الأيام البحرينية في 2 أغسطس 2005 |